تخطي إلى المحتوى
هل أنت ذكي .. عاطفيا !؟ هل أنت ذكي .. عاطفيا !؟ > هل أنت ذكي .. عاطفيا !؟

هل أنت ذكي .. عاطفيا !؟

تيدي ستودارد تلميذ في الصف الخامس دائم الشرود والانطواء عن الاخرين ,متسخ ,اشعث وكسول وكانت معلمته المدام تومبسون تكرهه لهذه الصفات الخارجية وفي يوم طلبت إدارة المدرسة من كل المعلمين ان يكتبوا تقريرهم عن التلاميذ وكان لابد لها من الرجوع لسجل تيدي في السنوات الدراسية السابقة وتفاجئت بمعلم تيدي بالصف الأول يكتب بتقريره ان تيدي طالب نجيب وموهوب ,بالسنة الثانية كتب معلمه ان تيدي يمتلك طاقة حيوية إيجابية تجاه زملائه ,بالسنة الثالثة كتب معلمه ان تيدي كان طالب ذكي ومرح لكن وفاة والدته بمرض عضال وأهمال والده له وانصرافه عنه حول مسار حياته بالكامل نحو الاسوء, معلم تيدي بالصف الرابع كتب تيدي طالب كسول وعديم الجدوى وبليد الادراك !

.شعرت المدام تومبسون بالعار لانها اطلقت احكامها طيلة الفصل الدراسي الأول على تيدي دون ان تغوص بظروفه وبواطنه واكتفت بالظاهر لتضعه في قفص اتهامها وتطلق عليه حكما غير قابل للطعن وفي عطلة الميلاد كان من المعتاد ان يأتي الطلاب بالهدايا لمعلمتهم وكانت الهدايا باهية ومزينة الا هدية تيدي فقد كانت ملفوفة بكيس ورقي اسمر من النوع المستخدم في محلات البقالة !

.داخل الكيس وضع تيدي زجاجة عطر مستعملة لم يبقى منها الا القليل ,وقام كل طالب ليقدم هديته وكانت المدام تومبسون تحتضن الطفل قبل ان يعود لمكانه بالفصل وعندما جاء دور تيدي سخر الطلاب من هديته البالية, لم يبدي تيدي أي ردة فعل وهم بالعودة لمكانه بالفصل فاستوقفته المدام تومبسون وقامت بالإعجاب بهديته أمام الجميع ورشت من زجاجة العطر على ثيابها واحتضنته واثنت على هديته فلبستم تيدي لأول مرة منذ وقت طويل وصمت الجميع !

.عند انتهاء الدوام غادر جميع الطلاب وبقي تيدي وذهب الى مدام تومبسون وقال لها ( رائحتك تشبه رائحة والدتي .. هذه الزجاجة هي ما تبقى لي من عطرها الذي كانت تستخدمه ! ) .. قالت مدام تومبسون في مذكراتها انها بكت لأكثر من ساعة وقررت ان تعتني بتيدي حتى تعود له ثقته بنفسه وأردفت عندما عدت الى منزلي فوجئت برسالة تحت عقب الباب من تيدي كتب فيها ( أنت أفضل معلمة قابلتها في حياتي ! )

وهذا ما حدث وتغيرت حياة تيدي وعاد لنبوغه وتفوقه في الدراسة وطوى السنوات حتى دخل كلية الطب وتخرج منها وفي كل سنة كان يرسل لمدام تومبسون ويقول لها ذات الجملة ( انت أفضل معلمة قابلتها في حياتي ) واصبح تيدي طبيبا وعند زواجه ارسل للمدام تومبسون يدعوها لحضور حفل زفافه وعندما قدمت اصر ان يجلسها على المقعد المخصص لأمه وعندما حضرت تفاجئ تيدي بأنها تعطرت بنفس عطر والدته الراحلة فاقترب منها هامسا وقال ( انت افضل معلمة قابلتها في حياتي ) فقالت له مدام تومبسون ( غير صحيح .. انت من علمني معنى ان أكون معلمة حقيقية وانا من يجب عليه الشكر ! ) .. تيدي ستودارد الان اشهر طبيب اورام سرطانية ومالك لمركز ستودارد الشهير لمعالجة الامراض السرطانية في أمريكا !

