تخطي إلى المحتوى
أكثر المناطق جفافاً في العالم"... ما هو واقع المياه في البلدان العربية؟ أكثر المناطق جفافاً في العالم"... ما هو واقع المياه في البلدان العربية؟ > أكثر المناطق جفافاً في العالم"... ما هو واقع المياه في البلدان العربية؟

أكثر المناطق جفافاً في العالم"... ما هو واقع المياه في البلدان العربية؟

احتفل العالم في الثاني والعشرين من آذار/ مارس باليوم العالمي للمياه، للتذكير بأن الملايين من البشر يعيشون من دون مياه صالحة للشرب،وبأن هناك أزمة مياه عالمية لا بد من اتخاذ إجراءات مستدامة لمعالجتها، ولضمان وصول جميع الناس إلى مصادر مياه آمنة ومرافق صرف صحي ملائمة.

ومع تسجيل العديد من البلدان العربية مؤشرات "مرعبة" حول واقع الجفاف، وأرقاماً منخفضة جداً بما يخص حصة الفرد من المياه أو القدرة على تلبية طلب السكان من المياه العذبة بشكل مستدام، تشير الأرقام والدراسات إلى أن هذا الواقع الخطير الذي نعيشه اليوم سيكون أسوأ بكثير خلال العقود المقبلة، ما لم يتم التركيز على وضع سياسات صارمة للحد من فقدان المياه، وكفاءة استخدامها، وهي أمور لا تلقى الاهتمام المناسب وسط كل الصراعات التي تعيشها المنطقة، رغم خطورتها وأهميتها الملحة.

ويعّرف الأمن المائي بأنه "قدرة الأشخاص على الحصول على قدر كافٍ من المياه الآمنة بتكلفة يمكن تحمّلها كي يعيشوا حياة نظيفة وصحية ومنتجة"، وهو أمر بعيد المنال اليوم عن معظم البلدان العربية، إذ كانت الموارد المائية المتجددة المتوافرة فيها منتصف القرن العشرين تقدّر بأكثر من 4000 متر مكعب للفرد سنوياً، انخفضت إلى 1200 متر مكعب نهاية القرن العشرين، ويتوقع أن يستمر الانخفاض حتى قرابة 550 متراً مكعباً للفرد سنوياً عام 2025، في حين أن الفرد يعد "فقيراً مائياً" إن كانت حصته من المياه سنوياً لا تتجاوز 1000 متر مكعب.

العراق: تراجع "تاريخي"

انتشرت خلال الأشهر بل السنوات الفائتة صور "كارثية" تظهر الجفاف في العراق، الذي يعاني من فقدان الحصة المائية القادمة إليه من نهري دجلة والفرات وروافدهما من جارتيه تركيا وإيران، إلى جانب كونه خامس أكثر دول العالم تضرراً من تبعات التغير المناخي بما فيها الجفاف، وأصبح في المرتبة الخامسة على مؤشر الجفاف العالمي. ومنذ العام 2019، فقد العراق قرابة 53 مليار متر مكعب من مخزونه المائي، وأصبحت كمية احتياطه المائي 7.5 مليار متر مكعب فقط.

ويخلف هذا التراجع مشاكل بيئية عدة، منها تراجع المساحات المزروعة وفقدان الثروة الحيوانية وانتشار الأمراض وتدهور وضع التربة وزيادة وتيرة العواصف الترابية. وتشير الأرقام إلى أن التصحر أصاب قرابة 40% من أراضي العراق الصالحة للزراعة، ما يهدد الأمن الغذائي والصحي والبيئي، ويدفع الآلاف لترك مدنهم وقراهم نحو مناطق أقل عطشاً.

يتطلب حل هذه المعضلة التي يعيشها العراق تنفيذ توصيات عدة ذات علاقة بترشيد استهلاك المياه، واتباع نظم زراعة وري حديثة والتوجه نحو محاصيل بديلة أقل استهلاكاً للماء، وتحديث قنوات نقل المياه ووقف التعديات عليها.

