تخطي إلى المحتوى
خبير الزلازل السوري الدكتور المهندس محمد نزيه أيلوش: تعرضت سوريا تاريخياً للعديد من الزلازل المدمرة خبير الزلازل السوري الدكتور المهندس محمد نزيه أيلوش: تعرضت سوريا تاريخياً للعديد من الزلازل المدمرة > خبير الزلازل السوري الدكتور المهندس محمد نزيه أيلوش: تعرضت سوريا تاريخياً للعديد من الزلازل المدمرة

خبير الزلازل السوري الدكتور المهندس محمد نزيه أيلوش: تعرضت سوريا تاريخياً للعديد من الزلازل المدمرة

قال خبير الزلازل السوري الدكتور المهندس محمد نزيه أيلوش ان سوريا سبق وتعرضت إلى عدة زلزال مدمرة خلال تاريخها .. ولفت الى ان الدول العربية تتفاوت فيما بينها بسوية الخطر الزلزالي .وتطرق الحديث الى ماهية الزلازل.. و أسباب نشوئها؟ ومدى إمكانية التنبؤ بوقوعها بشكل مسبق .. وبالتالي كيفية الحد من تأثير خطرها ؟ ..

ويذكر ان الدكتور المهندس محمد نزيه ايلوش عضو اللجنة الوطنية لرصد الزلازل في سوريا ، ونشر كتابا هاما بعنوان "اساسيات علوم الزلازل والهندسية الزلزالية"، فضلاً عن نشره العديد من الأبحاث العلمية حول موضوع الزلازل.

ليست هي المرة الأولى التي تتعرض فيها سوريا لزلزال مدمر.. فماهي أهم الزلازل التاريخية التي حدثت في سوريا؟

بالرغم من ان سوريا تقع في منطقة مستقرة زلزالياً بشكل نسبي ، الا ان التاريخ يظهر بان المنطقة قد تعرضت عبر التاريخ الى عدد كبير من الزلازل والتي سببت خسائر مادية وبشرية كبيرة، ويعطي المنشور العلمي للباحث العربي جلال الدين السيوطي والمنشور في القرن الخامس عشر ميلادي تواريخ عديدة لزلازل حدثت في سوريا والبلدان المجاورة خلال الفترة الواقعة بين القرن الثامن والخامس عشر الميلادي. ففي القرن الثامن ميلادي تعرضت مدينة دمشق و قسم كبير من المدن السورية الأخرى الى عدة هزات أرضية ضربت دمشق وانطاكية والمناطق المجاورة وادت الى مقتل مايزيد عن 50 الف نسمة، وفي نفس القرن تعرضت دمشق ايضا الى زلزال كبير امتد الى داريا وادى الى تدمير اجزاء من المندينة منها مسجد العامر مع جميع مناراته . وفي القرن الثاني عشر ميلادي تعرضت مدينة حلب الى عدة هزات أرضية شديدة ادت الى الكثير من الخسائر. ويعتبر هذا الزلزال من بين أكثر الزلازل دموية في التاريخ.

اما في التاريخ القريب نسبياً فهنالك الورقة العلمية للباحث Bailey Willis  والمنشورة في مجلة مجتمع علماء الزلازل الامريكية رقم 2 لعام 1918 والتي تذكر العديد من تواريخ الزلازل التي حدثت في سوريا والبلدان المجاورة خلال الفترة من القرن السادس عشر الى القرن التاسع عشر وهذه التواريخ تبين بان العديد من المناطق السورية والبلدان المجاورة تعرضت الى عدد من الهزات الأرضية ، وكان اكثرها عنفاً الزلزال الذي ضرب لبنان عام 1837 والذي بلغ 7 درجات حسب سلم ريختر مماسبب خسائر بشرية ومادية كبيرة وفي عام 1956 تعرض لبنان أيضا الى زلزال مدمر شدته 7 درجات مما ادى الى تدمير اكثر من خمسين قرية.

ويلاحظ ان عددا كبيرا من الزلازل التي حدثت في سوريا يتوضع في المنطقة الغربية بسبب وجود الصدع العربي الافريقي والذي يمر من جنوب تركيا عبر المنطقة الغربية من سوريا مستمرا الى البحر الاحمر.

