يختلف تأثير الطلاق على الأطفال عن الكبار بالرغم من الاتفاق على تأثيره على جميع أفراد الأسرة بشكل سلبيّ وعلى المجتمع أيضًا؛ إذ يُعتبر الحلّ النهائي الذي يُمكن اللجوء إليه؛ إلّا إنّه ليس الحلّ الأمثل بسبب أضراره المتنوعة وعواقبه الوخيمة، لكن في حال حدوثه ما هي تأثيراته على الأطفال في مختلف المراحل، وكيف يُمكن التقليل منها بشكل علميّ دقيق وتبعًا لنتائج دراسات وإحصائيات مؤكّدة؟
هل العمر يُحدّد مدى تأثير الطلاق على الأطفال؟
نعم؛ لأن الطلاق يُؤثر على جميع الأطفال في مختلف المراحل العُمريّة؛ إلّا إنّ مدى تأثيره على الطفل يتحدّد من خلال عمره، كما يمكن تحديده من خلال عوامل أُخرى؛ منها وعي الوالدين والدعم الأُسري من العائلات وغيرها من العوامل التي سنتحدث عنها بالتفصيل، كما سنتحدث عن بعض الطُرق والاستراتيجيات المُتبعة لتخفيف آثاره في مختلف المراحل العُمريّة.
تأثير الطلاق على الأطفال تحت سن 3 سنوات
تُشير دراسة أُجريت عام 2011 أن الأطفال في هذه المرحلة يُمكنهم تذكّر العديد من الذكريات المُبكّرة في حياتهم، لكنها تختفي بعد أعوام بسيطة لتحلّ محلّها ذكريات جديدة، هذا يعني أن ذكرياتهم قبل سن الثالثة ستختفي مع مرور الوقت، لكن هل هذه النتائج تعني أن الأطفال الصغار لا يتأثرون بالطلاق؟ الحقيقة الصادمة هي أنهم يتأثرون بالفعل وأن الأحداث في هذه المرحلة تترك بصمتها على شخصيّة الطفل طوال عمره، ومن مظاهر هذا التأثير:
- تصرّف الطفل بعناد أكثر بمجرد اختفاء أحد الوالدين.
- الشعور بعدم الأمان والتعلّق بشكل أكبر بالوالد الموجود.
- تراجع القدرات المعرفية والسلوكية وتراجع الطفل إلى سلوكيات قديمة؛ مثل استخدام اللهاية.
- تعرّض الطفل لمشاكل نفسية لاحقة بالرغم من اختفاء ذكرياتها.
تأثير الطلاق في المرحلة بين 3-5 سنوات
في هذه المرحلة يكون التأثّر بالطلاق أكبر بالرغم من عدم إدراك الطفل لمعنى الطلاق تمامًا، لكن الطفل يتأثر باستقرار والديه ووجودهم حوله، كما يتأثّر سلبًا في حال وجود مشاكل وحالات عدم استقرار تظهر على شكل بُكاء وصُراخ متواصل، كما يشعر الطفل بالمسؤولية تجاه خلافات والديه، هذا يُسبّب حالة من كبت المشاعر ومجموعة من الضغوط النفسية والاضطرابات، لكنّ هذه التأثيرات تزول أو تقلّ تدريجيًا بعد انتهاء مرحلة الطلاق وعودة الاستقرار إلى المنزل؛ إلّا نّ الذكريات السابقة والأحداث الحاصلة قبل الطلاق تترك بعض الآثار المُربكة على شخصيّة الطفل وتحتاج لفترة من الزمن لعودتها للوضع الطبيعي. لتقليل هذه الآثار يجب تجنّب النزاعات في وجود الطفل وتقليل حِدّتها قدر الإمكان وتجنّب إلقاء الاتهامات واللوم أمام الطفل وتحييد الطفل تمامًا وعدم محاولة إجباره لاختيار أحد الوالدين، كما تُشير أبحاث مؤكدة أنه يُمكن الاستعانة بأفراد العائلة كوسطاء للمُساعدة في تربية الطفل في مرحلة الطلاق.
تأثير الأطفال في المرحلة بين 6-12 سنة
تُعتبر هذه المرحلة من أشدّ وأصعب المراحل وأكثرها تأثّرًا بالطلاق؛ وذلك بسبب قدرتهم على الاحتفاظ بالذكريات الجيّدة والسيّئة على حدٍّ سواء، كما أن لديهم القدرة على فهم المشاعر وتمييز الصح من الخطأ؛ لذا تُصاحبها مجموعةً من الأسئلة والاستفسارات عن سبب المشاكل ويبدأ بإلقاء اللوم على نفسه لظنّه أن وجوده سببًا رئيسيًا في هذه الخلافات، هذا يُؤثّر على الطفل في المُستقبل؛ فتظهر لديه مشاعر الاكتئاب والقلق التي تستمر لفترات متفاوتة وتُسبب له العُزلة الاجتماعية أحيانًا، كما يبدأ بتفضيل طرفٍ على آخر وتظهر لديه بعض التصرّفات العدوانية في المدرسة مع أقرانه. لتقليل هذه الآثار يجب بشكل قاطع تجنّب الخلافات بوجود الطفل والانفصال بطريقة آمنة بمساعدة المُختصّين أو الوسطاء لتقليل آثاره قدر الإمكان.
