ربما تأتي أهمية الدورة السادسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، كونها تحمل العديد من المحاور والأفكار المُختلفة نسبياً عن الدورات الفائتة، فضلاً عن أنها الحدث الثقافي الكبير، الذي تترجمه جهود وزارة الثقافة المصرية في بداية عهد وزير الثقافة الجديد أحمد فؤاد هنو الذي يسعى إلى ربط كل الفئات العُمرية والاجتماعية بالمفهوم الثقافي العام، باعتبار أن الثقافة هي المُحرك الأساسي للتطور إلى جانب التعليم بوصفها فعلاً سلوكياً وحضارياً، ونشاطاً يتصل بالرقي الإنساني قبل أي شيء آخر.
وقد تم اختيار شعار المعرض هذا العام «في البدء كان الكلمة» ليكون دالاً على الأهداف المرجوة من التظاهرة الثقافية السنوية التي تُقام فعالياتها في مثل هذا الموعد من كل عام، حيث يبدأ النشاط المعرفي والثقافي في 23 يناير/كانون الثاني وينتهي في 5 فبراير/شباط مُتزامناً مع إجازات نصف العام الدراسي، ليتسنى للطُلاب زيارة المعرض ومتابعة فعالياته والاستفادة من عروض الكُتب المتنوعة مُنخفضة السعر، بالإضافة إلى حضور الندوات والحلقات الفكرية التي يتم تنظيمها، لمناقشة جُل القضايا الثقافية والسياسية المُلحة والمطروحة على الساحة للإلمام بما يجري في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع.
ولأن الأحداث كلها أصبحت مُنفصلة مُتصلة، فلم يعد هناك ما يُسمى بالهموم والمُشكلات المحلية والإقليمية فحسب، وإنما صارت هناك وحدة واحدة للقضايا العامة، من الصعب تجاهلها أو تجاهل تأثيراتها.
ولعل ما حدث خلال الفترة الماضية من حروب واشتباكات ومفاوضات بين العديد من الأطراف الدولية كان له أكبر الأثر على استقرار المنطقة العربية بالكامل. من هذا المُنطلق تحاول بعض الدول، ومن بينها مصر، تفعيل الدور الثقافي لتحقيق التواصل بين الشعوب والحكومات في ضوء المُشتركات التي يتم الرهان عليها للحيلولة دون خلق مزيداً من الأزمات وتفاقم المُشكلات. في هذا الإطار تحرص القاهرة على تقريب المسافات بينها وبين أشقائها وجيرانها، وبعض الدول الصديقة، بانتهاز فرصة المعرض الدولي للكتاب لتأكيد علاقات الود والتفاهم، فخلال الدورة المُقامة حالياً في المركز الدولي للمعارض في التجمع الخامس، تستقبل مصر دولة سلطنة عُمان كضيف شرف الدورة 56 للفعاليات الثقافية السنوية للمعرض في عام 2025، ما يعكس احتفاءً خاصاً وتقديراً مهماً لدور السلطنة في الإسهام الثقافي العربي والتغذية المعرفية للشعبين الشقيقين، المصري والعُماني.
على صعيد آخر يحظي المعرض باشتراك نحو 1345 ناشرا من 80 دولة و600 فعالية ثقافية تشمل الاتجاهات والأنشطة كافة، بما فيها النشاطات الفنية والفنون الشعبية والأراجوز وخيال الظل وغيرها من الأنشطة الترفيهية، بالإضافة إلى تعزيز عملية بيع وشراء الكُتب وتوفيرها للقارئ بما يُناسب ذوقه وميوله الفكرية والعلمية.
كما يحرص معرض القاهرة الدولي للكتاب، بوصفة أكبر المعارض في منطقة الشرق الأوسط، وثاني أهم المعارض الدولية بعد معرض فرانكفورت، حسب الترتيب العالمي، على إتاحة جميع الكُتب لجميع الفئات والشرائح من رواد المعرض، بداية من كُتب الأطفال والكُتب العلمية المُتخصصة ونهاية بالروايات والمجموعات القصصية ودواوين الشعر وغيرها. وفي محاولة لتوفير محتوى سوق سور الأزبكية بشكل مُختلف، عملت الهيئة العامة للكتاب برئاسة أحمد بهي الدين، على تجهيز حقيبة كُتب مُختارة تحتوي على 25 كتاباً بسعر مُخفض لا يتجاوز مئة جنية للحقيبة كلها، بالإضافة إلى إطلاق مُبادرة المليون كتاب بمشاركة القطاعات الثقافية كافة، كالمجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للترجمة وصندوق التنمية الثقافية والهيئة العامة لقصور الثقافة ودار الكتب والهيئة العامة للكتاب.
شخصيات العام
وفي ضوء التكريم التقليدي لأصحاب الإسهامات الفكرية المُتميزة والمشروعات الثقافية البناءة، تم اختيار أحمد مستجير، شخصية العام للدورة السادسة والخمسين كأحد أبرز الكُتاب والمُفكرين الذين أسهموا في إثراء الثقافة المصرية والعربية بإبداعات ودراسات متنوعة وغنية بالمعلومات، فهو الشاعر والكاتب والأديب والباحث والمُترجم.. جمع مُستجير بين دقة العلم وجمال الإبداع الأدبي، فمن مؤلفاته على سبيل المثال، كتاب «التحسين الوراثي للحيوان – مقدمة في علم تربية الحيوان»، ودراسة في الانتخاب الوراثي في ماشية اللبن، التحسين الوراثي لحيوانات المزرعة، النواحي التطبيقية في تحسين الحيوان والدواجن.
كذلك قدم الباحث والمُفكر ألوانا إبداعية أخرى من بينها كتاب «الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي» وديوان شعر بعنوان.. «هل ترجع أسراب البط»، بالإضافة إلى مؤلفات فلسفية أخرى كقصة «الكم» المُثيرة وترجمة «الربيع الصامت» و»طبيعة الحياة» و»الانقراض الكبير» و»عقل جديد لعالم جديد» و»صراع العلم والمجتمع».
كما اختيرت الكاتبة والمخرجة فاطمة المعدول أيضاً، شخصية العام في أدب الأطفال فهي واحدة من مُبدعات مسرح الطفل ولها أعمال إبداعية مهمة في هذا الصدد، وكان لها السبق في تخصيص أول مسرح وعدد من الورش المسرحية لأصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة. ومن مؤلفاتها مسرحية «البنت زي الولد» ومسرحية «حسن يرى كل شيء» و»الكنز وثورة العصافير» و»طيارة الحرية» وإبداعات أخرى في مجال الفيلم الروائي القصير.