«تمييز أو تميز» أمام هذه الجملة وبجانبها علامة استفهام ضخمة، تقف الكاتبات المغربيات وحتى العربيات، وربما العالميات، حائرات ومنهن المنفعلات والغاضبات، بسبب هذا التصنيف أو التسمية، في حين بعضهن أطفأن نار الحيرة بقناعة مختلفة تماما، وتقبلن التصنيف ولا يعتبرنه تمييزا.
وخلال السنين الأخيرة، بدأ يلاحظ وجود عناوين كثيرة، متناثرة هنا وهناك، وفرة في الإنتاج لا مثيل لها، لكن سؤال الكيف يبقى واردا، كما سؤال حضور الأقلام النسائية في هذا الكم الكبير من الإصدارات، من حيث العدد دائما الغلبة للأقلام الرجالية، لتبقى الأسماء النسائية جلها بارزا وحاضرا، لأن القلة لا تدفع إلى الحيرة في تذكرهن. لكن، ليست القلة فقط، بل حتى طرق المواضيع الجريئة والمستفزة، جعل الأقلام النسائية، خاصة الشابة، تفرض نفسها بقوة الإبداع، ومع ذلك دائما تبقى «كتابات نسائية» وفي ذلك تأويلات شتى يقع الجدال حولها باستمرار، وهل تستحق النساء هذا التنصيف، أم أنه لا توجد رواية مثلا تلبس التنورة، وأخرى تلبس البذلة، كما أنه لا وجود لقصيدة تضع الماكياج وأخرى تحلق شاربها.
لطيفة باقا
قبل حديث التصنيف، يبقى سؤال التطور هو الأهم، وعن ذلك قالت الكاتبة لطيفة باقا في حديثها لـ«القدس العربي» إن «حضور النص المكتوب بأقلام نساء عرف تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة ليس فقط على مستوى الكم الذي لعبت فيه وزارة الثقافة، من خلال دعمها لدور النشر دورا مهما، لكن أساسا من خلال الكيف، حيث بدأنا نستقبل نصوصا مميزة في جميع الأجناس الأدبية تتعدد بتعدد الأسماء وتعدد الحساسيات».
من حديث التطور إلى حديث التميز، وذلك مربط الفرس في انتقاد تصنيف «الكتابة النسائية» لكن بالنسبة للكاتبة لطيفة باقا، فإن «كتابات المبدعات المغربيات مختلفة ومتعددة ومتباينة» واستعرضت ما لدينا من «تجارب مهمة في تاريخ الأدب المغربي بشكل عام والأدب المكتوب من طرف النساء بشكل خاص» لتستطرد قائلة «لكن ما يثير انتباهي هو هذا الانفتاح الملحوظ الذي بدأ يظهر بشكل متواتر في نصوص الكاتبات الشابات، حيث نلاحظ نوعا من الجرأة على اقتحام المواضيع التي ظلت نصوص الكاتبات المغربيات السابقات تتحرج من ملامستها». وتعتقد باقا «أن التعدد اللغوي لهذا الجيل، وانتماءه للعصر الرقمي ومن خلال ارتباطه بقضايا تتجاوز المحلي لتعانق العالمي، بالإضافة إلى سهولة الوصول إلى المعلومة والخبر الذي تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي.. كل هذا جعل من تجربته تجربة نوعية ومميزة».
بالنسبة للمتحدثة، فرأيها حول تصنيف أو تسمية «الكتابة النسائية» مختلف «ومثير للجدل» حول «هذه القضية الشائكة» وتوضح أنها تقول «شائكة، لأنها توجد في بؤرة نقاش لن ينتهي، لكونه يقع في مفترق طريق نقاشات وقضايا أخرى». وحسب صاحبة «غرفة فرجينيا وولف» فإن «مفهوم الكتابة النسائية لا يرتبط فقط بمجال الأدب، كما قد يظهر من خلال التسمية، بل أخمن أنه يوجد في صميم كل القضايا المرتبطة بتحرر النساء. الكتابة النسائية كمفهوم عني به في الغرب تلك النصوص المنتمية للأدب بشكل عام، لكن المنفصلة عنه في الوقت نفسه، التي تعكس موقفا لصيقا بجنس الكاتبة وبجسدها، وخصوصيات الوضع الثقافي الذي يحاصرها وتحاول أن تعبر عنه وتفضحه لتدينه في النهاية».
