تخطي إلى المحتوى
علم النفس يخبرك.. هل تعرف شخصيتك حقا؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على حياتك؟ علم النفس يخبرك.. هل تعرف شخصيتك حقا؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على حياتك؟ > علم النفس يخبرك.. هل تعرف شخصيتك حقا؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على حياتك؟

علم النفس يخبرك.. هل تعرف شخصيتك حقا؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على حياتك؟

مقدمة الترجمة: هل تساءلت يوما إذا كان ما تعرفه عن ذاتك صحيحا أم أنك تعيش في حلقة من الأوهام الإدراكية التي تعطيك دائما صورة خاطئة؟ هل أصلا اهتممت يوما ما بالتعرف إلى ذاتك؟ وهل الأمر مهم حقا؟ في هذه المادة يُطلعنا دانييل كوزين من "نيو ساينتست" على العلم الخاص بالنظر إلى الذات، والتعرف إلى طبيعتها، ويعلمنا كذلك طريقة جيدة جدا، وغير مكلفة بالمرة، يمكن من خلالها التعرف إلى ذواتنا.

نص الترجمة:هل تساءلت يوما عما يعتقده الآخرون عنك، وكيف تتراءى لهم حقا؟ من ناحيتي أرى نفسي مثالا للرفيق الطيب رغم بعض الهفوات التي تبدر مني. أميل إلى الاعتقاد بأنني شخص مُنفتح الذهن ومراعٍ لمشاعر الآخرين، رغم إدراكي الجيد بأنني قد أبدو أحيانا غير مبالٍ أو غير مُكتَرِث. لكنني في الآونة الأخيرة -خاصة بعد هفواتي- انتابني الفضول إزاء الصورة التي يراني بها الآخرون.

تؤرقني أحيانا بعض التساؤلات عن صورتي المنطبعة في أذهان الناس، وعما إذا كانوا يعتقدون في قرارة أنفسهم أنني أشد بغضا مما قد يُخيَّل إليَّ. تكمن المُعضلة الأساسية بالنسبة لي في أن معرفة ما يدور بأذهان الآخرين عنا ليس بالأمر اليسير، وبسبب ذلك تحديدا قد تستحوذ عليك بعض التساؤلات على غرار: ما مدى الدقة التي نرى بها أنفسنا يا تُرى؟ وما الذي تنطوي عليه بواطننا حقا؟ هل أنت الشخص الذي تراه في قرارة نفسك، أم الصورة التي كوَّنها الآخرون عنك؟

جميع هذه التساؤلات لا تعني أبدا أنني شخص مهووس بذاتي، لكن فكرة مدى توافق الطريقة التي يرانا بها الآخرون مع الطريقة التي نرى بها أنفسنا تأسرني حقا. وغايتي من ذلك كله هو التساؤل عما إذا كان وعينا بهذه المناطق البعيدة والغامضة في ذواتنا قد يجعل حياتنا أفضل، ليس فقط بالنسبة لنا، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يقضون الوقت برفقتنا.
بحثا عن إجابات، قررت خوض غمار تجربة يميل معظم الأشخاص العقلاء إلى تجنبها، حيث طلبت من عشرات الأصدقاء، وأفراد الأسرة، والزملاء، إبداء آراء صادقة حول طبيعتي من خلال ملء استبانة تتألف من 60 نقطة صممها علماء النفس لتقييم الشخصية، ثم انتظرت آملا بصدر يذوب وجْدا وقلقا أن تتبدد الغشاوة من على عيني.

يتردد صدى الدعوة إلى "معرفة الذات" منذ العصور القديمة، عندما ردد سقراط جملته الشهيرة: "إن الحياة التي لا تزخر بالتجارب لا تستحق أن تُعَاش". لكن بالنسبة لفلاسفة اليونان القدماء، كان السعي وراء معرفة الذات يتخذ شكل حوار مع الآخرين لاكتشاف الطبيعة البشرية، ومعرفة كيفية الحكم على الأمور. أما فكرة تأمل الذات والاستغراق في باطنها لم تظهر إلا لاحقا، حيث ارتبطت بالفيلسوف الفرنسي "رينيه ديكارت" في القرن السابع عشر. وفي هذا السياق، يقول ميتشيل غرين، الفيلسوف بجامعة كونيتيكت بالولايات المتحدة الذي تدور دراسته حول معرفة الذات: "فكرة استغراقنا في تأمل ذواتنا والغوص في خباياها هي فكرة حديثة تماما ومنشؤها الغرب".

