تخطي إلى المحتوى
3 - 4 كُتاب ومثقفون لبنانيون فضلوا الأدب على السياسة.. زمن الوباء عزز الرغبة في الكتب المجنحة 3 - 4 كُتاب ومثقفون لبنانيون فضلوا الأدب على السياسة.. زمن الوباء عزز الرغبة في الكتب المجنحة > 3 - 4 كُتاب ومثقفون لبنانيون فضلوا الأدب على السياسة.. زمن الوباء عزز الرغبة في الكتب المجنحة

3 - 4 كُتاب ومثقفون لبنانيون فضلوا الأدب على السياسة.. زمن الوباء عزز الرغبة في الكتب المجنحة

في لبنان إضافة إلى الحَجر والجائحة، كان العام ثقيلاً ومؤلماً، بسبب الانهيار الذي طال كل ما يمكن أن يمس تفاصيل الحياة اليومية. ما حدا بالمثقفين إلى الانغماس في قراءة الشعر والروايات والكتب النقدية أكثر من أي وقت مضى. غابت في سياق قراءات العام المنصرم الكتب الفكرية والسياسية، وفضل الكتاب اختيار كل ما يساعد على تعزيز الخيال، وتخفيف جلافة الواقع.

أربعة كتب وثلاث لغات

قرأ الشاعر هنري زغيب، كتباً كثيرة وأعاد قراءة بعضها هذا العام، ويتحدث هنا عن أربعة منها ويقول: كتاب «كلمات كلمات كلمات» لأُنسي الحاج، وهذه هي المرة الرابعة أَو الخامسة أَعود إِلى قراءة أجزائه الثلاثة التي تجمع معظم ما كان أُنسي نشرَه في الصفحة الأَخيرة من «ملحق النهار». أَعود إِليه لأَنه يؤَرخ مرحلة كاملة طوال عقدٍ ونيف (1964 - 1977) كانت فيه مقالات أُنسي سوطاً لاهباً على أَهل السياسة في لبنان، وانتصاراً صائباً لمثقفيه ومبدعيه. وكلما عدتُ إِليه أَجد نصوصه ما زالت صالحة لتكون شاهدة على ما يجري اليوم في لبنان، فلا شيء تغير. الثاني كتاب «جبران خليل جبران: حياته وعالمه» (بالإنجليزية) للنحات البوسطني خليل جبران وزوجته جين. فبعدما أَصدرتُ قبل أَشهُرٍ كتابي عن جبران «هذا الرجل من لبنان»، وجَدت نصوصاً ووثائق جديدة عنه استلزمَت أَن أَعود إِلى هذا الكتاب الذي أعتبره أَفضل ما صدر حتى الآن من سيرة جبران، لأَن المؤَلف (وهو ابنُ ابنِ عم جبران) يمتلك من الوثائق ما لا يمتلكه أَحد، كانت آلَت إِليه من مريانا شقيقة جبران، وهي الوحيدة الباقية بعدَه والمالكة تلك الوثائق النادرة والأَصلية. من هنا عودتي إِلى هذا الكتاب لاقتطاف بعض معلومات وتواريخ وأَسماء ووقائع احتاجها للمقالات الجديدة التي أَكتبُها عن جبران. الكتاب الثالث «أزهار الشر» لشارل بودلير (بالفرنسية). أعدتُ قراءته بعدما قرأْتُ مقالات عنه صدرت في عدد خاص من مجلة «لو فيغارو» الفرنسية، وبينها المحاكمة التي خضع لها بودلير برئاسة المدعي العام إِرنست بينار، الذي قسا في حكمه على الكتاب وغرم الشاعر بمبلغ كبير فوق طاقته، كما غرم الناشر سنة 1857، وطلب حذف 6 قصائد اعتبرَتْها المحكمة «تخدش الأَخلاق العامة والتقاليد الاجتماعية والنظُم الدينية». الكتاب الرابع: «الضفدع» (بالفرنسية) لأَلكسندر نجار، مسرحية تستعيد ما خضع له بودلير من محاكمة، وما خضع له الروائي غوستاف فلوبير، وبرئاسة المدعي العام نفسه إِرنست بينار، عقاباً على روايته «مدام بوفاري» لاعتبار المحكمة أَن في الرواية مساً بالأَخلاق العامة في ذلك العصر، والمسرحية على إِيجازها، رسم فيها أَلكسندر نجار بأُسلوبه المتميز ولغته الفرنسية النقية أَحداثاً جرَت للشاعر بودلير والروائي فلوبير.

