تخطي إلى المحتوى
الداعش الأكبر ... من أرشيف الأستاذ محمد عدنان سالم ( رحمه الله). الداعش الأكبر ... من أرشيف الأستاذ محمد عدنان سالم ( رحمه الله). > الداعش الأكبر ... من أرشيف الأستاذ محمد عدنان سالم ( رحمه الله).

الداعش الأكبر ... من أرشيف الأستاذ محمد عدنان سالم ( رحمه الله).

داعش (الظاهرة)؛ ليست سوى فقاعة طفت على السطح، مثل كل نظائرها من الفقاعات التي ما تنفك تتفاقم وتكبر؛ لتتلاشى من بعدُ في الهواء، وتذهب أدراج الرياح..

الداعش (الأكبر) الولود، المنتِجُ الحقيقي لهذه الفقاعات: ضميرٌ مستترٌ؛ تقديره (هو)، فمن هو؟!

لم تكن مجتمعاتنا حتى أواسط القرن الماضي، تعرف لها عدواً غير الاستعمار.. كل الجهود، كل الحركات الوطنية، كل المنظمات الثورية، كل البنادق والمتفجرات، توجهت إلى وجهة واحدة؛ هي الاستعمار.. قد تختلف فيما بينها في الأساليب، لكن الهدف المشترك يبقى واحداً هو مقاومة الاستعمار.

صحيح أن حركات التحرر الوطني، لم تكن تملك القدرة التي يملكها الاستعمار على التخطيط البعيد ؛ لكن الأدوار كلها كانت واضحة: مستعمِر معتدٍ يقمَع، ومستعمَر معتدى عليه يدفع عن نفسه.

بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945م، وانتظم العالم في هيئة أمم متحدة ، تحت شعاراتٍ تطمح إلى بناء مجتمع دولي جديد؛ يحترم حق الشعوب في تقرير المصير؛ لم تعد صيغة الاستعمار مستساغة، فكان لا بد من صيغة جديدة تحفظ للمستعمَر ماء الوجه، وتنزعُ فتيل النـزاع بينه وبين المستعمِر، ويحتفظ بموجبها المستعمِر بكل مكتسباته؛ بلهَ تنميتها أضعافاً مضاعفة، عن طريق إطالة أمد تخلف المستعمَر، وإشغاله بنـزاعات محلية تحوِّل اتجاه بندقيته من الخارج المستثمِر، إلى الداخل المستثمَر المغتبِط بنيله استقلاله، ويعمد إلى تزويده بكل ما يحتاج  إليه لإنجاز هذه المهمة من البنادق والذخائر؛ مطمئناً إلى أنها لا تصلح إلا للانتحار الذاتي والاستخدام المحلي، أما هو (المستعمِر سابقاً، المتمدِّن الإنسانيُّ لاحقاً)، فهو المستفيد الأوحد؛ يقبض ثمن أسلحته مرتين؛ مرةً بموجب الفواتير الرسمية  المقدمة بها، ومرة أخرى بتوفيره نفقات إتلافها، لكونها قديمة قد تجاوزها الزمن، محتفظاً لنفسه بأسلحته المتطورة.

ظاهرة (داعش وأخواتها)، هي الظاهرة المرتبطة بحقبة (الاستغفال) بعد حقبة ( الاستعمار)، وهي الوسيلة الناجعة لتحويل (المفعول به) المضروبِ في المثال التقليدي لدى النحويين: " ضَربَ زيد عَمرواً "، إلى (نائب للفاعل) ليصبح المثال: " ضُرب عمرٌو": يتوارى فيه الضارب عن الأنظار، ويبقى المضروب (عمرٌو) في الحالين.

هل عرفنا الآن، من هو (الداعش الأكبر)؟!

وهل من سبيل للخروج من صيغة (نائب الفاعل) المنفعل بالأحداث، إلى صيغة (الفاعل) المتحكم  بالأحداث، المخطِّطِ لإدارتها  ؟!!

المصدر: 
دار الفكر