يعقوب إسحق الشاروني، كاتب وصحافي، وهو من أبرز رواد أدب الأطفال بمصر والوطن العربي، وقد عمل مديراً عاما في هيئة قصور الثقافة، ثم أصبح مديراً عاماً لثقافة الطفل، ورئيساً للمركز القومي لثقافة الطفل في وزارة الثقافة المصرية، كما عمل في عدد من الجامعات المصرية، أستاذا زائراً يدرِّس أدب الأطفال ونقده.
لكن، لا يمكن أن نغفل بأن الشاروني، قبل أن يخوض في تجربة الإبداع الخاص بعالم أدب الطفل؛ قد جاء من عالم آخر مغاير لما سينهجه في المستقبل، إنه عالم الحقوق والاقتصاد؛ فقد حصل على ليسانس الحقوق سنة (1952م)، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي، من كلية الحقوق بجامعة القاهرة بمصر عام (1955م). وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد التطبيقي، من كلية الحقوق جامعة القاهرة بمصر عام (1958م)، ثم عمل محامياً عام (1954م)، ورئيساً لمحكمة في القضاء عام (1959م)
ولد الشاروني بالقاهرة في (10 فبراير عام 1931م)، وقد رشحه الأستاذ توفيق الحكيم عام (1963م) ليحصل على منحة التفرغ للكتابة الأدبية، فقال: (أزكي هذا الطلب بكل قوة، لما أعرفه عن السيد يعقوب الشاروني من موهبة تجلت في مسرحية «أبطال بلدنا»، التي ظفرت بالجائزة الأولى في مسابقة المجلس الأعلى للفنون والآداب).
قوة الشاروني الإبداعية، نجم عنها تأليفه لعدة كتب للطفل، بلغ عددها أكثر من (400) كتاب، ومن أهمها: (سر الاختفاء العجيب، مفاجأة الحفل الأخير، مُغامرة البطل منصور، الرحلة العجيبة لعروس النيل، مُغامرة زهرة مع الشجرة، ألف حكاية وحكاية (عشرة مُجلدات)،عفاريت نصف الليل، شجرة تنمو في قارب، صندوق نعمة ربنا، حكاية طارق وعلاء، أحسن شيء أني حرة، الجائزة وأنياب النمر، حكاية رادوبيس، الفرس المسحورة، حسناء والثعبان الملكي، أحلام حسن، البداية مع قطعة شيكولاتة، رجل السيرك، منيرة وقطتها شمسة، مرمر وبابا البجعة، سر ملكة الملوك، ثروة تحت الأرض، طيور الأحلام، الصياد ودينار السلطان، أبناء لهم أجنحة، روائع المتحف الإسلامي، أبناء في العاصفة، والكسلان وتاج السلطان).
وحول مسار الشاروني المتعلق بشؤون أدب الأطفال ونقده.. أجرينا معه الحوار التالي:
¯ سأعود بك إلى فترة الطفولة، فقد كنت موهوباً منذ صغرك، وتأثرت بحكايات جدتك وأختك، وبمكتبة العائلة الكبيرة أيضاً، فهل هناك أسباب أخرى؟ إضافة لما سبق، أسهمت في تنمية موهبتك، وتحقيق نجاحك في مجال أدب الطفل؟
ثمة أسباب أخرى، أسهمت في تنمية قدراتي الإبداعية في مجال أدب الطفل، ومن أبرزها: التفكير بالصور والرسم بالكلمات: فقد كان مـن هواياتي المفضلة أثناء العطلة الصيفية، عندما كنت في المرحلة الابتدائية، أن أُحَوِّل بعض القصص التي قرأتها إلى سلسلة من الرسوم. إلى جانب تجربة نادي السينما بالجامعة الأمريكية، فقد حرصت منذ بداية السنة الأولى الثانوية، على الاشتراك في برنامج العروض السينمائية، الذي كان ينظمه قسم الخدمة العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
¯ بدأت في نشر أول قصة عام (1959م)، وهذا حدث يشكل بداية مستقبل مليء بالتطلعات والآفاق، أليس كذلك؟
ـــ بداية إبداعي كانت في مجال المسرح، فعندما انـتقلت إلى المرحلة الثانوية، كان أول مـا فعلته هو الالـتحاق بفريق التمثيل، وأذكر على وجه الخصوص، أن من بداية قراءاتي في المسرح، مسرحية «أهل الكهف» لتوفيق الحكيم، كما قرأت (فاوست) لكاتب ألمانيا الكبير (جوته). وهكذا كانت القراءة والتأليف والمسرح هي شاغلي الأكبر طوال فترة الدراسة الثانوية والجامعية.
