تخطي إلى المحتوى
وفال نوح هراري ويان لوكان وجهًا لوجه: الذكاء الاصطناعي أو صدمة الأدمغة وفال نوح هراري ويان لوكان وجهًا لوجه: الذكاء الاصطناعي أو صدمة الأدمغة > وفال نوح هراري ويان لوكان وجهًا لوجه: الذكاء الاصطناعي أو صدمة الأدمغة

وفال نوح هراري ويان لوكان وجهًا لوجه: الذكاء الاصطناعي أو صدمة الأدمغة

الذكاء الاصطناعي هو موضوع الساعة الذي فرض نفسه على الجميع من دون منازع، من تشي جي بينع إلى جو بايدن وفلاديمير بوتين الذي صرح بنفسه سنة 2017م، أن البلدان التي ستكون لها الزعامة في ميدان الذكاء الاصطناعي هي التي ستكون لها الهيمنة والنفوذ على الساحة العالمية. وإذا كان التاريخ قد أظهر مدى ما تمتعت به رؤية سيد الكرملين من عدوانية على الأقل، فمن المستحيل أن يُتجاهَل اليوم ما حققه الذكاء الاصطناعي من تقدُّم. فهو قادر على تسهيل الملاحظة الفضائية أو إعداد آلياتها وصيانتها، وعلى إتاحة تمثيل البروتينات القابلة للطي مثل بلعمة (phagocyter) حقيقية، مع مضاعفة المشاهد التي تستلهم الراهن وتكون أكثر اتصافًا بالحقيقة من الطبيعة، فماذا تعتقدون بخصوص هذا الصعود القوي الذي هو، دون أدنى ريب، الصعود الأكثر هَوْلًا في مَشهديّتِه منذ أن ظهر تعبير «الذكاء الاصطناعي» سنة 1956م في مؤتمر دراتموث؟

من الناحية النظرية كل شيء يذهب في اتجاه تأكيد التعارض بين يان لوكان ويوفال نوح هراري؛ فأحدهما باحثٌ بينما الآخر مُؤرِّخ. يرى الأول أَلا شيءَ يدعو إلى الذُّعر من ظهور هذا التخصص، بينما يخشى الآخر أن يؤدي بحضارتنا إلى الانهيار. سبق ليوفال نوح هراري أن وقّعَ على الرسالة المفتوحة التي وجهها منتدى التفكير الذي يحمل اسم مستقبل الحياة (Think Tank The Future of life)، على غرار ما فعل قُرابة ثلاثين ألف باحثٍ طالبوا بالتوقف لمدة ستة أشهر عن تنمية وتطوير أدوات تكون أرقى من شات جي بي تي (- 4 GPT-)، النموذج اللغوي الذي سرّع من اعتماد شات جي بي تي في وقت قياسي، أما يان لوكان فلا يرى في هذا النداء إلا ضجة وزعيقًا لرسل الموت.

أُجرِيَت المقابلة التي اقترحتها مجلة لوبوان بشكل تناظري عن بعد؛ لأجل المواجهة بين وجهة نظر كل من يان لوكان ويوفال نوح هراري حول الذكاء الاصطناعي وما يعِدُ به من منافع وما يُنْذِرُ به من أخطار. الأول مدير البحث الأساسي في الذكاء الاصطناعي بشركة ميتا الحاصل على جائزة تورينغ التي تعادل جائزة نوبل في مجال المعلوميات، وصاحب كتاب «حين تتعلم الآلة» الصادر عن دار النشر أوديل جاكوب، والثاني هو مؤلّف لكتُبٍ تصدَّرت قائمة الكتب الأكثر مبيعًا: «العاقل، تاريخ موجز للبشرية» و«21 درسًا للقرن الحادي والعشرين» (صدرت ترجمتهما الفرنسية عن دار النشر ألبان مشيل).

الذكاء والوعي والمشاعر

● لتكن بدايتنا من أهم نقطة، أي ما تعريفكما للذكاء؟
■  يان لوكان: الذكاء هو القدرة على إدراك وضعية، ثم تصميم وتخطيط مقطع من الأفعال لأجل بلوغ الهدف.

