يعدُّ مجال الذكاء الاصطناعي من المجالات المثيرة والمعقدة في عالم التكنولوجيا والحوسبة، وهو يتعلق بتطوير الأنظمة والبرامج التي تمتلك القدرة على التفكير واتخاذ القرارات الذكية تماما كما يفعل الإنسان. ويعود تاريخ نشوء هذا العلم إلى فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، في عام 1950 تحديدا مع إجراء آلان تورنغ أول اختبار يُعرَف بالمحاكاة لقياس قدرات الحواسيب آنذاك، ثمّ تلا ذلك تطور طُرق التعلّم الآلي Machine Learning واستخدام الشبكات العصبية الاصطناعية Artificial Neural Networks في سبعينات القرن الماضي.
في الثمانينات والتسعينات، ازدادت الجهود البحثية والتقنية في مجال الذكاء الاصطناعي وتركّزت على تطوير تقنيات التعلم الآلي وتحسين أداء النظم الذكية باستخدام تقنيات مثل دعم قرار الآلة وتحليل البيانات لتحقيق تقدم كبير في مجال الذكاء الاصطناعي. ومع دخول الألفية الجديدة، شهد الذكاء الاصطناعي تطورا سريعا واستخداما واسعا في مجالات متعددة أبرزها تطوير تقنيات التعلّم العميق والإفادة من تقدّم قدرات الحوسبة وتوافر البيانات الكبيرة بإمكاناتها الواسعة التي سهَّلت توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التعلُّم الآلي، وروبوتات الخدمة، والتشخيص الطبي، والقيادة الذاتية للسيارات، والعديد من المجالات الأخرى.
واكبت مؤلّفات عدّة نشوء الذكاء الاصطناعي وتطوره منذ بداياته، مُلقية الضوء على هذه التكنولوجيا من مختلف الجوانب النظرية والعملية، بما في ذلك الأسئلة الفلسفية والأخلاقية، وما تثيره هذه التكنولوجيا من هواجس وأسئلة تمسُّ حاضر البشرية ومستقبلها.
تضع "المجلّة"بين أيدي قرائها قائمة بأبرز الكتب التي تناولت هذه التكنولوجيا وتطبيقاتها المختلفة في شتى الميادين.
1- ما الذي لا تزال الحواسيب عاجزة عن فعله؟"
What Computers Still Can't Do: A Critique of Artificial Reason
يُعدّ هذا الكتاب الصادر عام 1972 لمؤلفه هوبرت إل. درايفوس واحدا من الأعمال الكلاسيكية في مجال الذكاء الاصطناعي ويتضمّن تناولا نقديا لقدرة الحواسيب على إجراء العمليات الإدراكية البشرية مثل التفكير الاستدلالي وفهم اللغة الطبيعية والتمييز الحسي. ويركّز درايفوس في أطروحة الكتاب على أن القدرات التي يمتلكها البشر في التعامل مع العالم وفهمها تفوق بكثير قدرات الحواسيب، ويسلّط الضوء على أبرز المشكلات والتحديات التي تواجه تطور الذكاء الاصطناعي متسائلا عما إذا كانت الحواسيب قادرة حقا على العمل كالعقل البشري تماما، لا سيّما في ضوء ما سماه "تصوّر هذه التكنولوجيا الساذج للعقل البشري". أثار الكتاب حين صدوره ضجةكبيرة في أوساط المتحمّسين للذكاء الاصطناعي، لا سيّما أن درايفوس كان تنبّأ بفشل الآلات في مضاهاة العمليات العقلية البشرية. وقد صدرت نسخة مزيدة من الكتاب سنة 1992 ضمَّنها المؤلف مقدّمة تناول فيها مستجدات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بنماذجها الجديدة من قبيل النماذج الاتصالية والشبكات العصبية.
2- الحواسيب والفِكر: مجموعة مقالات
Computers and Thought: A Collection of Articles
بتحرير كل من إدوارد أ. فيغنباوم وجوليان فيلدمان (1963)، يضمّ الكتاب مجموعة من المقالات التي تستكشف العلاقة بين الحواسيب والفكر البشري، بما في ذلك النقاشات المبكرة حول الذكاء الاصطناعي. وتستطلع مقالات الكتاب البالغ عددها عشرين مقالة أوجه التقاطع بين آليات الحوسبة والفكر البشري من خلال تناول ثيمات من قبيل حلّ المسائل والتعلُّم والتعرف الى الأنماط في محاولة للوقوف على إمكانات الأنظمة الحسابية في تقليد العمليات الإدراكية البشرية وتعزيزها.