باختصار توضح باقا، «يمكننا اعتبار الروائية الإنكليزية فرجينيا وولف من أهم الأسماء التي وضعت أسس هذا المفهوم وأخرجته إلى دائرة الضوء. اختياري لمنح آخر إصداراتي عنوان «غرفة فرجينيا وولف» يأتي في هذا السياق، بمعنى أن الأدب هو ذلك الصوت الذي يصدر عني كامرأة حرة لها رؤية للعالم ولها وجهة نظر في ما يحدث فيها وحولها. المفهوم بالنسبة لي ليس توصيفا لفرع من فروع الأدب (على اعتبار أن هناك في الأدب مركزا وهامشا) بل هو مجرد تصنيف إجرائي نحن في حاجة إليه، حتى نستطيع تثمين تلك الإضافات النوعية المهمة التي أغنت بها كتابات النساء الأدب بشكل عام، من خلال تجربتهن الإنسانية وخصوصيتهن الثقافية والبيولوجية ووعيهن بذاتهن وموقفهن من العالم».
فتيحة النوحو
دون مواربة أو تردد، أعلنت الكاتبة فتيحة النوحو في تصريحها لـ«القدس العربي» موقفها من هذا التصنيف أو تلك التسمية، مؤكدة أنه «بنظري، النقاد يحملون وزر هذا التصنيف، لأن المتن المكتوب يبقى مستباحا أحيانا بين أقلام كسلى، أو تنظر من زاوية ضيقة أو سهلة لحصار النص» وتضيف بيقين، أن «تلك التصنيفات تبقى في المتناول تستعمل ارتجالا دون تمحيص» لأن «النص الجيد لا يقف عند جنسه لنعتبره مثليا أو غيريا أو عابرا».
وتساءلت صاحبة «الوغودية» «لا نعرف هل يقصد بالكتابة النسائية التي تكتبها النساء أو التي تتحدث عن المرأة كثيمة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تفرقة لشيء في نفوس غير أدبية؟» وتختم بقولها «أصدقك القول لم أهتم بهذا التصنيف قط، ولا أتبناه ولا أرفضه، فإن كان من يعتقد به عن قناعة تامة به فانا لست في الحياة لألغي مفاهيم الغير».
ريحانة بشير
وبزهو إبداعي، قالت الشاعرة ريحانة بشير متحدثة لـ«القدس العربي» إن «الأدب النسائي تميز بوفرته، طبعا، بعيدا عن كل المعايير النقدية» ارتباطا بالظروف الاجتماعية والفكرية التي نعيشها في عالمنا المعاصر وامتداده الزمني». وبغض النظر عن التسمية أو التصنيف المثير للجدل، تؤكد ريحانة بشير، أن «الكاتبة المغربية تحاول المشاركة في تحقيق ذاتها كقيمة مضافة فكريا وإبداعيا، لكن يبقى السؤال مطروحا: إلى أي حد تستطيع المشاركة الفعلية دون معايير نقدية؟». وتوضح صاحبة «لا يعنيني هذا العالم» أن «لقب الكتابة النسائية هو ترويج للمرأة الكاتبة كمصطلح اقتصادي، أو سياسي، إذا ما نظرنا إلى مساهماتها في الشأن الثقافي» لذلك «لا يمكن تصنيفها في حيز موسوم بالصورة المزينة للمشهد». وباعتزاز تقول ريحانة بشير: «الأدب النسائي حقق نهضة على مستوى ضروب الأدب والفن كإشارة ترمز لمساهماتها في تنمية الحضارة الإنسانية، وتحقيق فعل قوي منذ الشاعرة إنخدوانا إلى الكاتبة المغربية، ونساء شاعرات وأديبات، لهذا يجب أن تحقق موقعها بكل اعتزاز، مع تقدير فكرها ومكانتها وبأنها نقلة مفصلية في تاريخ بلادنا».