سوريا: أزمة معقدة

ضمن قائمة تطول من الخسائر البشرية والمادية على مختلف الأصعدة، تأتي خسارات قطاع المياه في سوريا لتزيد معاناة ملايين السكان بعد نحو عشر سنين من الحرب، وسنوات عدة من الجفاف وآثار التغير المناخي وكذلك سوء إدارة الموارد والزيادة السكانية والتوسع العمراني، إلى جانب النزاعات المائية مع دول الجوار، وهي عوامل أدت لتدهور حصة الفرد من المياه، رغم أن سوريا تعتبر غنية نسبياً بما يخص الموارد المائية، لتبلغ هذه الحصة 800 متر مكعب عام 2011، مع توقعات بانخفاضها إلى 600 عام 2050.

تشير تقارير دولية إلى أن النزاع في سوريا أدى لتدمير مرافق المياه في أنحاء البلاد التي أصبحت تعاني من نقص في مياه الشرب تصل نسبته إلى 40% عما كان عليه الحال قبل عام 2011، ويشمل ذلك دمار البنى التحتية وصعوبة الصيانة ونقص الطاقة وكذلك الموارد البشرية. إلى جانب ذلك فإن نهر الفرات وهو من أكبر أنهار البلاد مهدد بشكل جدي بعد انخفاض منسوب المياه فيه إلى درجة "مزرية" نتيجة بناء السدود عليه في تركيا المجاورة وحجز كميات كبيرة من مياهه، عدا التغيرات المناخية، التي بدورها تزداد حدة عقداً بعد آخر، مع تراجع مستوى الأمطار وازدياد معدلات الجفاف.

لا شك في أن هذه المعطيات ستؤثر على واقع الزراعة في البلاد، وستدفع المزيد من السكان للنزوح داخلياً بحثاً عن مصادر مياه متجددة يمكن الاعتماد عليها، وستزيد من الأعباء على المزارعين ومربي المواشي والفئات الأكثر هشاشة وفقراً وتهميشاً.

لبنان: هدر كبير

تشير دراسات لبنانية إلى أن البلد يمكن أن يشهد عجزاً مائياً متزايداً خلال السنوات القادمة مع تنامي الطلب على المياه مقابل ثبات الموارد المتاحة نسبياً، ويمكن أن يصل العجز المائي إلى قرابة 600 مليون متر مكعب عام 2035، مع كون حصة الفرد السنوية تبلغ 840 متراً مكعباً.

ومن أهم التحديات التي يواجهها لبنان بمجال قطاع المياه، إلى جانب التغيرات المناخية، غياب السياسات والتخطيط الملائم لمنع الهدر والاستغلال الأمثل للمياه، والتشريعات القديمة التي تحتاج إلى تطوير، والاستثمارات الضعيفة بهذا المجال من مختلف القطاعات، والهدر الكبير للمياه في شبكات الجر والتوزيع. وتبين الأرقام هدر قرابة مليار متر مكعب من مياه الأنهار في البحر المتوسط سنوياً دون الاستفادة منها.

الأردن: خيارات محدودة

تتزايد الفجوة في الأردن عاماً بعد آخر بين الطلب على المياه والموارد المتاحة، ويترك ذلك خيارات قليلة للسلطات لتلبية الاحتياجات التي تقدر بثلاثة ملايين متر مكعب يومياً. وقد بلغ العجز المائي في البلاد أكثر من 450 مليون متر مكعب سنوياً، ويؤثر ذلك بشكل خاص على القطاع الزراعي وهو من القطاعات الأساسية في البلاد.

وإذا استمر الوضع على حاله مع التزايد السكاني وتراجع معدلات الأمطار والاستخدام الجائر للمياه، خاصة الجوفية، فمن المتوقع أن يعاني قرابة 90% من السكان من ذوي الدخل المنخفض من انعدام حاد للأمن المائي بحلول نهاية القرن، وأن تتراجع حصة الفرد السنوية إلى 60 متراً مكعباً فقط عام 2040.

فلسطين: انعدام التوازن المائي

تعاني فلسطين من واقع مائي معقد نتيجة الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحكم باستثمار المياه في الأراضي الفلسطينية ويفرض سيطرته على المياه الجوفية ويحدد الكميات المسموح باستخدامها، وسوء السياسات والتخطيط واهتلاك البنى التحتية والتلوث والتغيرات المناخية وتناقص معدلات الأمطار. ويعني ذلك بالنسبة للفلسطينيين جملة من المشكلات من بينها انتشار الأمراض وصعوبة الزراعة.

