تخطي إلى المحتوى
علي النعماني لـ «الوطن» : التوحد ليس مرضا ولا اضطرابا نفسيا علي النعماني لـ «الوطن» : التوحد ليس مرضا ولا اضطرابا نفسيا > علي النعماني لـ «الوطن» : التوحد ليس مرضا ولا اضطرابا نفسيا

علي النعماني لـ «الوطن» : التوحد ليس مرضا ولا اضطرابا نفسيا

صدر حديثاً عن دار الفكر بدمشق ودار الفكر المعاصر في بيروت ودبي كتاب جديد حمل عنوان “عالم أزرق” للكاتب علي جميل النعماني. يتحدث فيه عن تجربة ذاتية وغوصاً عميقاً في عالم التوحد.. والعلاقة مع الأطفال المتوحدين..

الوطن التقت الكاتب النعماني وحاورته حول ماجاء في كتابه .. وتطرق الحديث إلى مفهوم اضطراب التوحد والصعوبات التي قد يواجهها الأهل في تعاملهم مع طفلهم التوحدي..و دور الأسرة في مدى تحسنه..

* ـ في تقديمه للكتاب يقول الأديب عبدالحميد الطائي، "أنك كمن رمى في بحر الصفاء الأزرق رسالة داخل زجاجة عن عالم متعدد الألوان نجهل تفسيره، هذه الزجاجة لم تصل بعد لشاطئ تعلم فيه البشرية معنى التوحد وأطيافه وألوانه. وسؤالي لماذا اخترت " عالم أزرق " كعنوان للكتاب وبماذا يختلف عن غيره من الكتب التي تتحدث عن اضطراب طيف التوحد.. ؟

حقيقة أتى هذا الاسم من بعض المقالات التي كتبها سابقا والتي كانت في ثلاثة أجزاء وحملت نفس اسم الكتاب، وارتأيت أن يكون الكتاب بذات عنوان المقالات التي ضمنتها في بداية الكتاب وهدفت للتعرف على وضع أسر التوحد من بداية معرفة الأسرة بوجود طفل من ذوي اضطراب طيف التوحد لديها، أما عن ماهية اللون الأرزق فهو اللون الرسمي المحدد للتوحد عالميا ويرمز للون السماء الصافية الهادئة وهو اللون الذي يدل على الراحة والهدوء والسكينة، وربما يحتاج ذوي التوحد لمثل هذا الهدوء إذا ما عرفنا أن التوحد اضطراب عصبي نمائي يكون الطفل عادة في حالة عدم استقرار، وقد حاولنا أيضا إبراز سمة اللون الأزرق في الكتاب من خلال تصميم الغلاف الذي تكرم مشكورا الأخ المصمم والخطاط خالد الزدجالي، كم أن رسمة الغلاف حملت معاني هذا الاضطراب إذا ما عرفنا بأن الطفلة المبدعة رغد المخلدي هي من رسمتها بأناملها المبدعة، ورغد طفلة من ذوي اضطراب طيف التوحد لذا حاولنا إبراز مواهب رغد في الرسم بإدراج مجموعة من رسوماتها في مقدمة وفواصل الكتاب، علاوة على رسمة الغلاف التي حملت الهوية العمانية وهي عبارة عن جلتين وهي آواني فخارية للماء تصنع يدويا،. أما عن الجديد الذي أضافه الكتاب، فبطبيعة الحال التعريف بهذا الاضطراب يتطلب جهد مضني وعمل متقن، حاولت أن أشارك كل المهتمين والمخصيين والجهات العاملة من أجل إذكاء التوعية عنه وعن الأشخاص ذوي الإعاقة، وعرض تفاصيل عديدة عن بعض الإعاقات والاضطرابات بشكل عام.

* ـ تؤكد في كتابك على نقطة مهمة وهي ان التوحد ليس اضطراباً أو مرضاً نفسياً .. فهل يمكن ايضاح هذه المسألة..  وبالتالي إعادة تعريف التوحد من خلال تجربتك الشخصية ؟

نعم، من ضمن النقاط المهمة التي حاولت إيضاحها في الكتاب وتحديدا في مقال معنون ب"التوحد اضطراب وليس مرضا" هو أن التوحد لا يُعد مرضا ولا اضطرابا نفسيا بخلاف ما يعرض وينشر في بعض وسائل الإعلام أو حتى بعض الأشخاص، ولكنه اضطراب عصبي نمائي تطوري لم يكتشف سببه إلى الآن، وله سمات وأعراض تظهر عادة في الثلاث سنوات من عمر الطفل، وعموما الحديث يطول لتباين الجوانب المختلفة والعديدة لهذا الاضطراب، ولا ريب بأن الأسر التي لديها طفل توحد قد مخرت عباب بحر التوحد واطلعت على الكثير من التفاصيل في سبيل تحسن حالة ابنها أو بنتها من ذوي التوحد، وتجربتي الشخصية مع ابني عملتني الكثير والكثير وقد شاركت في مؤتمرات مختلفة في الأعوام الفائتة وقمت بعمل محاضرات تعريفية عدية بغية التعريف باضطراب التوحد، علاوة على إعدادي وتقديمي لبرنامجين إذاعيين بإذاعة سلطنة عمان، الهدف منها أيا إذكاء التوعية في المجتمع بكافة جوانب ذوي الإعاقة وعرض تجارب الأشخاص ذوي الإعاقة شخصيا من خلال التحاور معهم في كل حلقة من حلقات البرنامج.