أحمد العمراوي
في مقابل آراء الكاتبات، نتوقف في محطة شاعر وناقد محايد، هو أحمد العمراوي، الذي ينظر إلى النص دون صاحبه، لذلك فإن القول بـ»الكتابة النسائية، كتابة المرأة» يدفع إلى التساؤل «هل هناك كتابة رجالية في المقابل، أو كتابة الطفل مثلا؟». لهذا يفضل العمراوي «تسمية الكتابة التي تنجزها المرأة، للإشارة إلى كتابة النوع، أو الكتابة عن المرأة. فهناك كتابة كتبها الرّجل تدخل لأعماق المرأة تحليلاً وإبداعاً لكنّها تبقى كتابة تعبّر عن وجهة نظر رجل نفسية، ربما، لحالة امرأة. نقول إن المرأة كائن مختلف فزيولوجيا ونفسياً عن الرجل بحكم تراكمات تاريخية في ثقافتنا العربية، ولَّدها الذكر المتحكّم في كل الأمور بما فشيها شؤون المرأة». وتحدث العمراوي لـ«القدس العربي» عن «ثورة شهرزاد الرّمزية التي قلبت الأدوار فتحكمت في الرجل من خلال شهريار وبواسطة السرد المبهر والمرأةُ تناضل في الحياة والكتابة لسماع صوتها» وبالنسبة للناقد المغربي، «إذا كانت الكتابة ترتبط بالجسد واليد خاصة، فإنّ يد المرأة هي غير يد الرجل، وجسدها هو غير جسده، يبرز ذلك من خلال الثورة الفرويدية التي ميزت بين طفولة الولد وطفولة البنت من حيث امتلاك أحدهما للقضيب وفقدان الآخر له، بل وخوف الولد من فقدانه كذلك في ما سماه بعقدة الخصاء». من جهة أخرى، يوضح أحمد العمراوي، «قد تنقذنا بعض الكتابات والتأملات الصوفية حين تقول إن في كل واحد منا ذكرا وأنثى وهما متكاملان لا ينفصلان حسب ابن عربي. ورغم ذلك، يبقى الفرق بيِّناً من خلال كتابة المرأة في المجال الإبداعي للتعبير عن حالتها ورؤيتها للآخر وللكون، والكتابة المتعارفة التي سجلها الرجل ونسخها عبر تاريخه عن نفسه وحتى عن المرأة».
ويسترجع المتحدث أول سرد وشعر تلقيناه ونحن صغار الذي «كان بواسطة الجدات، هؤلاء النسوة اللواتي خَبَرن عالم الرجال والنساء معاً، فصوَّرْنه لنا بمكائده وفرحه وحزنه بأمانة تتخذ من الرمز والخيال والأسطورة سنداً لإيصاله لنا، وكأنّما أصل الحكاية هو حكاية الجدات النساء، لا الأجداد الذكور».
وتوقف صاحب ديوان «يتجددون كأفعى» عند القول «إن الكتابة الرجالية يغلب عليها (العقلاني) والكتابة النسائية تميل إلى (العاطفة) لكن هذا تبسيط للأمور التي يتحكم فيها كل ما هو تاريخي متوارث ومجتمعي مكرَّس. ألا يبكي الرجل كما المرأة في الكثير من المواقف وربما أكثر؟ ألا تمتلك بعض النساء قوة في اتخاذ قرارات قد يبقى الرجل متردداً فيها؟». وبالنسبة لأحمد العمراوي، تبدو «المسألة نسبية هنا، ومقاربتها لا يمكن أن تتم إلا بالرجوع للنص بغض النظر عن منتجه ذكراً كان أم أنثى» لأنه «في الكتابة الإبداعية نحن أمام كتابة قد تؤثر من الوهلة الأولى فتدهشك وتجرك لعالمها جرّا، أو قد تدفعك للعزوف عن مواصلة القراءة».