تخطي إلى المحتوى

وحدة الفكرين الديني والفلسفي

مباع
السعر الأصلي $5.50
السعر الأصلي $5.50 - السعر الأصلي $5.50
السعر الأصلي $5.50
السعر الحالي $4.40
$4.40 - $4.40
السعر الحالي $4.40
في هذا الكتاب يدرس المؤلف العلاقة بين الفكر الديني والفكر الفلسفي تاريخياً ومن حيث الماهية ويحاول أن يبين المنطق الداخلي الذي يحكم الفكر العربي الإسلامي وفضله على الفكر الفلسفي، وذلك من خلال المبدأ المؤسس لتحقيق الوحدة بين الفكرين الفلسفي والديني، فيتساءل عن طبيعة الفكر الفلسفي ولماذا يغلب عليه الانطلاق من العلوم الطبيعية إلى العلوم الشرعية، ولماذا يغلب على الفكر الديني الانطلاق من العلوم الشرعية إلى العلوم الطبيعية.

المؤلف
التصنيف الموضوعي
180 الصفحات
24×17 القياس
2001 سنة الطبع
9781575479125 ISBN
0.29 kg الوزن

الفصل الثاني

منطق توحيد الفكرين الفلسفي والديني

كل من له بصيرة يدرك ما يوجد بين المراحل التي حددنا في الفصل السابق من وجوه الشبه البينة ومن الصلات المتينة:

فأولى المراحل (اليونانية) مماثلة لآخرتها (الجرمانية) وذات صلة جوهرية بها، رغم كون منطلق الأخيرة وأساسها الجحود الديني، ومنطلق الأولى وأساسها الجحود الفلسفي، ورغم أن الأولى تعد ممثلة للقطع مع الشرق القديم، وأن الأخيرة يمكن اعتبارها جوهر العودة إليه، بعد فهم طبيعة القطع الذي حصل، والذي ليس هو إلا إطلاق ما تصور مقطوعاً: الميتافيزيقا إطلاق للميثولوجيا بأسلوب مختلف.

والثانية (الهلنستية) مماثلة للرابعة (اللاتينية) وذات صلة جوهرية بها رغم التقابل في منطلق محاولات التوحيد بين الجحودين. فالثانية تذهب من الفلسفة الجحودية إلى الدين الجحودي، والرابعة تذهب من الدين الجحودي إلى الفلسفة الجحودية.

وعندئذ نفهم علة كون المرحلة الوسطى (العربية الإسلامية) متضمنة لثمرة الأوليين (اليونانية والهلنستية) ولشرط تجاوزهما، أعني محاولة التخلص من الجحودين كما تتضمن بذرة ما لا بدّ منه من الأخيرتين (اللاتينية والجرمانية) وما ينبغي فعله لتجاوز ما فيهما من جحودي مهلك للكون والإنسان، أعني كذلك: محاولة التخلص من الجحودين بعد أن اكتملت وحدتهما اكتمالاً أطلق تنكرهما أحدهما في الآخر.

فالأولى تحسست مضمون الأخيرة. لذلك فالأخيرة قد حسمت التردد الذي طغى على الأولى، التردد بين قطبي الجحود الفلسفي والديني، فغلبت الجحود الديني الذي يتضمن الجحود الفلسفي ضرورة لعمومه.

والثانية تحسست مضمون الرابعة. لذلك فالرابعة قد حسمت التردد الذي طغى على الثانية، فغلبت مدخل التوحيد بالدين الجحودي. وليس اكتشاف الذاتية الفردية في الحقبة الحديثة (من ديكارت إلى كنط) والجماعية في الحقبة المعاصرة (من كنط إلى نيتشه )، إلا أساس التوجه الذي سيؤول إلى اعتبار الوجود الروحي الجمعي، أو التاريخ، أو الحضارة، المصدر البديل من الواحد الذي تفيض عنه كل الفيوض ثم تأليههما، أعني: المميز الأساسي للأفلاطونية التوراتية المحدثة الجرمانية بوجهيها الموجب والسالب مميزها عن الأفلاطونيات المحدثة الثلاث المتقدمة عليها (الهلنستية والعربية واللاتينية)، إذا اقتصرنا على ما عرف الفكر الغربي من الفكر العربي، ولم نعتبر ما حصل فيه بعد ما توقف الأخذ منه وعنه.