3- مجتمع العقل
The Society of Mind
من تأليف عالم العلوم الإدراكية وخبير الذكاء الاصطناعي والمؤسس الشريك لمختبر الذكاء الاصطناعي التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مارفن مينسكي. يتضمن هذا الكتاب الصادر سنة 1983 نظرية جديدة للإدراك البشري تستند إلى فرضية أن العقل البشري يتكوّن من مجموعة من الفواعل المستقلة التي يسميها فواعل العقل، وتُعرف هذه النظرية باسم نظرية مجتمع العقل. شرع مينسكي في تطوير النظرية مع سيمور بابيرت في أوائل السبعينات من القرن الماضي، ويذكر مينسكي في كتابه أنّ أكبر مصدر للأفكار التي أسس فيها لهذه النظرية جاء من عمله في محاولة إنشاء جهاز يستخدم الذراع الروبوتية وكاميرا الفيديو وجهاز كومبيوتر لبناء أشكال هندسية باستخدام قطع ليغو الأطفال.
4- آلة العاطفة: التفكير وفق المنطق السليم، الذكاء الاصطناعي ومستقبل العقل البشري
The Emotion Machine: Commonsense Thinking, Artificial Intelligence, and the Future of the Human Mind
الكتاب الثاني لمارفن مينسكي صاحب نظرية مجتمع العقل، صدر عام 2006 ويتناول فيه مينسكي دور العواطف في الإدراك البشري مستطلعا إمكان محاكاة الذكاء الاصطناعي للعاطفة البشرية، وما قد يترتب على هذه المحاكاة من تداعيات في حال إدماجها في الأنظمة الذكية المستقبلية.
5- الذكاء الخارق: مسارات وأخطار واستراتيجيات
Superintelligence: Paths, Dangers, Strategies
كتاب للفيلسوف السويدي نيك بوستروم من جامعة أكسفورد نشر عام 2014. يرى فيه بوستروم أنه إذا تفوقت عقول الآلات على عقول البشر في الذكاء العام، فإن هذا الذكاء الخارق الجديد قد يحل محل البشر كأهم وجود حيّ على الأرض. يسبر الكتاب المسارات والأخطار والاستراتيجيات المحتملة لإنشاء مثل هذا الذكاء الخارق والتحكم فيه. ويُعدّ الكتاب من بين أبرز المؤلفات التي تناولت الذكاء الاصطناعي من ناحية تأثيراته المحتملة على البشرية.
6- القوى العظمى في الذكاء الاصطناعي: الصين، وادي السيليكون والنظام العالمي الجديد
AI Superpowers: China, Silicon Valley, and the New World Order
في هذا الكتاب الصادر عام 2018 يرى المؤلف والخبير الرائد في الذكاء الاصطناعي ورجل الأعمال التايواني كاي-فو لي أن الصين لحقت بالولايات المتحدة بوتيرة سريعة وغير متوقعة وأنّ التطورات غير المسبوقة في مجال الذكاء الاصطناعي ستُحدث تغيرات جذرية في وقت أقرب مما كان يتوقعه كثر منّا. ويحثّ لي الولايات المتحدة والصين على قبول المسؤوليات الكبيرة التي تأتي مع تكنولوجيا بهذه القوة الهائلة. وفي حين يجادل معظم الخبراء بالفعل بأنّ الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير مدمر على الوظائف التي تتطلب مهارات منخفضة، يرى لي أن الذكاء الاصطناعي في كل من الصين وأميركا سيكون له تأثير قوي حتى على الوظائف التي تتطلب المهارات المتقدمة أيضا ويتساءل كيف يمكننا تقديم حلول لبعض التغيرات الأكثر عمقا في تاريخ الإنسانية التي ستحدث قريبا.
7- متوافقٌ مع البشر: الذكاء الاصطناعي ومشكلة التحكُّم
Human Compatible: Artificial Intelligence and the Problem of Control
يتناول ستيوارت راسّل في كتابه الصادر 2019 ما يرى فيه التحدي الأبرز على صعيد توافق الذكاء الاصطناعي مع القيم الإنسانية، وهو التحدي الذي تطرحه مشكلة التحكم في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة وما يترتب عليها من أخطار محتملة قد تنجم عن تطوير نظم تتعارض مع مصالح الإنسان وقيمه. لمعالجة مشكلة التحكم، يقترح راسل العديد من المقاربات من بينها ما يدعوه بمفهوم "تعزيز التعلُّم المعكوس"، الذي يقوم على استنباط القيم الإنسانية من خلال ملاحظة سلوك الإنسان واستخدام هذه المعرفة لتوجيه آليات اتخاذ القرارات في الذكاء الاصطناعي، كما يدعو إلى تصميم أنظمة ذكاء اصطناعي تكون شفافة وقابلة للتأويل وقادرة على تقديم مبررات لأفعالها، ما يتيح للبشر فهمها ومراقبتها.
