تخطي إلى المحتوى
بين التاريخ والسياسة وسير المشاهير.. الدخول الأدبي الشتوي في فرنسا بين التاريخ والسياسة وسير المشاهير.. الدخول الأدبي الشتوي في فرنسا > بين التاريخ والسياسة وسير المشاهير.. الدخول الأدبي الشتوي في فرنسا

بين التاريخ والسياسة وسير المشاهير.. الدخول الأدبي الشتوي في فرنسا

لم تفوّت دور النشر الفرنسية الكبيرة هذه السنة موعدها الشتوي مع ملايين القراء، بفضل العدد الكبير من الإصدارات الأدبية التي تمكنت من صناعة الحدث، خاصة تلك المنتظرة منذ الإعلان عن قرب صدورها قبل شهور عدّة على غرار "مكتب توضيح المصائر" لغايل نوهانت و"المنابع" لماري هيلين لافون وغيرها.

ومن الأعمال الأدبية التي صدرت في موسم الشتاء الجاري اختارت الجزيرة نت عرض بعض الأعمال الأدبية الأكثر جذبا للقراء والنقاد معا:

رواية "إهانات" لكونستانس دوبريه (دار فلاماريون – فبراير/شباط 2023)

تسرد هذه الرواية وقائع جريمة قتل تقود إلى محاكمة شاب عشريني من ضواحي العاصمة باريس، اتُهم بقتل امرأة في الـ80 من العمر مقابل 450 يورو فقط، ومن خلال ما يجري من أحداث تدعو الروائية كونستانس دوبريه قراء هذا العمل إلى تأمل ما أصبحت عليه العدالة الفرنسية، التي لم تعد تبحث عن الحقيقة بقدر سعيها إلى التطبيق الصارم للإجراءات التي قد لا تحقق أي غاية عادلة.

إنها رواية تدافع عن رحابة الرحمة والتعاطف الإنساني في مواجهة نصوص قانونية بلا روح، وتثير سؤالا في غاية الأهمية يتعلّق بشروط تحقيق العدل في مجتمع غير عادل، يقوم على مبدأ التمييز بين أفراده من حيث المكانة الاجتماعية التي تتنافى مع الغاية التي من أجلها وضع القانون، وهي ذات الشروط التي تجعلنا نتساءل أيضا بخصوص المعتدي، ألا يمكن اعتباره ضحية أيضا في مثل هذا المجتمع؟

تتميز هذه الرواية بسلاسة لغوية منقطعة النظير، تدفع القارئ إلى قراءتها في نفَس واحد بلا انقطاع، وبفضل إيقاعها السريع وتدفق أحداثها، يجد القارئ نفسه في مواجهة مباشرة مع أسئلة قلقة تدور كلها حول الخير والشر يطرحها هذا العمل في سرد نقديّ قويّ، غير مزخرف من خلال فصول مزعجة وجمل قصيرة اختيرت كلماتها بعناية فائقة.

"مكتب توضيح المصائر" لغايل نوهانت  (دار غراسات- يناير/كانون الثاني 2023)

تتناول هذه الرواية قصة إيرين، التي يتم توظيفها في أكبر مركز توثيق للاضطهاد النازي في ألمانيا، وتم تكليفها في خريف 2016 بمهمة خاصة تتمثل في إعادة آلاف الأشياء التي ورثها المركز عندما تم تحرير المعسكرات إلى مستحقيها من ورثة المعتقلين.

ومن خلال هذه المهمة التي تنخرط فيها إيرين بكل حماس، تجد نفسها في مواجهة ماض مأساوي يبدو أنه لن ينسى، فرغم بساطة الأشياء التي كلفت بإعادتها، فهي تمثل بلا شك الذكرى الوحيدة التي بمقدورها الإبقاء على الصلة بين الماضي والحاضر، وهي الطريقة الوحيدة التي قد تسمح في المستقبل بإيقاف ألم الفقد.

لكن الأهم من كل ذلك هو أن بلوغ هذه الأشياء إلى ذوي المعتقلين قد يكون آخر فرصة لجمع شتات الذاكرة الجماعية وإعادة الروح إلى جسد أوروبي استحلى الموت تحت مسمى النسيان.

رواية "مكتب توضيح المصائر" هي -كما وصفها الناشر تماما- "لوحة جدارية مؤلفة ببراعة، ذات كثافة عاطفية كبيرة ، منحت فيها غايل نوهانت كل قوة موهبتها".

"الظلال البيضاء" لدومينيك فورتييه (دار غراسات – يناير/كانون الثاني 2023)

قد توصف هذه الرواية بأنها "قنبلة صغيرة من المشاعر"، فبأسلوب خام وشاعري في الوقت نفسه، تأخذنا لمقابلة شخصيات تتحرك في مجال إنساني غاية في الشاعرية والرقة.

إنها قصة تعيد سرد قصة الشاعرة الأميركية إميلي ديكنسون (1830-1886)، والتي وإن لم تلق التقدير الأدبي في حياتها، فقد أُعيد لها الاعتبار لاحقا، بحيث اعتبرت مع والت وايتمان أهم الشعراء الأميركيين في القرن الـ19، بل اختيرت ضمن أهم 26 كاتبا وكاتبة غربيين عبر التاريخ.

