قال المفكر السياسي منير شفيق إن جيش الاحتلال الإسرائيلي مستعد الآن لتحمل الخسائر في الدبابات والمدرعات والجنود مهما كانت، بسبب التعويض اليومي والسريع من أميركا وأوروبا، ولأنه ينظر إلى المعركة الحالية في قطاع غزة بوصفها حرب وجود وولادة ثانية لدولة الكيان الصهيوني، وسيمضي إلى نهايتها مهما كلفه ذلك.
وأضاف شفيق -في حوار خاص للجزيرة نت- أن هناك شبه اعتراف عام -حتى من قبل محللين وسياسيين إسرائيليين- بأن "جيش الاحتلال حتى اليوم لم يحقق إنجازا عسكريا واحدا يمكن أن يذكر أو يبنى عليه في الحرب البرية" التي شنها على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتأسف ضيف الجزيرة نت على الموقف العربي، وقال "أستغرب من موقف الدول العربية، التي لا تسمع لها صوتا، ولا يكون لها تأثير، رغم ما تملكه" من مقدرات وعناصر قوة، كما أشار إلى أن العقلية الأميركية والصهيونية لم يسبق أن كانت بهذه الحالة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي "لقد فقدوا الصواب، وفقدوا أي إحساس بالسياسة، وفقدوا أي حسابات للمستقبل".
وإلى تفاصيل الحوار..
-
كيف تنظر إلى الحرب في غزة بعد مضي نحو 40 يوما على اندلاعها؟
أنا في الحقيقة أعتبر أن الذي يحدث في غزة هو عمليا حربان، وليست حربا واحدة:
- الحرب الأولى، حرب ضد المدنيين بصورة خاصة، وهي المؤلمة، وهي المتفوق فيها العدو مؤقتا، لأنني أعتبر في النهاية أنها ستنقلب عليه لأن الدماء هذه لن تذهب سدى، فالدماء لها صوت عال جدا، وستدفع أميركا ثمنا غاليا بالتواطؤ والموافقة على هذه المذبحة، المتواصلة يوميا وساعة بعد ساعة، وعلى مدار نحو 40 يوما بلا توقف.
ومع أن الألم قوي، فلا يجب ألا نجعل رؤية الضحايا والدمار والظلم هذا يفقدنا إيماننا بالمقاومة، أو نفقد معنوياتنا بالانتصار، فنحن دخلنا في حرب يجب أن ننتصر فيها.
- والحرب الثانية هي الحرب البرية، التي أرى أنها ستحسم المعركة، وفيها تتحرك القوات على الأرض، وتسيطر على أماكن تشكل ملامح المعركة ونتائجها.
وبشكل عام، حتى الآن الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية والمقاومة كسبوا معركة الرأي العام العالمي، وهذه مسألة مهمة جدا وليست بسيطة، ونتائجها ستكون كبيرة جدا، حتى لو لم تفض إلى قرار بوقف إطلاق النار حتى الآن.
المقاومة كسبت معركة الرأي العام العالمي، وهذه مسألة مهمة جدا، ونتائجها ستكون كبيرة، حتى لو لم تفض إلى قرار بوقف إطلاق النار
وأضف إلى ذلك أن ما خسرته إسرائيل في هذه الحرب لم يحدث من قبل في تاريخ صراعها مع المقاومة الفلسطينية في حروب 2009 و2012 و2014، وفي حرب "سيف القدس"، وذلك لأن خسائرها في ما سبق لا تعادل ربع معشار ما خسرته في هذه الحرب حتى الآن، ومع ذلك كانت تسارع إلى وقف الحرب. ولكن الجرح الذي حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول لا يتصوره عقل، وتذكر كيف انهار الجيش الصهيوني، وكيف سارع الرئيس الأميركي جو بايدن والرؤساء الأوروبيون لمساندته، حتى لا يقع على الأرض.
-
ما الآفاق التي تنتظر الحرب على غزة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تصل المقاومة الفلسطينية؟
هناك شبه اعتراف عام حتى من جانب محللين وسياسيين في الكيان الصهيوني بأن جيش الاحتلال لم يحقق حتى اليوم إنجازا عسكريا واحدا يمكن أن يذكر ويبنى عليه موقف في الحرب البرية، كل الذي حصل حتى الآن يقتصر على تقدم جيش العدو في عدد من النقاط داخل قطاع غزة، ولكنها في معظمها مناطق زراعية أو خالية أو مهدمة نتيجة القصف الذي مسح أحياء بأكملها أو سواها بالأرض.
ولعل أهم ما وصل إليه في هذه النقاط هو وصوله إلى مجمع الشفاء بعد وضعه تحت النيران والقصف، هذا كله طبعا لا يعد إنجازا عسكريا مهما، وإن كان الاحتلال حصل على مواقع ميدانية قد يستفيد منها في تقدمه اللاحق.