ومن أبرز الأرقام التي تعكس خطورة الوضع، كمية المياه المستهلكة التي تبلغ 130 مليون متر مكعب سنوياً مقابل 80 مليون متر مكعب من مياه التغذية، بمعدل تناقص 2.5%، ويستهلك الإسرائيليون قرابة ثلاثة أضعاف ما يستهلكه الفلسطينيون نتيجة التوزيع غير العادل. ويتمكن 4% فقط من سكان قطاع غزة من الوصول لمياه آمنة وخالية من التلوث.

دول الخليج: استنزاف للموارد

تسجل بعض دول الخليج واحداً من أعلى معدلات استهلاك الفرد للمياه في العالم، والفجوات بين إمدادات المياه المتجددة والطلب، مع تسجيل معدل نمو سكاني بنحو 3% وهو من الأعلى عالمياً. والقطاع الزراعي هو المستهلك الأكبر للمياه في هذه الدول، إلى جانب رصد أنماط استهلاك محلي فيها الكثير من الإفراط. إلى ذلك، تواجه هذه الدول عوامل طبيعية تتمثل في قلة هطول الأمطار وارتفاع معدلات البخر مع وقوعها جغرافياً في مناطق شديدة الجفاف، ما يؤدي أيضاً لاستنزاف مواردها.

إجمالاً، سجلت دول الخليج زيادة في الطلب على المياه خلال العقد الأخير بقرابة 140%، وفي الكويت يُستخدم 2465% من احتياطي المياه، وفي السعودية 943% وفي البحرين 220%. كما يتوقع أن تستنفد الإمارات مخزونها من المياه العذبة خلال 50 عاماً. وتعتبر الإمارات وقطر والسعودية والبحرين واليمن والكويت في عداد أكثر عشر دول في العالم تعرضاً لندرة المياه.

مصر والسودان: الفقر المائي

أعلنت مصر نهاية عام 2021 أنها دخلت في مرحلة الفقر المائي مع تراجع نصيب الفرد من المياه سنوياً إلى قرابة 560 متراً مكعباً، وهو نصف المعدل العالمي، ويتوقع استمرار انحدار المعدل ليصل إلى 365 متراً عام 2050، ووصول العجز المائي إلى 35 مليار متر مكعب. وأشارت السلطات حينها إلى أنها عملت على الاستفادة من كل مواردها المائية، ما يعني أن السنوات المقبلة لن تكون سهلة "مائياً" على المصريين.

وتواجه مصر فيما يخص الواقع المائي تحديات كبيرة، تتمثل في الزيادة السكانية والإهدار وسوء استخدام المياه، والتغيرات المناخية، يضاف إليها سد النهضة الإثيوبي الذي سيقلل من حصة مصر والسودان من مياه نهر النيل. ومع كون القطاع الزراعي من أكثر القطاعات استهلاكاً للمياه، وفي الوقت ذاته مصدر رزق قرابة نصف السكان أو أكثر، فإن اتباع سياسات زراعية مبتكرة بات أمراً ملحاً خلال الأعوام المقبلة.

لا يختلف الواقع كثيراً في السودان المجاورة، التي تعاني من تزايد انعدام الأمن المائي نتيجة التزايد السكاني وسوء استخدام الموارد والنزاعات والتغير المناخي، ويضر ذلك بقطاعات رئيسية كالزراعة والرعي وتوليد الكهرباء وتأمين مياه الشرب. ويبلغ نصيب الفرد من المياه 750 متراً مكعباً سنوياً في البلاد التي تعتبر غير مهيأة للتعامل مع هذا النوع من الأزمات طويلة الأمد بالشكل المطلوب.

الصومال: جفاف "مرعب"

ينعكس نقص المياه والجفاف في الصومال على حياة مئات الآلاف، ويدفعهم للهجرة والنزوح بحثاً عن ظروف معيشية أفضل من حيث الماء والغذاء. عام 2022 أشارت الأرقام إلى تأثر قرابة سبعة ملايين شخص بالجفاف أي تقريباً نصف السكان، وينعكس ذلك مع النزاع المستمر على واقع الأمن الغذائي، ويساهم في دخول الملايين دوامة المجاعات وسوء التغذية، مع استخدام المياه الملوثة للشرب وغيرها من الاحتياجات.