تأثير الطلاق على المراهقين
يبدأ الأطفال في مرحلة المراهقة بفهم الخلافات الأُسريّة بشكل أكبر وإدراك أسباب الطلاق أو الانفصال وتقلّ لديهم مشاعر اللوم، كما أن الأطفال في هذا العمر يُفضّلون العيش بسلام بأيّ شكل ويبدأون بالانفصال عاطفيًا عن الوالدين؛ لذلك تكون تأثيرات الطلاق عليهم أقل.
ما هي أضرار الطلاق على الأطفال؟
يظهر تأثير الطلاق على الأطفال في مختلف المراحل العُمريّة على شكل مجموعة من السلوكيّات السلبيّة والأضرار التي تظهر بنسب متفاوتة تتأثر أولًا بعمر الطفل كما ذكرنا، كما تتأثر بطرق تعامل الوالدين مع الطلاق والإجراءات المُتبعة وغيرها من العوامل السابق ذكرها، ومن أهم هذه الأضرار ما يلي:
- الأمراض العقلية: يُضاعف الطلاق من فرص الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية للأطفال والمراهقين؛ ومنها الاكتئاب، وهذا بحسب مصادر مؤكّدة تمّ نشر نتائجها في موقع very well family.
- المشاكل السلوكية: يُعاني الأطفال لآباء مُطلّقين من بعض المشاكل السلوكيّة التي تظهر على شكل الاندفاع والعدوانية تجاه الأصدقاء في المدرسة.
- ضعف الأداء الدراسي: بالرغم من أن الأداء الدراسي والأكاديمي يتأثر أساسًا بالقدرات العقلية للطفل؛ إلّا إنّه وبحسب دراسات مؤكّدة يتأثّر أيضًا بالقدرات النفسية؛ لذلك يقلّ أداء الأطفال في المدارس عند حدوث الطلاق.
- الانخراط في المخاطر: يزيد الطلاق للوالدين من مخاطر الانخراط في السلوكيّات الممنوعة والخطيرة؛ مثل النشاط الجنسي المُبكّر وشرب الكحول وتعاطي المخدرات وغيرها من السلوكيات الخَطِرة، لكن هذه التأثيرات تزداد على الأطفال الذين تعرّضوا للطلاق بعد عمر الخامسة.
ما هي الإجراءات المُتبعة في حال الطلاق بوجود أطفال؟
يُمكن مساعدة الأطفال على التكيّف مع حالات الطلاق وتأثيراته السلبية؛ إذ يُمكن اعتبارهم أكثر عُرضةً للطلاق مُستقبلًا؛ ومن أهم السلوكيّات المُتبعة لتقليل أضرار الطلاق ما يلي:
- تحييد الأطفال: يجب بشكل أساسي تحييد الطفل عن الخلافات وتجنّب تعريضه للاختيار بين أحد الوالدين؛ لأن هذا يزيد من مخاطر الإصابة بالقلق والاكتئاب.
- الحفاظ على علاقات صحيّة: يتوجّب على الوالدين الحفاظ على العلاقات الصحيّة والسليمة فيما بينهم؛ لتوفير بيئة آمنة للأطفال وزيادة احترامهم لذاتهم، هذا يحدث بعد الانفصال النهائي ومحاولة خلق حوار صحيّ للحفاظ على مصلحة الأطفال.
- زيادة مراقبة المراهقين: يجب الاهتمام بشكل مُكثّف للأطفال المُراهقين خصوصًا في حالات الاضطرابات الأُسريّة وحالات الطلاق، هذا يجعلهم أقلّ عُرضةً للمشاكل السلوكيّة.
- تطوير مهارات الطفل: يجب تطوير مهارات الطفل في حلّ المشاكل والتعامل معها كافة رغم صعوبتها وعدم التعامل معه على أساس أنه ضحيّة؛ لأن هذا سيعزّز شعوره بالضعف، ومن هذه المهارات المُبكرة تعليمه الاعتماد على نفسه في قضاء حاجاته المختلفة بشكل يتناسب مع العمر.
- تعليم الطفل مهارات التأقلم: يجب تعليم الطفل مهارات التعوّد والتأقلم على الظروف الجديدة وإشراكه بما يتناسب مع عمره في اتخاذ القرارات، كما يجب تعليمه طريقة إدارة سلوكيّاته وأفكاره ومشاعره.
- زيادة الأمان: يجب تعزيز مشاعر الأمان للطفل وطرد مخاوفه من الهَجر وتبِعاته وتأثيره على المستقبل عن طريق زيادة مشاعر الحب والاهتمام.
