يبدو تعبير (الخطاب اسلامي) تعبيراً واسعاً عند التدقيق في محتويات كتاب (الخطاب الاسلامي الى اين؟) الصادر عن دار الفكر بدمشق ودار الفكر المعاصر في بيروت ودبي والذي يضم حوارات مع عشرين باحثا وكاتباً وناشطاً، قام باجرائها وجمعها الصحافي السوري وحيد تاجا في محاولة منه لتلمس اوضاع العالم الاسلامي وجملة علاقاته الداخلية والخارجية، والتي ركزت على اوضاع العالم الاسلامي واسباب ترديها، كما ركزت على العلاقة مع بقية العالم ومنها الموقف من “إسرائيل” والتسوية معها، وكلها موضوعات تندرج في إطار اهم ما يواجه واقع ومستقبل العالم الاسلامي في المستويين الداخلي والخارجي. واتساع تعبير (الخطاب الاسلامي) في الكتاب الذي اعده تاجا، ناجم ليس فقط عن اختلاف آراء ومواقف المشاركين من مفكرين وناشطين في فهمهم لـ(الخطاب الاسلامي)، وانما عن اختلاف المشاركين الآخرين في النظر الى (الخطاب الاسلامي)، والامر في الحالتين طبيعي ومقبول بفعل عدم وجود مفهوم محدد لما يعنيه (الخطاب الاسلامي)، ونتيجة تفاوت تجارب وثقافات ومواقع المشاركين الايدلوجية والسياسية، التي بدت متناقضة ومختلفة حول بعض القضايا والتفاصيل، لكنها ظهرت متقاربة – واحياناً متفقة - حول قضايا وتفاصيل اخرى مما جرى التطرق اليه في مادة الكتاب. ووسط الحدود والتداخلات في مفهوم (الخطاب الاسلامي) يمكن التوقف عند بعض محتوياته، التي تضمنتها آراء المشاركين في الموضوعات المطروحة. ويرى الباحث والمفكر السوري محمد عدنان سالم، ان حال العالم الاسلامي بلغ مستوى خطير من التردي والعجز، وان ذلك يستند الى عوامل ذاتية اساساً رغم اهمية العوامل الخارجية والتي لا يمكن اغفالها، ويعتبر ان (الاحادية) هي اهم العوامل الداخلية واساسها، لأنها تلغي التنوع والاختلاف، وتفرغ المجتمع من طاقاته (438-439). وتتقارب هذه الرؤية مع ما ترسمه الناشطة المصرية د.هبة رؤوف من ملامح لصورة العالم الاسلامي بالقول، انه يعاني من مظاهر ضعف وتفكك وارهاصات نهضة وتجديد، وترى ان ما صار اليه العالم الاسلامي يتصل بالاستبداد والتدخل الخارجي.(487-486) ويميز المفكر البحريني د سعيد الشهابي بين مستويين من بعض الحركات تتخذ من عالم اليوم ميداناً لنشاطها: حركات تكفيرية متطرفة لها اجندتها ووسائلها المختلفة، وحركات (تقليدية –معاصرة)، ويؤكد راشد الغنوشي الداعية الاسلامي، توافق الاسلام مع الديمقراطية التعددية، انطلاقا من انه (اول دين اعترف بالتعدد الديني واختلاف الامم)، ويذهب الغنوشي الى الاعمق فيؤيد مبدأ التعاون بين الجماعات والاحزاب الإسلامية مع مثيلاتها العلمانية في قضايا ذات ابعاد قطرية وطنية مثل قضايا الحريات ومواجهة الفساد، وفي موضوعات السياسة الخارجية – الدولية، مشيراً الى التعاون في قضايا التحرر ومناهضة الهيمنة الدولية والحفاظ على الطبيعة (271-275) وتثير الكاتبة المصرية الدكتورة اماني ابو الفضل، اشكالية مفاهيم العنف والارهاب والجهاد، التي يجري تداولها، فتؤكد، انها (مصطلحات غير مطلقة القيمة، تستمد قيمتها سلباً وايجاباً من السياق الذي وضعت فيه)، مما يفرض التمييز والتدقيق في الظروف والحيثيات(78-79)، لكن الكاتب السوري فايز