بعد منافسة قوية مع وزيرة المالية الاسكتلندية السابقة على رئاسة الحزب الوطني الاسكتلندي، انتخب حمزة يوسف رئيسا للحزب، ثم أدى، أمس الأربعاء، اليمين ليكون بذلك، ليس فقط رئيس الوزراء الأول المسلم لاسكتلندا، بل الأول في هذا المنصب الكبير في أوروبا الغربية.
تجيء هذه النقلة المهمة بعد انتخاب سوناك ريشي، رئيسا لوزراء بريطانيا في تشرين الأول/أكتوبر 2022، وهو من أبوين هنديين (هندوسيين) هاجرا إلى البلاد من أفريقيا في ستينيات القرن الماضي، فيما أن يوسف هو ابن لمهاجرين باكستاني وكينية مسلمين.
يؤكد هذان الانتخابان، بداية، على أن ارتفاع أهمية مبادئ الجدارة Meritocracy، والأهلية، والاحتراف، في آليات السياسة الداخلية، هي من عوامل النجاح الكبير للنظم الديمقراطية العالمية، ولتجذرها تاريخيا في بريطانيا، منذ وثيقة «ماغنا كارتا» عام 1215، التي جعلت سلطات الملك غير مطلقة، وأكدت أن القانون هو فوق الجميع.
يكتسب انتخاب يوسف أهمية كبيرة ضمن السياق الاسكتلندي والبريطاني، بتأكيده على الحركية الاجتماعية، وبتجاوبه مع نضال الأقليات الإثنية والدينية والاجتماعية للتمكين السياسي، وللتعبير عن هويتها الثقافية، والتكامل، في الوقت نفسه، مع الطموحات السياسية العامة للبلاد التي هاجر آباؤهم إليها، وصاروا جزءا من إرثها السياسي والاجتماعي والثقافي.
لفت أحد المعلّقين على انتخاب يوسف النظر إلى أن مكان إقامة رئيس الوزراء الاسكتلندي كان، بالأساس، مسكنا لجون كروفورد، الذي كانت لديه مزرعة قصب سكر في جامايكا يعمل فيها 200 عبد، وأنه صار اليوم مقر إقامة لزعيم اسكتلندا المسلم الذي صلّى في اليوم الأول لإقامته مع عائلته بعد إفطار رمضان.
نشر حمزة صورة لنفسه وعائلته معلقا على هذا الحدث في موقع التواصل الاجتماعي تويتر بالقول: «ها أنا وعائلتي نقضي أول ليلة في «بيوت هاوس» (مسكن رئيس الوزراء) بعد التصويت البرلماني (على انتخابه). إنها لحظة مهمة أن أؤم بعائلتي بالصلاة وهو تقليد نقوم به بعد الإفطار».
أحد التفاصيل المفيدة في حياة يوسف أيضا أنه متزوج من نادية النخلة، وهي ناشطة سياسية من أب فلسطيني، وأن لديها أقارب في غزة، وكانت على اتصال دائم مع شقيقها محمد وزوجته دعاء وأطفالهما الثلاثة خلال الهجوم الإسرائيلي على القطاع عام 2021، وأنها انتخبت ضمن مجلس بلدي محلي في بلدة دندي العام الماضي، وكانت أول مرشح عن الأقليات العرقية في الحزب الوطني يتم انتخابه في تلك المدينة.
أحد الأحداث التي مرّت بها عائلة حمزة ونادية يشير إلى الرغبة العارمة في العدالة التي تحركهما، حيث قاما برفع دعوى ضد حضانة أطفال قبل عامين لأنهما شعرا أن الحضانة ميزت بشكل غير عادل ضد ابنتهما البالغة من العمر عامين، حيث لاحظا قبول طلبات مقدمة بأسماء تبدو قريبة لأسماء الاسكتلنديين البيض، في حين تم رفض طلبهما، وتشير هذه الحادثة الصغيرة إلى العلاقات المعقدة بين قضايا الثقافة والهوية والاجتماع والسياسة، حيث يحضر السعي للعدالة على مستوى اسكتلندا وبريطانيا، مع النضال للعدالة ضمن منظورات أكبر، تحضر في إطارها قضايا مثل المسألة الفلسطينية، وقضايا الفقر والاستبداد والعدالة في العالم الثالث.
التقت رغبة يوسف (والنخلة) في العدالة الشخصية، والصعود الاجتماعي ـ السياسي، والنضال لعالم أفضل، مع اتجاه قويّ في الحزب الوطني الاسكتلندي للاستقلال عن بريطانيا، وهذا ما سيجعله، عمليّا، في مواجهة مع «الاستابلشمنت» المحافظة البريطانية، ومع رئيس الوزراء سوناك شخصيا، وهذه مفارقة تاريخية قد لا تتكرر، لما يحمله الشخصان، في سيرتهما الشخصية، من آثار التاريخ الدامي بين الهند وباكستان، مضروبا، هذه المرّة، بالتاريخ الدامي، بين إنكلترا واسكتلندا!