* ـ أشرت إلى اختلاف صفات الأطفال المصابين بالتوحد، هل تعني أن كل طفل حالة خاصة ؟.. وبالتالي ماهي السمات الذي يشترك فيها الطفل المصاب بالتوحد؟

نعم، اجمالا لا يمكن تحديد سمات واضحة لإسقاطها على جميع الأطفال أو ذوي التوحد عموما، ولكن يمكن القول بأن التوحد كالبصمة ولا يوجد اثنين لديهم توحد مشتركين في ذات الصفات والسمات، ولاريب ان هناك ضبابية نسبية في معرفة الخصائص التي تُميز الأطفال المصابين بهذا الاضطراب؛ إذ إن اشكالهم لاتوحي بشيء من مظاهر الإعاقة ، فمظهرهم كالأطفال الطبيعيين تماماً، ولكن ما إن تقترب منهم حتى تشعر بأنهم مختلفون فعلاً. ولكن ثمة سمات رئيسية ربما يشترك بها المصابين وهي محددة ومعروفة من قبل المختصين، كقلة أو ضعف التفاعل الاجتماعي إجمالا بين الطفل ومحيط أسرته زمجتمعه، وقلة التواصل مع الآخرين بكافة أنواعه سواء البصري أو السمعي، والحسي الإيمائي ..الخ، علاوة عن وجود حركات نمطية مختلفة ( حركات طقوسية ) يقوم بها الطفل بشكل مستمر أو كروتين معين لايحب أن يغيره ويرفض ذلك بشدة..

* يلاحظ ان هناك تفاوتاً عند الأسر في مدى تقبلها لطفل في الأسرة يعاني من التوحد..مارأيك ..وما المفروض..؟

دعني أقول لك أن أسر كثيرة كانت لا تعلم شيئا عن اضطراب التوحد؛ إلا عندما اكتشفوا أن لديهم طفل أو طفلة بها هذا الاضطراب، وبالتالي اجتهدوا وقرأوا وبحثوا في شتى المصادر لكي يسبروا أغوار الاضطراب ويغصوا في مكنوناته ليبدوا بعد ذلك الرحلة التي سلكتها جميع الأسر في محاولة للتغلب على وضعه ابنهم، والعمل على إخراجه من هذه الدائرة الغامضة، وبفضل الله هناك أسر كثيرة تماشت جنبا إلى جنب مع الوضع الجديد التي صاروا به، والتقبل يختلف حتما فمن المعروف نفسيا أن الشخص يدخل في مرحلة الصدمة حين يمر عليه خبر أو معلومة صادمة عنه أن أو أي مقرب له، وتقسم هذه المرحلة علميا لمراحل خمس قسمتها طبيبة نفسية سويسرية اسمها إليزابيث كيوبلر روس في كتابها الصادر عام 1969 ومنها سمي بعدها بنموذج كيوبلر روس تتضمن الإنكار مبدئيا ثم الغضب فبعدها والمساومة بعدها يدخل الشخص في حالة من الاكتئاب، إلى أن تأتي المرحلة الأخيرة وهي مرحلة تقبل الأمر والرضوخ للواقع والبحث عن الحلول التي تساهم في تقليل الحالة التي مرت على الشخص، وأنا أجزم بأن أسر عديدة مرت بهذه المراحل الخمس ولكن في نهاية الأمر وبفضل التصالح مع الذات وقناعتنا كمسلمين بالتسليم لأمر الله عز وجل وأنه يعلم كل ما يضر وينفع الناس، وأن مسير هذا الكون نكون جميعا في رضا وتقبل دائما مع ما يعترينا من عوارض هذه الدنيا.

* ـ ما الصعوبات التي قد يواجهها الأهل في تعاملهم مع طفلهم التوحدي؟

الصعوبات التي تواجه الأسر كثيرة منها صعوبة التعامل مع الطفل وقلة برامج التدخل المبكر في بداية اكتشاف الحالة، علاوة على قلة جودة الخدمات التأهيلية والتعليمية التي يستحقها الطفل في بعض الدول العربية، وبالتالي تفوت على الطفل فرصة ثمينة للتحسن والاندماج مع مجتمعه ومحيطه، كما أن الدعم النفسي والأسر نجده ضعيفا ونادرا لهذه الأسر حيث أن وجود مجموعات الدعم الأسري التي تعزز من ثقة الأسر وتساعدهم بشكل أو بأخر التغلب على المصاعب التي تواجههم من خلال الجرعات التدريبية والتثقفية التي تقدم لهم من خلال هذه المجموعات أو الجهات الرسمية المعتمدة.

