لا تكاد تخلو أي محادثة نصية، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال الرسائل النصية، من استخدام الرموز التعبيرية أو "إيموجي" التي تُعدّ وسيلة فعالة للتعبير عن المشاعر والأفكار في المحادثات النصية تضيف طابعا شخصيا وتفاعليا يُغني عن الكلمات في كثير من الأحيان، مما يساعد في توضيح النبرة والمزاج.
الرموز التعبيرية ليست مجرد موضة رسائلية لجيل الألفية؛ بل يمكن اعتبارها لغة بدائية. فالرموز التعبيرية الصغيرة والعاطفية تمثل أول لغة ولدت في العالم الرقمي مصممة لإضافة فارق عاطفي إلى نص مسطح.
وظهرت أول مجموعة من "إيموجي" في اليابان عام 1999 بفضل الفنان شيجيتاكا كوريتا، حيث كانت تتألف من 176 رمزا فقط للتعبير عن حالات الطقس والمواصلات والتكنولوجيا وغيرها من الأمور اليومية. مع مرور الوقت، شهدت "إيموجي" انتشارا عالميا، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من التواصل الرقمي بفضل منصات مثل "آبل" و"أندرويد" التي أدمجت لوحة الإيموجي في أنظمة التشغيل الخاصة بها.
والآن، يوجد 3790 رمزا تعبيريا في معيار "يونيكود" اعتبارا من سبتمبر/أيلول 2024. ويشمل ذلك تسلسلات الجنس أو لون البشرة والأعلام والمكونات المستخدمة لإنشاء أغطية المفاتيح والأعلام والتسلسلات الأخرى.
وتشير التحليلات إلى أن استخدام "إيموجي" يشهد ارتفاعا مستمرا، حيث أظهرت دراسة حديثة على 7 مليارات تغريدة عبر 10 سنوات أن استخدام "إيموجي" وصل إلى مستويات ضخمة؛ ويُظهر أيضا تحليل لمنصة "إيموجيبيديا " أن "إيموجي" "الوجه الباكي بشدة" تجاوز "إيموجي" "الوجه المبتسم بدموع الفرح" ليصبح الأكثر استخداما على "تويتر" في عام 2021.
وسيلة تواصل عالمية
من ناحية أخرى، أدى انتشار جائحة "كورونا" إلى زيادة استخدام الإيموجيات المتعلقة بالصحة مثل "الحقنة" الذي ارتفع بشكل ملحوظ منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.
تعتبر "إيموجي" جزءا لا يتجزأ من التواصل اليومي على منصات التواصل الاجتماعي. فبحسب الدراسات؛ يستخدم أكثر من 21% من التغريدات إيموجي واحدا على الأقل كما يتم إرسال 5 مليارات "إيموجي" يوميا عبر تطبيق "فيسبوك ماسنجر" ويحتوي نصف التعليقات على منصة "إنستغرام" على "إيموجي".
في عام 2015، أصبحت "كلمة" العام في قواميس أوكسفورد. والآن؛ يمكن لـ "إيموجي" المبتسم أن يحل محل كلمات التعبير عن السعادة أو الرضا، في حين يمكن لـ "إيموجي" الغاضب أن يوصل رسالة توتر أو استياء. تُستخدم "إيموجي" أيضا لتخفيف الأجواء في المحادثات الرسمية أو الجادة، مما يجعل التواصل أكثر ودية وإنسانية.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر "إيموجي" وسيلة عالمية للتواصل، حيث يمكن للأشخاص من مختلف الثقافات واللغات فهمها بسهولة، مما يساهم في تقريب المسافات بين المستخدمين على مستوى عالمي.
مع مرور الوقت، أصبح استخدام "إيموجي" معتمدا بشكل كبير على سياق المحادثة، حيث من الممكن أن يُستخدم "إيموجي" شخص يبكي بشدة كدلالة على الضحك حتى البكاء. وعلى عكس قواعد الكتابة والكلمات التي تحمل معاني محددة، ظهرت الإيموجي كوسيلة تفاعلية تجذب الأشخاص.
يتم إرسال قائمة "إيموجي" إلى شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "غوغل"، "آبل"، "مايكروسوفت"، "تويتر" (أو إكس)، و"فيسبوك"، بحيث تتمكن هذه الشركات من تصميم "إيموجي" الجديد وفقًا لمعاييرها ومنصاتها الخاصة.