مهما بلغتْ محاولاتنا، سيبقى من المستحيل تجنب معرفة ذواتنا بسبب تفكيرنا المستمر في كل شيء يخصنا، بدءا بما نشعر به، وما الذي سنأكله الليلة، وصولا إلى تاريخنا الشخصي وأفكارنا ومشاعرنا والتجارب التي خضنا غمارها دون أن يدري عنا أحد، المشكلة أن ذلك يجعلنا نعتقد أننا نعرف الآن كل شيء عن أنفسنا معرفة حقيقية، وأننا على دراية بكل ما يخص شخصياتنا، لكن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، لأن مسعانا لمعرفة ذواتنا بهذه الصورة الواضحة والدقيقة ليس بالأمر اليسير.

كيف نعرف ذواتنا؟
من وجهة نظر علماء النفس، تكمن المشكلة الأساسية في المعيار الذي نتبناه في تصورنا لذواتنا، لذا حاول الباحثون في السنوات الأخيرة حل هذه المُعضلة بمقارنة تصوراتنا الذاتية مع تصورات الآخرين عنا. تعليقا على ذلك، تقول عالمة النفس سيمين فازير، من جامعة ملبورن بأستراليا: "لا يوجد طريق مباشر يوصلك بذاتك الحقيقية، لذا إن أردت أن تحظى بأدق معيار لما تنطوي عليه ذاتك، فعليك الاستماع إلى آراء مجموعة أخرى من الأشخاص الذين يعرفونك جيدا في سياقات أو ظروف مختلفة، ولديهم تحيزات مختلفة عن بعضهم بعضا".

قرر الباحثون في بعض الدراسات مقارنة تصورات المشاركين عن أنفسهم بالملاحظات التي أبداها طرف ثالث عنهم، ومقارنة ذلك بسلوكهم الفعلي. أُجريت إحدى هذه الدراسات في المختبر، وأظهرت النتائج أن ثمة علاقة جيدة إلى حدٍّ معقول بين التصورات الذاتية للمشاركين وسلوكهم الفعلي، كما أظهرت دراسة أخرى أُجريت في بيئة واقعية خارج جدران المختبر نتائج مُماثلة بقياس سلوك المشاركين باستخدام التسجيلات الصوتية لحياتهم اليومية.

من جانبها، ترى لورين هيومان، عالمة النفس بجامعة ماكغيل في مونتريال بكندا: "إن تصوراتنا الذاتية تتنبأ أحيانا بسلوكياتنا على نحو دقيق، كما أنها تتوافق بدرجة جيدة مع تصورات المقربين منا". تتفق وجهة النظر هذه تماما مع اختبار الشخصية الذي يعتمد على نموذج يستخدمه علماء النفس، ويقسِّم شخصياتنا إلى خمس سمات مُستقلة: الانفتاح أو الانبساط، التوافق، الضمير الحي، الانفتاح على التجربة، والعُصابِيَّة (سِمة تتميز بالحزن وتقلب المزاج وعدم الاستقرار العاطفي).

يمنحك الاختبار درجة من 100 لكل سمة، وعندما أجريته بنفسي، حصلت على درجات عالية في الانبساط والانفتاح على التجارب الجديدة، ودرجة متوسطة في التوافق، ودرجة منخفضة في العُصابِيَّة. لكن ما أدهشني كان مدى توافق آراء الآخرين عني مع نتائج الاختبار بغض النظر عن بعض الاختلافات الطفيفة بالطبع. ففي الوقت الذي منحني فيه العديد منهم نِسَبا أعلى مما أعطيتها لنفسي فيما يخص الانبساط والضمير الحي، وقفت لي مجموعة أخرى بالمرصاد وأرسلوا وابلا من سمات سلبية لا تندرج ضمن السمات الخمس في الاختبار. تضمنت أبرز هذه السمات أنني "حاد" و"عدواني" و"عنيد". ومع ذلك لم أندهش لكوني على دراية بوجودها وحاولت قدر الإمكان التقليل منها. لذا بصورة عامة، لم تكن الفجوة بين تصوراتي عن ذاتي وتصورات الآخرين عني كبيرة، ما جعلني أعتقد أنني أعرف ذاتي جيدا.