يوفال نوح هراري: الذكاء هو القدرة على حل المشكلات. غير أن الذكاء لا يرادف الوعي، مع أنهما يمتزجان ويختلطان لدى الإنسان، فالوعي هو القدرة على الشعور بالألم وبالحب وبالكراهية، والكائنات البشرية تستخدمُ الوعي أحيانًا من أجل حل المشكلات، غير أننا نجد العديد من الكائنات العضوية، كما هي الحال للنباتات والعضويات المجهرية، التي تحل المشكلات من دون أن يكون لها وعي بذلك، كما أن الآلة بدورها يمكن أن تكون ذكية وتقوم بحل المشكلات من دون أن تكون لها مشاعر.

يان لوكان: نعم لم يتحقق ذلك بعد، لكن الوقت سيحين لحصوله.

●  أحقًّا آلةٌ ذكية ولها أحاسيس؟ لكن ما الموعد النهائي لتحقق ذلك؟
■  يان لوكان: من العسير جدًّا تحديد المدة التي سيستغرقها ذلك، لكن ما يبقى يقينيًّا ولا يعتريه أدنى شك بالنسبة لي، هو أننا سنشهد على أقل تقدير، آلات يكون مبلغُها من الذكاء مثل ما لدى الكائنات البشرية، فإذا صارت قادرة على أن تضع لنفسها أهدافًا، عندها سيكون لها ما يعادل مشاعرنا وأحاسيسنا الإنسانية؛ لأن العواطف في الغالب الأعم ما هي إلا استباقٌ للنتائج. فلكي نخطِّطَ، على سبيل المثال، ونضع تصميمًا لا بد من أن نستبق النتائج هل ستكون جيدة أو سيئة؟ وهذا ما يشكل أحد الأسباب الرئيسة والأساسية للعواطف، فإذا ما أدركنا مسبقًا، بوصفنا كائنات بشرية، أن وضعية من الوضعيات تنطوي على أخطار صيرُورَتِها وضعية خطيرة، فإن الخوفَ يَنْتابُنا، مما يَحُثُّنا على البحث عن اختيارات مختلفة لأجل الانفلات من الوضعية الخطيرة، وإذا كانت الآلات قادرة على القيام بذلك، فستكون لها عندئذ مشاعر وأحاسيس.

●  غير أننا، على ما يبدو، لا نزال أبعد ما نكون عن الآلة الواعية، التي استحضرها عالم الرياضيات البريطاني ألان تورينغ منذ الخمسينيات من القرن الماضي…
■  يوفال نوح هراري: إنه أمر ممكن لكنه ليس بالأمر الضروري الذي لا يمكن تفاديه وتجنُّبُه، إن الوعي هو القدرة على اختبار الأحاسيس والمشاعر، وبالتالي فمن الممكن تمامًا أن تكتسب الآلات وعيًا، لكن يمكنها أيضا التطور وفقًا لنمط تطور مختلف، وأن تُنَمّي أنواعًا أخرى من الذكاء تكون أعلى من الذكاء البشري، لا تستلزم أي إحساس، وتلك هي الحالة الحاصلة فعليًّا في ميادين محدودة مثل ألعاب الشطرنج أو لعبة الغو، فألفا غو(٩) لم يشعر بالفرح حين كسب الجولة، مع أنه أكثر ذكاءً من الكائنات البشرية في هذه اللعبة، وبالتالي فمع الذكاء الاصطناعي العام يمكن للآلات دون إحساس أن تتخطى ذكاءنا بأشواط كبيرة.

يان لوكان: من اليقيني أن كثيرًا من الأنظمة التي نصفها بالذكية ستكون موجودة، بل إنها موجودة الآن، وسبق لها أن وُجدت فعليًّا، فعلى سبيل المثال لاعب الغو أو حتى نظام القيادة الآلية، كلها أنظمة لا تمتلك مشاعر وأحاسيس، لكن لو أردنا لها أن تكتسب مستوى بعينه من الاستقلالية وأن تعمل مُحاولةً تحقيق هدف، فمن الراجح أنّنَا سنُجهزها بما يكافئُ الأحاسيس أو المشاعر، بحيث تكون قادرة على التَّنبُّؤ بنتيجة مقطع خاص من الأفعال.