كما استطعت تكوين مكتبة مسرحية ضخمة، ضمت مئات النصوص وعشرات الدراسات، التي عكفت على دراستها بشغف، مع استمراري في الكتابة للمسرح، والاشتراك في فرق الهواة، وهو ما عمل على صقل موهبتي. وتقدمت بنص مسرحية (أبطال بلدنا)، فزت بالجائزة الأولى، وقد تسلمت الجائزة من الرئيس جمال عبـد الناصر، في حفل كبير يوم (7) مايو (1960م).. وفي تلك اللحظة شعرت بأنني قد دخلت التاريخ... وقررت أن مستقبلي مع الأدب وليس مع القانون.
¯ (النحلة) هي أول مجلة للثقافة العلمية للأطفال في الوطن العربي، كيف جاءت فكرة إنشاء هذه المجلة، وما هي أهدافها، وما واقعها اليوم؟
- كنت أعمل كلما استطعت، على أن تكون الثقافة العلمية جزءاً من منظومة عمل ثقافة الطفل، سواء في مجال الصحافة، أو غيرها من الوسائل مثل، الإذاعة والتلفزيون
وكانت مجلات الأطفال، التي تصدر تهتم بنشر بعض موضوعات الثقافة العلمية مثل، مجلة (سمير) الصادرة عن دار الهلال، وقبلها المجلات التي صدرت عن دار المعارف مثل (السندباد) وغيرها، ولكنني كنت أفكر دائماً، كيف تكون هناك مجلة متخصصة في مجال الثقافة العلمية، تلتزم بما يتناسب مع أعمار الأطفال الصغيرة، ولكن لم تكن هناك موارد مالية، تسمح بتخصيص إصدار مجلة تقتصر على الثقافة العلمية. وقد استطاع المركز القومي لثقافة الطفل عام (1993م)، تخصيص ميزانية محدودة لإصدار عدد تجريبي لمجلة للثقافة العلمية للسن من (8 إلى 15) سنة من (20) صفحة. ولقد أشرفت على تقديم نموذج، يمكن أن تستفيد منه إحدى المؤسسات، لإصدار مجلة تتخصص في الثقافة العلمية للصغار، هي مجلة (النحلة).
¯ تهدف إلى خلق حركة نقدية حول أدب الطفل، فما الداعي إلى ذلك؟
- نحن في الوطن العربي، بحاجة إلى تشجيع قيام حركة نقدية نشطة في مجال أدب الأطفال، وذلك من خلال التأليف والترجمة، ويتطلب هذا إنشاء مجلات، تتخصص في متابعة حركة نشر كتب الأطفال بالتقييم والنقد والعرض، مع إعطاء اهتمام خاص لترجمة أهم الدراسات النقدية
نظرية وتطبيقية، حول قصص وأدب الأطفال وكتبهم؛ فبغير حركة نقدية واعية ومستمرة، لن نجد تقدماً حقيقياً يواكب تغيرات العصر، وتحدياته في مجال أدب الأطفال. كما أن مثل هذه الحركة النقدية، يمكن أن تقدم لنا عَيْناً على ما يجرى في العالم في مجال قصص وأدب وكتب الأطفال، وهو كثير ومتسارع، ويسابق الزمن في التطور والإبداع، لكي يلاحق تغيرات العصر.
وقد حاولتُ في مختلف مراحل حياتي، أن أسهم في نشر هذه الحركة النقدية، بما كتبته من دراسات، وما شاركت به من مؤتمرات، ومعارض كتب الأطفال في مصر وفي أنحاء الوطن العربي، وما أصدرته من كتب مثل (تنمية عادة القراءة عند الأطفال ، والقراءة مع طفلك، وروايات وقصص الأطفال فن وثقافة، التي صدرت في سلسلة (اقرأ) عن دار المعارف)، كما يوجد عدد من النقاد والكُتاب بدأ يكتب دراساته حول الإبداع العربي للأطفال، وكمثال على ذلك، قامت ابنتي هالة الشاروني بجمع (33) دراسة نقدية، نشرتها في كتاب بعنوان (سحر الحكاية في أدب يعقوب الشاروني القصصي).