لذلك فلا عجب إذا جعلنا من المرحلة الوسيطة - العربية الإسلامية - المرحلة التي تتضمن ثمرة الأوليين وشرط تجاوزهما، وبذرة الأخيرتين وشرط التحرر الممكن منهما. ولا عجب إذا جعلنا هذه المرحلة أمل الإنسانية المقبلة كلها، لكونها بالتخلص من الجحود الديني والفلسفي واستعادة الشهود تعيد الإنسان إلى أداء الأمانة، أعني: إلى تحقيق قيم الاستخلاف الذي يحرر من تأليه التاريخ دون نفي قيمته العليا المستمدة من كونه فسحة أداء الأمانة.

ويكفي أن نفهم منطق المراحل الأربع: الاثنتين المتقدمتين عليها، والاثنتين المتأخرتين عنها، حتى ندرك نقائص هذه المراحل جميعاً، نقائصها التي تقبل الرد إلى الوهم الأكبر بلغة أبي زيد، أعني: وهم العلم المحيط بالموضوع والمطابق له، والعمل الإطلاقي المترتب عليه، ذلك الوهم المزدوج الذي جاء الإسلام لإنقاذ الإنسانية منه ومما يترتب عليه في التنظيم المؤسسي للشأن العام (الأسرة والمؤسسة الاقتصادية والمدرسة والدولة والمعبد). ولم يكن بوسع الإنسانية أن تفهم أداء الأمانة هذا الفهم إلا بعد تبينها آثار مرضيْ الجحود اللذين أصابا فعليها النظري والعملي وتوابعهما في القيم الجمالية والوجودية: حصر الوجود في الإدراك ينتج عنه مرض الحلولية (حلول المطلق المزعوم في النسبي، أو الإله في الإنسان الكامل أو المسيح) ومرض الوصولية (وصول النسبي المزعوم إلى المطلق، أو وصول الإنسان إلى الاتحاد مع الله).

تغيير قبلة الإنسانية الممكن من جديد:

ولهذه العلة نعتبر العودة إلى الحل الذي ينفي هذا التأليه بوجهيه الحلولي والوصولي، أعني: منزلة الإنسان الاستخلافية كما تحددت تحددها الأتم في نقد ابن تيمية لما بعد الطبيعة، ونقد ابن خلدون لما بعد التاريخ الأفلاطونيين المحدثين من الواجبات؛ لكونها هي التي تفتح الأفق الجديد الذي قد يساعد على فهم هذه الإشكالية، فضلاً عن كونه قد يمكن الإنسانية من أمل جديد في اكتشاف معاني الأشياء. ذلك أن المرحلة الثالثة (العربية الإسلامية) قد صاغت بفضل أهداف وساطتها الأولى، أو صلتها بالمتقدم عليها (ابن سينا - الغزالي) إشكالية العلاقة بالمرحلتين الأوليين (اليونانية والهلنستية) صياغتهما الأتم، فجعلت الأفق الذي تتحقق فيه الرابعة والخامسة (اللاتينية والجرمانية) أفقاً ممكناً، إذ شرطه التخلص من تقابل السنتين اليونانية اللاتينية، والتوراتية الإنجيلية، لكون الفكر الفلسفي ابتلع الفكر الديني شكلاً، والفكر الديني ابتلع الفكر الفلسفي مضموناً، حتى إن ثورة النقد الكنطي التي ظنها البعض فلسفية خالصة، والتي هي في الحقيقة صياغة جديدة لهذا الابتلاع المتبادل؛ لكونها كما يتبين لكل عين فاحصة، خاضعة لبنية الفكر الكلامي ولأهم إشكالياته: نقد المعرفة للحد من دعاواها وحصرها في التجريبي وتناقضات العقل وتقديم العملي على النظري والخلقي على الطبيعي إلخ...

لكن تجاوز المراحل الأربع لن يصبح ممكناً إلا بفضل أهداف الوساطة الثانية التي ننسبها إلى فكر الحنيفية المحدثة، أعني: صلتها بالمتأخر عنها (ما جعله ابن تيمية وابن خلدون ممكناً). فبهذه الوساطة الثانية يمثل فكر الحنيفية المحدثة المنطلق الممكن لتجاوز جميع المراحل بما يمكن أن نحققه مما سعت إليه، حتى وإن عجزت دون حل الإشكالية العامة التي نتجت عن المسعى الباحث عن الواحد في هذه المراحل الخمس التي وصفنا: إشكالية المنهجية الكلية للمعرفة والوجود الإنسانيين عامة دون مقابلة بين الطبيعي (موضوع الفكر الفلسفي خاصة) والشريعي (موضوع الفكر الديني خاصة)، أو بين الطبيعي والتاريخي أو بين النظري والعملي ودون تأليه للإنسان، ومن ثم إشكالية الاجتهاد الإجماعي في المجال النظري (المعرفة الطبيعية والإنسانية) والعملي (التشريع المدني والسياسي).