 

أخطار ومكاسب محتملة

●  شات جي بي تي الذي تملّك لغتنا، الجوهرية جدًّا في العقد الاجتماعي، هل ينطوي على أخطار؟
■  يان لوكان: لا أظُنّ أن هذا الرُّبُوت الخاص بالدردشة خطير في الوقت الحالي. كان يمكنه أن يصير كذلك، لو صُمِّم بكيفية مغلقة، وبعيدًا من الأنظار، غير أن العكس هو الذي حصل، لأن وسيلة التقدم للنماذج الكبرى الخاصة باللغة هي جعلها ذات مصدر مفتوح. وهي فكرة جيدة سواء نظرنا إليها من زاوية الأمن أو من زاوية البحث. لكن لنتصور مستقبلًا يكون فيه بإمكاننا جميعًا امتلاك عامل ذكي تحت إمرتنا وتحكُّمِنا؛ إنه تمامًا كما لو أن فريقًا من الأشخاص الأكثر ذكاء قد صار فجأة يخدمنا تبعًا لما نأمر به، حتى يجعلنا أكثر إنتاجية وإبداعية. وهؤلاء الفاعلون الأذكياء سنخاطبهم بكيفية طبيعية جدًّا، كما في فِلْم «هي» (Her). ومن جهتي، بوصفي مديرًا صناعيًّا سابقًا وأستاذًا جامعيًّا، أحاول ألا أعمل إلا مع من هم أكثر ذكاءً مني؛ لأنها أجود وسيلة للنجاح، وبالتالي ليس علينا الشعور بأننا مهدّدُون بهذا الأمر، بله يجعلنا أقوى وأكثر تعزيزًا، إنه مطلع نهضة جديدة وعصر أنوار جديد.

يوفال نوح هراري: إن السؤال المطروح هو معرفة من هم أولئك الذين سيكون هذا البرنامج في أيديهم، نعم يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مدهشًا وعجيبًا، لكن إذا وقع بين الأيدي الخطأ، يمكنُه تدميرُ الديمقراطية أيضًا. إن مصدر الديمقراطية هو المحادثة والمناقشة بين الأشخاص، وإذا ما وُجد هؤلاء العملاء القادرون على إقامة محادثة أفضل من أي كائن إنساني كان، وكانوا مُوظّفين في خدمة فاعلين غير مسؤولين، فإن السيناريو الكارثي هو ما سيرتسم في الأفق. وإذا ما قُرصِنَت المُحادثة بين الأشخاص أو التُفّ عليها وشُوِّهَت، وهو ما يقدر الذكاء الاصطناعي على القيام به في الوقت الحالي، فإن ذلك سيقوِّضُ أسس ودعائم النظام الديمقراطي. إذن فمَنِ الأخطر، أن تكون حاصلًا على مساعد ذكي يقدم لك 95% من أجود النصائح، أم أن يكون لك مساعد يضاعف الهلوسات(١٠)؟

يان لوكان: إن الأنظمة الحالية للذكاء الاصطناعي مساعداتٌ جيدةٌ في الكتابة، لكنها ليست مصادرَ موثوقة للمعلومة. وفي غضون سنتين إلى خمس سنوات مقبلة، سيحقق النظام تقدمًا من أجل خلق أنظمة للذكاء الاصطناعي تكون أكثر واقعية، لتصير هذه الأنظمة في نهاية المطاف أكثر موثوقية من أي وسيلة أخرى للبحث عن المعلومة. لنأخذ على سبيل المثال الأنظمة الخاصة بالسيارات ذاتية القيادة: في الوقت الحالي نجد الأنظمة المساعدة على السياقة تكون على درجة كبيرة من الموثوقية على متن الطريق، لكنها لا تكون كذلك في مكان آخر ويُطْلَبُ من السائق وضع يديه دائمًا على عجلة القيادة. ومع النماذج اللغوية ذاتية الارتكاس، يُفْتَرَضُ بالمستخدمين ألا تبتعد أيديهم لحظةً من لوحة المفاتيح؛ لأن هذه الأنظمة يمكن أن تقول أشياء غبية وسخيفة، إذ ليس لها حس سليم، حتى إن كانت قد راكمت كمًّا هائلًا من المعارف التي يُمكنها اجترارها.

