من بوابة الموت إلى تلك الحياة؟.. ترى هل يتحكَّم نوع السلوك الذي نمارسه في حياتنا هذه بشكل الحياة وطبيعتها التي سنحياها بعد الموت؟.. وما النهاية على كلّ حال، إن كانت هناك نهاية؟.. ثم//ص//ما هو السَّند العلمي الذي يورثنا القناعة بالأجوبة التي يقرِّرها الإسلام عن هذه الأسئلة(1)؟..
وبكلمة جامعة: إن جمهرة الناس اليوم بأمسِّ الحاجة إلى مرشدين.. مرشدين حقيقيِّين. وإن ممّا يؤسف له أن هذه الكلمة أصبحت اليوم غريبة في ألفاظها ومعناها عن عالم الأنشطة الإسلامية التي ينهض بها أكثر الإسلاميين إن لم أقل كلّهم!.. بوسعك أن تسمع كثيراً عن الأنشطة الحركية والسياسية و(الجهادية) التي يمارسها ويدعو إليها الإسلاميون.. ولكن هيهات أن تسمع كلمة عن الإرشاد أو أي من اشتقاقاتها تتردد في أي من هذه الأوساط.
وليكن واضحاً أنني لا أعني الإرشاد المهني الذي يمارسه (مرشدون) محترفون، في كثير من مجتمعاتنا ابتغاء مال، أو زعامة، أو شهرة.. وإنما أعني ذلك الإرشاد الذي تتكون سداه من العلم منضبطاً بمنهجه الدقيق، وتتكون لحمته من الإخلاص الصافي عن الشوائب كلها لدين الله عز وجل. إنني أبحث عن مرشدين تكونت عملية الإرشاد في حياتهم من هذا النسيج دأبهم البحث عن الضالين والتائهين لمحاورتهم وتحبيب//ص//الإسلام إلى قلوبهم، فلاأكاد أعثر في خضم مجتمعاتنا هذه على أحد!.. ولو عثرت على واحد منهم لاصطفيته مرشداً لي، ولأقمتني مريداً له، ولاريب أنني كنت بذلك من أسعد الناس(1).
(الخطوة الثانية) وتتمثل في ضرورة تحوُّل هذه الجماعات الكثيرة والمتخالفة، إلى جماعة واحدة.. وأنا لا أعلم أي مبرر لهذا التكاثر الذي لايكون منطقيّاً إلا إن كانت نتيجة تخالف وتعارض في القصد، مادامت هذه الجماعات إسلامية في شعاراتها وإسلامية في سلوكها ومقاصدها. بل إنني أتأمل، فأجد بين هذه الكثرة المتخالفة وبين خدمة الإسلام ودعوة الناس إليه علاقة النَّقيض بالنَّقيض.. الإسلام هو الذي كان ولايزال يوحِّد الفئات المتعادية والجماعات المتحاربة(2)؛//ص//فكيف يتصوَّر العقل أن يكون دعاة هذا الإسلام وسدنته إسلاميين فعلاً، وهم مثال التَّعارُض بل التَّشاكس والاختلاف؟!..
وليكن واضحاً أن جهود العاملين لخدمة الإسلام لن تأتي بأي طائل، ماداموا فئات متعارضة، تتوازعهم سبل ومناهج متخالفة شتى. إن أول انعكاس من شأنه أن يسري إلى مجتمعاتهم التي ينشطون فيها، هو أن تنتقل عدوى تدابرهم وتفرقهم إليها.
ثم ما الذي يدعو إخوة جمعهم الإسلام والتّنادي لخدمته والدعوة إليه، إلى أن تتفرق بهم السُّبل وأن يتخاصموا فيما بينهم بعوامل الرّيبة والانتقاص؟!..
الذي أعلمه إلى هذه اللحظة، أن الإخلاص لله إذا وجد، أذاب ماقد يتعرض في طريق العاملين المخلصين، من حظوظ النفس ومصالح الذّات وفوائد الدنيا، وأحلام الرغائب العاجلة. ومن ثم فلابدَّ أن يحمعهم الطريق الإسلامي الواحد إخواناص وأحبّة متآلفين متعاونين. وإذا وحَّدهم هذا الطريق الصافي عن كدورات تلك العوارض، فلاشك أنَّ الله يقيض لهم من عوامل التوفيق مايبهر البصائر والألباب، ويبثُّ في أحاديثهم وكلماتهم سرّ القناعة والقبول,ولسوف تتفتَّح العقول يقيناً بمنطقهم، وترقُّ المشاعر والقلوب تأثُّراً بإخلاصهم. ولايُستثنى من هذا العموم إلا المستكبرون والمعاندون.
فهذا هو الجزء الأول من العلاج الذي من شأنه أن يحرِّر مجتمعاتنا الإسلامية، من وهم التَّحديات المعاصرة. وهو يتمثَّل، كما رأينا في العمل الذي ينبغي أن ينهض به العاملون في الحقل الإسلامي، وفي مقدِّمتهم الجماعات الإسلامية.
* وأما الجزء الثاني منه، فإنما يخاطب به قادة مجتمعاتنا الإسلامية. وهو يتمثَّل في واجبين اثنين، كلٍّ منهما من الأهمية بمكان:
أما الواجب الأول، فيتلخص في ضرورة التَّنبُّه إلى أن أهمّ مايجب عليهم أن يهتّموا به، هو حراسة الإسلام وحمايته من كيد المستعمرين ومُحترفي الغزو الفكري، وأن يعلموا أن هذه هي وظيفتهم الأولى في هذه المرحلة.