هل تتساوى سوية الخطر الزلزالي في اقطار الوطن العربي؟

تختلف سوية الخطر الزلزالي في اقطار الوطن العربي بحسب البنيى التكتونية للبلد وقربه من الصدوع الزلزالية المعرلوفة، ففي الشمال الافريقي هنالك العديد من الاقطار العربية التي تحتوي على مناطق ذات نشاط زلزالي نسبي كالمغرب والتي شهدت العديد من الزلازل خلال القرنين السابقين والتي كان من أشهرها الزلزال الذي ضرب مدينة اغادير عام 1969 وادى إلى مقتل اكثر من 12 الف شخص. وهنالك الجزائر التي تعرضت ايضا الى عدد من الزلازل خلال تلك الحقبة وكان منها الزلزال الذي حدث عام 1980 وادى الى تدمير مدينة الصنام ومقتل 2590 شخص ..كذلك زلزال عام 2003  الذي ضرب بشدة 6.8 ريختر مدينة بومرداس وخلف نحو 2,266 قتيل و10,261 جريح.

كما شهدت مصر وتونس وليبيا أيضا العديد من الهزات الارضية خلال تلك الفترة.

اما في القارة الآسيوية فهنالك اقطار سورية ولبنان والعراق واليمن والتي شهدت العديد من الزلازل خلال القرن الماضي ، ومنها الزلزال الذي ضرب لبنان عام 1956 والدى الى تدمير العديد من القرى وتشريد عدد كبير من الاهالي. والزلزال الذي حدث في اليمن عام 1982 وادى الى مقتل مايزيد عن 15 الف نسمة .

وبشكل عام يمكن القول بأنه لايوجد أي بلد عربي بعيد عن خطر الزلازل.

* ..هل يمكن ايضاح ماهية الزلازل.. وما هي أسباب نشوئها؟

الزلزال هو الحركة الفجائية التي تنتاب القشرة الأرضية نتيجة للتصدع الفجائي لطبقات التربة على عمق يسمى بمركز الزلزال الجوفي، وه8نالك أكثر من نظرية تتعلق بأسباب نشوئها فبعض النظريات تعلل أسباب الزلازل نتيجة لتقلص القشرة الأرضية الناتج عن تبردها، فمن المعروف أن الطبقات الداخلية من الأرض لاتزال في حالة مائعة أو شبه مائعة نتيجة للحرارة، والضغوط العاليين والموجودين في تلك الأعماق ، وهناك نظريات أخرى تعلل نشوء الزلازل نتيجة لاختلال توازن القشرة الأرضية في المنطقة بسبب عوامل التعرية السطحية والتي تسبب تآكل سطح التربة بمقدار 100 ملم كل 3000 سنة.

وبالرغم من حجم التآكل الصغير السابق إلا أنه يمكن أ، يصبح ذا قيمة كبيرة إذا أخذنا تراكمه عبر العصور مما يؤدي إلى اختلال توازن القوى المطبقة على طبقات الأرض على أعماق كبيرة مسببة الزلزال في المنطقة.

ولكن يمكن القول أن اكثر النظريات قبولاً هي النظرية النكتونية، وحسب هذه النظرية فإن القشرة الأرضية تتألف من عدد من البلاطات الرئيسية تفصلها عن بعضها البعض فوالق أو صدوع، وهذه البلاطات في حالة حركة مستمرة بالنسبة لبعضها البعض فوق طبقة عميقة من الأرض شبه سائلة تسمى بالمضمار ونتيجة للحركة هذه تنشأ قوى داخلية " اجهادات" كبيرة عبر سطوح الحركة ، وعندما تكون هذه الاجهادات أضغر من قوى الاحتكاك عبر سطوح الصدع لاتحدث اية حركة زلزالية الا انه ومع مرور الزمن تصبح الاجهادات الداخلية اكبر من قوى الاحتكاك عبر السطوح الفاصلة مما يسبب حركة فجائية ( زلزالية ) لاعادة التوازن بين القوى الداخلية وقوى الاحتكاك عبر السطوح الفاصلة ، وعادة يتبع الهزة الزلزالية عدد من الهزات الثانوية ريثما تعود طبقات التربة إلى حالة التوازن البدائية التي سبقت الزلزال.

وبشكل عام فإن أكثر من 95% من الزلازل التي حدثت في الارض تركزت حول منطقتين رئيسيتين في العالم هما المنطقة المحيطة بالمحيط الهادي والممتدة على الشاطىء الغربي للاميركتين إلى الشاطىء الأسيوي عبر اليابان والفلبين ونيوزيلندا ، وهذه المنطقة مسؤولة عن اكثر من 80% من الزلازل التي حدثت في العالم، ويوازي هذه المنطقة سلسلة من البراكين ذات النشاط التكتوني الكبير والمسماة بحلقة النار، وقد سبب قرب هذه الحلقة من المنطقة المحيطة بالمحيط الهادي الاعتقاد سابقاً بان السبب الرئيسي للزلازل هو البراكين.

