غالباً ما يُنظر إلى مؤسسة الزواج – اجتماعياً - بتعابير رومنطيقية تجميلية كـ"القفص الذهبي"، و"العش السعيد"، في محاولة لتجاوز مفاهيم أكثر واقعية وشحوباً. فهو "الشر الذي لا بد منه"، و"سُنّة الحياة" التي لا مفر منها.
أدبياً، يصف أمين تقي الدين الزواج بأنه "الترجمة النثرية الجافة لقصيدة الحب". وهو ما يتماهى مع وصف شاعر ألمانيا الكبير يوهان غوته (1832-1749)، لفكرة الزواج مفرّقاً بين الحُب كـ"شيء فكري"، والزواج كـ"شيء واقعي". لا يمكن لأحدنا أن يخلط بينهما "دون أن يناله العقاب".
بدورها، تصف الكاتبة الإيطالية إلسا مورانتي، ذات مرة: "الأزواج الأدبيون هم الطاعون". فالأنانية المفرطة، حب الذات، والطباع العاصفة لبعضهم من الكتاب/الكاتبات، والمزاجية الإبداعية قد تدخل في قائمة أهم الأسباب التي قد تمنعهم من الزواج. أو الفشل في عيش علاقة زوجية هادئة وطويلة.
خير مثال على ذلك ما ترويه ناعومي وود مؤلفة كتاب "زوجات همنغواي": إنه كان زير نساء، وإن دوره كزوج يتوارى أمام أدواره كصياد كبير للنساء.
وترى الناقدة الأدبية والمؤرخة الثقافية البريطانية لارا فيجل أن همنغواي، رغم حبه للاستقرار الذي يوفره الزواج، وأن أعصابه تكون أكثر هدوءاً عندما يكون مع زوجة توفر له الأمان، لكن يعد أن الإثارة كانت وقود الكتابة، ولذلك احتاج إلى نساء أخريات.
لكن، رغم كل ما سبق، يحفل الوسط الأدبي بزيجات ناجحة تتصف بالديمومة والاستقرار، ومنها زواج الشاعر السوري أدونيس وخالدة سعيد، والشاعر المصري أمل دنقل وعبلة الرويني ومريد البرغوثي ورضوى عاشور.
تضاريس محفوفة بالزيجات الأدبية
في كتابها الشهير "حياة الزوجات - خمس زيجات أدبية"، تتناول الكاتبة والناقدة الأميركية كارميلا سيورارو، العلاقة المحفوفة بالتوترات والصراع الأدبي بين المتزوجين من أهل الأدب، واصفة تلك العلاقة بأن المساحة الإبداعية هي خط الصدع.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى أمور مثل من يعتني بالأطفال، حروب النفوذ الملهمة، وكذلك، الغيرة من النجاح. تلك الغيرة السامة التي دفعت الناقد والمسرحي البريطاني كينيث تينان لأن يهدد زوجته الكاتبة الأميركية إيلين دندي بعد نجاح روايتها الأولى "الأفوكادو الفاشلة"، و محذراً إياها إذا تجرأت على كتابة كتاب آخر، فسوف يطلقها.
بينما على النقيض منهما، يعترف الصحافي والروائي الأسترالي جورج جونستون لزوجته الروائية الأسترالية شارميان كليفت بأفضليتها عليه أدبياً بالقول: "بأنها كاتبة أفضل منه وفقاً للمعايير الأدبية".
الكتاب الأحدث والأشهر عربياً الذي تحدث عن الزيجات الأدبية - عربياً وعالمياً - هو للشاعر اللبناني شوقي بزيع بعنوان "زواج المبدعين".
وهو يتقاطع كثيراً مع ما تذهب إليه سيورارو، بزيع الذي احتاج وقتاً وتفكيراً طويلين قبل الدخول في مؤسسة الزواج.
يذكر سبب كتابة هذه السير العاطفية لمبدعين/ات شرقاً وغرباً بالقول: "إن هاجس البحث عن نظائر وأشباه في عالم الكتابة والفن، هو الذي دفعني إلى كتابة هذه السير العاطفية والأسرية لكوكبة متميزة من المبدعين، وصولاً إلى جمعها بين دفتي كتاب".
مؤكداً أن الطابع التشاؤمي، والفكرة المسبقة عن فشل محتمل للعلاقات التي تجمع الأدباء، والنهايات التعيسة المتوقعة: "أن الأمر لا يتصل بهوى فردي، بل بالمعاينة الموضوعية الدقيقة لما واجهه أغلب المبدعين والمبدعات من مكابدات ومتاعب، في ظل انفصالهم شبه الكلي عن الواقع، وعجزهم الشخصي عن تلبية الشروط المرهقة للزواج".
"متزوجون/ات من الأدب"
لذلك، كثيرون من الأدباء تجنبوا الوقوع في "فخ الزواج"، حفاظاً على طقوسهم الخاصة وعلاقتهم الأثيرة مع الكتابة التي تصل حد الهوس، وبدعوى "الزواج بالأدب". على رأس هؤلاء كان الأديب المصري عباس محمود العقاد (1964-1889) معتبراً الزواج عائقاً يحد من حريته في العمل والكتابة والتأليف الإبداعي. لأنه كان يقضي وقتاً طويلاً من يومه في القراءة والبحث والكتابة، ما قد يؤثر على اهتمامه بواجباته الزوجية الأخرى.