.يبدو لأول وهلة ان الهدف من سرد هذه القصة الواقعية هو أخذ العبر المتعلقة بعدم التسرع في إطلاق الاحكام على الاخرين قبل تحري الحقيقة كاملة وأنها مشكلة تنشط كثيرا في مجتمعات جاهلة كمجتمعاتنا فنحن اكثر شعوب تعتمد في اطلاق الاحكام على المظهر الخارجي .. أو أن الهدف توضيح مفهوم الأمل في ثنايا القصة أو الوفاء أو التضحية أو .. أو ..الخ

هذه العبر يمكن ان نستقيها من القصة لكن ما أود الكلام عنه يبتعد عنها .. سنتناول اليوم

.. مفهوم الذكاء العاطفي !

العلم يقر ان مفهوم الذكاء عند الانسان لا يتشكل من كتلة واحدة بل هو متعدد الجوانب داخل الانسان فهنالك ( الذكاء الروحي والذكاء الجسدي والحسي والمنطقي والعلائقي والموسيقي والمجرد والعاطفي والمعرفي طبعا ) وبالتالي لا يمكن حصر ذكاء الانسان كما هو شائع فقط في ما يسمى بالذكاء المعرفي الذي ينتج عادة عبر تحصيل المعلومات والنجاح الدراسي او العلمي أو المهني بل أن علماء النفس اكتشفوا أن هذا النوع من الذكاء يمثل جانب متواضع جدا بالتأثير على نجاحنا في الحياة الاجتماعية وتأثيره لا يزيد عن 10% فيما أن التأثير الحقيقي يكمن بالذكاء العاطفي الذي تبلغ نسبة تاثيره 75% واكثر !

.واذا كان يتمتع بهذه الدرجة من التأثير على حياتنا فيجب أن نتعرف على الذكاء العاطفي ونسأل .. هل نتمتع به !؟

.الذكاء العاطفي هو القدرة على التقاط الرسائل العاطفية للآخرين وفهمها وادراكها وأخيرا القدرة على إدارتها في تنمية العلاقات مع الناس والمجتمع .. وبالتالي فإن اهم الميادين التي يعمل بها هو ميدان العلاقات مع الناس وهذا يبرز لنا مفهوم ( فن الاستماع ) أو القدرة على الاستماع .. الاستماع لا مجرد السمع !

.هناك فرق كبير بين الاستماع والسمع فالاول ينتج من الاهتمام والثاني من اللامبالاة ! .. و وجد علماء النفس ان ذكاء الانسان العاطفي يتوزع لثلاثة أقسام :

30% منها تذهب للسمع

10% منها تذهب للتمعن في الكلمات

60% منها تذهب للتركيز في لغة وإشارات جسد المتكلم

بالتالي الذكاء العاطفي يكمن عبر نوعين من الاتصال بالآخرين .. الأول ( الاتصال اللفظي ) ويكمن في التمعن في كلمات المتحدث ويشكل فقط 10% فيما الثاني ( الاتصال الروحي ) ويكمن في الاستماع والتركيز الحسي والجسدي ويشكل 90% من ذكاءنا العاطفي وبهذا أقر العلماء والفلاسفة أن الاستماع اهم بكثير من الكلام كما قال دين رسك ( أذانك هما أفضل وسيلة لديك للإقناع فأنت تُقنع الآخرين أكثر عندما تنصت اليهم أكثر ) .. وأن الشخص الذي يجيد فن الاستماع يتمتع بذكاء عاطفي عال فيما أن الشخص الذي ليست لديه هذه القدرة بالاستماع والتقاط الإشارات العاطفية أشبه بالمجنون او الابله او المصاب بأفة عقلية وبالتالي هو محدود اجتماعيا نظرا لتواضع ذكاءه العاطفي واعتماده الكلي على ذكاءه المعرفي المتعلق بالدراسة او التحصيل العلمي فقط !

