توفي في ساعات متأخرة من يوم السبت، 29 يناير/كانون الثاني 2022، المفكر الإسلامي ورجل الدين السوري الشيخ جودت سعيد، في مقر إقامته بتركيا، عن عمر يناهز 91 سنة، وفق ما ذكرته وسائل إعلام سورية، الأحد 30 يناير/كانون الثاني.
المفكر والفيلسوف الإسلامي "جودت سعيد" وُلد في قرية بئر عجم، التابعة لمحافظة القنيطرة جنوبي سوريا عام 1931م، ودرس العلوم الشرعية في الأزهر الشريف.
للمفكر السوري جودت سعيد العديد من المؤلفات التي تناولت مواضيع وأبحاثاً فكرية واجتماعية، أبرزها "حتى يغيروا ما في أنفسهم"، و"كن كابن آدم".
كما يعتبر "جودت سعيد" الذي يتحدث اللغتين العربية والشركسية من أبرز المفكرين الإسلاميين المعاصرين، الذين يشكلون امتداداً لمدرسة المفكرين الإسلاميين الكبار، أمثال الأستاذ مالك بن نبي ومحمد إقبال، وفق ما ذكرته وكالة الأناضول.
دعوة جودت سعيد للَّاعنف
يُعرف جودت سعيد بأنه داعية اللاعنف في العالم الإسلامي أو غاندي العالم العربي. وقد عبَّر عن سعادته بهذا الوصف في مناسبات عدة، وكان أول ما كتبه في مطلع الستينيات كتابه (مذهب ابن آدم الأول، أو مشكلة العنف في العمل الإسلامي)، وهو يناقش مبدأ اللاعنف وعلاقته الجذرية بالإسلام.
لكن يمكن للبعض أن يرى أن القصد من وراء الامتناع عن استخدام العنف أو القوة هو في واقع الأمر اللجوء إلى العقل والتفكير، لذلك كانت دعوته إلى اللَّاعنف دعوة للعقل في أساسها.
بصر جودت سعيد القرآن من خلال العالم، والعالم من خلال القرآن، وتنطلق الأفكار المفتاحية في عالمه الفكري من باب التوحيد، فهو يرى أن "التوحيد مسألة سياسة اجتماعية وليست مسألة ميتافيزيقية إلهية"، بمعنى أن توحيد الله في السماء يعني المساواة بين البشر على الأرض، فيساوي بين العبارات الثلاث في الآية القرآنية الكريمة: (ألّا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله).
إذ ينطلق من الآية القرآنية (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)، فيفهم منها أن "آيات الآفاق والأنفس، أي سنن الله في الكون، وتجارب البشر والأحداث والتاريخ البشري، كل هذه ستكون الدليل على صحة وصدق القرآن. ما يعني أن التاريخ والتجارب هي مرجع القرآن ودليل صدق ما فيه من قوانين"، وهذا ما دفع البعض لاعتباره مفكراً مادياً، يبشر بمذهب مادي.
من الأفكار المفتاحية فكرة (الزيادة في الخلق)، فالعالم بحسب فهم جودت للقرآن "لم يخلق وانتهى، أي لم يكتمل خلقه، وإنما لا يزال يخلق"، فالقرآن يقول (يزيد في الخلق ما يشاء) و(يخلق ما لا تعلمون).
اعتماداً على ذلك وضع جودت سعيد مرتبة جديدة من مراتب الوجود، وهي "الوجود السنني". أي وجود الشيء كقانون وسنة حتى قبل وجوده بالفعل.
وولد سعيد في قرية بئر عجم بمحافظة القنيطرة جنوبي سوريا عام 1931، ودرس العلوم الشرعية في الأزهر الشريف بمصر.
وللراحل العديد من المؤلفات أبرزها، "حتى يغيروا ما في أنفسهم"، و"مذهب ابن آدم الأول"، و"فقدان التوازن الاجتماعي"، و"العمل قدرة وإرادة".
ويعتبر سعيد الذي يتحدث اللغتين العربية والشركسية من أبرز المفكرين الإسلاميين المعاصرين، الذين شكلوا امتدادا لمدرسة مالك بن نبي ومحمد إقبال.
وفي كلمات سابقة له أكد الراحل أنه "لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع تغيير قناعات وأفكار أحد عبر الضغط والعنف، والقرآن يوصينا بعدم استخدام الإكراه في الإقناع".
ودعا إلى "حل المشاكل بطرق حضارية، وليس عبر القوة، فالمسلمون ليسوا الوحيدين الذين تركوا سوريا، بل اضطر عديد من منتسبي الطوائف والمذاهب الأخرى إلى ترك قراهم ومغادرة البلاد، ويعانون من أزمة كبيرة بسبب الضغط الذي وقع عليهم لتغيير قناعاتهم وأفكارهم".
وقال سعيد أيضا إن "المجتمعات المظلومة والمقهورة تعرف معنى كلمة العدالة أكثر من غيرها، وإن عصر انتهاك الأنظمة لحقوق الشعوب انتهى".