¯ كيف تنظر إلى واقع أدب الطفل اليوم في منطقتنا؟
- في عام (1977م)، قام فريق من هيئة الكتاب في مصر بإصدار دراسة عن كتب الأطفال، التي صدرت في مصر من عام (1928 الى 1978م)، وقد تبين أنه تم إصدار ألف وثمانمئة كتاب في (50) سنة، أي نحو خمسين كتاباً كل عام. وبعد ذلك، بدأ المجلس المصري لكتب الاطفال يعمل من خلال (مهرجان القراءة للجميع، ومكتبة الأسرة، واقرأ لطفلك واقرأ مع طفلك)، بجانب إنشاء المكتبات المتنقلة، وعندئذٍ قفز عدد كتب الأطفال الصادرة سنوياً في مصر إلى (700) عنوان، فمن (50) كتاباً سنوياً إلى (700) كتاب، بل وألف كتاب كل عام، وهذه قفزة كبيرة، لكنها أيضاً قليلة بالنسبة إلى عدد الأطفال العرب اليوم، أعمارهم دون (18) عاماً.
ونؤكد أنه قد تضاعفت أيضاً كتب الأطفال الصادرة، في كل أرجاء الوطن العربي.
لكن الدول الغربية، ربطت كتب الأطفال الأدبية والعلمية والفنية بالمنهج الدراسي، فأصبح الطفل يقرأ أعمالاً فنية وأدبية مرتبطة بالمواد الدراسية، لكن هذا التَّوجه غير متوافر لدينا، فهناك انفصال كبير بين المواد الدراسية وكتب المكتبة المدرسية، بينما هذا يتم في أوروبا وأمريكا على نحو دائم. في الدول الغربية يعتبرون القراءة الخارجية جزءاً أساسياً من التعلم، لكن هذه الآلية غير موجودة في الوطن العربي، إلى جانب الأمية المنتشرة في الوطن العربي.
¯ في نهاية هذا الحوار.. وبحكم تعدد الجوائز التي حصلت عليها، هل يمكنك أن تذكر لنا أهمها؟
- حصلت في عام (1960م)، علـى الجائـزة الأولـى لتأليف الروايـة والمسـرحية من المجلـس الأعلـى للفنـون والآداب، والتي تسلمتها من الرئيس جمال عبد الناصر، وقد عُرفت باسم (جائزة الدولة الخاصة في الأدب)، وحصلت في عام (1962م) على الجائزة الأولى للـتأليف المسرحي من الهيئة العامة لفنون المسرح والموسيقا، وفي عام (1981م)، حصلت على الجائزة الأولى في الـتأليف القصصي للأطفال (جائزة أحسن كاتب للأطفال)، عن قصة (سر الاختفاء العجيب)، من الجمعية المصرية لنشر الثقافة العالمية، وفي عام (2001م)، حصل كتابي (أجمل الحكايات الشعبية) على جائزة لجنة التحكيم، في مجال التأليف،
في مسابقة المجلس المصري لكُتب الأطفال. بينما في عام (2002م)، حصل نفس الكتاب على جائزة «الآفاق الجديدة» (على مستوى العالم)، من معرض بولونيا الدولي بإيطاليا لكُتب الأطفال، وهي واحدة من أهم جائزتين يقدمهما سنوياً هذا المعرض، الذي يعتبر أهم معرض دولي لكتب الأطفال.
أما في عام (2007م)، فقد فازت روايتي (سر ملكة الملوك) ، بشهادة أفضل مؤلّف في مُسابقة المجلس المصري لكُتب الأطفال، وفي عام (2015م)، حصلت على جائزة الدولة لأدب الأطفال، عن روايتي (سفن الأشياء الممنوعة). (المشاركون والمحكمون من أنحاء الوطن العربي)، وفي عام (2016م)، حزت على مرتبة أفضل المؤلفين للأطفال على مستوى العالم، من المجلس العالمي لكتب الأطفال (الإبي)، عن روايتي (ليلة النار)، بينما في عام (2019م)، قامت هيئة الأمم المتحدة، بالتعاون مع (رابطة الناشرين الدولية، والمجلس العالمي لكتب الأطفال)، باختيار روايتي (ليلة النار)، من بين أربعة كتب على مستوى العالم، لتحقيق هدف محاربة الفقر في العالم، وفي عام الجوائز(2020م)، حصلت على (جائزة الدولة التقديرية في الأدب)، وهي واحدة من أهم الجوائز في تاريخ مص