أطلقت "إيموجيبيديا"، الموقع المرجعي الشهير لـ "إيموجي"، صورًا نموذجية قبل بضعة أشهر. وأخيرا، وافق اتحاد "يونيكود"، المنظمة غير الربحية التي تشرف على معايير الإيموجي العالمية، على الإصدار الجديد 16.0، وهو مجموعة من "إيموجي" الجديدة في العاشر من سبتمبر/ أيلول من العام الحالي.
"إيموجيبيديا" بمثابة موسوعة إلكترونية لـ "إيموجي"، يديرها مختصون يقومون بدراسة وتحليل الرموز التعبيرية. يُصنِّف الموقع الإيموجي تسع فئات رئيسة، من ضمنها الوجوه التعبيرية، الأشخاص، الأشياء، الأنشطة، وغيرها.
وتتفرع كل فئة إلى أقسام أصغر، فعند النقر على فئة "الوجوه التعبيرية" مثلاً، ستجد أقسامًا مثل "الوجوه المبتسمة والمُحبة" و"الوجوه النائمة أو المريضة". وبينما تُعتبر "إيموجيبيديا" المرجع لـ "إيموجي"، فإن اتحاد "يونيكود" هو المسؤول عن الموافقة على الإيموجي الجديدة.
تشمل الرموز الجديدة أيضًا جذورا نباتية، قيثارة، شجرة بلا أوراق، بصمة إصبع، مجرفة، بقعة بنفسجية، وعلم جزيرة سرك الواقعة في القناة الإنكليزية. والأهم والأكثر انتظارًا هو رمز لشخص مرهق، حيث عبّر كثر من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن أن هذا الرمز يمثل الكثير من الأشخاص وطال انتظاره ليعبر عن حالتهم.
تبدو الرموز التعبيرية ظريفة وفعالة في استخدامها، ولكن ليس هذا هو الحال في طريقة إصدارها التي من الممكن ان تستغرق عاما او أكثر. إذن، كيف يتم إصدار مثل هذه "إيموجي" وإقرارها؟ ومن المسؤول عن إصدارها وحفظها بطريقة منظمة؟
الهيئة المسؤولة عن اصدار "إيموجي"
يُعد اتحاد "يونيكود" منظمة غير ربحية تأسست عام 1988 وسُجلت رسميا في عام 1991، بهدف وضع معايير دولية موحدة للبرمجيات والخدمات الرقمية. تدير الاتحاد شبكة من المساهمين تشمل مئات الخبراء والمتطوعين، ويحظى بدعم أكثر من 30 عضوًا من المؤسسات الأكاديمية، الحكومية، والشركات. يعتمد الاتحاد على مبدأي الشفافية والمصدر المفتوح لضمان توفير برمجيات عالية الاعتمادية والموثوقية.
ويشتق اسم "يونيكود" من ثلاثة أهداف رئيسة: الشمولية، التي تهدف إلى تغطية لغات العالم كافة؛ التوحيد، الذي يعتمد على أكواد ثابتة الطول لتحقيق كفاءة في الوصول؛ والتفرد، حيث يُخصص لكل رمز تفسير وحيد لا لبس فيه.
مع نمو الإنترنت وزيادة التواصل بين دول العالم، أصبح من الواضح أن هذه الأنظمة المختلفة تعيق التواصل الفعال، لأن الرقم نفسه قد يشير إلى أحرف مختلفة في ترميزات مختلفة، أو قد يكون للحرف نفسه أكواد مختلفة.
تعتمد الحواسيب بشكل أساسي على الأرقام الثنائية (صفر وواحد) لفهم البيانات والتعامل معها. ولكي تتمكن من تخزين وتفسير النصوص والرموز، يتم تخصيص رقم معين لكل حرف أو رمز عبر أنظمة ترميز تعرف باسم "ترقيم الأحرف". ومع تعدد اللغات واختلاف أنظمة الترقيم المستخدمة في مختلف الدول، ظهرت مشكلة عدم التوافق بين هذه الأنظمة. على سبيل المثل، تختلف الأكواد المستخدمة في اللغة الألمانية عن تلك المستخدمة في اللغة العربية. ومع نمو الإنترنت وزيادة التواصل بين دول العالم، أصبح من الواضح أن هذه الأنظمة المختلفة تعيق التواصل الفعال، لأن الرقم نفسه قد يشير إلى أحرف مختلفة في ترميزات مختلفة، أو قد يكون للحرف نفسه أكواد مختلفة.