●  ألا ينطوي وجود آلات أكثر استقلالية على خطر تطور ونمو عالم يتخلّى فيه الإنسان عن كل قدراته على اتخاذ القرار لصالح الآلة؟
■  يان لوكان: إننا نعيش بالفعل في عالم معظم القرارات التي تُتَّخَذ هي قرارات تتخذها الآلات، طبعًا هي قرارات ليست على درجة كبيرة من الأهمية، لكن حين تعمدون إلى البحث على محرك البحث، فإن ترتيب المعلومات المعروضة تُحَدّدُه الخوارزميات مسبقًا. وإذا ما جمعتكم مناقشة على شبكة التواصل الاجتماعي مع أصدقائكم الذين يتحدّثون بلسان آخر، فإن الخوارزميات هي التي تتولى ترجمتها، طبعًا لا تكون تلك الترجمة بمواصفات الكمال المطلوبة، لكنها تبقى نافعة في كل الأحوال، وهو ما يدل على أن كل أداة يمكن أن تُوَظَّف؛ إما لتحقيق غايات جيدة أو سيئة، والمستخدمون هم من يحددون في نهاية المطاف، ما تقوم به الخوارزميات؛ لأن هذه الأخيرة تتكيّف وتتأقلم آليًّا بدلالة رغبات المستخدمين.

يوفال نوح هراري: لا يمكن للسكين أن تقرر قتل شخص ما أو إنقاذ حياة في أثناء عملية جراحية؛ لأن القرار كان دائمًا موقوفًا على الإنسان، بينما الذكاء الاصطناعي هو الأداة الأولى التي يمكنها الحلول محلَّنَا في عملية اتخاذ القرار. صحيح أننا لسنا بمأمن من القيام باختيارات سيّئة، فقد ارتكبنا أخطاء مُرعبة وعشنا تجارب فاشلة، من قبيل النازية والشيوعية، كما أن الحربين العالميتين الأولى والثانية كلتيهما كانتا خطأً فادحًا. وبعد تدمير حياة مئات الملايين من الناس، تعلمنا في نهاية المطاف بناء مجتمعات صناعية جيدة، والسبب الوحيد الذي يفسّرُ بقاءنا على قيد الحياة في القرن العشرين هو أن التقنية لم تكن بالقوة التي تتيح لها تدميرنا، أمّا تقنية القرن الحادي والعشرين فأقوى بكثير من نظيرتها في القرن الماضي، وإذا ما ارتكبنا من جديد خطأ من قبيل ذاك الذي وقعنا فيه كأن نُقيم، على سبيل المثال، نظامًا شموليًّا على أساس الذكاء الاصطناعي أو أن نُشعل فتيل حرب عالمية ثالثة، فإن حظوظ خروجنا من ذلك أحياءً، حتَّى نتعلّم من جديد من أخطائنا، تبقى ضعيفة جدًّا إن لم تكن منعدمة.

يان لوكان: الشيء نفسه يمكننا قولُهُ عن الثوْرات التي حدثت في التاريخ البشري، فالطباعة قوّضت المجتمع في أوربا عند بداية القرن السادس عشر الميلادي مع الطوائف الدينية، لكنها حملت معها الأنوار والنزعة العقلانية والفلسفة والعلم والفلسفة والديمقراطية.

يوفال نوح هراري: الطباعةُ غذّت الأنوار، لكنها غذّت الإمبريالية الأوربية والحروب الدينية أيضًا، لكن لو استُؤنِفَت الحروب الدينية من جديد، كما حدث بين البروتستانت والكاثوليك في فرنسا إبّان القرن السادس عشر، فإنني لا أعتقد، في ظل توافر الذكاء الاصطناعي والقنابل النووية أن البشرية ستبقى على قيد الحياة؛ لذلك فإن الخطر متمثل في أن الذكاء الاصطناعي يقوّض أسس الديمقراطية ودعائمها ويقود إلى خلق دكتاتوريات رقمية جديدة ستكون أكثر تطرفًا من الاتحاد السوفييتي.