وهم التفوق
لكن الأمور لا تسير على هذا النحو دائما، فقد أثبت علماء النفس مرارا وتكرارا أن الطريقة التي نرى بها أنفسنا تُشكَّل بواسطة مجموعة متنوعة من التحيزات المعرفية التي تعمل على جعلنا جميعا -بدرجة أكبر أو أقل- مخدوعين بشأن هُويتنا. ومن جانبها تقول عالمة النفس فازير: "إن تصوراتنا عن أنفسنا أبعد ما يكون عن الدقة". نغدو أكثر خداعا لأنفسنا عندما يتعلق الأمر بسماتنا الشخصية سواء تلك التي نعتبرها مرغوبة بشدة أو غير المُحَبذة. يؤكد ديفيد دانينغ من جامعة كورنيل في نيويورك ذلك بقوله: "إننا نبالغ في تقدير ذواتنا، وننأى بأنفسنا عن الحقيقة عندما يتعلق الأمر بشأن السمات التي تهمنا، والسمات الأشد مراوغة والتباسا أو تشي ببعض الغموض"، وهذا ما يُسمَى بـ"وهم التفوق"، إذ يبالغ الناس في تقدير خصالهم، ويُقيِّمون أنفسهم تقييما أفضل من الآخرين.

اكتشفت فازير على سبيل المثال أن تقدير الطلاب لنسبة ذكائهم كان مبالغا فيه بصورة عامة مقارنة بنتائج اختبارات مُعدل الذكاء وتصورات الآخرين عنهم. وبغض النظر عما إذا كنا نخدع أنفسنا فيما يتعلق بالذكاء أو الكاريزما، يبدو أن الدافع الحقيقي الكامن وراء ذلك هو تعزيز إحساسنا بقيمة الذات والوضع الاجتماعي. لعلني سقطتُ أيضا فريسة لهذا الفخ عندما منحت نفسي درجة مرتفعة للغاية فيما يخص "العقلية المتفتحة"، في حين منحني الآخرون درجة أقل بعض الشيء، حتى إن أحد الرفاق أعطاني درجة منخفضة للغاية فيما يخص سِمة "التوافق".

على الجانب الآخر، يبدو أن الكثير منا يقلل من شأن كفاءته ويشكك في قدراته مقارنة بقدرات الآخرين، وهي ظاهرة تُعرف باسم "متلازمة المحتال" (imposter syndrome). تعليقا على ذلك، تقول فازير: "سواء كنت تميل إلى المبالغة في تقدير ذاتك، أو التقليل من شأنها، فإن ذلك يعتمد إلى حدٍّ كبير على احترامك لذاتك". وبالفعل قلل الطلاب الذين عانوا من تدني احترام الذات في الدراسة السابقة من تقدير ذكائهم، في حين رسم الطلاب الواثقون صورة عن ذكائهم تتسم بقدر أعلى من الحقيقة".
في كثير من الحالات، يرانا الآخرون بوضوح أكبر، كما أن وجهة نظر الطرف الثالث عنك -حتى مع تحيزاته ونقاطه العمياء- أكثر موضوعية منك. وهذا ما تؤكده لورين هيومان بقولها: "إن تصورات الآخرين غالبا ما تتنبأ بسلوك الناس بدرجة أفضل من تصور الناس عن ذواتهم". عندما قارنت فازير في تجربتها السابقة بين تقييمات الأصدقاء وتقييمات المشاركين لأنفسهم فيما يتعلق بسمات مثل الذكاء والإبداع، اكتشفتْ أن تقييمات الأصدقاء كانت أكثر دقة، في حين بدا العكس صحيحا فيما يخص سمات مثل العصبية والقلق. لذا إن أردت أن تتعرف على أقرب حقيقة موضوعية لهويتك، فستجدها في مجموع تصورات الآخرين عنك بوصفها دليلا نحو فهم ذاتك بشفافية أكبر. وعن هذا يقول دانيال ليسينج من جامعة دريسدن التقنية بألمانيا: "إن صورتك المُنطبعة على وجدان معظم مَن حولك هي الصورة الأقرب لحقيقتك إلى حدٍّ كبير".

إذا راودتك رغبة في تكوين صورة دقيقة وكاملة لشخصيتك، فعليك أن تبحث عن بعض التقييمات والملاحظات من الآخرين حول شخصيتك. بالنسبة إلى ميتشيل غرين، مؤلف كتاب "اعرف نفسك: قيمة معرفة الذات وحدودها"، فإن فكرة "اللا وعي التكيّفي" تدعم هذه الحجة، باعتبار أن اللا وعي التكيّفي عبارة عن مجموعة من العمليات العقلية التي تؤثر على الأحكام واتخاذ القرارات وتخمين ما يحدث من حولنا والتصرف بسرعة وتلقائية بعيدا عن العقل الواعي.

