كيف يتم استخدام شبكات التواصل لتحويل الكذب الى حقيقة.؟؟
تطورت الكمبيوترات، اصل وسائل التواصل،وتحولت الى آلة تنطوي على القدرة على تحقيق شيئين مهمين: اتخاذ قرارات بنفسها، وخلق افكار جديدة ومبادرات تشكل المجتمع، الثقافة والتاريخ.
كيفية ذلك يشرحها يوفال هراري في كتابه الجديد: nexus تاريخ شبكات الواصل. اعتمد على نموذج الفايسبوك والدور المحرض الذي لعبه في أحداث الميانمار والمجازر ضد الروهينغا بين عامي 2016-2017. فلقد شرح الطريقة التي تساهم فيها الغوريتمات، الشبكة الاجتماعية، في نشر الكراهية وتهديد التماسك الاجتماعي، للعديد من البلدان.
ففي أحداث الاعوام 2016-2017 ميانمار- بيرمانيا، أجّج الفايسبوك شعور الكراهية والعنف ضد الروهينغا المسلمين. فبعد ان عمّ التفاؤل فيها عام 2010، بعد سنوات من النظام العسكري، المطبوع بالرقابة القوية وبالعقوبات الدولية، انفتحت حقبة من التحرر: نُظمت انتخابات، ورُفعت العقوبات وتدفقت المساعدات والتوظيفات. لعب فايسبوك دورا كبيرا، وقدم للملايين من البيرمان، الدخول الحر الى كنوز من المعلومات غير المتخيلة. لكن تراخي القبضة الحكومية والرقابة، رفعت حدة التوترات الاتنية، وخصوصا بين الاغلبية البوذية من البيرمان، والمسلمين الروهينغا.
تابع احد المراقبين الاحداث وكتب، ان ما قدمه فايسبوك عن عدد الهجومات ضد الروهينغا كان مذهلاً، فالشبكة لم تعد تنقل سوى اعتداءاتهم؛ ما دعّم فكرة انهم ارهابيون لا يستحقون ان يكون لهم حقوق. عدا عن ذلك، اجتاحت “الفايسبوك” الاخبار المزيفة عنهم، نقلت اخبار الرعب ومشاريع اعتداءات خيالية سينفذونها. نادت بنظريات مؤامرة شعبوية، بان معظم الروهينغا لا ينتمون الى شعب ميانمار – وانهم مهاجرون اتوا حديثا من بنغلادش، كي يجتاحوا البلد، محملين بالرماح الحديدية ضد البوذيين. خاف البوذيون، مع انهم يشكلون 90% من الشعب، من ان يتحولوا قريبا الى اقلية!!
ما كان يمكن لعدد محدود من الهجومات العشوائية لبعض فرق روهينغا، ان تتسبب بمثل تلك الاعتداءات على جماعتهم، لولا دور حملة الغوريتمات فايسبوك الدعائية المسيئة.
الكمبيوترات اصل وسائل التواصل تطورت وتحولت الى آلة تنطوي على القدرة على تحقيق شيئين مهمين: اتخاذ قرارات بنفسها وخلق افكار جديدة ومبادرات تشكل المجتمع، الثقافة والتاريخ
اظهرت منظمة العفو الدولية لاحقا، دور محتويات فايسبوك الداعية الى العنف والكراهية والتمييز ضد الروهينغا. ايضا رفعت لجنة تحقيق اممية تقريرها للامم المتحدة، مفادها ان نشر محتويات الكراهية على فايسبوك، كان لها الدور “المحدد او الفاعل” في حملة التصفية العرقية.
ان ما يجب ان نفهمه اولا، هو ان الغوريتم شبكات التواصل، يختلف بشكل جذري عن الكتابات المطبوعة، وعن محطات الاذاعة التي تعد مجرد ناقلة للخبر.
في الاعوام المذكورة، اتخذت لوغاريتمات الفايسبوك بنفسها، قرارات نشطة وذات انعكاسات ثقيلة النتائج. اقترب دورهم من دور رؤساء تحرير الصحف. وبدل انتقاء احاديث معتدلة ومبادرات سلمية لبوذيين، كانت موجودة، اختاروا تلك التي تدعوا الى الكراهية والعنف.
وضع فايسبوك في طليعة المحتويات امام المستخدمين، رسائل الكراهية، واتبعوها مباشرة بفيديوهات يستمع اليها المستخدم بشكل اتوماتيكي. بحيث بلغ الاستماع احياناً 70% من المستخدمين. ونصحهم بمجموعات للمتابعة.
لكن لماذا قررت الألغوريتمات ذلك؟ الحقيقة معقدة ومقلقة.
في تلك الاعوام 2016-2017 كان الموديل التجاري للفايسبوك يقوم على جعل “انخراط” مستخدميه اضخم، اي مزيد من الوقت الذي يمضيه هؤلاء على الفايسبوك، ولكل افعالهم، كالكبس على الزر من اجل لايك، او مشاركة منشور صديق. عندما يزداد الانخراط، كان فايسبوك يجمع معلومات اكثر، ويبيع مساحات دعائية أكثر، ويحصل على مساحة اكبر في سوق المعلومات. ما يترك انطباعاً مؤثراً لدى المستثمرين. وهذا ما يرفع اسهم فايسبوك، فتزداد ثروتها.
النموذج التجاري لألغوريتم الفايسبوك هدفه زيادة أعداد المستخدمين اكتشفت الالغوريتمات بعد ملايين الاستخدامات، ان المحتوى الفاحش والعنيف يزيد عدد انخراط المستخدمين
النموذج التجاري لألغوريتم الفايسبوك هدفه زيادة أعداد المستخدمين. اكتشفت الالغوريتمات، بعد ملايين الاستخدامات، ان المحتوى الفاحش والعنيف يزيد عدد انخراط المستخدمين: فلدى نظرية المؤامرة ومشاعر الكراهية، حظ اكبر في دفع البشر الى التحرك من أي خطاب وعظي. فأخذت الالغوريتمات قرارها، ثقيل النتائج، بنشر الكراهية.
المشكلة الأساسية برأيي هي في البشر. وهذا يفسر لنا نجاح نظريات المؤامرة، التي لم يجد غيرها الممانعون لاستخدامها كسلاح، ضد الخروج من الفوضى، الى دولة القانون والشرعية.
فحذار من وسائل الاتصال، لأنها ناقل خطر وغير محايد، وينشر اسوأ ما في البشر لاستعدادهم الكبير للتجاوب. وهذه دعوة لتحكيم العقل والحكمة، في افعالنا، وعدم الانجرار الى الكراهية.