8- عالم بلا عمل
A World Without Work
صدر هذا الكتاب في عام 2020 وهو من تأليف الباحث الاقتصادي والمحاضر في جامعة أكسفورد دانيال ساسكيند. يستكشف الكتاب تأثير التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي على مستقبل العمل والتوظيف ولا سيما العواقب المحتملة للأتمتة الشاملة وآفاق استيلائها على نشاط العمل البشري في مختلف الصناعات وقطاعات العمل، ويناقش التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لمستقبل قد يصبح فيه العمل التقليدي نادرا. كما يستكشف ساسكيند أيضا استجابات سياساتية محتملة ونماذج اقتصادية بديلة يمكن أن تتكيف مع تغير ديناميات العمل البشري. يقدم الكتاب نظرات تستحق التأمل في شأن دور التكنولوجيا في القوى العاملة ويطرح أسئلة مهمة حول مستقبل العمل في عالم يتسم بزيادة الأتمتةوما يطرحه ذلك من تحديات وفرص وتأثيره المحتمل على المجتمع.
9- أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
AI Ethics
صدر هذا الكتاب عام 2021 وهو من تحرير شانون فالور، الفيلسوفة وخبيرة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في جامعة إدنبرة. يضمّ الكتاب مجموعة من المقالات لعدد من الروّاد في مجال أخلاقيات الذكاء الاصطناعي تتناول موضوعات مثل التحديات الأخلاقية على صعيد حوكمة استخدام الذكاء الاصطناعي وتصميمه وتطويره ونشره. ويقدّم الكتاب مقاربات فلسفية شاملة للقضايا والنقاشات الأخلاقية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، فضلا عن توجيهات عملية وتوصيات للتصدي لما تطرحه تطبيقات الذكاء الاصطناعي من معضلات أخلاقية.
10- عصر الذكاء الاصطناعي: الذكاء الاصطناعي ومستقبلنا البشري
The Age of AI: And Our Human Future
يجمع هذاالكتاب الصادر عام 2021 بين ثلاثة مؤلفين هم هنري كيسنجر، الديبلوماسي الأميركي الغنيّ عن التعريف، وإيريك شميتّ الرئيس التنفيذي السابق لـ"غوغل"وعضو المجلس الاستشاري لشؤون التكنولوجيا في عهد الرئيس أوباما، والأكاديمي دانييل هتينلوتشر. يستكشف الكتاب الفرص والتحديات التي يتيحها الذكاء الاصطناعي وتأثيره على المجتمع والأخلاق والحكم والشؤون العالمية. ويطرح مؤلفو هذا الكتاب المهم آراءهم حول الإمكانات التحولية للذكاء الاصطناعي، والاعتبارات الأخلاقية الناشئة عن تطور هذه التكنولوجيا والتداعيات على الأمن القومي والعلاقات الدولية ويقدمون نظرات فاحصة للقضايا المعقدة المحيطة بهذه الظاهرة وتوصيات للتعامل مع تطوره بطريقة تعود بالفائدة على البشرية.
يقول كيسنجر في أحد الحوارات التي أُجرِيت معه بعد صدور الكتاب، إن البشرية بعد عصر التنوير وفي ذروة عصر العقل، خصّت نفسها بمركزية قدرتها على استكشاف العالم الذي نعيش فيه وإدراكه وتفسيره. أما الآن، فيقوم الذكاء الاصطناعي بالعمليات نفسها بشكل مختلف عما نفعله: إنه يدرس الألعاب ويبتكر طرقا جديدة للفوز بها،يدرس المركّبات الكيميائية ويكتشف طرقا جديدة لدمجها في علاج الأمراض. ويتعيّن علينا نحن البشر تحديد دورنا في هذا الواقع.
أمّا إيريك شميتّ فيقول إن كيسنجر حين التقاه لأول مرة منذ عقد تقريبا قال له إنّ مشكلته الوحيدة مع "غوغل" هي أنها في صدد تدمير العالم. وبعد سنوات عدة من النقاش والسجال الذي جمعنا، كيسنجر وهتينلوتشر وأنا، يقول شميت، انبثقت فكرة هذا الكتاب