تخطي إلى المحتوى
الخط العربي..فن في مواجهة التحديات 3/3 الخط العربي..فن في مواجهة التحديات 3/3 > الخط العربي..فن في مواجهة التحديات 3/3

الخط العربي..فن في مواجهة التحديات 3/3

تشدد في عدم الخروج على القواعد

عبدالرحمن السليمان/فنان تشكيلي وكاتب سعودي.

للخط العربي أكثر من صيغة (الكتابة والحرف والاستلهام). والفنانون والخطاطون حالتان. غالبًا الخطاطون يميلون إلى الحفاظ على قواعد الخط ويتحاشى التقليديون منهم التدخل في ضوابطه ومقاييسه، ولذا فإن كل ما أنجز حول الخط العربي ينساق إليه ويتماشى مع حركته وضوابطه، وهناك من يسعى إلى التجديد، ولكنهم يتحسسون كثيرًا من الدخول في مناطق تغير تلك القواعد التي توارثوها منذ ابن مقلة وابن البواب وغيرهما. بعض الخطاطين المعاصرين يسعون إلى شيء من المغامرة، وأقول مغامرة للتشدد الحاصل في عدم الخروج عن القواعد المتوارثة وبالتالي هناك تحسس كبير من أي تغيير أو تحوير فبقي الخط العربي على مساره المتشدد إلا من اجتهاد بعض أسمائه الكبيرة وعلى نحو مقبول أحيانًا ومختلف عليه أحيانًا أخرى.

وهناك خطاطون يحاولون التشكيل من خلال الخط وفق الحفاظ على قواعده، لكن قدراتهم منضبطة في حدود الحفاظ على تقاليده، فجمعوا بين أشكاله واشتغلوا على التصميم والتشكيل بجانب الحواشي الزخرفية أو التزيينية التي وضع كبارهم لها بعض الضوابط والمقاييس التي لا تخل بالخط وشكله وعلاقاته.

الفنانون التشكيليون، منذ أربعينيات القرن الماضي، اشتغل بعضهم على شكل من التوظيف العفوي، وقد تسابق عدد منهم على ريادة هذا الاستلهام إلا أن العراقية مديحة عمر قدمت أعمالًا في الأربعينيات في أحد المعارض، وتوالى على استلهام الحرف العربي والكتابة أسماء عديدة، مثل: جميل حمودي وحامد عبدالله ووجيه نحله وأسماء أخرى اشتغلت عليه كوحدة تشكيلية وعنصر يُنشأ أو يُؤسس عليه العمل الفني مستلهمين جمالياته وإمكاناته. ربما سبقهم إلى هذا الاستلهام أو الاستعارة بول كلي في بعض أعماله وبعد زيارته لتونس تحديدًا وربما مشاهداته للكتابات العربية في الأبنية أو الجوامع أو غيرها، ثم ظهور جماعة البعد الواحد في العراق 1971م وروادها خاصة شاكر حسن آل سعيد الذي وضع بيان الجماعة.

الحرف العربي والكتابة العربية مصدر إلهام فني اشتغله كثيرون على مستوى الوطن العربي والإسلامي كما كانت الحروف شكلًا جماليًّا لدى فنانين آخرين في دول أخرى. الحرف العربي شكل جمالي تميزت به اللوحة العربية، وهذه اللوحة هي ما لفت انتباه الناقدة الألمانية سيجريد كاله -في كتابة لها- بعد حضور معرض في بغداد في الستينيات.

مخاوف التجديد

إن أهم ما يخشاه الخطاطون في الوطن العربي أو الإسلامي هو تجاوز قواعده والحقيقية إن الآلة الحديثة شوهت كثيرًا في شكله وجمالياته ونسبه؛ بحكم أن الغرض التجاري يتقدم على القواعد والجماليات. وحالة التقريب إلى الخط العربي لم يحكمها أي قواعد والخطاطون محقون في تخوفهم، ولكن مؤسساتهم ومراكز الخط العربي، وهي محدودة، تسهم في شيء من الحفاظ عليه، إما بمسابقاتها أو من خلال الإجازة التي تمنحها للخطاطين بجانب ما يمنحه الخطاطون أنفسهم لبعضهم.

