كان أمير موناكو رينيه زوج حسناء هوليوود غريس كيلي في تنافس مع ملك تايلاند على من يسبق الآخر في سنوات حكمه. ملك تايلاند راما التاسع جاء إلى الحكم شاباً يافعاً سنة 1946، قبل الأمير رينيه بثلاث سنوات. كلاهما عاشا حياة مديدة وكان أمير موناكو يُمازح مساعديه لحظة نهوضه من الفراش ويسأل كل صباح: "هل مات ملك تايلاند أم بعد؟".
من سوء حظ رينيه أنه توفي سنة 2005، بعدما أمضى 56 سنة على العرش، أما ملك تايلاند فقد عاش 11 سنة من بعده، وتوفي سنة 2016 بعد 70 عاماً من توليه عرش بلاده. قائمة الملوك المعمرين على عرشهم طويلة، ومنهم طبعاً الملكة إليزابيث الثانية التي توفيت قبل أشهر بعد 70 سنة قضتها على عرش بريطانيا.
ولكن، ماذا عن أقصر الحكام عمراً في حكمهم؟
نجد مثلاً ملك البرتغال لويس فيليب، الذي حكم لمدة لم تتجاوز الساعة الواحدة فقط قبل اغتياله سنة 1908، وضابطاً كينياً حكم بلاده ست ساعات سنة 1981. وكان جوزيف غوبلز قد عُيّن حاكماً لألمانيا النازية يوم انتحار أدولف هتلر في 30 نيسان/أبريل 1945، ولكنه أنهى حياته بالسم في 1 أيار/مايو، كي لا يقع في أسر الحلفاء.
تعرفوا معنا إلى ثلاث شخصيات سورية، سقطت سهواً من لوائح المؤرخين الأجانب، وحكمت دمشق في العصر الحديث، ما بين 24 ساعةً وخمسة أيام فقط لا غير
وبين الرؤساء، هناك الرئيس اللبناني رينيه معوض الذي تولى الحكم في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1989 واغتيل بعدها بثمانية عشر يوماً، إضافة للرئيس الأمريكي ويليام هاريسون، الذي توفي بعد 32 يوماً من توليه الحكم سنة 1841.
القائمة تطول أيضاً، ومعظم أسمائها من دول أمريكا اللاتينية، مع تجاهل ثلاث شخصيات سورية سقطوا سهواً من لوائح المؤرخين الأجانب، حكموا دمشق في العصر الحديث ما بين 24 ساعة وخمسة أيام فقط لا غير.
الأمير سعيد الجزائري (24 ساعة–خمسة أيام)
كان الأمير سعيد، وهو حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، قد عيّن نفسه حاكماً على دمشق عشيّة انسحاب الجيش العثماني نهاية شهر أيلول/سبتمبر من العام 1918، بعدما أطاحه الضابط البريطاني توماس لورانس (لورانس العرب) مساء يوم 1 تشرين الأول/أكتوبر 1918.
جاء تعيينه بقرار فردي اتخذ في ظل الفوضى العارمة التي عصفت بدمشق عند انسحاب القوات العثمانية. في مذكراته المنشورة في الجزائر سنة 1967، يقول الأمير سعيد إنه تولّى الحكم في يوم الخميس 26 سبتمبر/أيلول 1918 وبقي فيه خمسة أيام. لورانس يقول إن الأمير سعيد نصّب نفسه حاكماً في 30 سبتمبر/أيلول، أي أنه بقي في الحكم 24 ساعة فقط. وقد حاول خلالها حماية الجنود الأتراك المنسحبين، مع ما تبقى من أموال الخزينة العامة.
معظم كتب التاريخ تسقط اسم سعيد الجزائري من قائمة رؤساء سوريا، وحتى الجرائد التي نقلت خبر وفاته لم تذكره بصفة رئيس أسبق، بل حفيداً للأمير عبد القادر الجزائري
وقد بعث بعدة رسائل إلى مناطق مختلفة من سوريا معلناً توليه الحكم في دمشق، بعضها جاء باسم "حاكم سوريا العسكري" والبعض الآخر بلقب "رئيس الدولة السورية". وفي إحدى المرات، أشار إلى نفسه بلقب "نائب السلطان (محمد السادس)". بكلّ الحالات، معظم كتب التاريخ تسقط اسم سعيد الجزائري من قائمة رؤساء سوريا، وحتى الجرائد التي نقلت خبر وفاته في 16 تموز/يونيو 1970 لم تذكره بصفة رئيس أسبق، بل فضّلت الإشارة له بنسبه، حفيداً للأمير عبد القادر الجزائري.