في السياق ذاته، يقول غرين: "إذا كان اللا وعي التكيّفي مُمكنا، وقد أشارت الكثير من الأدلة على ذلك، فمن المستحيل أن تعرف نقاطك العمياء وتحيزاتك الضمنية مهما بلغت درجة استغراقك في تأمل ذاتك. هذا لا يعني بالطبع أن عملية تأمل الذات ومحاولة فهم ما تنطوي عليه ليست أمرا مهما، بل كل ما في الأمر أنك في حاجة إلى منظور الطرف الثالث باعتبار أن رأيه سيكون موضوعيا إلى حدٍّ ما. لكن قبل اتخاذ خطوة كهذه عليك أن تحذر، لأن الاستماع إلى تقييم دقيق وشامل عن شخصيتك ليس بالأمر المُريح، وهذا بالضبط سبب عزوف أغلب الناس عن إبداء آراء مباشرة وصادقة".

بالنسبة لي، لم تكن نتائج السمات الخمس مزعجة على الإطلاق، لكن المشكلة الحقيقية تكمن دائما في طريقة صياغة كلمات الأصدقاء. فما إن وجه لي عدد قليل منهم بعض الكلمات التي تصف أغلب سلبياتي، أيقنت أن استقبال مثل هذا النوع من التقييمات لا يناسب الجميع.

هل معرفة الذات تستحق كل هذا العناء؟
كل ذلك يقودنا إلى السؤال الأهم: هل السعي وراء معرفة الذات يستحق كل هذا العناء؟ ما الذي سنكسبه حقا إذا أمعنا النظر في نقاطنا العمياء لنحصل على فهم أدق وأشمل لهُويتنا وما تنطوي عليه دواخلنا؟ تقول عالمة النفس هيومان: "إن قدرتنا على تكوين صورة أدق حول ذواتنا تُعَدُّ أمرا جيدا بصورة عامة، لأن المعرفة الصادقة لشخصياتنا من المفترض أنها تساعدنا على اتخاذ قرارات حياتية أفضل، كأن نتساءل عن المهن المناسبة التي يجب أن نسعى وراءها، وعن نوع البشر الذين علينا أن نقيم معهم علاقات، كما أنها تساعدنا على التعامل بسلاسة أكبر مع الآخرين، وتعزز فينا شعورا بالاتساق والمعنى". أظهرت دراسة نشرتها هيومن مع زملائها عام 2020 أن الأشخاص الذين اتفقوا أكثر مع آراء الآخرين حول شخصياتهم سجلوا مستويات أعلى من السلامة النفسية.

رغم أن ذلك كله يبدو منطقيا، ترى هيومان أن المشكلة تكمن في صعوبة معرفة ما إذا كان فهم الذات فهما صحيحا هو ما يعزز الشعور بالسلامة النفسية، أم أن الوصول إلى حالة من السلام النفسي هو ما يعزز فهمنا لذواتنا، في حين ترى فازير على الجانب الآخر أن الهدف الرئيسي من بحثها لم يكن يتمحور فقط حول مدى معرفة الناس لأنفسهم جيدا، بل ما المهم في ذلك أيضا، وهل مَن يعرفون ذواتهم جيدا يتمتعون بحياة أفضل بالفعل. لكن الوصول إلى الحقيقة ليس بهذه السهولة، إذ لا يوجد دليل يمكن أن يُعوَّل عليه إلى الآن يُثبت ما إذا كانت معرفة الذات أمرا مفيدا بالفعل.

صحيح أنه يمكننا تخيّل دراسة تهدف إلى تتبع مجموعة أشخاص يعرفون أنفسهم جيدا على مدى عقود، لاكتشاف ما إذا كانوا سيتمتعون بالفعل بنتائج أفضل فيما يتعلق بصحتهم وعلاقاتهم على المدى الطويل، لكن لسبب وجيه لا توجد مثل هذه الدراسات، وهذا ما أشارت إليه فازير بقولها: "إن فكرة التجول في جنبات عالم الذات لتحسين حياة الناس تعتمد على فكرة أن معرفة الذات قابلة للقياس، وأن ذلك سيعود علينا بالنفع، لكن ما لا نفطن إليه هو أننا بالكاد نعرف ذواتنا". وتتفق هيومن مع فازير في وجهة نظرها، مؤكدة أن تبعات هذه العملية على صعيد تحسين السلامة النفسية وتحقيق أثر اجتماعي إيجابي ما زالت محل تساؤل.

ترى فازير أن المعتقدات المُتحيزة التي يتبناها البشر قد تكون وسيلة مُفيدة إذا لعبت دورا في تعزيز السعادة والسلامة النفسية، وتُعرف ساعتها بـ"الهامش الأمثل من الوهم" الذي يساعدك على رؤية نفسك إيجابية دون تشويه للواقع والتسبب في مشكلات في علاقاتك وحياتك المهنية. ومع ذلك، ما زالت فازير ترى أن التصورات الدقيقة للذات بعيدا عن التحيزات تلعب دورا مُرشِدا في جعل الناس من حولك أكثر سعادة.

