في رحلته اليومية من منزله بضاحية حلوان في جنوب القاهرة إلى مقر عمله بوسط العاصمة المصرية، مستخدماً مترو الأنفاق، يحرص المهندس خالد الدسوقي، صاحب الـ56 عاماً، على ألا تغادر الكمامة وجهه في رحلتَي الذهاب والعودة، على الرغم من تخلص بقية الركاب من هذا الإجراء الاحترازي ضد الفيروس الذي يدخل عامه الرابع.
الدسوقي، الذي يعمل مهندساً مدنياً وظل يؤجل لحظة الانتقال من العمل المنزلي الذي فرضه الوباء إلى الذهاب لمقر العمل، قال لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد بالإمكان الاستمرار في العمل عن بُعد، بعد أن أصدرت إدارة الشركة قراراً بالعودة إلى أوضاع ما قبل بداية الوباء، ولكنني بقدر الإمكان أحاول الالتزام بالإجراءات الاحترازية، حتى وإن شعرت بأنني صرت غريباً في مجتمع كان يخشى أفراده قبل شهور، عطسة شخص إلى جوارهم، خشية العدوى».
وأصبحت غالبية شعوب العالم تتصرف مثل رفقاء الدسوقي في عربة المترو، وهو ما يثير تساؤلاً منطقياً: «هل طوى العالم صفحة (كورونا)؟».
في رحلته اليومية من منزله بضاحية حلوان في جنوب القاهرة إلى مقر عمله بوسط العاصمة المصرية، مستخدماً مترو الأنفاق، يحرص المهندس خالد الدسوقي، صاحب الـ56 عاماً، على ألا تغادر الكمامة وجهه في رحلتَي الذهاب والعودة، على الرغم من تخلص بقية الركاب من هذا الإجراء الاحترازي ضد الفيروس الذي يدخل عامه الرابع.
الدسوقي، الذي يعمل مهندساً مدنياً وظل يؤجل لحظة الانتقال من العمل المنزلي الذي فرضه الوباء إلى الذهاب لمقر العمل، قال لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد بالإمكان الاستمرار في العمل عن بُعد، بعد أن أصدرت إدارة الشركة قراراً بالعودة إلى أوضاع ما قبل بداية الوباء، ولكنني بقدر الإمكان أحاول الالتزام بالإجراءات الاحترازية، حتى وإن شعرت بأنني صرت غريباً في مجتمع كان يخشى أفراده قبل شهور، عطسة شخص إلى جوارهم، خشية العدوى».
وأصبحت غالبية شعوب العالم تتصرف مثل رفقاء الدسوقي في عربة المترو، وهو ما يثير تساؤلاً منطقياً: «هل طوى العالم صفحة (كورونا)؟».
بالنظر إلى عداد الإصابات والوفيات، الذي لا يتوقف عن إضافة المزيد كل يوم، لا يبدو أن العالم طوى تلك الصفحة، بل لا يستطيع أحد أن يتنبأ بموعد تلك الخطوة، ولكن ربما تعطي سلوكيات البشر «إحساساً خادعاً» بذلك، بعد أن انتقل العالم من مرحلة «الذعر الوبائي» إلى «التعايش مع الفيروس»، كما تكشف الأرقام.
وساعد الخوف من الفيروس والإغلاقات التي نفّذتها الدول في بدايات الوباء الذي أعلنته «منظمة الصحة العالمية» حالة «طوارئ» صحية في 31 يناير (كانون الثاني) 2020، إلى تقليل عدد الإصابات في البداية، ثم ما لبثت أن تخلّت الدول رويداً رويداً عن هذه الإغلاقات، مع تحقيق تقدم في حملات التطعيم، وهو ما أدى إلى إصابة عدد كبير من السكان من غير المطعمين، لتعمل هذه الإصابات، جنباً إلى جنب، مع المناعة المتشكلة عند البعض باللقاحات، على تشكيل مناعة مجتمعية، خفضت الإصابات مجدداً.
- مفارقة تكشفها الأرقام
ورغم شعور المهندس الدسوقي -غير المبنيّ بالضرورة على إحصاءات- بتراجع الإصابات والوفيات في محيطه العائلي والمهني؛ فإنه لا يزال على حذره في ارتداء الكمامة خوفاً من تداعيات الإصابة بالفيروس الذي لطالما شغل الدنيا وأرعب الناس.
لكن ثمة دلائل علمية، تتباين بدرجة ما مع مخاوف الدسوقي البالغة، إذ تُظهر الإحصاءات أن مؤشر الوفيات في بدايات الوباء كان مرتفعاً، ثم ما لبث أن انخفض بنسبة كبيرة رغم استمرار زيادة عدد المصابين.