فكل ما يسمى اليوم بإشكالية منزلة العلوم الإنسانية في مستوييها العملي الوجودي والمنهجي التأويلي Geisteswissenschaften إشكاليتها التي تتجاوز محاولات تأسيس العلوم الإنسانية، فتصبح الأفق الشامل لكل النشاط الإنساني النظري والعملي الفردي والجماعي (بدءاً بنيتشه، وختماً بهيدجر) لا يمكن حلها حلاً يمكن من تجاوز مفارقاتها من دون فهم المنزلة المركزية التي تشغلها إشكاليات الدين والفلسفة في الحضارة العربية الإسلامية، أعني: من دون فهم الإشكالية التي بدأ وضعها مع ابن سينا والغزالي، والحل الذي بدأ تحديده مع ابن تيمية وابن خلدون.

ذلك أن تأليه الطبيعة والقانون الوضعي اليوناني اللاتيني إلى حد نفي التاريخ، وتأليه التاريخ والقانون الشرعي المسيحي اليهودي إلى حد نفي الطبيعة، والتوحيد الجحودي بينهما بالرد المتبادل الدائم بالمراوحة الفصامية التي تشترط التنافي المطلق الدائم بينهما، كلاهما مناف للحقيقة بمعنييها، أعني: طبيعة الموضوع وطبيعة العلم، ومن ثم فهما حائلان دون فهم طبيعة الوحدة الحية بين هذين الحدين اللذين لا حقيقة لهما إلا بما هما ضربان من ضروب إدراكنا لآيات أمر يعلو عليهما وعلى وحدتيهما الحية في كيان الإنسان الطبيعي الشخصي، وكيانه الثقافي الجمعي آيتين للفعل الإلهي الذي لا يمكن وصفه بالطبيعي ولا بالشريعي وصفاً يفصل بينهما أو يقابل. ومن ثم فالتوحيد المعاصر بين الغرب والشرق توحيداً حلولياً، أعني: العولمة الأمريكية، ليس إلا الوجه الثاني من عملية توحيدهما القديم في العهد الهلنستي، أعني: العولمة المقدونية، سعياً إلى تخطي التوحيد الاستخلافي، وعودة إلى التحريف المطلق؛ لجمعه بين التحريفين التوراتي والإنجيلي دينياً، والأفلاطوني والأرسطي فلسفياً.

وإذن فالمشكل الذي كان مدار الصراع بين الغرب الأوسط والشرق الأوسط، أو بين نظرة المسيحية للوجود وللعلاقة بين المطلق والإنسان، ونظرة الإسلام إليهما، أي: الصراع بين فلسفتيهما في الوجود والقيمة، ما يزال مشكلاً مطروحاً، بل هو قد صار أكثر حدة مما كان؛ لكونه هو جوهر الصراع الجاري حالياً في قلب كلتا الحضارتين ذاتي المنبع الواحد والمآل الواحد؛ لسخافة المقابلة بينهما: في الحضارة العربية الإسلامية وفي الحضارة الأوروبية المسيحية. إنه الصراع بين ضربين من ضروب التوحيد بين الفكرين الفلسفي والديني: التوحيد الحلولي الجحودي، والتوحيد الاستخلافي الشهودي، منزلتين للإنسان وجوديتين، ومنهجين معرفيين في مجالات القيم جميعاً، الذوق والأخلاق والنظر والعمل والشهود.

فتجاوز منزلة الحضارة الإنسانية بما هي موضوع نوع من العلوم يقابل نوعاً آخر منها هو علوم الطبيعة، وبديلاً منه نقل العقل الإنساني من تأليه مبدأ الأولى وموضوعها (الطبيعة: وذلك هو جوهر ما بعد الطبيعة الجحودية، ويمثله أفضل تمثيل السنة اليونانية اللاتينية) إلى تأليه مبدأ الثانية، وموضوعها (الإنسان: وذلك هو جوهر ما بعد التاريخ الجحودي، ويمثلها أفضل تمثيل السنة التوراتية الإنجيلية)، أي: من إطلاق الطبيعة والعالم وتأليههما في السنة اليونانية إلى إطلاق الشريعة والتاريخ وتأليههما في السنة العبرانية، إطلاقاً وتأليهاً ينفيان كل تعال يحرر الإنسان منهما، هذا التجاوز لا يكون ممكناً من دون فهم المنطق الذي حكم التطور الموصل إلى هذه الغاية وما حال دونه وهذا التعالي.