سارة، يرى، ان الاسلام يتناقض مع العنف بالاستناد الى النصوص الدينية والى السيرة النبوية وحياة الصحابة والتابعين، التي تحض المسلمين (في الامر والتوجيه والمثال على السلم والتعاون ومحبة البشر)، وهو امر لم يمنع آخرين من تكوين رأي في العنف، قاربوا فيه (الجهاد) في حالات وآليات واهداف سياسية لا عقيدية ولا مبدأيه على نحو ما كان في بعض البلدان، تخلياً عن ممارسة الجهاد المنصوص عنه شرعا ضد عدو يحتل ارضا ويذل شعبا كما هو حال الوضع الفلسطيني.(385-386) ويتخذ المفكر الايراني محمد علي التسخيري في جانب من حواره موقفا وسطيا في النظر الى الغرب والعلاقة معه، فيؤكد، ان العلاقة مع الغرب ملتبسة، فهناك ما يمكن الاتفاق عليه وما هو مختلف عليه، ويضيف، ان في الغرب عناصر واعية متفهمة وفيه منظومات حضارية يمكن ان ندرسها ونأخذ كثير منها (383) ويتجاوز الدكتورعلاء بيومي الاميركي من أصل مصري، فكرة صراع الحضارات والاديان للقول، ان الصراع بين الغرب والشرق مدفوع بالأساس بجماعات ذات مصالح مادية، تزج بالدين في الصراع لتحقيق اهداف اخرى، ولتأجيج مشاعر الجماهير في الطرفين، ويضيف ان الحوار بين الاديان يومي ومستمر في الولايات المتحدة (361)، وهو امر تراه د. هبة رؤوف، انه جزء من اجتهادات فرضها الواقع على المسلمين في الغرب للتعايش والتواصل مع مجتمعاتهم التي يعيشون فيها (487-486) ويشكل الموقف من الصراع مع اسرائيل والتسوية معها احد مفاصل الخطاب الاسلامي، ويرى العراقي جواد الخالصي، انه ليس ثمة امكانية للتطبيع والسلام مع اسرائيل بسبب بنية المشروع الصهيوني العنصرية، وما اكدته مسيرة الصراع والتسويات بين العرب واسرائيل، مما يتطلب توجه “الأمة الى التلاحم والنهوض وتحقيق انتصارات ضد هذا المشروع”(190-191)، وهو رأي يختلف مع دعوة المفكر والباحث السعودي د.ابراهيم البليهي الذي يركز في معرض اجابته على سؤال حول مستقبل عملية السلام بين العرب واسرائيل على “ان نتعلم استخدام منطق العقل بدلا من منطق العضل الذي لم نمارس سواه، وان نتمرن على استعمال اسلوب الاقناع الذي لا نعرفه ولا نجيد ممارسته بدلا من اسلوب الاخضاع الذي اعتدنا عليه”(47) وكما هو واضح، فان ثمة توافقات وتناقضات في موضوع الخطاب الاسلامي، وهي توافقات وتناقضات، لا تتصل فقط بمفهوم الخطاب الاسلامي والتباساته، انما تمتد الى محتوياته، وما يترتب عليه لاحقا من مواقف وآراء وسياسات. وواقع الحال، يكشف عن بعض جوانب خلل (الخطاب الاسلامي) ينبغي تصحيحها، وهو امر يكاد يكون مستحيلاً في واقع تتعدد المرجعيات، وتختلف فيه الخلفيات والتصورات وتتناقض السياسات والمواقف، لكن عمق التحديات التي تواجه العالم الاسلامي بشعوبه ودوله، تفرض ضرورات المحاولة من خلال فتح بوابات الحوار حول مختلف قضايا وموضوعات العالم الاسلامي، وان يتخذ الحوار طابع الحوار الهادئ والموضوعي والمنفتح والهادف الى إيجاد توافقات ومشتركات تتجاوز مفهوم الخطاب الاسلامي الى محتوياته في الموقف من قضايا راهنة ومستقبلية تتعلق بقضايا شعوبه في التحرر والتقدم والديمقراطية في المستوى الداخلي، وبالتعاون المتكافئ والعلاقات السلمية في العلاقة مع الدول والشعوب الاخرى.