اطلع على فصول من هذا الكتاب بعض أهل الطرق من متعصبي الصوفية، فأنكروا علي ما سموه (مجامعة) لابن تيمية وشيعته، وإساءة لمعنى التصوف وسوء فهم لحقيقته.
ثم اطلع عليه بعض متعصبي السفلية أيضاً، فأنكروا علي ما سموه (هجوماً ظالماً) على ابن تيمية ونهجه، ودفاعاً عن الشيخ محيي الدين بن عربي وفلسفته.
وقد كنت متوقعاً، ولا أزال، أن لا يتفق معي في كثير مما كتبت المتعصبون للتصوف والمتعصبون ضده، والمتعصبون للسفلية والمتعصبون ضدها للأشخاص والمتعصبون ضدهم. بل إنني لا أعد نفسي قد أتيت بجديد في الانتصار للحق، ولا أعد أن كل ما بذلته من جهد في إخراج هذا الكتاب قد جاء بطائل، إن كان من شأنه أن ينتزع إعجاب وتصفيق أولئك المتطرفين بعيداً، إن عن ينين الحق أو عن شماله.
ولكني لن أفاجأ أيضاً، إن رأيت -بحمد الله وتوفيقه- سائر الجمهرة التي تنشد الحق الصافي عن شوائب العصبية والأهواء، والمتحرقة على جمع شتات المسلمين على كلمة حق سواء، قد أقبلت إلى كتابي هذا بكامل الموافقة والتجارب والرضى.
فإن قيل: فما فائدة هذا الكتاب إذن، إذا كان المتطرفون لم يحفلوا به والمتعاملون مع الحق معه من دونه؟ أقول: إنما أخرجت هذا الكتاب لناشئة هذه الأمة، هؤلاء الذين يتحرقون على معرفة الحق بين منعرجات الأهواء النفسية والانتماءات العصبية، فإن زادني الله من فضله وجعل من كتابي هذا معتصماً لهم على الدرب ومنهج رشد لمعرفة الحق، فإنه لذخر نادر عظيم، حسبي أن أرتحل به وحده إلى لقاء رب العالمين عز وجل حاملاً في طيه الأمل الكبير في أن يشملني عفوه وغفرانه.
يبين هذا الكتاب رأي المؤلف في الجماعة التي يطلق عليها اسم السلفية، ويردّ على آرائها.
قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أبواب وخاتمة، تحدث في الباب الأول عن " العوامل التي أدت إلى ظهور المنهج العلمي" فذكر تلك الظروف والعوامل التي انبنى عليها المنهج وتطويره، ثم انتقل إلى الحديث عن المشكلة والمنهج الذي تكفل بحلها ومراحله، واختلافِ العلماء واتفاقهم في قواعد ذلك المنهج.
وتناول المؤلف في الباب الثاني "تطبيقات عملية في المنهج الجامع" عرض فيه لأحوال وأحكام لا مجال فيها للاختلاف، وأشار إلى شذوذ وانحرافات باطلة، وإلى آراء ومسائل لم يتمحض وجه الصحة أو البطلان فيها ،كالنصوص المتشابهة، والاختلاف في تعريف البدعة، وبعض آراء ابن تيمية ، وبعض آراء الصوفية ومشكلاتهم.
وعالج المؤلف في الباب الثالث" التمذهب بالسلفية بدعة لا يقرها اتِّباع السلف" فبحث في الفرق بين اتباع السلف، والتمذهب بالسلفية.. ثم بين بعض الآثار الضارة اللاحقة بكيان الأمة من جراء هذه البدعة.
وفي الخاتمة لخص المؤلف صفوة الأفكار التي ذهب إليها، ووجه كلامه إلى جماعة السلفية ألا يجعلوا من آرائهم وحدها مظهراً للدين الحق.