وذلك ما حاولناه هنا، أعني: فهم المراحل التي أوصلت إلى الدور الذي أدته الحضارة العربية الإسلامية - التي ترفض المقابلة بين الطبيعي والتاريخي، وتعتبر كل الموجودات آيات من طبيعة واحدة تحتاج إلى التأويل والتحليل معاً بوصفها آية من أمر ليس بالطبيعي، ولا بالتاريخي، وإنما هو فوقهما؛ لكونه أساس وحدتيهما الحيتين، أعني: الإنسان الشخصي الطبيعي الذي يتحضر، والإنسان الثقافي الجمعي الذي يتطبع في الاستخلاف بما هو فعل شهود وأداء للأمانة. فنظرية الطابع القيمي لكل الأنشطة الإنسانية نظريها وعلميها، واعتبار هذا الطابع الأساس الذي يوحد هذه المراحل، ويبين حاجتها جميعاً إلى منهجية التأويل بالمعنى الشامل للكلمة، دون أن يلغي التحليل كما بينا في محاولة تحديدها بأكثر ما يمكن من دقة، هو الذي كان حصيلة بعدي الصياغة الفلسفية لجوهر الثورة الاستخلافية.

وكما أشرنا فإن كل مرحلة من هذه المراحل قد حددت مقوماً أساسياً من مقومات هذه الإشكالية. لكن المرحلة الوسيطة حددت الأساس الموحد للمقومات جميعاً، الأساس الذي يحرر الإنسانية من مآزقها، أعني: الموجود الآية والعقل المؤول غير المطلق وغير المتنافي مع الموجود الشيء والعقل المحلل غير المطلق كذلك، واعتبار جوهر الإعجاز الديني من طبيعة فنية في كل المجالات بما في ذلك مجال التشريع الذي صار يخضع للاجتهاد الإجماعي المبدع في المجال الحقوقي اجتهاداً يعوض السلطان الروحي الوصي بإجماع المستخلفين الحر ودائم التغير بمقتضى واجب الاجتهاد عيناً أو كفاية بحسب المجالات. لكن هذه المنزلة التي ننسبها إلى حضارة الاستخلاف، والحل الذي ننسبه إلى الفكر الإسلامي، قد يبدوان لذوي الفكر السطحي مجرد وسطية ممجوجة تكتفي بالتلفيق بين الحلول، فتكون حلولاً وسطى لا معنى لها إلا بما تستمده من الأمور التي تتوسط بينها، ومن ثم فإنها تبقى دائماً تابعة لحدي وساطتها. لذلك فلا بدّ من تعريف مفهوم الوسطية الإسلامية ودلالتها الفلسفية العميقة. وذلك هو مطلوبنا في الفصل الموالي من هذه المقالة الثانية.

في هذا الكتاب يدرس المؤلف العلاقة بين الفكر الديني والفكر الفلسفي تاريخياً ومن حيث الماهية.

ويحاول أن يبين المنطق الداخلي الذي يحكم الفكر العربي الإسلامي وفضله على الفكر الفلسفي، وذلك من خلال المبدأ المؤسس لتحقيق الوحدة بين الفكرين الفلسفي والديني، فيتساءل عن طبيعة الفكر الفلسفي ولماذا يغلب عليه الانطلاق من العلوم الطبيعية إلى العلوم الشرعية، ولماذا يغلب على الفكر الديني الانطلاق من العلوم الشرعية إلى العلوم الطبيعية.

ثم لماذا أهملت النخب الفكرية الإسلامية والعربية وخاصة المتبنين للمذهب العلماني الدور الذي لعبه الفكر الإسلامي في الفكر الفلسفي.

هل كان هذا مصادفة، أو أنه أتى نتيجة تأثر هذه النخب بالوصف والنتائج التي طرحها المستشرقون عن هذا الفكر أو أن الوضع المهين الذي صارت إليه الحضارة العربية الإسلامية. على مستوى الفكرين الديني والفلسفي، جعلهم يتصورون أن هذا الفكر ما هو إلا مصب يتجمع فيه تأثير الحضارات السابقة (اليهودية - المسيحية - الهندية - الجاهلية العربية..) دون مبدأ ذاتي موحد. أو هو وعاء يتحدر من تلفيق لتأثير الحضارات المتأخرة عنها دون مشروع ذاتي موحد أيضاً.