غير أن معدل الوفيات عاد إلى الارتفاع مجدداً، وذلك «بسبب السياسات الصينية، التي تخلّت بشكل مفاجئ عن سياسة (صفر كوفيد) التي حرمت المجتمع الصيني من تشكيل مناعة مجتمعية، فأدى ذلك لزيادة عدد الوفيات، لا سيما بين كبار السن»، حسب تقديرات خبراء.
عالمياً تكشف إحصاءات جامعة «جونز هوبكنز» الأميركية عن هذه المفارقة، ففي يوم 21 يناير 2022، والذي شهد أعلى عدد من الإصابات منذ بداية الوباء وسجل (نحو 3 ملايين و851 ألفاً و174 إصابة)، كان عدد الوفيات (9 آلاف و494 حالة وفاة)، بمعدل أقل من نصف في المائة (0.246 في المائة)، وبالمقارنة مع يوم 21 يناير في العام الذي سبقه (2021)، كان عدد الإصابات (651 ألفاً و526 إصابة) توفي منهم (16 ألفاً و878 شخصاً) بمعدل (2.59 في المائة)، لكن في 21 يناير من عام 2023، عاد معدل الإصابات والوفيات إلى الارتفاع مجدداً بمعدل بسيط، بسبب الوضع الوبائي في الصين، حيث كان عدد الإصابات (153 ألفاً و257 إصابة) توفي منهم (ألفان و552 شخصاً)، بمعدل (1.665 في المائة).
وكان نمط الانخفاض الواضح في عدد الوفيات، رغم زيادة عدد الإصابات، سبباً في «انتقال العالم بعد ثلاث سنوات من مرحلة الذعر من الوباء إلى التعايش معه»، كما يوضح ماثيو وودروف، مدرس علم المناعة البشرية بجامعة «إيموري» الأميركية في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط». ويقول وودروف: «حققت حملات التطعيم نجاحاً كبيراً في منع عدد لا يحصى من الوفيات في جميع أنحاء العالم، وهو ما ساعد على إنهاء حالة الذعر من الفيروس». وأضاف: «أعتقد أن غالبية السكان لا يرون أنفسهم معرَّضين لخطر كبير، لكنّ هذا لا يعني طيّ صفحة الوباء، لأنه من غير المرجح أن يوقف الفيروس مساره دون ابتكار جديد».
- متحور «كراكن»
وكان آخر ابتكارات الفيروس هو المتحور «XBB.1.5»، والذي بات يُعرف بشكل غير رسمي باسم «المتحور كراكن»، وظهر في أميركا في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، ثم انتقل إلى 38 دولة على الأقل، ووصفته ماريا فان كيركوف، الرئيسة الفنية لـ«كوفيد - 19» بمنظمة الصحة العالمية، في تصريحات صحافية، بأنه «الأكثر قابلية للانتقال حتى الآن، مع حدوث طفرات في البروتين الشوكي الفيروسي (سبايك) تسمح للفيروس بالارتباط بشكل أفضل بمستقبلاته في الخلايا البشرية (ACE - 2) وتسهل التهرب المناعي».
ورغم هذه المواصفات، لا يرى وودروف، أن هذا المتحور يمكن أن يتسبب في ضياع المكاسب التي تحققت خلال سنوات الوباء، وقال: «على الرغم مما يقال عن المتحور وقدراته، فإن معدلات الوفيات لم ترتفع بالطريقة التي كانت عليها في وقت مبكر من الجائحة».
ويعزو وودروف تفاؤله إلى أن «السكان طوّروا على الأقل خطاً أساسياً للمناعة العامة، ولا يعني هذا بالضرورة حماية الأشخاص من العدوى النشطة، ولكنّ هذا يعني أن نظام المناعة لديهم يتمتع بقدر قليل من الذاكرة المناعية عند مواجهة متغيّر جديد». ويرى أنه «من غير المحتمل أن ننزلق مرة أخرى إلى أيام الوباء المبكرة، دون حدوث طفرة كبيرة غير متوقعة بالفيروس، تتجاوز مجرد تطور سلالة جديدة».وتبدو مسألة حدوث هذه الطفرة الكبيرة، التي تعيد الذعر الوبائي، أمراً مستبعداً، في رأي أحمد سالمان، مدرّس علم المناعة وتطوير اللقاحات في معهد «إدوارد جينز» بجامعة «أوكسفورد» البريطانية، والذي قال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «إذا حدث ذلك، سنكون أمام فيروس جديد نبحث له عن اسم آخر، ولكن منذ تم اكتشاف (أوميكرون) في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، ندور في إطار متحورات جديدة من نفس عائلة (أوميكرون)».