اما المنطقة الزلزالية الرئيسية الثانية فتمر عبر أوروبا وشمال الهند ثم بورما وسومطرة وحتى تلتقي مع حلقة المحيط الهادي بمنطقة غويا الجديدة. اما المنطقة الثالثة والمسؤولة عن 5% المتبقية من الزلازل التي حدثت في العالم فتتركز حول الفوالق الموجودة في منتصف المحيط الهادي والمحيط الهندي وينتج عن الزلازل التي تحدث في هذه المناطق تحت البحر أمواج عالية ومدمرة وهي ( أمواج التسونامي).

*ماهي أهم الأنظمة المستخدمة لقياس شدة الزلازل؟

يُعرف أي زلزال بأربعة عوامل:

1 ـ زمن الحدوث .

 2 ـ مركز الزلزال الجوفي وهو عمق الطبقة في التربة والتي يحدث بها التصدع المسبب لزلزال.

3 ـ مركز الزلزال السطحي وهو مسقط مركز الزلزال الجوفي على سطح الأرض.

4 ـ شدة الزلزال أو مقدار الطاقة الناشئة عنه ، وعادة يتم التعبير عن هذه المقادير وفق درجة محددة.

وهنالك عدة أنظمة مستخدمة للتعريف بشدة الزلزال ، واكثر هذه الانظمة نظامان هما: النظام "ميركالي" المعدل ، ونظام " ريختر" .

أما نظام " ميركالي " المعدل فهوم نظام وصفي يستخدم للدلالة على شدة الأضرار الناتجة عن الزلزال،  ويتألف هذا النظام من اثنتي عشرة درجة ، وتمثل الزلازل ذات الشدة ( 1 ) حسب النظام حركات أرضية خفيفة لايمكن تسجيلها إلا بواسطة الاجهزة الدقيقة المعدة لهذا الغرض، واما الزلازل ذات الشدة ( 5 ) فتمثل هزات أرضية متوسطة الشدة يمكن ان تسبب بعض الاضرار البسيطة كاهتزاز او سقوط اشياء معلقة على الجدران والاسقف، واما الزلازل ذات الشدة (10) فتمثل زلازل ذات شدة تدميرية كبيرة للمنشآت الحجرية والخشبية وتصدعات أو انهيارات للمنشآت البيتونية المسلحة والتواء للسكك الحديدة وخسائر بشرية كبيرة. وأخيرا نجد الزلازل ذات الشدة ( 12 ) حسب هذا النظام والتي تمثل كارثة رئيسية يمكن ان تؤدي إلى تدمير مدن بكاملها وخسائر بشرية جسيمة.

ومن جهة اخرى يستخدم مقياس ريختر على نطاق كبير كمقياس رقمي للدلالة على سعة الاهتزاز ( بالميكرون) في منطقة تبعد 100 كلم عن مركز الزلزال السطحي، ولايمكن عملياًلهذا المقياس ان يتجاوز الرقم (9) ، وتقابل كل زيادة بمقدار ( 1 ) في هذا النظام زيادة في مقدار الطاقة المنحررة عن الزلازل بمقدار يعادل ( 22) ضعفا عن سابقتها ، وبالتالي في مقدار القوة التدميرية المرافقة للزلزال،  وتعادل الطاقة الفصلية الناتجة عن زلزال ذي شدة ( 6) حسب نظام ريختر الطاقة الناتجة عن بعض التفجيرات النووية، بينما تعادل الطاقة الناتجة عن زلزال ذي شدة ( ى7 ) الطاقة الناتجة عن بعض التفجيرات الهيدروجينية ، وقد بلغت شدة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا  على مقياس ريختر7.8 .

ولايزال العالم يذكر كذلك الزلزال الذي ضرب مدينة أزمير التركية في 17 من أغسطس عام 1999 وبلغت قوته 7.4 درجة بمقياس ريختر واستمر لمدة 45 ثانية وكان كفيلا أن يخلف 17 ألف قتيل و365  ألف مبناً مدمراً.