أرى أن التوظيف وفق المعطيات الحديثة والتحولات التقنية تعني أننا أمام مشكلة حقيقية إذا ما أردنا الحفاظ على الخط العربي في قواعده المتوارثة. ثم إنه ليست هناك جهات يمكنها التحكم في مسار الاشتغال عليه بحكم ارتباطه بالكتابة العربية. والكتابة يمكن تحقيق جمالياتها الحديثة من خلال (جماليين) يمكنهم تقييم العمل الفني وتحكيمه وفق خبراتهم وإمكاناتهم وممارساتهم الفنية وأرى من الأهمية أن يكونوا من كتّاب العربية المقتدرين، لأننا أمام ثورة في كثير من المجالات المعرفية والاحتياج للكتابة العربية كأحد الأشكال التأصيلية ضرورة في أن ترسم تأثيرها وحضورها وأثرها في المشهد العام وفي الثقافة البصرية مع الحفاظ على القواعد والأسس في نواحٍ أخرى مقابلة.

 

إسهامات ومخـاوف

إبراهيم العرافي/معلم الخط العربي في الحرم المكي

فن الخط العربي في عصرنا اليوم بات مواكبًا لكل مجالات الحياة، ليس كعنصر للقراءة فقط، وإنما كعنصر جمالي من ناحية المفردة والتكوين الشكلي. وفي مجال التصميم الحاسوبي بات متنوعًا من ناحية الشعارات للشركات بجميع اختصاصاتها، ولا سيّما مع سهولة تناوله من خلال برامج الحاسوب، مثل برامج الأتوكاد والإليستريتور والكوريلدرو والفوتوشوب. ولا شك أن الحرف العربي أصبح حاضرًا كقيمة بصرية جمالية في الديكور والتشكيل والنحت والتصوير وكثير من الفنون، وأصبح منتشرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي تعدّ نافذة لكل الفنون إلى العالم بجميع أطيافه وألوانه، وأصبح بإمكان الجميع الاستفادة من الخط العربي في التعليم والممارسة والتواصل.

مخاوف ومقترحات

يعاني كثير من الخطاطين صعوبةَ التواصلِ مع المجتمع، لفهم هذا الفن وتقديره على الوجه الصحيح. أعتقد أن الخط العربي لغة تواصل لكل العرب ومن لهم علاقة باللغة العربية، وهو وجه اللغة العربية الجميل الذي يجسد روعة مضمونها؛ لذا فإن وجود اللوحات في البيوت والمؤسسات مثل الوزارات والدوائر التي تخدم الدولة يساعد الخطاطين في اقتناء أعمالهم وتقدير جهودهم ورفع الذائقة الفنية لدى مجتمعنا. وأظن أن سبب تأخر الخط العربي كفن في السعودية عن بقية الفنون الأخرى الموجودة في المشهد اليوم، يعود إلى عدم مشاركته في أنشطة الدولة ومناسباتها.

حضور الخط العربي كفن أصيل له جماله البصري الرفيع والمبهج لكل من اقترب منه، ممارسة ومشاهدة، في المناسبات الوطنية والعالمية يجعل هذا النشاط مقدرًا لدى كثير من عشاق ومحبي فن الخط العربي. ومرافقة هذا الفن الأصيل للمناسبات، الداخلية والخارجية، يسهم في رفع الذوق البصري للمجتمع لملامسته هذا الفن من قرب والاستمتاع بمشاهدته. وللأسف فإن صروح التعليم بعيدة من تنشيط المواهب بصفة عامة لكل الطلاب على مر الأجيال؛ فالجهود إذا كانت غير تربوية أو مدروسة لن تحقق أهداف الدولة ولن تفيد المجتمع؛ لذا لا بد أن ننظر بجدية إلى المواهب الموجودة بين الطلاب بعين المستقبل الواعي لتطويرها وتنميتها، مع ضرورة مساهمة الهيئات الحكومية في منح التواصل بين المختصين من أهل هذا الفن. ورسم الخطوط الصحيحة بتوفير منهج سليم لفن الخط العربي، يُقَدَّم تعليميًّا على أيدي المتخصصين فيه والعارفين به لينعم وطننا بمستقبل باهر.

المصدر: 
مجلة الفيصل