*ـ هل يمكن للطفل التوحدي أن يتحسن ..وكيف تساهم الأسرة في هذا التحسن..؟

بالتأكيد يمكن أن يتحسن طفل التوحد بوجود عدة عوامل منها الخدمات الجيدة التي تقدم له، ودرجة تقبل الأسرة والتثقيف والبحث عن أساليب التعامل المثلى. نهاية إلى وجود مجتمع واعي بماهية الاضطراب ومتقبل لمثل هذه الحالات.

* ـ معظم الكتب التي تتحدث عن التوحد تشير إلى الاطفال تحديداً ..والسؤال ماذا عن التوحد عند المراهقين...؟

نعم صحيح، مع وجود أعمار ومراحلة مختلفة من ذوي التوحد إلا أن التركيز على فترة الطفولة وبخاصة المبكرة لأهميتها البالغة في تحسن حالته حتى عندما يكبر ويعطى الجرعات اللازمة لتأهيله وتدريبيه وتعليمه ودمجه، حينها تصبح العملية أقل صعوبة، لذا نجد التركيز والحديث يكون مصبا على فترة الطفولة.

*ـ هل يمكن للطفل الذي يعاني من التوحد أن يلتحق بمدرسة عادية غير متخصصة في التوحد..وفي ذات السياق هل بإمكان المراهق التوحدي استكمال دراسته الأكاديمية؟

هناك عدة أنواع من الدمج التعليمي لذوي  اضطراب طيف التوحد، فلدينا الدمج الجزئي وهو بأن يكون الطفل من ذوي التوحد في فصل داخل محيط المدرسة، وتقدم له خدمات مساندة وجلسات خاصة بالعلاج الوظيفي والنطق والتخاطب وجلسات تعديل سلوك مع دمج الطلبة في المدرسة في فترات مختلفة كحصص الأنشطة  أو الحصص الدراسية العادية حسب الإمكانية التي يحددها المختصون من المعلمين والإدارة، أما الدمج الكلي فيقصد به دمج الأطفال مع أقرانهم من الطلبة في الصفوف العادية مع محاولة توفير المناخ التعليمي من المنهاج والوسائل المخصصة لهم، أو معلم الظل إن احتياج الأمر لذك، وإن تحدثنا إجمالا عن التعليم الشامل الذي نصبو إليه جميعا بتوفير التعليم لكافة الفئات من ذوي التوحد أو الإعاقة عموما، وحقيقية هذا ما يتم الاهتمام به في أغلب الدول الغربية حيث أن الحقوق لهذه الفئة مكفولة بموجب القانون في تلك الدول، ونرجو أن تكون دولنا العربية في مصاف هذه الدول التي أعطت الجانب التعليمي لذوي الإعاقة عموما ولذوي التوحد بشكل خاص، وبحسب الأبحاث والدراسات التي أجريت على مدى فوائد التعليم الشامل لذوي اضطراب طيف التوحد، لوحظ تحسين كبير في مستوياتهم العامة، صاحبه تحسن الحالة الاجتماعية للأسر، وهنا أشيد حقيقة بتجربة المملكة العربية السعودية في هذا الجانب ولهم خطوات متقدمة يمكن الاستفادة منها في الجوانب المتعلقة بتعليم ذوي التوحد عامة.

* ـ هل لكم من كلمة أخيرة حول الموضوع ، قد أكون اغفلت التطرق إليها؟

في نهاية اللقاء أقدم شكري الخاص  جدا إلى الأستاذ عبدالحميد بن سليمان الطائي الذي كان ولازال الداعم الأكبر لي في مسيرة التوعية، ويسخر جهده ووقته من أجل أن نعمل لتحقيق الأهداف التوعوية التي أخذنها سويا، كما أقدم شكري للأستاذ الخطاط خالد الزدجالي على تكرمه بتصميم غلاف الكتاب وكتابة عنوان واسم المؤلف بخط الثلث، وشكري الوافر للأستاذ خميس التوبي على تكرمه أيضا بمراجعة الكتاب لغويا، والمصمم فيصل  محي الدين مصمم الجرافكس من جريدة الوطن وللأستاذ فوزي رمضان لإشراف الفني على التصميم والطباعة، ختاما وأتمنى من الجميع الاستزادة والقراءة في شتى المصادر التي تناولت المواضيع  الخاص باضطراب طيف التوحد، واستغلال وسائل التواصل الرقمي والاجتماعي للتعريف بهم لمن لديه المعرفة الكافية من الأسر والمختصين والمهتمين، ونرجو أن يكون مستقبل ذوي اضطراب طيف التوحد أكثر إشراقا فهم يستحقون الكثير منا جميعا كأفراد ومؤسسات وجمعيات مختلفة.

المصدر: 
جريدة " الوطن" العمانية