سعيد إسحاق (24 ساعة)
كان سعيد إسحاق نائباً لرئيس مجلس النواب ناظم القدسي يوم انقلاب أديب الشيشكلي الثاني في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1951. احتجاجاً على هذا انقلاب استقال رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي في 2 كانون الأول/ديسمبر 1951 وكان من المفترض أن يتولّى الحكم بغيابه رئيس السلطة التشريعية، ريثما يتم انتخاب رئيس جديد لسوريا. ولكنّ الشيشكلي كان قد حلّ المجلس واعتقل رئيسه، ما جعل نائب الرئيس، أي سعيد إسحاق، رئيساً مؤقتاً، من حيث المبدأ، ابتداء من 2 كانون الأول/ديسمبر.
ولكن "رئاسة" سعيد إسحاق وضعت الجميع في مأزق قانوني لأنه مسيحي، وهذا ما يتعارض مع المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن يكون رئيس الجمهورية مسلماً. لم يتسلّم الحكم ولم يدخل قصر المهاجرين قط، وفي 3 كانون الأول/ديسمبر، قام الشيشكلي بتعيين صديقه اللواء فوزي سلو رئيساً للدولة ولمجلس الوزراء.
"رئاسة" سعيد إسحاق وضعت الجميع في مأزق قانوني لأنه مسيحي، وهذا ما يتعارض مع المادة الثالثة من الدستور التي تنص على أن يكون رئيس الجمهورية مسلماً
مع ذلك، حافظ سعيد إسحاق على لقب "دولة الرئيس" الذي كان يُطلق على رؤساء الحكومات والمجالس النيابي، ولم يصل إلى لقب "فخامة الرئيس" الذي كان حكراً على رؤساء الجمهورية. وقد توفي سنة 1989 دون أن يأتي ذكره على قائمة رؤساء سورية السابقين.
الدكتور مأمون الكزبري (ثلاثة أيام)
حكم الشيشكلي سورية عن طريق فوزي سلو حتى توليه الحكم بشكل مباشر وانتخابه رئيساً للجمهورية في يونيو/تموز 1953. ولكن عهده لم يدم وسقط بثورة مسلّحة، انطلقت ضده في حمص وحلب وجبل الدروز والساحل. استقال الشيشكلي وغادر البلاد متوجهاً إلى لبنان في 25 فبراير/شباط 1954.
دستورياً، انتقل الحكم إلى رئيس مجلس النواب الدكتور مأمون الكزبري ولكنه، مثل سعيد إسحاق، لم يدخل قصر المهاجرين ولم يوقع أي قرار بصفة "رئيس جمهورية بالوكالة." كانت الساعات التي تلت سقوط الشيشكلي مليئة بالشائعات ومحاولات مختلفة لعودته إلى الحكم، ومنها إذاعة بيان مزور باسم رئيس الأركان شوكت شقير، يقول فيه إن الشيشكلي عائد ويبقى هو رئيس سوريا الدستوري.
الطبقة السياسية في سوريا لم تسمح للكزبري بتولّي الحكم بشكل فعلي، وقد سارع زعماء البلاد إلى مدينة حمص للطلب من هاشم الأتاسي العودة إلى الحكم وإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية التي كانت قد قطعت بسبب انقلاب عام 1951.
عاد الأتاسي إلى دمشق في 1 آذار/مارس 1954 ونودي به رئيساً شرعياً للجمهورية، ما يعني أن مأمون الكزبري بقي "رئيساً" ثلاثة أيام فقط
وبالفعل، عاد الأتاسي إلى دمشق في 1 آذار/مارس 1954 ونودي به رئيساً شرعياً للجمهورية، ما يعني أن مأمون الكزبري بقي "رئيساً" ثلاثة أيام فقط (كون شهر شباط/فبراير ليس فيه إلا 28 يوماً ولم يكن كبيساً سنة 1954).
وحتى في حالة الكزبري، لم يتعامل معه أحد بصفة رئيس جمهورية، ولم تشمله قرارات الإبعاد التي طالت بعض أعوان الشيشكلي، ومنهم فوزي سلو، فقد دخل مجلس النواب مجدداً سنة 1954 وعُيّن وزيراً للعدل عام 1955، قبل أن يصبح رئيساً للحكومة في عهد الانفصال وأحد المرشحين فعلاً لرئاسة الجمهورية، خلفاً للرئيس جمال عبد الناصر. ولكن الرئاسة سنة 1961 ذهبت للدكتور ناظم القدسي وليس لمأمون الكزبري