ويشرح سالمان: «حتى يتمكن الفيروس من إحداث عدوى الخلية البشرية، يجب أن يكون الشكل الفيزيائي لبروتين (سبايك) متوافقاً مع مستقبلاته في الخلية البشرية (ACE - 2)، لذلك فإنه رغم حدوث تحورات في هذا البروتين، يظل محافظاً على الشكل الذي يمكّنه من الارتباط بمستقبلاته، وإذا فقد هذه القدرة، وبحث عن مستقبلات أخرى غير (ACE - 2)، سنكون أمام فيروس جديد ومختلف، وهذا أمر مستبعد».ويوضح أن «الصفات الجديدة التي يكتسبها الفيروس مع المتحورات الجديدة كمتحور (XBB.1.5)، مثل معدل التكاثر المرتفع وسرعة الانتشار، تعود إلى تحورات في بروتينات أخرى، لذلك كان من الحكمة بناء اللقاحات على تركيبة (بروتين سبايك)، لأنها الأكثر ثباتاً، وهذا يفسر فاعلية اللقاحات بنسبة كبيرة في منع الوفاة، رغم أنها لا توفر بالضرورة الحماية من الإصابة بالفيروس».
ويضيف: «لا شك أن اللقاحات، حتى القديمة منها، والتي تم إنتاجها بناءً على النسخة الأولى من الفيروس الذي اكتُشف للمرة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) 2019 بمدينة ووهان بالصين، لا تزال فعالة في الوقاية من المرض الشديد والوفاة، وهذا له دور كبير في انتقال العالم من مرحلة الطوارئ والذعر، إلى التعايش مع الفيروس».
- الانتقال لمرحلة التوطن
ولا يتوقع سالمان نهايةً لهذا الفيروس، لكن «قد تكون هناك نهاية للحالة الوبائية، والانتقال لمرحلة التوطن»، وفي هذه الحالة، كما يقول سالمان، «سيتم التعامل مع فيروس (كورونا) المستجد مثل فيروس الإنفلونزا، حيث ستكون هناك جرعات سنوية منه تُخصص بشكل كبير للفئات الضعيفة من كبار السن وضعاف المناعة».
وبينما تدرس الولايات المتحدة حالياً تغيير تركيبة اللقاح بشكل سنوي، كما يحدث مع الإنفلونزا، بحيث تكون متوائمة مع المتغير السائد، لا يعتقد سالمان أن هناك حاجة لتغيير سنوي للتركيبة لأن «هناك اختلافاً كبيراً بين فيروس الإنفلونزا و(كورونا) المستجد، رغم أن الفيروسين مادتهما الوراثية من النوع (آر إن إيه)». ويشرح أن «المادة الوراثية في الإنفلونزا مكوّنة من عدة شرائط صغيرة (من 8 قطع إلى 11 قطعة)، حسب نوع الفيروس، وهذا يجعل تحوراتها كثيرة، لذلك لا بديل عن تغيير تركيبة اللقاح سنوياً، ولكنّ (كورونا) المستجد يتكون من قطعة واحدة، لذلك فإن تحوراته المؤثرة قليلة، ودليل ذلك أننا ما زلنا ندور في فلك متغير (أوميكرون)، منذ تم اكتشافه في نوفمبر 2021».
ويخلص سالمان من ذلك إلى أن «الاختلافات لا تكون كبيرة بين المتحورات المختلفة من (كورونا) المستجد، لذلك فإن المناعة المكتسبة سواء من اللقاح أو من الإصابة، ستوفّر حماية من أي متحور قادم، وهذا يفسر سبب الأزمة التي تعيشها الصين منذ قررت التخلي عن سياسة (صفر - كوفيد)». ويقول: «تنفيذ الصين هذه السياسة حرم الصينيين من التعرض الطبيعي لمتغير (أوميكرون) عند ظهوره، كما كان مستوى التلقيح لديهم ضعيفاً، فضلاً عن قلة جودته مقارنةً باللقاحات الأخرى. ولذلك عندما قرروا التخلي عن تلك السياسة، كانت المتحورات الفرعية من (أوميكرون) جديدة تماماً بالنسبة إلى أجهزة المناعة، وهو ما تسبب في زيادة عدد الوفيات بين الفئات الأقل مناعة من كبار السن والمرضى».