والان .. ما علاقة كل هذا بالقصة !!؟

في الواقع ان علماء النفس أكدوا بشكل قاطع ان الانسان الذي يتمتع بالذكاء العاطفي هو الأكثر قدرة على إعطاء ومنح الحب والاهتمام وأورد مثال ما جاء به عالم النفس التحليلي الفرنسي بيير داغو في كتابه ( سيكولوجيا الحرية الداخلية ) يشير فيه الى ان النباتات من المخلوقات التي تبرع في فن الاستماع وعبرت عن ردود أفعال هائلة إزاء الموسيقى والكلمات الودودة الصادرة من البشر مما جعله يقول ( أليست العلاقة بين الذكاء العاطفي والحب الكبير صميمة ؟ بحيث يكون الأكثر ذكاء هو الأكثر قدرة على إعطاء الحب الحقيقي الأكبر!؟ )

الآن بدأنا نفهم ونربط بين هذا الكلام وما جاء في القصة فالسيدة تومبسون عندما تخلت عن لعب دور المتكلم ( إصدار الاحكام ) ومارست سلوك فن الاستماع وصلت لنتيجة جعلتها تغير كل تفكيرها الذي أثر بدوره على الطالب فغير مجرى حياته بالكامل واعتقد أن كبرى مشاكلنا الان تتمثل في عدم قدرتنا على التحاور لافتقادنا أساس الحوار وهو الاستماع !

.لذلك فإن حواراتنا تشبه لحد ما المونولوجات الجمعية والكل يريد ان يتحدث ولا يعنيه ان يسمعه الاخر والأخر أيضا لا يعنيه ان يستمع وفيما احدنا يتكلم يكون هذا الاخر يتحضر للانقضاض والرد والدفاع لاثبات صحة وجهة نظره فقط لذلك حتى عندما ينصت يكون صمته صمت المتحدث بالقوة وعندما يتحدث يكون حديثه حديث المتحدث بالفعل !

وبالتالي لا انصات .. لا استماع .. لا اهتمام .. لا التقاط لأي إشارة عاطفية .. بذلك ستبقى احاديثنا خالية من العاطفة والاحساس وستبقى تحمل اسم .. حوارات الطرشان المجردة من الإنسانية والهدف منها فقط .. السطوة !

.الذكاء العاطفي يجعلك ناجحا في الحياة لأنه يكسر بداخلك شعور الكراهية وبناء احكامك على المظاهر الخارجية كما قال برنارد بابروش ( إن أغلب الناجحين الذين أعرفهم يستمعون أكثر مما يتحدثون ) وهذا ما ذهب اليه أيضا عالم الانثولوجي الشهير هايردال فقال ( يتعلم الفرد من الاستماع أكثر من الحديث مما يجعل معرفته وتأثيره بمحيطه أعمق ) والذكاء العاطفي ينتج شبكات اجتماعية مترابطة والعكس صحيح فإن الصراعات الكلامية وعدم الاهتمام تنشئ البغضاء فيشعر الانسان انه ينفر بل ويكره من لا يستمع إليه كما قال الجاحظ ( من لم ينشط لحديثك فارفع عنه مؤونة الاستماع منك ! )

.وأختم ..

هل ما نتكلم به لا يعدو عن كونه من باب الرفاهية الثقافية ؟؟ قطعا لا ,لأن من يدقق بالكلام يجد أن كبرى مشاكلنا الحالية والسبب الأول لها هو عدم تمتعنا بالذكاء العاطفي وأننا لا نستمع لبعض ونريد فرض رأينا ولو بالقوة حتى أمست بلادنا ممزقة لهذا السبب تحديدا.

لا بل الأدهى من ذلك ان الجميع يريد أن يتكلم لا أن يتعلم ,ولكم أن تنظروا في مواقع التواصل الاجتماعي التي تنضح بالجهلاء مدعي المعرفة ويتبعهم من هم أكثر جهلا ؟؟ لا طبعا .. يتبعهم من لا يرد أن ينصت ليتعلم !

.إن للعرب حكمة تقول ( من سمع النصيحة نجا من الفضيحة ) وبالتالي يبدو أننا الآن بأمس الحاجة لتفعيل ذكائنا العاطفي وجعله الأساس في حياتنا الاجتماعية للنهوض بها وأن نكرس فهم المقولة العظيمة للأصمعي ( أول العلم الصمت والثاني الاستماع والثالث الحفظ والرابع العمل والخامس الكلام ! )

وفي النهاية ان الله حثنا على الذكاء العاطفي وان نستمتع لبعض أكثر مما نتكلم وإلا .. فلما خلق لنا أذنين ولسان واحد !؟

المصدر: 
فيسبوك