وتشير تقارير إلى أن موجات الجفاف في الأعوام الثلاثة الأخيرة في الصومال هي الأسوأ منذ قرابة أربعة عقود. ولا يزيد نصيب الفرد من المياه عن 400 متر مكعب سنوياً، أي أقل من نصف المعدل العالمي.

دول المغرب

يثير تراجع الموارد المائية بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير قلق البلدان المغاربية، مع تعاقب مواسم الجفاف، وزيادة عدد السكان، وضعف السياسات ذات الصلة، وما يعنيه ذلك من أضرار كبيرة لمختلف القطاعات.

في المغرب، تتمثل التحديات الأساسية التي يواجهها قطاع المياه في نضوب الموارد المائية التي يستهلك قطاع الزراعة قرابة ثلاثة أرباعها، وزيادة حدة الظواهر المناخية المتطرفة، والإفراط في استخدام المياه الجوفية، وفي الجهة المقابلة محدودية الموارد اللازمة لمواجهة كل ذلك. وقد تراجعت حصة الفرد من المياه في المملكة من 4000 متر مكعب أواسط القرن الماضي إلى قرابة 600 حالياً.

وفي الجزائر يعاني عشرات الآلاف من نقص مياه الشرب، وتعيش البلاد تقلبات مناخية تؤدي لتناقص مياه الأمطار واتساع رقعة الجفاف، وتتسم السياسات العامة بسوء استغلال الموارد المائية وضعف الوعي بأهمية المياه إلى جانب تردي حال البنى التحتية ذات الصلة. ولا يتجاوز نصيب الفرد السنوي من المياه حاجز 300 متر مكعب، أي قرابة ثلث المعدل العالمي.

بالنسبة إلى ليبيا، فهي الدولة العشرون عالمياً ضمن تصنيف الدول الأكثر تضرراً من نقص المياه والتي يتوقع أن تعاني أسوأ إجهاد مائي في العالم. ويرجع السبب بشكل أساسي إلى سوء إدارة الموارد المائية، قبل مرحلة عام 2011، وبعدها، وندرة مصادر المياه المتجددة التي تشكل 1.8% من إمدادات المياه حالياً في البلاد، وانهيار البنى التحتية، إلى جانب التغيرات المناخية. وتنخفض حصة الفرد من المياه في البلاد لتبلغ 120 متراً مكعباً سنوياً ما يعني وصولها لمستوى "فقر المياه الحاد".

لا يختلف الحال كثيراً في تونس التي أصبحت قضية المياه فيها شأناً يثير القلق، وهو أمر تسارعت وتيرته في العقد الأخير، مع انخفاض حصة الفرد السنوية إلى 350 متراً مكعباً من الماء.

ولعل موريتانيا هي الأفضل وضعاً مع بلوغ حصة الفرد من المياه 1700 متر مكعب سنوياً، لكن ذلك لا يعني أن الوضع فيها ليس "خطيراً"، فمصادر مياهها ليست آمنة تماماً، وطرق الحصول على مياه الشرب والاستخدام خاصة في الصيف مع اشتداد درجات الحرارة ليست مستدامة، ولا بد لها من سياسات أكثر صرامة لضمان وصول جميع سكانها لحاجتهم من المياه.

البيئة هي كل ما حولنا، وهي، للأسف، تتغير اليوم باستمرار، وفي كثير من الأحيان نحو الأسوأ، وهنا يأتي دورنا كصحافيين: لرفع الوعي بما يحدث في العالم من تغييرات بيئية ومناخية وبآثار تلك التغييرات علينا، وتبسيط المفاهيم البيئية كي يكون الجميع قادرين على فهمها ومعرفة ما يدور حولهم، وأيضاً للتأكيد على الدور الذي يمكن للجميع القيام به لتحسين الكثير من الأمور في حياتنا اليومية.

المصدر: 
رصيف 22