- الاستعانة ببرامج التعلّم: يُمكن للوالدين الالتحاق بدورات وبرامج تقليل تأثير الطلاق على الأطفال، كما يُمكن طلب المشورة من المُتخصّصين.
- عرض الطفل على المُختصّين: لا شكّ أن الطلاق يُؤثر على الطفل بطرق مُتعدّدة، لكنّ هذا لا يعني الاستمرار في حياة مُستحيلة مليئة بالمشاكل فقط من أجلهم؛ لذلك يجب إدراك ماهيّة التأثيرات وفي حال استمرارها لفترة طويلة بعد الطلاق يجب حينها عرض الطفل على أخصائي سلوك للمساعدة في تخطّي المرحلة.
هل يوجد إحصائيات حول الأطفال ضحايا الطلاق؟
تُشير العديد من الإحصائيات إلى ازدياد حالات الطلاق والانفصال حول العالم، التي تُولّد ضحايا لهذه العلاقات، ومن أبرز الإحصائيات في أمريكا يُشار إلى ما يلي:
- بلغت نسبة الأطفال الذين يعيشون مع والديهم عام 1970 قُرابة 84%.
- تناقصت نسبة الأطفال الذين يعيشون مع والديهم عام 2009 إلى أن وصلت إلى 60% فقط؛ منهم 29% أطفال أمريكيين من أصل أفريقي، فيما بلغت نسبة الأطفال الذين يعيشون مع أم عزباء قُرابة 50%، أمّا فيما يخص الأطفال الإسبان فكانت النسبة 58% منهم يعيشون مع والديهم مقابل 25% يعيشون مع أمهات عازبات.
- تشير إحصائيات مراكز السيطرة على الأمراض أن حالات الطلاق في تزايد مُستمر وبالتالي فإن تأثير الطلاق على الأطفال يتزايد خصوصًا على الأطفال الصغار؛ لأن معظم حالات الطلاق تحدث خلال السنوات الـ 14 الأولى من الزواج، كما أن تغيير قوانين الطلاق سبب تزايدًا في حالات الطلاق التي كانت تُعتبر سابقًا مُكلفةً وصعبةً للغاية ولا يتم اللجوء إليها إلّا في الحالات المُستعصية، هذا التزايد سبّبَ مجموعةً من الأضرار على الأطفال والأُسر والمجتمع ككلّ.
ما هي حقوق الأطفال بعد الطلاق؟
تفرض جميع الدول قوانينًا تُنظّم حقوق الأطفال بعد الانفصال ليتمتّع الطفل بعلاقة هادفة وحمايته من الأذى؛ إذ تُصدر المحكمة مجموعةً من القوانين تخدم مصلحة الطفل أولًا وتُحدّد مسؤولية الوالدين تِجاهه، التي تتضمّن الواجبات والسلطة في اتخاذ القرار ويتحملها الوالدين معًا أو أحدهما بحسب تقديرات المحكمة، وفي بعض الحالات البسيطة يتم إسناد المسؤوليات الأبويّة لطرف ثالث لعدم أهليّة الوالدين، ومن أهم الحقوق التي يكفلُها القانون عادةً:
- الحضانة: تعتمد حضانة الطفل على قوانين الدولة والتشريعات فيها؛ إذ لا تقتضي معظم الدول تقسيم وقت الطفل بين الأبوين، بل يُمكن أن يقضي الطفل معظم وقته مع أحدهما فقط، لكنّ هذا لا يمنع من قضاء الوقت مع الوالد الآخر بعد الاتفاق بشكل وديّ أو قانونيّ بينهما، هذا الاتفاق يجب أن يخدم مصلحة الطفل؛ لذلك تختار المحكمة عادةً الوالد الأفضل للطفل وتُراعي احتياجاته الفرديّة.
- التركيز على مصلحة الطفل: يجب على الوالدين تحييد مشاكلهم جانبًا عند اتخاذ قرارات تتعلّق بالطفل؛ مثل الدراسة أو السفر وغيرها من الأمور والحرص دائمًا على مصلحة الطفل، ويتم هذا من خلال النقاشات الوديّة المطوّلة لاتخاذ القرارات المقبولة لدى الطرفين، وفي حال وجود خلاف يُمكن اللجوء للقضاء ليتخذ القاضي القرار المناسب الذي يصبّ في مصلحة الطفل.
- تحديد المسؤوليات المالية: يعمل الوالدين معًا على تحمّل المسؤوليات المالية وتوفير احتياجات الطفل الأساسية.
- تجنُّب الضغط على الطفل: من أهم حقوق الطفل الحرص على إبقاء علاقته قويّةً بكلا أبويّه بالرغم من خلافهما؛ لذلك يجب تجنُّب الضغط عليه وفصله عن أحدهما مهما كانت الأسباب.
موقع مسبار