تخطي إلى المحتوى
أَجمل مكتبات العالَم (1) أَجمل مكتبات العالَم (1) > أَجمل مكتبات العالَم (1)

أَجمل مكتبات العالَم (1)

في السائد أَن المكتبة العامة مناخٌ فكريٌّ قبل أَن تكون أَكداسَ رفوفٍ تضم أَكداس كتُب. لذا يجهد مصمِّموها إِلى نسج إِطار عام لهندستها، بما يعطي روَّادها جوًّا سائغًا يزيد من إِيقاع الوقت في خلال القراءة. من هنا قول آينشتاين: “أَهمُّ ما ينبغي لك معرفته، هو مكان المكتبة”.

من المكتبات ما هو عريقُ البناء تاريخيًّا، قديمُهُ إِنشاءً، جميلُ الهندسة خارجًا كمبنى، داخلًا كرسوم وجدرانيات، ومنها ما هو حديثٌ بخطوط عصرية وفناءات مغايرة، لكن القديمة والحديثة تجمع بينهما فكرةُ جذب الرواد إِلى عالَم القراءة الهادئة الهانئة الصامتة العميقة التي تغذِّي العقل والذاكرة بأَنبل ما خلق الإِنسان: الكلمة.

في هذا المقال من حلقات عدة متسلسلة، أَعرض لبعض أَشهر وأَجمل قاعات المطالعة لدى كبرى المكتبات العامة في العالَم.

  1. مكتبة دير سْتْراهوف في براغ

هي أَقدم قاعة من هذا الدير التاريخي في الجمهورية التشيكية. تدعى “القاعة التيولوجية الباروكية”، تم بناؤُها بين 1671 و1674، ما يجعلها إِحدى أَقدم المكتبات العاملة والـمُصانة حتى اليوم في العالَم. تضم نحو 200 أَلف مجلَّد، بينها ما يرقى إِلى ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر (بين 1501 و1800).

والدير هو الأَقدم في تشيكيا، أَسسه سنة 1140 القائد فلاديسلاف الثاني (ت. 1456) مؤَسس رهبانية القديس نوربيرت. بعد احتراقه سنة 1258 أًعيدَ بناؤُه على الطراز القوطي وعرف ازدهارًا شائعًا في القرن السابع عشر وما زال على هذا الازدهار حتى اليوم.  والمكتبة الشهيرة فيه ما زالت الأَوفر والأَغزر بالرغم من سرقة كبرى تعرضت لها تباعًا مع اجتياحات البلاد. إِنما تبقى فيها مجموعة نادرة من الخرائط، والمخطوطات القديمة الملوَّنة، وأَكثر من مجسَّمٍ للكرة الأَرضية، ومحفورات قديمة من القرون الوُسطى. وفي المكتبة “قاعة الفلسفة” شيِّدت خصيصًا لحفظ المؤَلفات التي حُملَت إِليها من دير لوقا في مورافيا (منطقة تاريخية شرقيّ تشيكيا) بعد إِغلاقه سنة 1782. وفي سقف القاعة جدرانيات تمثِّل تطوُّر البشرية من أَول وجودها. وفي المكتبة أَيضًا قاعة اللاهوت، وفيها جدرانيات نادرة تمثِّل حب المعرفة، وآلات فلكية حقَّقها في القرن السابع عشر العالِم الفلكي فيليم بلاو (1571-1638). وفي المكتبة أَيضًا قاعة تحوي مجموعات نادرة ثمينة جدًّا من أَجمل لوحات القرون الوسطى.

سنة 1783 تحول الدير إِلى مؤَسسة ثقافية، ما حماه من الإِغلاق الذي فرضه الأَمبراطور جوزف الثاني (1741-1790). ومنذ 1953 احتوى الدير المتحف الوطني للأَدب التشيكي.

  1. مكتبة كلية الثالوث في دَبْلِن

هي في قاعة كبيرة ذات شكل مستطيل بطول 65 مترًا (من هنا تسميتُها “الغرفة الطويلة”). سابقًا كان سقفها مسطَّحًا وفي الصالة بعض رفوف الكتب التي وصلَت نسخ منها إِلى الكلية سبق نشْرُها في بريطانيا وإِيرلندا.

وتشتهر كلية الثالوث بأَنها خرجت من باتوا لاحقًا أَعلام عصرهم، بينهم الكاتب أُوسكار وايلد (1854-1900) والمسرحي صموئيل بيكيت (1906-1989). ومكتبة الكلية هي الأَكبر في إِيرلندا، تضمُّ جميع الكتب الصادرة في البلاد، وفيها أَقدم المخطوطات من العصور الوسطى. بدأَت تجْمع المجلدات منذ تأْسيس الكلية سنة 1592. وسنة 1661 أَهداها المطران هنري جونز (1605-1681) “كتاب كولومبا” وهي مخطوطة من الإِنجيل مكتوبة مذهَّبة باللغة اللاتينية، تجمع نسخ الأَناجيل الأربعة من العهد الجديد مع مختلف النصوص التمهيدية والجداول. كما أَهداها المطران جيمس آشِر (1625-1656) مكتبته الثمينة الخاصة، وهي تضم آلاف المجلدات المطبوعة وعددًا كبيرًا من المخطوطات. وسنة 1801 نالت المكتبة الحقوق الشرعية أَن تكون – بين جميع مكتبات المملكة المتحدة – الوحيدة في إِيرلندا لحفظ تلك الكتب النادرة.

  1. القاعة الملكية البرتغالية للقراءة

سنة 1837 قام 43 مهاجرًا ولاجئًا سياسيًّا بتأْسيس هذه القاعة الخاصة بالمطالعة في قلب ريو دي جانيرو لنشْر ثقافتهم في ما كانت تدعى يومها “أَمبراطورية البرازيل”. صمَّمها بين 1880 و1887 المهندس المعمار رافاييل دا سيلفا في شكل قوطي محْدَث متأَثرًا بهندسة دير جيرونيموس في ليشبونة.

وهي تضم مجموعة كبرى من المطبوعات والمخطوطات لمختلف ثقافات الأَدب بالبرتغالية خارج البرتغال، باتت اليوم في رعاية مؤَسسة الدولة للتراث الثقافي، واختارتها مجلة “التايم” رابع أَجمل مكتبة في العالَم.

سنة 1880 قام الأَمبراطور بدرو الثاني (1831-1889) بوضع حجر الأَساس للمبنى الذي دشَّنتْه سنة 1887 ابنتُه إِيزابيل (أَميرة البرازيل الأَمبراطورية) وزوجها الأَمير غاستون.

سنة 1900 انفتحت المكتبة للعموم، حاويةً 350 أَلف مجلَّد بين مؤَلفات وطنية وأُخرى أَجنبية. وهي تستقبل سنويًّا من البرتغال نحو 1000 مجلَّد جديد، كما تستقبل يوميًّا نحو 150 زائرًا.

تصدر عن المكتبة مجلة فصلية، وتجري فيها دروس في الأَدب بالبرتغالية، وأُخرى في التاريخ والأَنتروبولوجيا والفنون، يرتادها خصيصًا طلَّاب جامعيون.

وفي سجل هذه المكتبة أَن الأَكاديميا البرازيلية للآداب عقدَت فيها أَول خمس جلساتها العامة برئاسة الكاتب والشاعر ماخادو دي أَسيس (1839-1908)

المصدر: 
جريدة "النهار" اللبنانية