" شجرة النارنج ليست مجرد شجرة فـي البيت الدمشقي بقدر ماهي حامل لذكريات وأحلام كل النساء السوريات"
قالت الروائية السورية رنا العش انها كتبت روايتها ( ذاكرة النارنج) لتساهم ولو بجزء بسيط في رفع الظلم عن المرأة بشكل عام ..وعن المرأة في المجتمعات العربية بشكل خاص.
وأضافت: في لقاء مع (الوطن) لطالما شغلني مصير أمهاتنا وجداتنا وأحلامهن التي لم تتحقق حتى أبسطها وهي التعلم.
ويذكر أن ذاكرة النارنج وهي الرواية الأولى للكاتبة، لاقت تجاوباً كبيراً وخلقت جدلاً واسعاً في الوسط الثقافي.. وقد اتخذت الكاتبة في روايتها من البيت الدمشقي والمدينة القديمة في العاصمة السورية كحيز مكاني لأهم أحداث هذا العمل الذي كان اقرب للرواية النفسية لما حمله من منولوجات داخلية وهموم نفسية.
*ـ هل يمكن إعطاؤنا لمحة عن البدايات.. بمن تأثرت من الكتاب.. ومن هم مصدر الإلهام حالياً…؟
نشأت ضمن عائلة محبة للقراءة في بيت جدي، كانت هناك مكتبة كبيرة وغنية بتنوعها الفكري والسياسي والأدبي، مكتبة منزلنا احتوت على كتب الادب العالمي وكتب الأدب العربي الكلاسيكي، من المنفلوطي إلى نجيب محفوظ ويوسف السباعي ..كل هؤلاء العمالقة وغيرهم كانوا زادي بمرحلة الصبا.. ومازلت اقرأ الادب العربي والعالمي وبشغف كبير وأتابع دوماً كل جديد..أنا عاشقة للكتب.. مصدر الالهام لي حالياً النساء بشكل عام والنساء السوريات بشكل خاص ..
* ـ كيف نضجت فكرة رواية (ذاكرة النارنج).. وما الذي يعنيه لك هذا العنوان الملفت …؟
لطالما شغلني مصير امهاتنا واحلامهن التي لم يتحقق حتى ابسطها وهو التعلم، كان حديثي الشاغل مع صديقاتي كيف آلت طموحاتهن وقصص حبهن البريئة التي لم يستطعن البوح بها … ومن هنا بدأت الفكرة وتطورت إلى أن وصلت لسطور الرواية .. كتبت هذه الرواية لتساهم ولو بجزء بسيط برفع الظلم عن المرأة بشكل عام ..وعن المرأة في مجتمعنا العربي بشكل خاص. فقد عاشت بطلة الرواية منيرة ثلاثة أجيال مكبلة بظلم المجتمع وسطوة من له القرار بدلاً عنها.. ثلاثة أجيال لم تمنحها القوة الكافية لاتخاذ أي قرار يتعلق بحياتها والعيش كما حلمت وأحبت، وكان ابسط حلم أن تكمل دراستها.
أما بالنسبة للعنوان فقد كان حاملاً مهماً للراوية، فلا يوجد بيت سوري قديم يخلو من شجرة كباد أو نارنج أو ليمون، زهرة النارنج كانت المفضلة عندي ..كانت تدهشني تلك الثمرة كيف تصنع الأمهات والجدات منها المربى اللذيذة الطعم حلوة المذاق بالرغم من مرارة الثمرة نفسها .. شجرة النارنج ليست مجرد شجرة في البيت الدمشقي، بل هي حامل لذكريات ومرارة واحلام كل الأمهات والجدات والسيدات السوريات ، وعليه بنيت مشاهد كثيرة للرواية ..
* ـ كم لعبت السيرة الذاتية لـ (رنا العش) دورا في روايتك …؟
من غير تفاصيل دقيقة.. بالتأكيد لعبت دوراً كبيراً ، يكفي انني ابنة هذا المجتمع الدمشق والبيئة التي نسجت حولها الرواية. أنا ابنة الشام من حي القميرية ولدت وترعرعت في هذه البيئة وفي تلك البيوت الدمشقية. وعشت طفولتي في حاراتها وبين أهلها ..
* ـ كان ملفتاً انك جعلت في روايتك الإنسان الصالح والطيب ( امرأة أو رجلاً) إنساناً ضعيفاً مسلوب الإرادة لايستطيع اتخاذ أي قرار بنفسه ..في حين أن الإنسان القوي هو إنسان شرير قاسي.. هل هذا هو الواقع .. ماهي الرسالة التي تريدين إيصالها من خلال الرواية…؟
لا أجد الموضوع له علاقة بالشر. شخوص الرواية مهما كانت درجة قرابتهم من البطلة لم يكونوا اشراراً بالمعنى الحرفي للشر، بل كانوا محملين ومكبلين بعادات وارث يصعب التخلص منه بسهولة، فالشر لاعلاقة له بقوة الشخصية أو ضعفها.