المتعة في التنويع

ومن باب المتعة في التنويع، يقول الكاتب المسرحي فارس يواكيم من أهم ما قرأت: «مسارات الحداثة» والعنوان الفرعي «قراءة في تجارب الشعراء المؤسسين». كتاب عن شعراء للشاعر شوقي بزيع، يعلن في المقدمة أنه يجترح مهمة صعبة، أولها الخروج من ذاتية الشاعر إلى موضوعية الناقد، وتحويل لغة التعبير من الشعور إلى المنطق. والواقع أنه تنقل بيسر، وكانت كتابته النقدية ممتعة، في رحلة تعرف فيها القارئ على مضمون الحداثة، ثم قاده إلى محطاتها في الشعر العربي، خصوصاً مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين. وكتاب «هكذا في الحكاية التي لم يروها أحد»، مختارات من شعر عبده وازن، منتَخَبة من خمس مجموعات، اختارها وقدم لها محمد مظلوم. ولدى القراءة رحت متابعاً، مرة جديدة، قصائد عبده وازن في: «أبواب النوم» و«سراج الفتنة» و«نار العودة» و«حياة معطلة» و«الأيام ليست لنودعها». شعرت بالمتعة كما لدى قراءتها زمان نشرها الأول. وكتاب «ضريح آنا أخماتوفا» (الهيئة العامة لقصور الثقافة/مصر) لحسن نجمي. مجموعة شعرية تطربك أنغامها الموسيقية الكامنة في قصائدها النثرية. تنويعات على لحن الموت والحياة الخالد. لكنها فيما ظهر منها وما خفي لا تكف عن عشق الحياة، والحب هو ملهمها ومرشدها، كما في المراثي والغزليات. حب للإنسان والأشياء والأمكنة والمشاعر. وتبرز لغة نجمي الأنيقة، كما عهدتها. وأيضاً كتاب «الحياة تحت الصفر» لعباس بيضون، مجموعة شعرية كان من الممكن أن تحمل عنواناً فرعياً مكملاً «في زمن الكورونا». أراها قصائد الأفكار. أناشيد كتبها شاعر في زمن الحَجْر الذي أقعد الإنسان، لكن تأملاته لم تتوقف لحظة عن النبض عبر جدل مع الذات ومع العصر. وأخيراً «خانات الريح» (الهيئة المصرية العامة للكتاب)، رواية كتبتها الطبيبة الأديبة سوسن جميل حسن. تقاعدت من الطب وتفرغت للأدب. كانت تعاين المرضى وتشخص الداء وتصف العلاج، فأضحت تعاين المجتمع وتضع يدها على مكمن الداء. والكاتبة سورية مقيمة منذ بضع سنوات في ألمانيا التي استقبلت نحو مليون لاجئ، تعرف تفاصيل الشخصيات الوافدة، وتدرك طبيعة المجتمع المضيف.

العبور للآخرين

ويقول الكاتب والناشر سليمان بختي: أن تقرأ يعني أن تعبر إلى الآخرين. هناك كتب يتذكرها المرء، ومنها كتاب «فضاءات – يوتوبيا المدينة المثقفة» للناقدة خالدة سعيد، إذ تستكمل ما بدأته في كتابها الأول وتلقي الضوء على تجارب سبعة وثلاثين مبدعاً، ساهموا في صنع بيروت الحرية والإبداع. كتاب هو في حب المدينة وما تحمل من قيم وأضواء ورموز. وكتاب «صفونا مع الدهر» وهو عودة إلى الشعر للشاعرة والناقدة د. سلمى الخضراء الجيوسي وفيه أيضاً مختارات من كتابها «العودة من النبع الحالم» الصادر عام 1960، وتعلن في كتابها الجديد أنه «لم تنتقص من هوانا السنين» وتختمها بالعودة المشتهاة: «نحن عدنا/ واخترقنا مناعة الإسمنت/ يا ينابيع هللي». ظاهرة العودة إلى الشعر في ظلال العمر هي عودة إلى الذات الأصيلة. أيضاً كتاب «إضاءات في الأدب والفكر والثقافة» للدكتورة زهيدة درويش جبور. هو كتاب يؤشر لحضور النقد الرصين في النتاج الأدبي والفكري. يتناول مواضيع الشعر وسؤال المعنى ومسألة الحداثة والالتزام. وهناك جولة تشمل الدراسات البيئية وتحاليل لنماذج الرواية الحديثة. وجولة في الأدب الفرنكفوني وفي الثقافة والمواطنة. وكتاب «رباعية بيروت» لفارس الحرموني المهجري - مجموعة أناشيد كتبت في حب بيروت واستنهاض دورها، والغوص في تاريخها ومعالمها وأساطيرها ورموزها. بيروت في عين المهاجر غيرها في عين المقيم. ثم كتاب «خميس مجلة شعر - من الشفاهية إلى التوثيق والتدوين» للأب جاك أماتاييس السالسي. كتاب يؤرخ ويوثق ويستكمل البحث في صورة مجلة «شعر»، وندوة خميسها ودورها التجديدي، ويحمل في طياته الجواب عن سؤال: لماذا لا يزال صدى مجلة «شعر» يتردد في الأوساط الفكرية العربية المعاصرة.