وينبثق هذا الواجب، قبل كل شيء، من منطق الأحداث ومايوحي إلى عقل أي مفكِّر.. بقطع النظر عن أن هذا الواجب مهمة فرضها الله علينا جميعاً.
وبيان ذلك أن دول البغي تكيد لهذه الأمة من خلال التَّربُّص بدينها، والعمل بتعاون منقطع النَّظير، وعلى أعلى المستويات، على//ص//تجفيف سائر الموارد التربوية والعقائدية والثفافية السارية من ينابع هذا الدين إلى عقول وأفئدة وحياة المسلمين!.. ولست الآن بصدد نقل الوثائق الناطقة بذلك، بدءاً من تقارير صادرة على مجلس الأمن القومي الأمريكي، إلى توصيات متبادلة في نطاق سياسة الدول الأوربية، وعلى أعقاب مؤتمرات عولجت فيها مشكلة ما يسمى بالخطر الإسلامي!!!
فإذا كانت الخطة المرسومة، والتي لم تعد خفية، لتلك الدول، هي العمل على القضاء على فاعلية الإسلام وتحجيم سلطانه في ديار الإسلام، على مستوى جهود مباشرة من القيادات الغربية، فإن من أوضح الواضحات أن على قادة الدول الإسلامية بالمقابل، أن تتولى هي الحماية والحراسة المباشرة لفاعلية الإسلام وسلطانه، وأن تنشط في تغذية موارده الاعتقادية والتربوية والثقافية والاجتماعية.
وإن من الأمور الواضحة أيضاً أن قادة المجتمعات الإسلامية إن ظلّوا مشغولين أو متشاغلين عن هذا الواجب بسلسلة القضايا السياسية التي كثيراً مايراد لهم الانشغال بها، كي يصرفهم ذلك عن إمكانية التَّفرُّغ لمقاومة هذه المكيدة العظمى التي تتلاقى على التخطيط لها صناديد دول البغي أجمع ـ فلن تأتي جهودُ مَنْ دونهم ـ أي من دون قادة المجتمعات الإسلامية ـ بأي طائل..//ص//
إن الأعمال والوظائف الإدارية والتقليدية التي تمارسها وزارات الأوقاف في البلاد العربية والإسلامية، لن تقوى على أن تفعل شيئاً لصدّ المكيدة التي تنهض بأعبائها قمم القيادات الغربية، وتبذل في سبيلها كلّ الوسائل والطاقات.. وإن أنشطة الجماعات الإسلامية المتناثرة، لن تقوى هي الأخرى ـ حتى لو أصلحت من أمرها وجمعت شملها ـ على ردِّ شيء من أخطار تلك المكيدة الكبرى..
في هذه الحلقة من السلسلة يلتقي عَلَمان من أعلام الفكر المعاصر والحديث، يتناولان مسألة الإسلام والعصر ضمن إطار التحديات والآفاق، لسبر واقع العالم الإسلامي والمجتمعات الإسلامية، في عصر التحديات الأكثر اتساعاً وضراوة، ليقول كل منهما كلمته، ثم يعقب على كلمة الآخر، تاركاً للقارئ أن يقتبس منهما رؤية واقعية متزنة، وملامح أساسية من المنهج الذي يتبعه، ليكون أداة فاعلة مؤثرة.
حوار جدير بالتأمل العميق، والقراءة المتمهلة، والتفكير الجاد، يتحول بين يدي القارئ الحريص، إلى دروس ثمينة، تمدّه بفهم عميق، للتوفيق بين انتمائه وبين واقعه، حيث بات العالم في عصر الثورة الإعلامية والمعلوماتية أضيق من أن يتجاهل الناس بعضهم بعضاً.
الإسلام والعصر تحديات وآفاق
تأليف: - د. محمد سعيد رمضان البوطي – د. طيب التيزيني
إصدار: 1998
مستخلص
يتناول هذا الكتاب حوارية بين علمين من أعلام الفكر المعاصر والحديث، حول مسألة الإسلام والعصر ضمن إطار التحديات والآفاق، لسبر واقع العالم الإسلامي والمجتمعات الإسلامية في عصر التحديات الأكثر اتساعاً وضراوة، ويكتب كل منهما كلمته وتعقيبه على كلمة الآخر مستقلاً، تاركاً للقارئ أن يقتبس منهما رؤية واقعية متزنة، وملامح أساسية من المنهج الذي يتبعه، ليكون أداة فاعلة ومؤثرة.
ويتناول البحث الأول بعد مقدمة في الوعي والإيديولوجية، الإسلام والتحديات المعاصرة، وأهمية بناء الفرد الواعي، وتربيته، لتكوين مجتمع سليم معافى، يواجه الحاضر وتحدياته، ويبين دور العقل والتجربة والسلوك، ويفرق بين الإسلام ونظمه، ويعرض النموذج الخالد، ويوازن بين تحديات اليوم وبقاء المسلمين، وتحديات الأمس وزوال الجاهلية، ويبين مصادر التحديات الحديثة وعلاجها، ويعرض الاجتهاد الإسلامي وضوابطه.
ويتناول البحث الثاني أسئلة العصر الكبرى عن الإسلام، وإشكاليته في نظر الآخرين، ويتخذ من التعددية القرائية للنص مجالاً لاتساع الإسلام للآراء المختلفة، ويبين المعيار المنهجي للنهوض المستقبلي التاريخي، ويدعو إلى تفعيل الفكر الإسلامي الراهن بالاستعانة بالعلوم والوعي بالواقع العربي المأساوي.
ويورد بعد تعقيب كل بحث على الآخر تعاريف هامة لمصطلحات الكتاب.