لمعالجة هذه المشكلة، جاء اتحاد "يونيكود" ليقدم حلا موحدا يتيح للحواسيب فهم جميع اللغات والرموز بشكل متسق. وكما تسهل القواعد الموحدة للمرور بين الدول التي تعتمد القيادة من الجانب الأيسر استيراد وتصدير السيارات، فإن اتحاد "يونيكود" يسعى لتوحيد الأنظمة الترميزية الرقمية. ولكن عندما تختلف القواعد بين الدول، مثل إرسال سيارة مخصصة للقيادة على الجانب الأيمن إلى دولة تعتمد القيادة على الجانب الأيسر، تبرز تحديات إضافية – تمامًا كما هو الحال مع أنظمة الترميز القديمة التي كانت تعيق التواصل بين الحواسيب.
لذلك كان الحل في إنشاء معيار عالمي موحد لترميز الحروف وترقيمها، وهو معيار "يونيكود". سهل هذا المعيار عملية ترميز الأحرف وجعلها موحدة عالميًا، حتى تتمكن الحواسيب من تخصيص رقم فريد لكل حرف، بغض النظر عن اللغة أو نظام التشغيل، مما مكّن الحواسيب من معالجة النصوص بشكل أسرع عبر مختلف أنظمة الكتابة والأبجديات دون تكرار القيمة المخصصة لأي حرف أو رمز.
هذا المعيار يقرر إضافة أحرف جديدة وتخصيص أرقام فريدة لها، وأيضًا تعريف الأشياء الأخرى بهذه الأحرف الجديدة حتى تتمكن البرمجيات المختلفة في دول العالم من التعرف اليها دون مجال للخطأ.
تم تطبيق معيار "يونيكود" أيضًا على اضافة الإيموجي وترتيبه في عام 2007، حيث بدأت الشركات الأميركية في غزو الأسواق اليابانية، وكان من الضروري أن تخاطب الشعب الياباني بالطريقة التي يفضلها، وهي استخدام صور وأشكال في البريد الإلكتروني. وتم إطلاق كلمة "إيموجي" على هذه الصور، وهي كلمة يابانية تعني "رسم تخطيطي".
كيف يتم اختيار ايموجي جديد؟
عملية تصميم "إيموجي" جديدة ليست سهلة كما قد تبدو. يجب أن يكون التصميم واضحًا وسهل الفهم حتى عند تصغير حجمه، كما يجب أن يحقق التوازن بين التعبير البصري والرسالة التي ينقلها. إضافة إلى ذلك، يجب ألا يتعارض مع رموز أخرى موجودة بالفعل، لضمان عدم حدوث أي تشويش أو لبس بين الرموز المختلفة. إذا فشل الإيموجي المقترح في تلبية هذه المعايير، فلن يعتمده اتحاد "يونيكود".
في مؤتمرها السنوي المنعقد في يوليو/تموز الماضي؛ عمدت "إيموجيبيديا" الى اختيار أفضل إيموجي وأكثرها استخدامًا للعام. تُمنح الجوائز في فئات مثل "الإيموجي الجديد الأكثر شعبية" و"الإيموجي الأكثر انتظارًا". يتم تحديد الفائزين من طريق التصويت الشعبي على منصة X المعروفة سابقًا باسم "تويتر".
ويمكن لأي شخص التقدم إلى اتحاد "يونيكود" بطلب اقتراح إيموجي جديد، ولكن هذه العملية قد تستغرق عامًا كاملًا قبل أن تعتمدها اللجان المختلفة داخل الاتحاد. يتطلب الطلب تقديم شرح مفصل لـ "إيموجي" المقترح وأسباب أهميته. يبدأ الطلب بالمرور عبر لجنة "إيموجي"، التي تتولى مراجعته والتحقق من استيفاء الشروط المطلوبة. بعد ذلك، تتم إحالة الطلب على اللجنة التقنية لاتحاد "يونيكود"، التي تخصص رمزا عالميا فريدا لـ "إيموجي"الجديد. في هذه المرحلة، يتم إعداد قائمة بأسماء المرشحين المقبولين وأشكال "إيموجي" المقترحة من بينهم.
