تخطي إلى المحتوى
مصادرة الحريّات والخوف من الكلام…”الغرب” يكشف عن انحيازه مصادرة الحريّات والخوف من الكلام…”الغرب” يكشف عن انحيازه > مصادرة الحريّات والخوف من الكلام…”الغرب” يكشف عن انحيازه

مصادرة الحريّات والخوف من الكلام…”الغرب” يكشف عن انحيازه

قُمعت التظاهرات المؤيدة لفلسـطين بينما سُمح لتلك الإسرائيلية في دول عدة، أبرزها فرنسا وألمانيا، حتى صارت انتصاراتنا تتمثل في وقفة تضامنية في الساحات العامة! إذ تمت تسمية المؤيدين لفلسطين والمتعاطفين مع المدنيين في غزة بالمتعاطفين مع حماس!.

في صف اللغة وكجزء من الحوارات التي من شأنها تنمية مهارة المحادثة لدى الطلاب والطالبات، تناقش زميلتي الألمانية معلمتنا الإسبانية عن التباين الغربي في التعامل مع الأزمات واللاجئين، تتساءل إن كانت إسبانيا قد فعلت ما قامت به ألمانيا حين منحت الأوكرانيين حقوقاً وتسهيلات واسعة مقارنة بالتعامل مع اللاجئين من أفريقيا والشرق الأوسط.

تواصلنا أنا وزميلتي التي عادت إلى ألمانيا، لأسألها عن حقيقة قمع التظاهرات المؤيدة لفلسطين هناك وعن مشاعرها تجاه ذلك، تجيبني بأنها تشعر بالغبن والحسرة على هذه القرارات الصادمة!

منذ اندلاع الحرب وأنا أستيقظ يومياً لأتابع كم مدني بقي حياً في غزة، وكم قيداً وضع على حرياتنا في هذا العالم، لاحظ كثيرون منا انهيار معايير الصحافة خلال السنوات الأخيرة، لكن ما بلغناه خلال تغطية هذه الحرب هو الانهيار بذاته.

منذ  السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كل ما يحدث استثنائي، ابتداءً من هجمة حماس المفاجئة للجميع، إذ اخترقت النظام الأشرس والأشهر باختراقاته الإلكترونية والأمنية، مروراً بالتصريحات السياسية الدولية التي انحرف بعضها إلى حد التمييز واعتبارها مواقف دينية، انتهاءً بالممارسات الإعلامية المنحازة الى الطرق الإسرائيلي، وهذا برأيي الحلقة الأبرز هنا.

منذ اندلاع الحرب وأنا أستيقظ يومياً لأتابع كم مدني بقي حياً في غزة، وكم قيداً وضع على حرياتنا في هذا العالم

تكميم أفواه وحرب السرديات

تداولت تقارير صحافية أن شبكة “إم إس إن بي سي” الأميركية، علقت العمل مع 3 من مذيعيها “المسلمين” الذين بدورهم لم يعلقوا بعد على هذا القرار بداية، ولا موجة الانتقادات الهائلة التي طاولتهم، لتنفي القناة لاحقاً هذا الاتهام، خصوصاً أن اثنين من المذيعين لا يزالان يقومان بعملهم، وواحد منهم (علي فلشي) كان في إسرائيل يغطي ما يحدث من هناك.

 “بي بي سي” بنسختها العربية تحقق مع 6 من صحافييها بسبب تغريدات عن فلسطين، فيما اعتدت الشرطة الإسرائيلية تحت تهديد السلاح على صحافيي “بي بي سي” أثناء تغطيتهم في تل أبيب.

 خسر الإعلام العربي مصوّر رويترز عصام عبدالله، الذي قتل أثناء أداء عمله، إثر ضربة إسرائيلية، كما أصيب زملاؤه الذين كانوا معه في المكان ذاته. كذلك، هاجم عناصر الشرطة الإسرائيلية مراسل التلفزيون العربي أحمد دراوشه على الهواء مباشرة أثناء تغطيته أخبار الحرب. 

عوقب في إيطاليا المدافع الحقوقي المصري باتريك زكي، الذي أصدر كتابه بعنوان “أحلام وأوهام الحرية، قصتي”، بإلغاء لقاء تلفزيوني ومشاركته في معرض الكتاب في تورينو وكلمة الافتتاح في مهرجان السلام ببريشا، هذا كله بسبب تغريدة وصفت نتانياهو بـ”القاتل المتسلسل”، بينما ما زال الضغط الشعبي المصري مستمراً على لاعب ليفربول الدولي محمد صلاح، ومطالبته بتصريح تضامني مع الخسائر البشرية والأوضاع اللإنسانية في غزة، فهل يرضخ صلاح ليلقى مصير بنات حديد؟.

 انتشر خبر قطع رؤوس 40 طفلاً إسرائيلياً كالنار في الهشيم، ليغطي الصفحة الأولى من صحف عالمية من دون أي تحقق أو البحث عن مصادر وأدلة إضافية، ورغم تكذيب الخبر، وسائل إعلام  كثيرة لم تعتذر بل وبعضها لم يمحُ الخبر من حساباته الإلكترونية، بينما لم تأخذ ضربة أودت بحياة نحو 70 من النساء والأطفال الفارين من غزة امتثالاً لآوامر إسرائيل، حقها في التغطية، وعجبي كيف ينقلون الأخبار غير المؤكدة ويتجاهلون المؤكد منها!.

العواصم الأوروبيّة… ساحات الاشتباك

 قُمعت التظاهرات المؤيدة لفلســطين بينما سُمح لتلك الإسرائيلية في دول عدة، أبرزها فرنسا وألمانيا، حتى صارت انتصاراتنا تتمثل في وقفة تضامنية في الساحات العامة! إذ تمت تسمية المؤيدين لفلسطين والمتعاطفين مع المدنيين في غزة بالمتعاطفين مع حماس!.