بدورها، الشاعرة العراقية ذات الإحساس المرهف نازك الملائكة كانت ضمن نادي العزوبية الأبدية. فشاعرة العُزلة التي أفضت عزلتها الاجتماعية إلى النفسية، وصاحبة قصيدة "الكوليرا"، التي تعتبر من أوائل الشعر الحر في أدبنا العربي، كانت قد أسست في أربعينات القرن الماضي جمعية ضد الزواج ضمت إلى جانبها شقيقتها المترجمة إحسان والكاتبة والشاعرة ديزي الأمير (2018-1935)، الطريف في الأمر أن الجمعية فقدت تلاحمها بزواج الأخيرتين. فتزوجت إحسان من الفنان التشكيلي علي غالب الشعلان. أما ديزي فقد ارتبطت بالأديب والشاعر اللبناني حبيب صادق.
أيضاً، الكاتبة والأدبية مي زيادة (1941-1886)، صاحبة "المد والجزر"، إحدى رائدات النهضة النسوية العربية والمطالبات بحقوق المرأة العربية، والتي أغرم بها أشهر رواد عصرها من الأدباء من أمثال: أحمد شوقي، إسماعيل صبري، طه حسين، وعباس محمود العقّاد نفسه.
وعرفت بحبها ومراسلاتها مع الأديب والشاعر اللبناني جبران خليل جبران ما بين عامي (1931-1911) من دون أن يلتقيا أبداً. لكنّ زيادة رفضت عروض الزواج كلها معتكفة على حياتها الأدبية وكتاباتها الصحافية.
أخيراً لدي مكانٌ للعمل
غالباً ما يبدأ التوتر بمساحة الكتابة، لاحظت فيرجينيا وولف أن إنشاء غرفة خاصة بالفرد يتطلب المال والوقت. في حديقة "مونك هاوس" شرق مقاطعة ساسكس، قامت وولف ببناء نزل جديد للكتابة بعدما أزعجها زوجها الناشر ليونارد وكلبهما. "الضجيج القليل يزعجني؛ لا أستطيع أن أفكر في ما كنت سأقوله".
رغم ذلك، كان ليوناردو وولف داعماً كبيراً لمسيرة فرجينيا الأدبية، وتعامل بعقلانية مع كل أمراضها النفسية التي كانت سبباً بانتحارها في نهاية المطاف. وتركت لزوجها رسالة تقول فيها: "كل ما أريد قوله أني أدين لك بكل السعادة التي حصلت في حياتي، لا أعتقد أنه يمكن لزوجين أن يكونا أكثر سعادة منّا".
كذلك، تذكر الكاتبة والروائية النيوزيلندية روث بارك (2010-1917) في مذكراتها أنها وزوجها الكاتب الأسترالي دارسي نيلاند (1967-1917) كانا يكافحان من أجل الحصول على مكان خاص للعمل عندما عاشا في غرفة مستأجرة بداية حياتهما الزوجية.
رغم ذلك الجو المشحون والمكان الضيق، أنجزت عملها على رواية "القيثارة في الجنوب"، ثم تتحدث عن انتقالهما إلى شقة أكبر، "توجه نيلاند مباشرة نحو طاولة غرفة الطعام، وفتح الآلة الكاتبة بحماسة، ووزع قواميسه وأوراقه وكتبه المرجعية. "انظروا!" بكى: "لقد أصبح لدي مكان مناسب للعمل أخيراً".
الكفاح ذاته نجده في العلاقة الزوجية التي جمعت بين الروائية كريستين ويليامسون وزوجها الكاتب المسرحي ديفيد أميس أيضاً في مشاركة الطاولة، بشكل أقل انسجاماً.
في سيرتها الذاتية عن ديفيد، خلف الكواليس، تتذكر أنها شعرت وكأنها "متعاطية للمهدئات" مقارنةً بكتابة ديفيد على الآلة الكاتبة. لقد تأكدا دائماً من أن كلاً منهما لديه غرفة خاصة به في المنازل اللاحقة. ولكن كما تقول كريستين مازحة، "غرفة ديفيد أكبر حجماً. وكانت غرفه كذلك دائماً".
لكن يبدو أن كلاً من الكاتبة الإيطالية إلسا مورانتي وزوجها الروائي الإيطالي الشهير ألبرتو مورافيا حافظا على "اتحادهما الزوجي".
وتميز كل منهما بغزارة إنتاجه الأدبي، فنشرت مورانتي أربع روايات إيطالية، من بينها "بيت الكذابين" و"جزيرة أرتورو"، ومجلدات من المقالات والقصص القصيرة والشعر. يقول مورافيا في مذكراته إن "الكتابة كانت حياتها"؛ وإنها كانت تفضل القطط التي لم تنتقد عملها أو تقاطعها.
اشترى مورافيا شقة صغيرة لمورانتي لاستخدامها كمحترف للكتابة، بتمويل كبير من روايته الأكثر مبيعاً "امرأة روما" (1947)، وقال: "إنها تقول إنني صاخب جداً، وعصبي جداً، وإنها بحاجة إلى الخصوصية". "أستطيع أن أكتب في بهو الفندق أو مع شخص يعزف (الجهير) على الكرسي القريب مني".