هذه الدراسة المبدعة أتت من فيلسوف خبر الفكرين الديني والفلسفي، الإسلامي والغربي وهو يشق طريقاً ومنهجاً جديداً، يسعى فيه أن تستعيد الفلسفة دورها الرائد في البناء الديني والفلسفي.

في هذا الكتاب يدرس المؤلف العلاقة بين الفكر الديني والفكر الفلسفي تاريخياً ومن حيث الماهية.

ويحاول أن يبين المنطق الداخلي الذي يحكم الفكر العربي الإسلامي وفضله على الفكر الفلسفي، وذلك من خلال المبدأ المؤسس لتحقيق الوحدة بين الفكرين الفلسفي والديني، فيتساءل عن طبيعة الفكر الفلسفي ولماذا يغلب عليه الانطلاق من العلوم الطبيعية إلى العلوم الشرعية، ولماذا يغلب على الفكر الديني الانطلاق من العلوم الشرعية إلى العلوم الطبيعية.

ثم لماذا أهملت النخب الفكرية الإسلامية والعربية وخاصة المتبنين للمذهب العلماني الدور الذي لعبه الفكر الإسلامي في الفكر الفلسفي.

هل كان هذا مصادفة، أو أنه أتى نتيجة تأثر هذه النخب بالوصف والنتائج التي طرحها المستشرقون عن هذا الفكر أو أن الوضع المهين الذي صارت إليه الحضارة العربية الإسلامية. على مستوى الفكرين الديني والفلسفي، جعلهم يتصورون أن هذا الفكر ما هو إلا مصب يتجمع فيه تأثير الحضارات السابقة (اليهودية - المسيحية - الهندية - الجاهلية العربية..) دون مبدأ ذاتي موحد. أو هو وعاء يتحدر من تلفيق لتأثير الحضارات المتأخرة عنها دون مشروع ذاتي موحد أيضاً.

هذه الدراسة المبدعة أتت من فيلسوف خبر الفكرين الديني والفلسفي، الإسلامي والغربي وهو يشق طريقاً ومنهجاً جديداً، يسعى فيه أن تستعيد الفلسفة دورها الرائد في البناء الديني والفلسفي.

وحدة الفكرين الديني والفلسفي - أبو يعرب المرزوقي

يدرس هذا الكتاب العلاقة بين الفكر الديني والفكر الفلسفي تاريخياً ومن حيث الماهية، ويحاول أن يبين المنطق الداخلي الذي يحكم الفكر العربي الإسلامي وفضله على الفكر الفلسفي ببيان المدخلين التاريخي المفهومي، والمفهومي التاريخي.

ويناقش مبادئ العقل والنظر، ومبادئ الشرع والعمل بين الدين والفلسفة، ببيان منطق التخاصب الحضاري أو طبيعة التوارث الحضاري، وترجمة الإشكاليات الفلسفية والدينية إلى اللغة الوسيطة، وبيان منطق إشكاليتي المبادئ وتاريخ اكتشافهما الاعتزالي الفاصل بين الذات والوجود، والأشعري الواصل بين الماهية والوجود، وتوضيح منبع إشكاليتي المبادئ والقيم وتوازنهما في الأفعال الإنسانية، بدراسة مبدأ الهوية بعد تعديله بالمبدأين الجديدين، ومبدأ عدم التناقض بمفهومه المعدل، والمبدأ المرفوع بالمعنى المعدل، ومبدأ الترجيح المعدل للمبادئ السابقة، ومبدأ التحقيق المعدل للمبادئ الثلاثة الأولى.

ويتناول منزلة الفكر العربي الإسلامي ودلالة وضعه الراهن، ببيان مقومات الاستخلاف ومراحل الفكرين الديني والفلسفي، بدراسة النظام الطبيعي والوجود، ونظرية الوحدة الجزئية الحية، والوحدة الجامعة بين الأبعاد السابقة بالمراحل اليونانية والهلنستية، والعربية الإسلامية، والحديثة، والمعاصرة وأزمتها.

ويبحث في منطق توحيد الفكرين الفلسفي والديني بتغيير قبلة الإنسان الممكن حديثاً، وبعرض الحل الخلدوني لمسألة العلاقة بين العلمين التحليلي والتأويلي.

ويبين طبيعة الوساطة والوسطية الإسلاميتين، ويعرض دليلي الماهية والوجود حول ظاهر الإيمان والإبداع وباطنهما، وتاريخ التجربتين الدينية والفنية.