وبعد عدة سنوات من العزلة الطوعية توفيت إميلي ديكنسون، مخلّفة حزنا عظيما وإرثا أدبيا أعظم، تضمنته نصوص لا حصر لها مبعثرة هنا وهناك لم يكن لإيملي أي رغبة في نشرها كما يبدو، حتى إنها لم تحطها بأي عناية في وصيتها التي تتناولها على عكس رسائلها ومذكراتها التي أوصت بإتلافها.

تقرر أسرة إيملي بعد تردد نشر هذا الإرث رغم ما ظهر لها من صعوبات تتعلّق بالتصنيف واختيار ما ينشر، وأيضا ما قد يواجهها من متاعب محتملة من المجتمع الأميركي في القرن الـ19 الذي يستمر في النظر إلى المرأة الكاتبة بازدراء غريب.

تسرد الرواية قصة شعر خالد ما كان ليظهر يوما لولا الشجاعة ورغبة الأحياء من عائلة إيملي في الإبقاء على شيء من ذكراها.

 

تنتشر شائعات في مكاتب "موند نيوز" التي يعمل فيها أورليان بابل (57 سنة) محررا، حول إعادة تنظيم محتملة للمؤسسة، من شأنها أن تسمح له باتفاق لترك العمل، ما سيتيح له الكثير من الوقت يكرسه بالكامل لشغفه الأزلي بالشعر.

لكنه يكتشف لاحقا، أن التسريح المتفق عليه الذي ستعلن عنه جريدته لن يمس إلا 30 شخصا. أما البقية فلن يكون أمامهم إلا التكيف مع ظروف عمل ستزداد سوءا بلا شك. هكذا يقرر أورليان أن يفعل المستحيل ليكون ضمن قائمة العمال المسرحين.

استمد الكاتب عنوان روايته من العبارة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي أثارت سخرية الإعلام حينها؛ "كل ما عليك فعله هو عبور الشارع للعثور على عمل، فهناك الكثير من عروض العمل".

تدعو الرواية قارئها إلى تأمل واقعي فلسفي في ظاهرة العمل، فبين الانتقال والضغوط الممارسة على العمال، والمنافسة غير المشروعة، وتضاؤل دور النقابات في الدفاع عن حقوقهم، بل والإهانات التي يتعرضون لها بالإضافة إلى الأجور المتواضعة، بين كل ذلك يجد التشبيه القديم للعمل بأنه "نظام استعباد حديث" أسبابه الواقعية التي تزيده قوة، وتزيد إصرار أي عامل مضطهد على إيجاد جواب ملائم لسؤال ما الذي ننتظره لتحرير أنفسنا؟
 
"الخريف آخر الفصول" لنسيم مرعشي (دار زوما- يناير/كانون الثاني 2023)

قصة جميلة عن الحب والصداقة، حساسة ومؤثرة، متجذرة بعمق في المجتمع الإيراني، ومع ذلك فهو نص عالمي يلامس الروح الإنسانية بنحوٍ مدهش.

تجري الأحداث في العاصمة الإيرانية طهران، وتروي قصة 3 شابات تخرجن حديثا من الجامعة، يعشن حالة تمزق ثقافي جعلهن في مفترق الطرق بين التقاليد والحداثة. إنها رواية عن الهوة الفاصلة بين الممكن والمستحيل، بين الواقع والحلم وبين المعيش والمفترض عيشه. قصة أحلام بسيطة تواجه واقعا بشعا يحرم الأمل.

تعرض الرواية موضوع "الرحيل" وحقيقة أنه حلّ سحري لبلوغ الحرية وتحقيق الحلم، لكنه حل لا يعني التضحية بأمور لم يتصور الراحل أنه سيضحي بها يوما كالصداقة والحبّ، وكأنها تقول لنا إن تحقيق حلم قد يقتضي اغتيال أحلام أخرى.

في صيف واحد وخريف واحد تتقرر مصائر كثيرة، تنقل شخصيات الرواية إلى عوالم تجمع بين الخيبة والرجاء، عبر سلسلة غير منتهية من التنازلات التي ستنتهي بتلاشي الصداقة وكسر رباطها المقدس.

"المنابع" لماري هيلين لافون (دار بوشي ساستل- يناير/كانون الثاني 2023)

تعيد رواية "المنابع" سرد تاريخ شخصي لعائلة ريفية متكونة من أم في الـ30 من العمر وزوج و3 أطفال، من خلال رصد 3 لحظات حاسمة في سيرتها (يونيو/حزيران 1967، مايو/أيار 1974، أكتوبر/تشرين الأول 2021)، وهذا من خلال عيون وأصوات 3 شخصيات محورية في الرواية: الأم، الأب، أحد الأبناء، وكأن ماري هيلين لافون مدركة للثابت العقلي الذي يجعل الحقيقة حمّالة أوجه، بحيث يستحيل رؤية أي صورة بشكل كامل إلا من خلال زوايا مختلفة وفي أوقات مختلفة أيضا.

ومع أنها سرد حميمي ورصد لاعترافات عائلية، فقد نجحت الرواية في توظيفها من خلال تقاطعات الرواة المختلفة في الأحداث نفسها، لتجعل منها عملا موضوعه الشجاعة والتحرّر، لأن تاريخ هذه العائلة الريفية البسيطة، رغم حميميته، ليس في الحقيقة إلا تاريخا لسيطرة ذكورية قاسية بما فيها من بطش وظلم ووحشية وخوف
المصدر: 
الجزيرة