وبالضبط هذا فحوى الرسالة التي اردت ايصالها من خلال الرواية ..اننا مثقلون بعادات وتقاليد مجتمعنا واننا لسنا احراراً بما فيه الكفاية لنعيش كما نرغب ولو بالحد الأدنى، ومصدر قوة الأب أو الأخ أو الزوج أو الحماة برأيي هي العادات والتقاليد وسطوة المجتمع وهذه الأسباب مجتمعة هي سبب ضعف وسلب حقوق بطلة روايتي .
* ـ رغم علاقة الحب الجميلة بين منيرة وزوجها الثاني ..إلا ان موقفه كان سلبياً ولم يتدخل لصالح زوجته…؟
يوسف زوج منيرة الثاني لم يكن سلبياً برأيي لأن منيرة رسمت له حدوداً منذ البداية وفصلت علاقتها به عن عائلتها ولحبه الشديد لها احترم يوسف رغبتها وبالرغم من ذلك عندما فقد التواصل معها حاول الوصول لبيتها مرات عديدة ولكن دون فائدة .
* ـ بالتالي إلى أي مدى يستطيع الكاتب أن يكون حيادياً في تسيير شخصيات أعماله…؟
من الصعب جداً ان يكون الكاتب حيادياً لانه جزء من الرواية سوف يتعاطف مع الشخصيات وفق منظوره الشخصي، وتعاطفه مبني على الشخصيات الأقرب إليه، لانه في النهاية إنسان يكتب وفق ماعاش من تجارب وما رأى من احداث وماسمع منها، لذلك يجد صعوبة بالحيادية.
* ـ يمكن القول إن روايتك (واقعية بامتياز).. فإلى أي مدى يمكن للروائي ان يلتزم بالواقع والأحداث.. والى أي مدى يمكن ان تتدخل مخيلته الإبداعية في رسم هذا الواقع …؟
لا نستطيع تقديم الواقع من دون الخيال ، الإنسان مخزون هائل من الذواكر، نحن نحمل تاريخاً كاملاً داخلنا، فكل البدايات تبدأ من واقعنا ويتدخل الخيال لينسج سحرا خاصاً للحكايات المخبأة بثنايا ارواحنا، فالواقع والخيال سيمفونية واحدة.
* ـ اعتمدت في روايتك كثيراً على المونولوج الداخلي للشخصيات وسبر نوازع النفس البشرية بشفافية وعمق بحيث كنا أقرب إلى رواية نفسية؟
نحن الشعوب العربية محملين ومثقلين بهموم ومرارة واقعنا وقضايا إنسانية كبيرة ولاننا لانملك حرية الكلمة أمام ارث من العادات والتقاليد الاجتماعية ، نلجأ دوماً لبناء حيوات داخلنا مختلفة عن الواقع الذي نعيشه ، وهي التي تدفعنا للحوار الدائم ضمن المونولوج الداخلي، ومن هذا المنطلق حاولت ان تكون الرواية إنسانية اجتماعية نفسية. وكم نجحت بذلك فهذا متروك للقارىء.
* ـ يُسجل لك الأسلوب الجميل والسلس في استخدام اللغة الفصحى …؟
أحب اللغة العربية وأتذوقها وافتخر بها أينما حللت، لاتوجد لغة أخرى غنية بالمفردات والمعاني مثل اللغة العربية.
عندما أنهيت روايتي للمرة الأولى اكتشفت انني استخدمت الكثير من العبارات باللهجة المحلية ( العامية) التي تحمل بينم طياتها دفء المشاعر وتخدم الرواية لانها نتاج هذه البيئة ولكن من أجل أن تكون الرواية بمتناول كل الشعوب العربية تم تعديل اللهجة الى اللغة الفصحى.
* ـ أيضا يسجل لك تلك القدرة على رسم التفاصيل. واللجوء الى تقنية الفلاش باك، بحيث استطعت ان تجعلينا (نشاهد) الشخصيات والأماكن ونعيش معها كل التفاصيل الدقيقة …؟
أحب كثيرا تقنية ( الفلاش باك) واجدها ممتعة ومشوقة للكاتب والقارىء بآن معاً، فهي تجعل القارىء يعيش في أزمان مختلفة ويدخل معك بكل تفاصيل الشخصية ومراحل تطورها.
* ـ سؤال أخير ما الذي يشغلك (إبداعياً) هذه الفترة وهل ننتظر اصدار رواية جديدة قريباُ..؟
عندما بدأت روايتي كانت افكاري ومشاعري حبيسة زمن معين ومرحلة لطالما غرقت في تفاصيلها حباً وشوقاً ..
ولكنني بحكم اغترابي، كما الكثير من السيدات السوريات، نحن اللواتي نحمل انتماءنا وسوريتنا داخلنا ونحاول الاندماج مع ثقافات جديدة وعوالم مختلفة ، لدينا حكايات كثيرة نرويها.. ربما تحمل روايتي القادمة هذا المزيج بينهن وبطبيعة الحال ستتوج حكايتي نساء سوريات جميلات.