يتم إرسال هذه القائمة إلى شركات التكنولوجيا الكبرى مثل "غوغل"، "آبل"، "مايكروسوفت"، "تويتر" (أو إكس)، و"فيسبوك"، بحيث تتمكن هذه الشركات من تصميم "إيموجي"الجديد وفقا لمعاييرها ومنصاتها الخاصة. بعد ذلك، يُخصص اتحاد "يونيكود" اسما لـ "إيموجي" الجديد بلغات متعددة ويتم حفظه في قواعد البيانات. وعند اكتمال التصميم ومراجعة البيانات، يتم طرح "إيموجي" المعتمد على مختلف المنصات والبرمجيات، مما يسمح للمستخدمين بالبدء في استخدامه. وفقًا لاتحاد "يونيكود"، فإن نحو 92٪ من مستخدمي الإنترنت يستخدمون الإيموجي في تواصلهم اليومي.
أثناء عملية الموافقة، يتم التأكد من أن "إيموجي" المقترح يلتزم الشروط الضرورية، وأهمها أن يكون قادرا على إيصال الرسالة المراد توصيلها حتى عندما يكون بحجم صغير. فالغرض الأساس من الإيموجي هو تقديم تعبيرات ومعان بصرية يمكن فهمها دون الحاجة إلى كتابة نصوص طويلة، ولذلك يجب أن يكون واضحًا وسهل الفهم. وإذا لم ينجح الإيموجي في تحقيق هذا الغرض بحجمه الصغير أو إذا كان يشابه إيموجي آخر موجودا، يتم رفضه لتجنب التداخل أو التشويش بين الرموز المختلفة.
ومن المتوقع أن يرى المستخدمون مجموعة "إيموجي" الجديدة 16.0 التي تمت الموافقة عليها في الهواتف المحمولة بحلول شهر فبراير/شباط أو مارس/آذار من العام المقبل. كما صرحت "غوغل" على الإنترنت في يوليو/تموز أن الرموز الجديدة ستكون متاحة على أجهزة "أندرويد" في مارس/آذار 2025، لكن قد تراها الآن كخط "ويب" عبر الإنترنت.
في مؤتمرها السنوي المنعقد في يوليو/تموز الماضي؛ عمدت "إيموجيبيديا" إلى اختيار أفضل إيموجي وأكثرها استخدامًا للعام. تُمنح الجوائز في فئات مثل "الإيموجي الجديد الأكثر شعبية" و"الإيموجي الأكثر انتظارًا". يتم تحديد الفائزين من طريق التصويت الشعبي على منصة X المعروفة سابقًا باسم "تويتر".
فاز بجائزة "إيموجي الجديد الأكثر شعبية" لعام 2024 "الوجه الذي يهز رأسه أفقيًا ، يليه "الوجه الذي يهز رأسه عموديا ، ثم "إيموجي طائر الفينيق". أما جائزة "الإيموجي الأكثر انتظارا" فقد حصل عليها "الوجه الذي يحمل هالات تحت العينين"، وهو الإيموجي الذي وافقت عليه أخيرا منظمة "يونيكود".
أصبحت الرموز التعبيرية (ايموجي) جزءا أساسيا من التواصل الرقمي اليومي، حيث تجاوزت حدود اللغات والثقافات لتصبح لغة عالمية للتعبير. مع كل إصدار جديد من الإيموجي، تتاح للمستخدمين فرص أوسع للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بطريقة مرئية وبسيطة. ومن خلال الجهود لمنظمات مثل اتحاد "يونيكود" ومواقع مثل "إيموجيبيديا"، نرى تطورًا مستمرًا في تصميم وتبني "إيموجي"بما يتناسب مع احتياجات المستخدمين المتنوعة حول العالم. بفضل هذه التطورات، سيظل الإيموجي أداة لا غنى عنها في تعزيز التواصل الرقمي وجعل التفاعلات النصية أكثر وضوحًا وتفاعلية.