على عتبات عصر جديد

●  لكن على الرغم من ذلك، تقول أنت يا يان لوكان: «إن تعزيز وتضخيم الذكاء الإنساني بواسطة الآلة سيؤدي إلى عصر نهضة جديد»، هل حقًّا يمكن أن يحدث ذلك؟
■  يان لوكان: إنها نهضةٌ أو عصر أنوار جديد، يدعمه تسارع التقدم العلمي والتقني والطبي والاجتماعي بفضل الذكاء الاصطناعي؛ لذلك فإن التخفيف من وتيرة البحث العلمي ليس مفيدًا لأنه لن يُوقف الخطر، وأقل ما يُقال عنه هو أنه أمر سخيف. ومن أجل استثمار وتوظيف أنظمة الذكاء الاصطناعي على أكبر نطاق، لا بد من التَّحلي باليقظة والحذر والقيام بذلك تحت رقابة الحكومات والجمهور.

يوفال نوح هراري: لقد استغرقت المجتمعات، ولا سيما الديمقراطية منها، عقودًا في فهم ما يحصل من تغيّرات، كما أن فهم تأثير الذكاء الاصطناعي على السياسة والسيكولوجيا والاقتصاد… سيحتاج سنوات عديدة؛ لذلك سيكون لزامًا علينا التخفيف من إيقاع السيرورة الخاصة به حتّى تكون المجتمعات قادرة على تعيين المخاطر وتحديدها؛ لتبني في المُحصّلة الفعل المناسب.

●  ومع البرامج الجديدة كما الحال في برنامج (Midjourney) أو (Runway)، التي تتيح ابتكار صور فوتوغرافية وفيديوهات أكثر فأكثر اتصافًا بالخاصية الواقعية، وهو ما جعل مفهوم الحقيقة موضوع تهديد واعتداء…
■  يوفال نوح هراري: إن المشكلة كانت قائمة حتّى قبل أن تظهر هذه الأدوات، فالحوار الديمقراطي قد انهار؛ لأن المواطنين بمن فيهم من ينتمون إلى أحزاب الحكومة، ما عادوا قادرين على التوَصُّل إلى تحقيق التوافق أو الإجماع، وتلك هي المفارقة التي تطبع الديمقراطيات الغربية، ففي الولايات المتحدة الأميركية، بوصفها إحدى البلدان التي تمتلك تقنية المعلومات الأكثر قوة، نجد الأميركيين عاجزين عن تحقيق الاتفاق فيما بينهم حول الأسئلة الأولية جدًّا: من الفائز في انتخابات 2020م؟ هل اللقاحات يمكنها مساعدتنا أم إنها على العكس من ذلك، خطيرة؟ بل إن الأمر قد بلغ بهم حدّ التساؤل عمَّ إذا كان التغيُّر المناخي أمْرًا واقعًا، فكيف لبلد يمتلك تقنيات قوية للمعلومة يعجز عن التّوصُّل إلى تحقيق اتفاق حول أمور هي من الأساسيات؟ وبناءً عليه يبدو أنْ لا شيء قد اكتُسِبَ.

يان لوكان: إن الجيل الشاب الذي نما وترعرع في صُحبة الإنترنت، يأخذ مسافة نقدية وله كيفية أكثر نسقية وتنظيمًا للتوصل إلى أصل معلومة من المعلومات، فكثير من التَّنبُّؤات لا تأخذ في حُسبانها أنَّ الناس يكيِّفُون طريقتهم في التفكير.

 

سلاح ذو حدين

●  هل سنكون في حاجة إلى شكل التنظيم السائد نفسه في مجال الطاقة النووية؟
■  يان لوكان: يتمثل الاختلاف الكبير في أن الذكاء الاصطناعي صُمِّمَ لأجل زيادة الذكاء الإنساني، بينما صُمِّمَت الأسلحة النووية لقتل الناس.

يوفال نوح هراري: إنه لَسؤال جيد: هل صمّمنا الذكاء الاصطناعي لجعل الناس أكثر ذكاء أم لأجل التّحكُّم فيهم؟ الإجابة عن هذا السؤال تختلف من بلد إلى آخر.

يان لوكان: من المرجّح أن بعض البلدان تصمّم الذكاء الاصطناعي للتحكم في الناس، غير أن تأخرها في مجال التقنية سيكون أمرًا لا مناص منه.