والمفارقة أن حالة الذعر الوبائي، حتى مع زيادة عدد الإصابات، وارتفاع معدل الوفيات بين كبار السن وضعاف المناعة، لا تبدو موجودة في الصين، بل إن تقريراً نشرته «بي بي سي» في 6 يناير الماضي، نقل عن شباب صينيين اتجاههم للبحث عن العدوى «حتى يتمكنوا من اكتساب مناعة بالإصابة»، وهو سلوك يرفضه تامر سالم، أستاذ الفيروسات بمدينة زويل، لكنه يُرجعه إلى «توافر الأدوية المضادة للفيروسات، والتي صارت أداة مهمة من أدوات المكافحة». ويقول سالم لـ«الشرق الأوسط»: «لم تكن هذه الأداة متوافرة في بداية الوباء، ولكن وجودها الآن أعطى طمأنينة خفّفت كثيراً من حالة الخوف عند الإصابة بالفيروس».
وأصبحت حبوب «باكسوفيلد»، التي طوّرتها شركة «فايزر» الأميركية لصناعات الأدوية، من أبرز أدوات المكافحة، كما طوّرت شركتا «غونشي بايو» و«فيجونفيت لايف ساينس» الصينيتان دواء (VV116)، والذي سيظهر في الأسواق قريباً، وأظهرت تجاربه السريرية التي نشرتها دورية «نيو إنغلاند» الطبية في ديسمبر الماضي، أنه يفوق «باكسوفيلد» في متوسط وقت الشفاء والأعراض الجانبية الأقل.
- انتظار وترقُّب
وإذا كان الوضع على ما يبدو مطمئناً، كما ذهب الخبراء، فلماذا أعلنت «منظمة الصحة العالمية» قبل أيام (في 30 يناير الماضي) الإبقاء على «وضع الطوارئ»، رغم أن المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس قال في 17 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي في مؤتمر صحافي، إن «نهاية الوباء أصبحت وشيكة»؟
دورية «لانسيت» الطبية الشهيرة، كانت قد استبقت الاجتماع الذي انتهى للإعلان عن استمرار «وضع الطوارئ» بمقال في افتتاحيتها يوم 14 يناير الماضي، قالت فيه إنها لا تعتقد أن الوضع مهيأ لإعلان نهاية الوباء، مشيرةً إلى أن «الوضع الوبائي في الصين، والمتحور (XBB.1.5) سريع الانتشار، لا يشجعان على هذا القرار».
و«يُتخذ قرار إعلان نهاية الوباء، عندما تكون هناك موسمية في تفشي المرض، بالإضافة إلى عدد أقل من الوفيات»، حسبما تُقدر لون سيمونسن، عالمة الأوبئة بجامعة «روسكيلد» في الدنمارك.
ويقول أمجد الخولي، رئيس فريق متابعة وتقييم اللوائح الصحية الدولية بالمكتب الإقليمي لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «ربما سيتعين علينا انتظار وترقب الشتاء القادم، فوقتها ستكون الصورة أكثر وضوحاً، لاتخاذ هذا القرار من عدمه». لكنه يرى، في الوقت ذاته، أنه «لا داعي للاهتمام بموعد إعلان المنظمة لنهاية الوباء، لأننا في كل الأحوال وصلنا إلى وضع مستقر مع دخول السنة الرابعة للجائحة».
ويقول الخولي: «تخطّينا بشكل كبير مرحلة الذعر، نظراً لأن مئات الملايين من الأشخاص قد أُصيبوا بالفعل بالفيروس، وهناك لقاحات وعلاجات يمكن أن تمنع المرض الشديد، وهناك انخفاض ملحوظ في عدد الوفيات، وهذا هو المهم».
و«إذا كان العالم قد تخطى مرحلة الذعر، فيجب ألا يكون ذلك مبرراً للاستهتار»، كما يؤكد الخولي، لأن السيناريو الأقرب هو أن «الفيروس سيتحول من الحالة الوبائية إلى المتوطنة مثل الإنفلونزا». ويوضح: «كما تتسبب الإنفلونزا في إصابات ووفيات سنوياً، لا سيما بين كبار السن والفئات الضعيفة مناعياً، سيفعل هذا الفيروس نفس الشيء، والمفترض أن نكون قد أصبحنا أكثر وعياً خلال السنوات الماضية بالإجراءات الاحترازية التي تساعدنا على تجنب الإصابة به وبغيره من الفيروسات التنفسية». ويضيف: «قد يكون من بين هذه الإجراءات جرعة سنوية من اللقاح، وهو مقترح تتم دراسته حالياً، كما يجب أن يكون ارتداء (الكمامة) في الأماكن عالية الخطورة، مثل السفر في ظروف مزدحمة أو أماكن داخلية مزدحمة أو في وسائل النقل العام، جزءاً من ثقافتا الصحية، لا سيما في فصل الشتاء، وأخيراً، تنفيذ العزل الذاتي، في حالة الأعراض التنفسية».