يُعدّ التدخين من أبرز الظواهر التي تؤرق الجهات الرسمية والأهلية المعنية بمكافحتها في الأردن، حيث تُعتبر نسبة المدخنين في البلد من الأعلى في العالم، لاسيما لدى من هم تحت سن 18 عاماً.
ووفق المسح الوطني التدريجي STEPs الذي أجرته وزارة الصحة في الأردن بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، فإنّ 66.1% من الذكور يدخنون التبغ، إضافة إلى 15.9% يستخدمون السجائر الإلكترونية، في حين تُظهر بيانات دائرة الإحصاءات العامة أنّ معدل الإنفاق الشهري للعائلة الأردنية التي تضمّ أفراداً مدخنين يبلغ 73.6 ديناراً (105 دولارات)، وهو أكثر مما تنفقه على كل من الفاكهة، والذي يبلغ 26.6 ديناراً شهرياً (38 دولاراً)، والألبان والبيض 38.2 ديناراً شهرياً (55 دولاراً)، والخضار والبقوليات 42.1 ديناراً (60 دولاراً)، واللحوم والدواجن 50.4 ديناراً (72 دولاراً).
الملك: الوضع الحالي ليس مقبولاً
وليس أدلّ على تفاقم الظاهرة ووصولها إلى مراحل تستدعي التحرّك لمعالجتها، من دعوة الملك عبدالله الثاني عدداً من الوزراء والمسؤولين، منهم وزير الصحة، إلى اجتماع في قصر الحسينية قبل نحو شهرين، حيث دعا الملك خلال اللقاء إلى إعداد استراتيجية متكاملة لمكافحة التدخين حماية للمجتمع، خصوصاً التلاميذ في المدارس.
وقال العاهل الأردني: "إنّ مواجهة خطر التدخين أولوية، فالوضع الحالي ليس مقبولاً، وصحة أبنائنا يجب أن تكون فوق كل اعتبار"، مشيراً إلى أهمية تطبيق قانون الصحة العامة في محاربة التدخين، خصوصاً بين الشباب، وتشديد الرقابة في الأماكن العامة لمكافحة التدخين، وتعزيز رسائل التوعية من مخاطره.
وعلى رغم أنّ الأردن كان من الدول السبّاقة في توقيع الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ FCTC في عام 2004 وتطبيقها، وأنّ قانون الصحة العامة الأردني يحظر التدخين في الأماكن العامة، ويعاقب بالحبس أو الغرامة، إلّا أنّ الظاهرة لا تزال تتفاقم وانتشارها يطال أروقة المؤسسات الحكومية والمستشفيات والمدارس والعديد من الأماكن العامة، وسط اتهامات لوزارة الصحة بعدم الجدّية في مساعيها لمواجهة الظاهرة، وعدم اعتمادها خطة أو استراتيجية للقيام بذلك، مع تهميشها الدور الرقابي الحقيقي.
تدخين بلا رقيب أو حسيب
ووفق الناشط في الشأن العام عبدالله نشوان، فإنّ انتشار التدخين في الأماكن العامة يمضي "من سيئ إلى أسوأ" على حدّ تعبيره، معتبراً أنّ مهام الرقابة والتفتيش المنوطة بوزارة الصحة يمكن اعتبارها شبه غائبة، إذ أصبحت مشاهد المدخنين في أروقة المؤسسات والدوائر الحكومية أمراً شائعاً، من دون أن يشعر هؤلاء بأي نوع من المسؤولية، مع إدراكهم بعدم وجود "رقيب ولا حسيب".
وقال نشوان لـ"النهار العربي"، إنّه عادةً ما يتابع من كثب كل ما يتعلق بملف التدخين، لذلك يرى أنّ "غياب خطة تكاملية، يجعل من الجهود المبعثرة هنا أو هناك مجرد محاولات يائسة لمواجهة الظاهرة بشكل حقيقي"، لافتاً في الوقت ذاته إلى "ضرورة أن تلتقط الجهات المعنية كافة وفي مقدّمتها وزارة الصحة، الرسالة الملكية الواضحة والصريحة بهذا الخصوص، وتعمل بالتالي على تطوير أدواتها وتفعيل دورها الرقابي على الأرض، ضمن خطة عمل طويلة الأمد لا كردّة فعل عابرة".
تداعيات على الاقتصاد الصحي
من جهته، يصف استشاري الأمراض الصدرية الدكتور محمد حسن الطراونة، ظاهرة التدخين في الأردن بأنّها "مقلقة للغاية، ووصلت إلى حدود لا يمكن احتواؤها بسهولة وبأرقام ونسب مخيفة، حتى بات من المستغرب لدى الناس أن يصادفوا شخصاً غير مدخن".
وأضاف الطراونة لـ"النهار العربي"، أنّه من المهمّ جداً أن تلجأ الدول بما فيها الأردن، إلى إدراج برنامج الإقلاع عن التدخين ضمن التأمين الصحي، لاسيما أنّ معالجة الأمراض الناتجة من التدخين تثقل كاهل الاقتصاد الصحي على مرّ السنين، من الإصابة بالسرطانات إلى الأمراض المزمنة والتنفسية، كالانسداد الرئوي المزمن، وتليّف الرئة، ونوبات الربو، وتحسس القصبات، وتهيّج الجهاز التنفسي، وما إلى ذلك من مضاعفات، وكل ذلك يرتّب أكلافاً باهظة من حيث التشخيص والعلاج والأدوية وما شابه.
ماذا عن عيادات الإقلاع وقانون الصحة العامة؟
وعن رأيه بعيادات الإقلاع عن التدخين التابعة لوزارة الصحة، قال الطراونة إنّها "شكلية وضعيفة ولا تفي بالمطلوب، بسبب عدم جاهزيتها بالشكل المطلوب، لعدم وجود عدد كافٍ من الكوادر المدرّبة والمتخصّصة، وكذلك مختلف الوسائل التي تساعد في الإقلاع عن التدخين مثل اللاصقات والأدوية وعلكة النيكوتين".
وأشار إلى أنّ "العيادة التي تعمل في هذا الإطار بمستوى عالٍ من الجاهزية والحرفية، هي العيادة التابعة لمركز الحسين للسرطان، إلاّ أنّ تكاليف العلاج فيها باهظة ولا تتناسب مع أوضاع الأردنيين المادية بشكل عام".
واعتبر أنّ قانون الصحة العامة "موضوع على الرف ويعلوه الغبار"، مضيفاً أنّ "التدخين منتشر في مختلف الأماكن العامة، ونشاهده في الاجتماعات الحكومية ومجلس النواب، وأصبح انتشاره ملاحظاً بين تلاميذ المدارس على نحو خطير، خصوصاً السجائر الإلكترونية، إضافة لبيع التبغ لغير البالغين والترويج لها بوسائل عديدة".
وختم الطراونة حديثه بالدعوة إلى "تطبيق بنود قانون الصحة العامة المتعلقة بالتدخين، عبر تشديد الرقابة والتفتيش ومعاقبة المخالفين، سواء أفراداً أو منشآت، ورفع الضريبة على منتجات التبغ، وألاّ تبقى القرارات بهذا الخصوص حبراً على ورق".
وحاول "النهار العربي" الحصول على ردود وتوضيحات من وزارة الصحة، إلاّ أنّ مسؤول الإعلام فيها سعد العامور، رفض التعليق، مكتفياً بالقول "إنّ هذا الملف ليس من أولويات الوزارة حالياً"، في حين لم يُجب مدير التوعية والإعلام الصحي في الوزارة الدكتور غيث عويس على الاتصالات والرسائل.