ا ضيفنا قد جئتنا سراً/لتسكن في ربى مصياف /وأنخت رحلك بيننا كي تبدأ التطواف/يا ضيفنا لو زرتنا في هدأة /لوجدتنا نحن الضيوف الطارئين
وأنت رب المنزل المضياف
هذه كلمات للشاعر والأديب السوري ممدوح عدوان، يتحدث عن مدينته (مصياف) المدينة الجميلة والعريقة
تعرف مصياف بأنها مصياب ومصياد، ربما تسميتها تعود إلى مطرها الغزير وطقسها اللطيف المنعش، فكلمة مصياف في اللغة تعني المكان، الذي يهطل به المطر بغزارة في الصيف ويتأخر فيه نمو النبات، ولكن اختلف المؤرخون في تسميتها، فمنهم من عرفها بمصيات ومصييت ومصييد، ولعل (ياقوت الحموي) في معجمه البلدان قد قارب الصواب في تسميتها عندما سماها مصياد؛ لكثرة الصيد فيها، فهي تزخر بغطاء نباتي كثيف وحيوانات متنوعة، لكن الكهول من أهلها قالوا إن اسمها كان قديماً العمرانية ، إلا أنه مهما تنوعت الأسماء فيبقى المتفق عليه أنها تعني بقعة كالجنة على الأرض، بغاباتها وينابيعها وجوها اللطيف. مدينة (مصياف) تتوسط الموقع بين السهول الداخلية في سوريا والجبال الساحلية، تتبع لمحافظة حماة وتبعد عنها نحو (45 كم)، وترتفع (450) متراً عن سطح البحر، وتحوي المدينة على مجموعة من الجبال، التي ترتفع أكثر من ذلك، ومنها جبل المشهد بارتفاع (1027) متراً، وهي أيضاً محصنة بالجبال التي تحيطها من جهاتها الغربية، والشرقية، والشمالية، ما منحها موقعاً سياحياً مميزاً.
تتوسط المدينة قلعة أثرية قديمة، اقترن اسمها باسم المدينة، وقد تم بناؤها في زمن سنان راشد الدين، وقد شيدت هذه القلعة كنقطة لتأمين الطرق التجارية والعسكرية التي تعبر هذه المنطقة، من مناطق الساحل إلى الداخل، وهذه القلعة واكبت المرحلة الرومانية والبيزنطية، وكانت مركزاً مهماً بالنسبة لهم، فقلعة مصياف كانت تحمي الطرق المؤدية إلى طرابلس الشام، وتتشعب عنها الطرق الحيوية باتجاه أنطاكيا، وقلعة صافيتا، وقلعة أبو قبيس، وقلعة عكار إلى حمص وحلب وحماة ومعرة النعمان، ما منح هذه القلعة أهمية اقتصادية بالغة، فهي تؤمن مرور القوافل التجارية المختلفة بكل هذه المسالك، وهذا ما أنعش المنطقة كلها، ولهذا تم بناء قلعة مصياف، بشكل منيع ومدروس، وأحيطت بسور دفاعي يصعب اختراقه، ولذلك حافظت هذه القلعة على مظهرها وبنائها وسورها إلى حد كبير إلى يومنا هذا.
إضافة إلى قلعة مصياف الأثرية، والتي بنيت فوق مرتفع صخري، فالمدينة محاطة بسور أثري يحوي أربعة أبواب على الاتجاهات الأربعة؛ شرقي وغربي وجنوبي وشمالي، وهذا السور كان دائماً الخط الأول للدفاع عن المدينة، أما السوق التجاري الذي أعيد ترميمه مع القلعة، فيعد أقدم سوق في مدينة مصياف، ويحوي هذا السوق أيضاً حماماً أثرياً، وبجانبه أيضاً أقدم المساجد في بلاد الشام، وهو المسجد النوري أو كما يعرف بالجامع الكبير.
ومن الأماكن الأثرية التي تزخر بها مدينة مصياف مسجد الرفني، الذي بني في القرن السادس الهجري، وهو منسوب إلى شيخ وعالم في ذلك الوقت هو محمد الرفني.
والى جانب محمد الرفني، استقطبت مصياف العديد من الفلاسفة والشعراء والدعاة، ومنهم مزيد الحلي، ونور الدين أحمد، وحسن البزاعي.
أما جبل المشهد، الذي يطل على مدينة مصياف، فتغطيه الغابات الكثيفة بأشجار البلوط والزعرور، والسماق، والسنديان، والكستناء، وبعض الأشجار المثمرة، وعلى قمة
الجبل بناء قديم يطلق عليه اسم (القصر)، عمره يزيد على ألف عام، وقد استخدم كمركز علم أو كجامعة علمية في القرن الثالث عشر، وبالقرب منه قلعة القاهر والتي كانت مرتبطة بقلعة مصياف، ما يؤكد أهمية الموقع الجغرافي لهذه المدينة.
يقال لمن يريد هواءً عليلاً ومصيفاً طبيعياً جبلياً عليك بمصياف، غطاء نباتي ينعش القلب والروح، أنهاروجداول وينابيع عذبة، وأشجار الفاكهة المتنوعة كالتفاح والجوز والتوت والكرز والمشمش،
إلا أن التين يتربع على رأس هذه الفواكه في هذه المدينة، فهي تعرف به وتصنع منه أصناف كثيرة منالمربيات والعصائر والمجففات، التي تسوق في كل سوريا ويحظى بشعبية كبيرة.
أما المدينة الآن، فقد طالها التوسع العمراني، والتطور التقني والعلمي، فشيدت فيها المعامل والمصانع والمدن الصناعية والتجارية والمراكز الصحية والمشافي، فانحسرت الأعمال الزراعية إلى حد ما فيها لحساب الصناعات والتجارة، ولكن مدينة مصياف حافظت على موقعها الحيوي المميز الذي عرفت به عبر الزمان، فهي صلة الوصل بين سهول حماة وحمص من جهة، والجبال الساحلية من جهة أخرى، وخاصة في تصريف المنتجات والمحاصيل الزراعية، والتي تعتبر من أفضل الخضار والفاكهة.
تبقى مدينة مصياف بما تمتلكه من مقومات الحداثة كمدينة عصرية، وما تزدان به من جواهر عرش
الجمال الطبيعي، مدينة تتوق إليها القلوب دائماً من أهلها الذين غادروها، ومن غير أهلها ممن مروا بها
أو أقاموا فيها. ومن أشهر أبنائها من الكتاب والأدباء ممدوح عدوان ورفعت عطفة.