"ذرفت دموعاً كثيرة بسبب ما تعرضت له من مضايقات وسخرية وإساءات جعلتني أعزل نفسي عن الناس". هكذا تعبّر الفتاة آمال حدية البالغة 16 من العمر، في حديثها لـ"العربي الجديد"، عن المعاناة التي عاشتها بسبب مشاركة زميلها في ثانوية المنصور الذهبي بالعاصمة المغربية الرباط، مع آخرين، صوراً لها على "واتساب"، والتي أرفقها بمحتوى سخر من قامتها القصيرة. تضيف: "لم يتوقف تداول هذه الصور عند زملائي في الفصل، بل انتشر في المؤسسة التعليمية وخارجها، فأصبحت الأنظار تلاحقني في كل مكان والكلمات الجارحة تطرق أذني. وتأثرت جداً من تصرفات التنمر والسخرية والاستهزاء التي رافقت هذا التداول، وهو ما لن أستطيع نسيانه". وفيما تصف آمال نفسها بأنها "ضحية تنمر إلكتروني"، باعتبارها قضت أياماً صعبة بعد الحادث جعلتها في النهاية تغادر الدراسة وتنعزل في البيت، سلطت حملة، انطلقت الإثنين الماضي، الضوء على الحاجة إلى مواجهة التنمر الإلكتروني في الوسط المدرسي، وعواقبه الوخيمة.
وتهدف الحملة التي أطلقها المجلس الثقافي البريطاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتستمر حتى 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بشعار "اليد الممدودة"، إلى جعل الأطفال والشباب يشعرون بأهمية مكافحة التنمر على الإنترنت، وتحديد سبل الوقاية من الظاهرة.
كما تتضمن المبادرة دروساً وأنشطة لجميع الفئات العمرية وكل المستويات، يشرف عليها أساتذة المجلس الثقافي البريطاني، وتركز على مكافحة التنمر، وخلق بيئة تعليمية آمنة للأطفال.
كما يشمل برنامج مكافحة التنمر مسابقة تشمل جميع مراكز التدريس التابعة للمركز الثقافي البريطاني بالمنطقة في موضوع مكافحة التنمر، علماً أن الحملة حدث سنوي ينظم في المغرب خلال الأسبوع الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني.
ويرى رئيس "الفيدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب"، نور الدين عكوري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن حوادث التنمر الإلكتروني ظهرت في المغرب مع تزايد إقبال التلاميذ على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وأضيف ذلك إلى عوامل اجتماعية واقتصادية نشرت العنف والتنمر في المدارس".
وتعرّف منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" التنمر الإلكتروني بأنه "سلوك يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التفاعل والتراسل والألعاب الإلكترونية والهواتف الخلوية، ويهدف إلى إخافة أو استفزاز أو تشويه سمعة أشخاص من خلال نشر أكاذيب أو صور محرجة أو رسائل أو تهديدات مؤذية".
وتتنوع أشكال التنمر الإلكتروني بدءاً من كتابة تعليقات غير لائقة على صور خاصة، أو تداول مقاطع مصورة بين أفراد المجتمع على الإنترنت بدافع السخرية، أو التطفل على خصوصيات الآخرين من خلال تصويرهم بلا علمهم ونشر المقاطع، أو التلاعب في الصور وتعديلها كي تبدو حقيقية من أجل الإساءة إليهم.
ويقول الباحث في علم الاجتماع علي الشعباني، لـ"العربي الجديد"، إن الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي تحوّلت لدى بعض التلاميذ والشباب من وسيلة للتواصل والتثقيف والأخبار والنقاش، إلى ساحة للتنمر والإساءة إلى أشخاص وإيذائهم وجرح مشاعرهم والتشهير بهم واقتحام خصوصياتهم". يتابع أنه "من الطبيعي أن يقع أشخاص ضحايا للتنمر الإلكتروني، ويواجهون مشاكل الانعزال والانتحار وغيرها، بفعل غياب الوعي والحصانة أو المناعة الذاتية التي تواجه سلوكيات المتنمرين، وكذلك عدم القدرة على تحليل القضايا وتقييمها بشكل مناسب".
ولا توجد إحصاءات رسمية عن عدد ضحايا التنمر الإلكتروني في المغرب، لكن دراسة نشرها فريق "ابتسامة رضا" غير الحكومي في ديسمبر/ كانون الأول 2021، أظهرت أن 62 في المائة من الشباب في المغرب تعرضوا للتنمر أو مضايقة عبر الإنترنت، كما أن 58 في المائة منهم شهدوا أنواعاً من أعمال العنف ضد آخرين، واعترف 47.7 منهم بأنهم اقترفوا أحد أشكال العنف.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، حذرت نتائج دراسة بعنوان "مدى حماية الآباء المغاربة لأبنائهم على الإنترنت"، أجرتها شركة "كاسبرسكي" المتخصصة في الأمن الإلكتروني، من مخاطر استخدام الأطفال الإنترنت في التنمر. وأشارت إلى أن ثلث الآباء المغاربة كشفوا أن أطفالهم وقعوا ضحايا تنمر عبر الإنترنت، وأن 10 في المائة منهم استدعتهم المؤسسات التعليمية الخاصة بأطفالهم بسبب المشاركة في إهانة أطفال عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأكدت أن نحو نصف الآباء لا يعرفون كيفية التعامل مع تعرض أطفالهم للتنمر على الإنترنت.
ولا يوجد قانون يجرم التنمر الإلكتروني في المغرب، ولكن يمكن أن يكيّف القضاء الوقائع المعروضة عليه وفقاً لنصوص قانونية متفرقة، وإدراجها ضمن جرائم السب والقذف والتهديد والابتزاز والجرائم الإلكترونية، والتحرش الجنسي.
ويرى عكوري أن "مواجهة التنمر الإلكتروني تحتاج إلى تدابير مشتركة لكبح انتشاره في صفوف التلاميذ، وتفعيل مراكز الاستماع داخل المؤسسات التعليمية، باعتبارها قادرة على محاربة عدد من الظواهر الشاذة، مثل التحرش والتنمر وانتشار المخدرات. ومن الضروري إشراك الأسر في معالجة الظاهرة التي زادت في السنوات الأخيرة".
من جهته، يشدد الشعباني على ضرورة التعريف بالعواقب الوخيمة التي يلحقها التنمر الإلكتروني بالضحايا، ونشر الوعي والقيم، والتنبيه إلى القوانين الرادعة، وتثقيف المجتمع بماهية ورسالة الإنترنت كوسيلة للتعلم والانفتاح على قيم جديدة وثقافات أخرى، وليس كأداة لإلحاق ضرر معنوي ومادي بالغير وإهانته والإساءة إليه وتحويل حياته إلى جحيم.
وكانت وزارة التربية الوطنية المغربية أطلقت، في يناير/ كانون الثاني الماضي، مشروعاً تجريبياً لتكوين 22 أستاذاً من أجل التعامل مع حالات التنمر في المدارس، وفق طريقة الاهتمام المشترك. واندرج المشروع التجريبي الأول من نوعه في إطار الحملة الوطنية للاستعمال الآمن للإنترنت، وضم في مرحلته الأولى ثلاث مؤسسات تعليمية في العاصمة الرباط. وقالت الوزارة في بيان إن "الورش تهدف إلى إعداد فرق متخصصة في التعامل مع حالات التنمر، خصوصاً بعدما زادت في الفضاء الافتراضي خلال جائحة فيروس كورونا".