يوفال نوح هراري: أعتقد أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرّد أمنية، فعلى سبيل المثال كان النازيون أكثر تقدمًا من الغرب في مجال البنادق والطائرات النفاثة؛ إذ هزمت ألمانيا النازية فرنسا سنة 1940 هزيمة حاسمة، حتى إن كان التوازن الاقتصادي بين القوات قد شَجَّع التحالف الفرنسي البريطاني؛ لذلك لن أراهن على أن الديمقراطيات هي من تكون لها السيادة دائمًا.

●  ما رأيكم في اقتراح إيلون ماسك زرع رقائق إلكترونية في أدمغة كائنات بشرية حتى تنافس الذكاء الاصطناعي؟
■  يوفال نوح هراري: يعيدنا ذلك إلى طرح سؤال: كيف نفكر بخصوص إمكانية جعل «الكائنات الإنسانية مزيدة ومعزّزة»؟ أعتقد أنه من الخطير جدًّا استخدام الذكاء الاصطناعي أو الوصلات أو الأسطح البينية دماغ- حاسوب لمنحهم حياة أطول أو ذاكرة أفضل. فقد عانينا دائمًا، نحن معشر البشر، من وجود فارق وتباعد بين قدرتنا على استخدام الأنظمة والحكمة الضرورية من أجل فهم هذه الأنظمة في العمق، لكن الحاصل، للأسف، هو أن الاستغلال أسهل بكثير من الفهم. تعلَّمنا في الماضي التحكم في الأنهار والحيوانات والغابات، لكن غاب عنا فهْمُ تعقيد النظام الإيكولوجي، فكان أنْ أفرَطْنا في استخدام قوتنا وسُلطتنا؛ وهو ما تسبَّب في اختلال توازنه. وفي القرن الحادي والعشرين لم نعد قادرين على تعلُّم استغلال العالم الذي يحيط بنا وحسب، بل صرنا قادرين على التحكم في عالمنا الداخلي واستغلاله أيضًا، فالذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى مثل الهندسة الوراثية، يمكنها إتاحة إعادة تصميم جسدنا وأذهاننا، وأن نتحكم في انفعالاتنا، وأفكارنا وإحساساتنا. كما أن الحكومات والشركات والجيوش يمكنها استخدام التقنيات الجديدة لتحسين الكفاءات التي تكون في حاجة إليها من قبيل الذكاء والانضباط، عبر إهمالها وتخليها عن تنمية العطف، والحساسية الفنية أو الروحية. هكذا يمكننا أن نفقد قسمًا كبيرًا من إنسانيتنا من دون أن نكون على بيّنة من ذلك. إننا نفضِّل التركيز على الزيادة في قوة الخوارزميات بدل أن نركز على البحث في الذهن الإنساني الذي لا نعرف إلا النزر القليل عنه؛ لذلك أتمنى أن نخصِّص في مقابل كل دقيقة نكرّسها لنمو الذكاء الاصطناعي، دقيقة أخرى للبحث في تطور ذهننا الخاص.

يان لوكان: فيما يخصُّ الرقاقات التي تُغرَسُ في الدماغ، فإن البحث فيها يجري منذ سنوات عديدة، وهي تظل مفيدةً جدًّا في علاج بعض اضطرابات البصر والسمع، وواعدة جدًّا في علاج أنواع بعينها من الشّلل، ويمكننا أن نتصور علاج بعض اختلالات الذاكرة في المستقبل عبر حصين اصطناعي، غير أنني أشك في أن يُوافق كثير من الأشخاص على وضع رقاقات مغروسة ليتفاعلوا مع مساعد افتراضي، وإن حصل ذلك فلن يحصُل في المستقبل القريب على الأقل. الذكاء الاصطناعي يسرع وتيرة تقدم الطب، وهو ما نعاينه الآن في مجال التصوير الطبي، كما ساعدنا بالفعل في فهم آليات أو مكانيزمات الحياة البيوكميائية، على سبيل المثال من خلال التحكم في تشَكُّل البروتينات وتفاعلاتها مع بروتينات أخرى. لا أومن بالسيناريو الذي يُشَجّع من الخيال العلمي، وفيه ستكون الهيمنة للذكاء الاصطناعي على الإنسانية وسيقضي عليها، ربما قد تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقبلية أكثر ذكاء منَّا نحن، لكنها ستَخْدُمنا ولن تكون لها أي رغبة في الهيمنة على البشرية.

المصدر: 
مجلة الفيصل