يتفق غرين مع هذا الرأي، ويرى أن معرفة الذات، بهذا المعنى الأشد اتساعا من خلال تصورات الآخرين عنا، هو في حد ذاته أمر مهم بقوله: "رغم أن عدم وجود دراسات دقيقة لدعم وجهة النظر هذه، فإن حدسي في ذلك يعتمد إلى حدٍّ كبير على فكرة أن تصوراتنا الذاتية تؤثر بدرجة كبير على علاقاتنا وقراراتنا في الحياة. وإذا كنا لا نعرف أنفسنا جيدا، فسنعاني مرارة السعي وراء أشياء لا نريدها حقا أو تستثير اهتمامنا". من هذا المنطلق، سيكون من الأفضل لو توصلت إلى ما يُمثِّل لكَ أهمية حقيقية. في النهاية، كان الاستماع إلى آراء الآخرين حول شخصيتي تجربة جديرة بالاهتمام، إذ بات لدي الآن صورة أوضح حول المكان الذي تتوارى فيه أوهامي.

كيف ترى نفسك بصورة أدق؟
لفعل ذلك، عليك أن تسأل زملاءك عن الصورة التي يرونك عليها، لأن تحيزاتك المعرفية ونقاطك العمياء تُثبت أن الآخرين يرون شخصيتك الحقيقية بدقة أكبر مما تفعل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسمات التي تستحوذ على تقديرك وانتباهك. إذا كنت تعتقد أن بإمكانك التعامل مع تقييمات الآخرين الصادقة، فإن أبسط طريقة هي سؤالهم عن الصورة التي كوَّنوها عنك بجانب إجراء الاختبارات الشخصية الموجودة على الإنترنت.

في الوقت ذاته، عليك أن تتوخى الحذر من أن كل شخص لديه تحيزاته الخاصة، وأن الأقرب إليك هم على الأرجح الأكثر تحيزا تجاهك. هذا هو السبب في أن أفراد العائلة قد لا يكونون أفضل مَن يحكمون على شخصيتك. وعن هذا تقول سيمين فازير من جامعة ملبورن بأستراليا: "إن أفضل مَن يمكنه الحكم على شخصيتك هو شخص يعرفك جيدا دون أن تكون هُويته مُنصَهِرة في هويتك، كزميل عمل تعرفه منذ مدة طويلة، وتقضي معه وقتا خارج العمل على سبيل المثال".

إذا كان أحد مقاييس شخصيتنا الحقيقية هو الطريقة التي نفكر ونتصرف بها دون وعي تجاه الآخرين، فإن إحدى الطرق للتعرف على حقيقتك هي إجراء اختبار "التحيز الضمني"، الذي يشير إلى أن الناس قد يتصرفون على أساس من التحيز والتنميط عن غير قصد، وهو أسرع طريقة لكشف النقاب عن تحيزاتك الخفية. يرى ميتشل غرين، الفيلسوف بجامعة كونيتيكت الأميركية، أن تحيزاتك الخفية لا يمكن معرفتها مهما جلست تجترّ تأملاتك حول ذاتك. ورغم وجود بعض الشكوك التي تحوم حول مصداقية هذه الاختبارات، فإنها تظل أكثر مصداقية من حكمك الذاتي.

يظل العائق الرئيسي أمام معرفة الذات هو ما يُسمى بـ"الاستدلال المدفوع" أو "الدافع المنطقي" (motivated reasoning)، وهو ظاهرة اتخاذ القرار بصورة متحيزة عاطفيا. يعني ذلك أننا إذا كنا نتمتع ببعض الجاذبية أو الذكاء، فإننا نبالغ في تقدير هذه الصفات فينا، لأنها تنفض عنا المشاعر السلبية وتعزز فينا الشعور بالرضا. لحل هذه المُعضِلة، تقول إيريكا كارلسون من جامعة تورنتو بكندا، إن اليقظة الذهنية -وهي الانتباه إلى أفكارك ومشاعرك بصورة حيادية لا تعتمد على إطلاق الأحكام- قد تكون طريقة جيدة للتغلب على هذه العوائق من خلال قدرتها على التقليل من ردود الفعل العاطفية تجاه ذواتنا، ما يحد في النهاية من دوافعنا لخداع أنفسنا، ويُمكِّننا من رؤية أنفسنا بطريقة صادقة.

ترجمة: سمية زاهر. عن New Scientist

المصدر: 
الجزيرة