ثم إن ثقافة التكفير التي ارتبطت بثقافة القتل هي بدورها غريبة عن الإسلام.
فالكفر في الإسلام كفران:
كفر الرأي الذي لا يرتب عليه الإسلام أي رد غير المجادلة بالتي هي أحسن، ولا يحملُ كفرُ الآخر المسلمَ إلا على مزيد من الحوار وتقديم الحجة والبلاغ المبين (وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) [الكهف 18/29].
ومبدأ (لا إكراه في الدين) [ البقرة 2/256] يلح عليه القرآن الكريم، (فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب) [ الرعد 13/40] و (ما على الرسول إلا البلاغ) [ المائدة 5/99]، ويستفسر الرسولَ مستنكراً (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) [ يونس 10/99].
وكفر العدوان هو الذي يستوجب رده بالمثل، دفعاً للعدوان ورفعاً للظلم، وإحقاقاً للحق، وردعاً للباطل. فكل آيات القتال والجهاد والاستشهاد وضرب الرقاب وشد الوثاق وفرض الجزية مرتبطة بهذا النوع من الكفر، وهو ما أطلق عليه فقهاؤنا مصطلح الحرابة الذي جعلوه السبب المسوِّغ للقتال؛ فإنما يقاتل الآخر لحرابته وليس لكفره.
فعلى من يقاتل لإقامة دولة الإسلام، أن يتقيَ الله، ويلتزمَ أوامره، ولا يلوي نصوصه؛ ليطوِّعها على هواه، ليتولى هو مهمة الحساب بديلاً عن الله، ويترك لله مهمة البلاغ.. فذلك كفر بواح يخرجه من دائرة الإسلام الذي يتشدق بالانتماء إليه، ويلزمه أن يختار مرجعية أخرى لبرنامجه الذي يريد أن يكره الناس عليه.
وعلى علماء المسلمين أن يتحركوا لكشف زيغ هذا البرنامج، وتوعية شبابهم وتحذيرهم من الانخداع به.. ليس انسحاباً من معارضة أنظمة الفساد والاستبداد، وإنما توجهاً بالمعارضة نحو أسلوبها الأقوم الذي حدده لها الرسول صلى الله عليه وسلم : " أفضل الجهاد: كلمة حق عند سلطان جائر" [ رواه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري ].