هل هناك سقف لحرية كاتب الرواية التاريخية في إضفاء قصص وأحداث متخيّلة على شخصيات حقيقية ومعروفة عبر التاريخ؟ ناقش 24، هذا التساؤل مع عدد من الروائيين، انطلاقاً من أمثلة لروايات تاريخية معاصرة ومعروفة.
لتوضيح فكرة التقرير ، تم الاستشهاد برواية "فردقان" للكاتب المصري يوسف زيدان، والتي سرد فيها أحداث متعلقة بشخصية العالم ابن سينا، والتي كانت بعضها من بنات أفكار الروائي ومخيلته، أما النموذج الآخر فهو رواية "ثلاثية غرناطة" للروائية رضوى عاشور، التي اشتغلت فيها على حقبة تاريخية معينة، في العصر الأندلسي، وصنعت شخصياتها وأبطالها، بما يتناسب ومجريات ووقائع هذه الحقبة الزمنية.
تباينت آراء المشاركين في هذا التقرير، من أدباء وكتاب أصحاب خبرة في الإبداع الروائي، فالبعض يرى أن الرواية عمل متخيل ينتمي للأدب والثقافة، وليست كتاباً تاريخياً لنقل الحقائق، وآخرون دعوا إلى التزام حدود معينة عند ذكر شخصية ما باسمها الحقيقي، حفاظاً على حرمة هذه الشخصية.
الروائي والناقد السوري نبيل سليمان قال: "الحفر الروائي في التاريخ مسألة هامة جدا، لكن ينبغي أن نتذكر دوماً أن الرواية تخييل، لها أن تفعل ما تشاء بالوثيقة وبالواقعة التاريخية وإلا فإن أي قراءة لأي كتاب تاريخي حول واقعة معينة هو أجدر وأولى".
من جهتها قالت الروائية السورية ريما بالي: "مع احتفاظي الكامل بحق الكاتب أن يتخيل أي شيء يريد أن يكتبه في الرواية، إلا أن لدي تحفظاً صغيراً على حرمة الشخصية، ومثلما يقال "أن كلّ شيء يجوز ولكن ليس كل شيء ينفع" وبالنسبة للكتابة أقول بأن كل شيء يجوز ولكن ليس كل شيء مستحب، وعلى سبيل المثال والافتراض، بالنسبة لي شخصياً لو تخيّلت أن إنساناً ما سيتناول قصتي بعد 100 عام، وينطلق من حياتي واسمي الحقيقي، ليكتب رواية، ويضيف لها قصة لم أعشها واقعياً، وقد لا يناسبني أن أعيشها، بالتأكيد هذا لن يكون مرضياً لي، لذلك أتوخى دوما عندما يتم ذكر شخصية باسمها الحقيقي، ينبغي التزام حدود معينة حفاظا على حرمة الشخصية، وللأسف توجد روايات تاريخية عديدة تتجاوز هذا الموضوع ولا تأخذه بعين الاعتبار".
وفي السياق ذاته أضاف الروائي الفلسطيني أسامة العيسة: "يحق للكتاب أن يخل بالحدث التاريخي، فهناك عقد غير مكتوب بين القارئ والروائي، بأنه مقبل على عمل تخييلي وافتراضي، وحتى في الكتابات المعاصرة مثل طه حسين في هامش السيرة أخذ مجالا في التخييل، وكذلك محمد حسين هيكل في السيرة، وأرى أننا لا ينبغي أن نحاسب الروائي، هل حدث هذا فعلا أم لا، العلاقة بالنسبة لي وللقراء تتجاوز الإثراء وعدم الإثراء القارئ شريك، أي قارئ يقرأ رواية أكون له ممتن سواء أحب هذه الرواية أم رماها في سلة المهملات هو حر".
وأوضح: " في المقابل لدي قناعة تامة أن الهوس الجنسي أو الوطني أو الاجتماعي، أو القومي هو يضر الرواية، بعض الكتاب رائعين، لكن لديهم هوس معين، وأي هوس سواء كان ديني أو وطني، فعلا يضر الرواية، كأن نقرأ رواية من البداية حتى الخاتمة عن فلسطين وتحريرها فقط، هناك كتاب لديهم تقنيات عالية في كتابة الرواية، ولكن هذا النوع من الهوس يضر أعمالهم، مثال على ذلك الروائي صنع الله إبراهيم، هو كاتب عملاق ولكن الهوس الجنسي في رواياته أضرها، وكذلك الأمر مع الكاتب غالب هلسا، وأيضا في رواية فردقان للكتاب يوسف زيدان هناك هوس معين وأمور غير منطقية".
من جهته بيّن الروائي المغربي عيسى ناصري: "هناك كاتب يكتب رواية تاريخية ولكن شخصياته تعود إلى شخصيات واقعية، وبعض الآراء النقدية تنفي العمل الروائي عن كل رواية جعلت أبطالها شخصيات واقعية تاريخية، لكن الإبداعية الروائية ينبغي أن تأخذ شخصيات وتعطيها لحقبة تاريخية معينة، ثم تكثف الاشتغال على الإبداع والتخييل، فتكون لهما المساحة الكبرى، حتى لا يقع الكاتب في التسجيلية".