ولا أعرف لماذا وسط كل هذه التطورات وتباين معايير الحرية، تحضرني أصوات مراسلي تغطية الحرب الأوكرانية – الروسية، وحديثهم عن انحيازهم الى الأوكرانيين الذين يشبهونهم بعكس العراقيين والسوريين والأفغان، تُرى هل كانت تلك البداية؟

وسط كل هذه العبثية الإعلامية التي تابعناها، غرد الصحافي الإسباني أنطونيو مايستري، “حاولت إسرائيل بأقمارها الاصطناعية في إسبانيا أن تساوي أي دفاع مع فلسطين وإدانة لإسرائيل بالدفاع عن الإرهابيين، لقد فشلوا لأن الكثير منّا كانوا حازمين ولم يسمحوا لأنفسهم بأن يخضعوا للترهيب، لأن الحقيقة قوية جداً، لكننا سنتذكر أولئك الذين كانوا جبناء وروجوا لمحاولة إسكات وترهيب من لا يلتزمون بالرواية الدعائية الإسرائيلية، وسنتذكر أولئك الذين لم يريدوا أن نتحدث لا عن الاحتلال الإسرائيلي ولا عن نظام الفصل العنصري”.

كتبت كارين عطية مقالاً في “واشنطن بوست”، تحت عنوان “لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونتابع إسرائيل ترتكب الفظائع”، المقال قد لا يكون سوى قطرة أمل وسط محيط، حاولت خلاله الكاتبة الحياد ومعادلة الأطراف رغم صعوبة الأمر، تساءلت خلاله عن فجاجة سؤال القنوات التي تستضيف الفلسطينيين للاستماع إلى شهاداتهم بعد خسارة ذويهم، عما إن كانوا يدعمون حماس، بينما لا يُسأل إسرائيليون عن تأييدهم مقتل المدنيين الفلسطينيين على أيدي عملاء دولتهم! فضلاً عن إثارتها نقطة التلاسن الحاصل دولياً، بين أولئك الذين يدعمون سلامة مواطني إسرائيل فيُتهمون بأنهم مستعمرون صهاينة، في حين يُتهم أولئك الذين يدعمون سلامة وحقوق الإنسان للفلسطينيين بأنهم متعاطفون مع حماس.

 بطبيعة الحال، الاتهامات واردة والجدل وارد، لكن النتائج المترتبة على المثالين غير متعادلة، فتهمة التعاطف مع منظمة تصنّفها بعض الدول بالإرهابية ليست كتهمة التعاطف مع انتماء أو حزب.

“نحن وهم”

خلال السنوات الأخيرة، لطالما كتبت وناقشت مسألة النزاع اليميني واليساري في هذا العالم، لكني هذه المرة أكتب لكم عن “نحن وهم”، نحن بخاصة في مهجرنا نسير على منحنى حاد وخطير جداً اليوم وسط هذه الأحداث، فكل هذه المعطيات التي نتابعها وسط ذهول قد تقودنا إلى فصل عرقي حتى ولو كنا أبناء بلد واحد في أوروبا أو أميركا الشمالية.

نحن الذين منا من هاجر أو تهجّر أو لجأ لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، أين سيذهب وكيف يمكنه التعايش بين إرثه الثقافي وما يؤمن به كإيمانه بالحق الفلسـطيني ومناصرة المدنيين هناك، وبين واقعه وهويته التي رحبت بمبادئه ومعتقداته قبل أي شي!

نشرت مي السعدني عبر حسابها على منصة X:

“أخشى أننا في خضم إحدى تلك اللحظات التاريخية الجماعية، من الإفلاس الأخلاقي التي لن نتمكن من التراجع عنه أبداً”.

علقت منى سيف، أخت المعتقل المصري علاء عبدالفتاح: 

“غاضبة، متعبة، مبعدة… إذ تستمر في التفكير بأن العالم قد تحرك للأمام حتى يتحداه شيء كبير وتدرك أنه “ليس من أجلكم أيها الناس” أنتم ومن يشبهونكم، يمكن تجريد حياتكم في ثانية واحدة وتبريرها من قبل زعماء العالم الذين يتصرفون مثل المتعصبين المجانين”.

ما يحدث ليس تهجيراً غزاوياً فحسب، بل هو تهجير للحريات، وليست إسلاموفوبيا فحسب بل هو إقحام في ملف الصهيونية، فلا يكفي أن تكون متعاطفاً مع اليهود بل يهودياً متطرفاً من أجل إسرائيل. 

وما يمكن سؤاله بعد كل هذه التطورات المتسارعة خلال الأعوام الماضية هو، هل ردة الفعل الدولية هذه تجاه الحريات والناشطين، نتيجة عمليات التطبيع الأخيرة واتفاقية أبراهام؟ وهل هو خلل في معايير الحرية عند الغرب أم سيطرة على حريتنا ودفعنا ثمن الاتفاقيات الدولية؟

إقصاء مذيعين مسلمين في قناة أميركية، مذيعين كانوا جزءاً من خطة التنوع العرقي ليس إلا مؤشراً مفزعاً بشأن التنازل أو التخلص من هذا المكون الاجتماعي لدى الغرب بعد اليوم، ما قد يدفع كثراً لإعلان النقيض لدينهم الإسلامي أو مبادئهم الإنسانية خوفاً من إقصائهم أو استهدافهم، وهذا ما قد يفسر أسباب ردود الفعل المناهضة لفلسطين، بخاصة من بعض الحقوقيين في المهجر! وكأن هذا العالم يفتقر إلى المزيد من الكراهية والتمييز.

المصدر: 
درج