القراءة بعد التقاعد

بعد تقاعده عن تدريس الفلسفة، يقول الكاتب والأكاديمي محمود شريح: استوقفني شوقي أبي شقرا في «عندنا الآلهة والأغنية وجارنا المطرب الصدى». فكلما أصدر شوقي ديواناً جدد العهد أن قصيدة الحداثة تنطلق رؤيتها من المشهد البسيط لتلم بتفاصيل الأفق حيث الذاكرة لا تضيع وشائجها، وحيث الوعي الباطني ماثل أبداً. الصورة بسيطة لكنها ترُدنا إلى زمن خاص لتصبح ميتافيزيقية. وكتاب سيف الرحبي «عاشق بيروت وأهلها»، دون يوميات 2020 عام جائحة وباء «كورونا» البغيض. سجل الرحبي خواطره المتصلة بهذا الكابوس الجاثم على الصدور، في يوميات سماها «في النور المنبعث من نبوءة الغراب: أوراق 2020». ويأتي كتاب د. أنطوان أبو زيد في «كتابة خليل حاوي الشعرية مقاربة رمزية»، ليعيد إلى هذا الشاعر بهاءه ويردنا إلى رونقه تحت خانة قنطرتين: الذوق الأدبي ومنهج النقد الموضوعي، أي صورة حاوي طبق الأصل: أستاذ النقد الأدبي في أميركية بيروت على مدى ربع قرن، منذ عودته من كامبردج وبيده دكتوراه عن جبران وحتى انتحاره في 6 حزيران 1982.

الزمن النوعي

ويرى الشاعر سلمان زين الدين، أنه في غمرة الظروف الاستثنائية التي نعيش في لبنان والعالم العربي، تشكل القراءة فسحة أمل توسع العيش، على حد تعبير الطغرائي، ويغدو الكتاب فرصة لاقتطاع زمن نوعي من الزمن الكمي الذي نغرق في رماله المتحركة. وهو ما توفره كتب كثيرة، أقترح أربعة منها: «هذا الرجل من لبنان» للشاعر اللبناني هنري زغيب الصادر عن «منشورات مركز التراث اللبناني». الكتاب وضعته بالإنجليزية الشاعرة الأميركية بربارة يونغ عن الأديب اللبناني جبران خليل جبران، وهي التي لازمته في السنوات السبع الأخيرة من حياته، واستطاعت أن تقترب من هذه الشخصية المثيرة للجدل، وأن تضيف إلى سيرته جوانب مجهولة. وتأتي ترجمة هنري زغيب للكتاب بلغة أنيقة، وبتحقيق علمي، مع رفده بالوثائق التي تنشر للمرة الأولى. وكتاب «ضفاف أخرى» للشاعر اللبناني عيسى مخلوف. سيرة ذاتية ثقافية في إطار حواري، يجيب فيها الشاعر عن 237 سؤالاً طرحها عليه الشاعر العراقي علي محمود خضير. وتتناول الأجوبة: الكتب التي قرأ، والموسيقى التي سمع، والأعمال الفنية التي رأى، والأسفار التي قام بها، خارج الذات وداخلها. ثم كتاب «أن تعشق الحياة» للروائية اللبنانية علوية صبح. الكتاب إضافة نوعية إلى مدونة صبح الروائية، ترصد فيه قدرة المرأة على مواجهة الأعطاب، في عالم مرجعي يواجه أعطاب السلطة. وكذلك كتاب «الغجر يحبون أيضاً» للروائي الجزائري واسيني الأعرج. رواية تطرح سؤال الغجر ومعاناتهم التاريخية في مجتمع متعدد الهويات.

لكتب الأطفال حصة

ويقول الشاعر والصحافي السوري بهيج وردة: أبدأ بكتاب للأطفال قرأته لطفلي كان من كتبنا المفضلة هذا العام، وعنوانه «في رأسي نغم» لنادين باخص من إصدارات شركة المطبوعات للتوزيع والنشر مستوحى من رحلة إبداع زياد الرحباني، وتحديداً قصة لحن «عودك رنان»، والإلهام السري الذي كان يصاب به طفلاً ويفرغُه بالموسيقى. ثم مذكرات الصحافية العراقية منى سعيد الطاهر، وصدرت بعنوان «جمر وندى» فصول من سيرة ذاتية عن دار سطور - بغداد، وتجسد حربها في مواجهة مرض السرطان الذي شُخص بالصدفة وانتصارها عليه، ثم عودتها إلى بغداد بعد اغتراب طويل. وأخيراً كتاب «حسان عباس بعيون معاصرة» الذي جمع أقلاماً سورية مختلفة عن واحد من المؤثرين بعمق في المشهد الثقافي السوري المعاصر، وقدمه فايز سارة، وصدر عن «دار نرد» للنشر والتوزيع (2021)، إذ ضم شهادات من عاصروا وشاركوا د. عباس، أحلامه وتطلعاته إلى غدٍ مشرق.

المصدر: 
الشرق الأوسط