وهذا التدخل من ناحية أخرى كانت له سلبية على إسرائيل وإيجابية في الوقت نفسه للمقاومة التي اتسمت بالدفاع المفكّر فيه جيدا، وهو ما يعبر عنه في علم الحرب "بالدفاع الإيجابي"؛ أي الدفاع الذي ينتقل إلى الهجوم بعد استيعاب هجوم العدو كليا أو جزئيا، ووفقا لكل حالة.
أما بعد انهيار الجيش الصهيوني في غلاف غزة مع عملية طوفان الأقصى، وما نجم عن ذلك من ردة فعل أميركية وأوروبية، وفي القيادات السياسية والعسكرية الصهيونية، فأصبح مستعدا لتحمل الخسائر في الدبابات والمدرعات مهما كانت بسبب التعويض الأميركي الأوروبي السريع اليومي، كما لو أنه جسر جوي، وكذلك الحال في احتمال الخسائر في الأفراد، لأنهم يعتبرون الحرب الحالية حرب وجود وولادة ثانية لدولة الكيان الصهيوني.
فالعقلية الحالية أميركيا وصهيونيا هي الحاجة إلى استعادة الاعتبار والهيبة والانتقام غير المحدود من أهل غزة ومقاومتها، وهذه العقلية هي التي تجعلهم يتحملون ما كابدوه من خسائر في الحرب البرية حتى الآن.
فإذا بنينا تقديرنا للموقف على نتائج الحرب البرية حتى الآن، فإن انتصار المقاومة محقق ومؤكد، وطبعا مع احتساب ما أظهرته عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي من قدرة عالية جدا في القيادة والتخطيط والتدبير والتنفيذ، وما ظهرت عليه المقاومة من درجة عالية من الإقدام والشجاعة والتدرب والذكاء.
العقلية الحالية أميركيا وصهيونيا بحاجة إلى استعادة الاعتبار والهيبة والانتقام غير المحدود من أهل غزة ومقاومتها، وهذه العقلية هي التي تجعلهم يتحملون ما كابدوه من خسائر في الحرب البرية حتى الآن
أما على مستوى كيف سيكون وقف إطلاق النار، وكيف سيكون ما يسمى اليوم التالي أو ما يقال عن تهجير أو ترحيل أو ترتيب الوضع في القطاع، فكله يدخل الآن إما ضمن الحرب النفسية التي توحي بأن أميركا والقيادة الصهيونية سينتصران، أو توحي بأن ما بعد الحرب هو ما يتوهمه وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن. وهذا كله لا أهمية له الآن، ويدخل في لعبة عقلية السيناريوهات والافتراضات، لأن ما سيكون بعد الحرب يقرره توزع القوى بعد انتهائها كما يحصل في كل الحروب.
-
لماذا تدخلت الولايات المتحدة بأسلحتها وجنودها إلى جانب جيش الاحتلال على نحو غير معهود في حروب سابقة؟
أرى أن العقلية الأميركية عامة وعقلية بايدن خاصة وكذلك العقلية الصهيونية لم يسبق أن كانت بهذه الحالة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لقد فقدوا الصواب، وفقدوا أي إحساس بالسياسة، وفقدوا أي حسابات للمستقبل.
نعرف أن العدو قد يكون مجرما، ولكن تكون لديه عقلانية وعنده حسابات لموازين القوى وحسابات الخسائر والمكاسب، أما الآن فقد فقدوا الصواب وكل هذه الحسابات، وإلا كيف يدخلون هذه الحرب ضد المدنيين بالصوت والصورة، وعلى هذا النحو الذي دمر سمعتهم عالميا، ومع ذلك هم مصرون على إكمال الحرب حتى النهاية.
أستغرب من موقف الدول العربية التي لا تسمع لها صوتا ولا تأثير لها، رغم ما تملكه من بترول وظهير قوي يتمثل في العالم الإسلامي الذي يهب للوقوف وراءها
نقطة أخرى مهمة، فأميركا دخلت مع إسرائيل في هذه الحرب ضد حماس، وتركت الحرب في أوكرانيا وصراعها مع الصين وروسيا، وتريد أن تنتصر على المقاومة، وعلى فرض أنها نجحت في ذلك، فما النتيجة العالمية التي ستترتب على ذلك؟ ستبقى روسيا وستبقى الصين وستبقى الحرب في أوكرانيا، فهل تحولت حماس إلى قوة عالمية يمثل الانتصار عليها تغيرا في ميزان القوى العالمية؟ هذا ما أقول إنه الحقد الذي ملأ قلوبهم بعد ما حدث في عملية "طوفان الأقصى".
-
كيف تقيم الموقف العربي بعد القمة الاستثنائية الأخيرة؟
أنا مؤمن بالوحدة العربية، لكنني أستغرب من موقف الدول العربية، التي لا تسمع لها صوتا، ولا يكون لها تأثير، رغم ما تملكه من بترول وظهير قوي يتمثل في العالم الإسلامي الذي يهب للوقوف وراءها. هذا شيء مؤسف، وتبقى أي جهود صدرت حتى الآن خطوة غير كافية وأقل من المطلوب بكثير.