*إلى أي مدى يمكن التنبؤ بشكل مسبق بوقوع زلزال في منطقة محددة؟

مسألة التنبؤ بوقوع زلزال في منطقة محددة يعني عملياً تحديد زمن وشدة ومنطقة حدوث الزلزال، وبالنسبة لتعيين شدة الزلزال والمنطقة المتوقعة الحدوث فيمكن أن يتم بشكل دراسة احتمالية اعتمادا على الوقائع التاريخية والسايموغرافية ( الزلزالية ) للمنطقة المدروسة، وتساهممحطات الرصد الزلزالي مساهمة أساسية في تطوير مايسمى بالخرائط الزلزالية للمنطقة المدروسة وهي خرائط تحدد الشدة والمناطق المحتملة لحدوث الزلازل لاعتماد هذه المعطيات عند تصميم المنشآت في تلك المنطقة.

اما بالنسبة لتعيين الزمن المتوقع لحدوث الزلازل فلا تزال الخطوات التي تمت في هذا الاتجاه متواضعة جداً بالرغم من بعض النجاحات المحدودة التي تمت في هذا الخصوص ، كما حدث في الصين في منتصف السبعينات من القرن الماضي عندما نجح علماء الزلازل في تفسير النشاطات المتزايدة لاهتزازات القشرة الأرضية والتي تم رصدها عبر اجهزة شبكة الرصد الزلزالي في المنطقة المدروسة، وتم اخلاء سكان مدينة صغيرة موجودة في المنطقة وعددهم يقارب المليون نسمة قبل حدوث الزلزال مما انقذ السكان من خطر محقق.

الا ان تلك الاجهزة قد فشلت فشلا زريعاً في التنبؤ بزلزال اخر ضرب منطقة قريبة بعد عدة اشهر مما سبب خسائر مادية وبشرية كبيرة . ، وبالتالي اعتقد بأن امكانية التنبؤ المؤكد لحدوث الزلازل ستبقى متواضعة وسيظل اعتمادنا على الدراسة الاحتمالية للمعطيات التاريخية والسايسموغرافية للمنطقة المدروسة للتعيين شدة الزلازل الواجب اعتمادها عند تصميم المنشآت في تلك المنطقة لمقاومة اثر الزلازل.

كيف يمكن الحد من تأثير الزلازل على الأبنية..؟

يمكن الحد من خطر تأثير الزلازل على الأبنية من خلال استخدام المنشآت ذات الاشكال الهندسية المتناظرة وتصميم المنشآت لمقاومة اثر الزلازل ذات الشدات المحددة التي تتعلق بأهمية المنشأ والوظيفة التخديمية المنوطة والموقع الجغرافي له. وتشمل طرق تصميم المنشآت لمقاومة فعل الزلازل طرق مبسطة يمكن تطبيقها على المنشآت العادية ، وطرق اكثر تعقيداً تعتمد على التحليل الديناميكي للمنشآت تحت تأثير نماذج زلزالية معتمدة لتحديد القوى الداخلية الناشئة ومن ثم تصميم المنشأ ليستطيع مقاومة اثر تلك القوى.

هل هناك آية ملاحظات أخيرة ترغب بذكرها؟

كما هو معروف فقد شهد العالم العربي بشكل عام خلال العقود الأخيرة انتشاراً كبيراً للابنية الحديثة لتلائم الزيادة المضطردة في النمو السكاني ، وعدد كبير من هذه الأبنية لم يصمم بشكل مقاوم لفعل الزلازل، علما ان الوطن العربي يشهد سنويا وبشكل وسطي اكثر من 200 هزة أرضية بدرجات مختلفة ، منها 20 هزة أـرضية يشعر بها سكان المناطق المتأثرة بهذه الهزات، لذلك يجب الاخذ بعين الاعتبار ان يتم تصميم المنشآت لمقاومة أفعال الشدات الزلزالية المتوقعة في المناطق المدروسة، علما بان نسبة الزيادة في كلفة الابنية لقاء تصميمها لمقاومة الزلازل المحتملة هي نسبة متواضعة بالمقارنة مع الفوائد المرجوة من هذا التصميم . لذلك يجب ان يتم تقوية المنشآت الهامة القائمة كالمشافي والمباني الحكومية ومحطات الطاقة وغيرها لتستطيع مقاومة فعل الزلازل مما يؤمن استمرارية الوظائف التخديمية لمثل هذه المنشآت الهامة عند حدوث اية كوارث طبيعية كالزلازل.  

المصدر: 
دار الفكر