تخطي إلى المحتوى
المترجم أسامة إسبر: نحتاج مؤسسة نهضوية للترجمة تكون بيت حكمة جديدا المترجم أسامة إسبر: نحتاج مؤسسة نهضوية للترجمة تكون بيت حكمة جديدا > المترجم أسامة إسبر: نحتاج مؤسسة نهضوية للترجمة تكون بيت حكمة جديدا

المترجم أسامة إسبر: نحتاج مؤسسة نهضوية للترجمة تكون بيت حكمة جديدا

لطالما كان المترجمون الجنود المجهولين الذين كانت، وما تزال، لهم اليد الطولى في تغيير ذائقات وطبائع وحتى أفكار وحيوات الكثيرين من قرّائهم، إذ لا يُنكر أحد دور الترجمات الأدبية والثقافية من اللغات العالميّة إلى اللغة العربيّة في إحداث الفارق والتأثير ليس فقط لدى القراء، بل كذلك لدى الكُتّاب والمفكرين الناطقين بالعربيّة.

لذلك تحاول الجزيرة نت، من خلال هذه المساحة، أن تُلقي الضوء على جوانب عديدة من الترجمات وأعمال المترجمين، كإضاءة على تلك الجهود.

في هذه الحلقة نحاور المترجم السوري أسامة إسبر حول ترجمة الأدب الأميركي إلى اللغة العربية، وهو جزء من ترجمة الأدب المكتوب بالإنجليزية، لأنه أدب ضخم وواسع وعريض، مكتوب في بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وأيرلندا… الخ. لذلك سنخصص حلقتين أو أكثر عن الترجمة عن اللغة الإنجليزية.

والمترجم إسبر شاعر ومترجم ومصوّر فوتوغرافي سوري من مواليد 1963، يقيم في الولايات المتّحدة منذ عام 2011. ترجم قرابة 40 كتابا عن الإنجليزية، من بينها ”جوزف أنطون" لسلمان رشدي، و"كاتدرائية" لريموند كارفر و"توقيعه على الأشياء كلها" لإليزابيث جيلبرت وصدر له مؤخرا المجموعات الشعرية التالية: "على طرقي البحرية" (2020) و"على ضفّة نهر الأشياء" (2021) و"قال لي جسدي" (2022)، و"شمس مستعجلة" (2023) وفي القصّة القصيرة: "السيرة الدينارية" (1996)، و"مقهى المنتحرين" (2003).  يعمل محررا في مجلة "جدلية"، وموقع "صالون سوريا".

جوائز أم منهجيّة؟

  • هناك بطء في ترجمة الأدب الأميركي، ربما بسبب كثرة الكتب والكتّاب وقلة المترجمين، فثمة الكثير من الكلاسيكيّات التي لم تُترجم بعد، رغم التركيز عليها عادة في كل ترجمة من لغة أخرى. هل تتم ترجمة الجديد منه بسبب حصوله على جوائز أم لأسباب أخرى؟

حين نتحدث عن الأدب الأميركي يجب أن نأخذ بالحسبان عمقه التاريخي واتساعه الجغرافي، فهو يسبق محاولات المؤرخين الأكاديميين البيض للتأريخ للأدب الأميركي، ويبدأ من التقاليد الشفاهية للشعوب الأصلية التي سكنت الولايات المتحدة، ويمتد عابرا المرحلة السابقة للكولونيالية، والمرحلة الكولونيالية، والمرحلة القومية المبكرة في القرن الـ17، والمرحلة الرومانسية (التي تمتد من عام 1760 حتى عام 1830) ثم تأتيك المرحلة الواقعية والطبيعية (1870-1910) ثم مرحلة الحداثة (1910-1945). ولكل مرحلة من هذه المراحل كتابها الكبار. وتتميز كل مرحلة من هذه المراحل بنتاج أدبي ضخم.

أما بالنسبة للوقت الحالي فإن الأدب الأميركي يتوزع على ولايات عدة. ومع أن الجميع يكتبون بالإنجليزية، فإننا نرى لدى واضعي المختارات الأدبية ميلا إلى التصنيف، فهناك شعراء كاليفورنيا وشعراء الساحل الشرقي والشعراء المنحدرون من الأمم والشعوب الأصلية والشعراء المنحدرون من آسيا أو أفريقيا أو العالم العربي.. مما يعكس غنى أدبيا هائلا.

أما بالنسبة لحركة الترجمة إلى العربية فإنها تتعامل انتقائيا وجزئيا مع هذه المراحل، إذ تتم ترجمة بعض الكتّاب، ويطوي النسيان كتابا آخرين، ويكون المقياس عادة هو الجوائز الأدبية والشهرة، وليس قراءة متعمقة من أجل تقديم أعمال مترجمة تستند إلى منهجية محددة.

لقد تُرجم عدد لا بأس به من أعمال كتاب أميركا الشمالية إلى العربية، ويعود هذا إلى جهد فردي قام به المترجمون. غير أنه يمكننا القول إن الاطلاع العربي على الأدب الأميركي ما يزال محدودا. فأميركا تتسم بنتاج أدبي وفكري وفلسفي هائل، وعدد الكتب التي تنشرها دور النشر سنويا كبير جدا، ناهيك عن الإنتاج الأكاديمي الجامعي، وخاصة الذي يتناول الدول العربية، إذ إن هناك عددا هائلا من الكتب الأكاديمية الأنثروبولوجية والاقتصادية والسوسيولوجية والسياسية والفكرية مؤلفة، وتؤلّف، عن العالم العربي والأحداث التي عصفت بالمنطقة، والتي كتبها باحثون محترمون، ومن الضروري ترجمة الأكثر أهمية بينها. خاصة أن جامعات كبرى تقف وراء هذه الأبحاث، وقد فرّغت الباحثين لكي يعيشوا في بلدان الشرق الأوسط ويكتبوا عنها دراسات مهمة جدا.

يحتاج القراء العرب إلى هذه الكتب وإلى أن يكون لهم منها موقف نقدي، خاصة أن روح البحث والنقد ميّتة في جامعاتنا العربية. إذ بوسعك القول بسهولة إنه ليست هناك جامعة عربية تُنتج كتبا نقدية وتحليلية مهمة تتناول مثلا بنية السلطة والتدين في العالم العربي، أو المقدس وعلاقته بالحياة اليومية ونظرتنا إلى الوجود. أعطيك مثالا هنا، إن أهم الكتب التي تناولت واقع الدول العربية وبنية الحكم فيها واضطرابات الربيع العربي هي كتب صادرة عن جامعات أميركية.

  • أية صورة لأميركا تقصدها هنا؟

حين نقول أميركا، لا نعني ما نعرفه عربيا عن أميركا، أي الصورة المتداولة عن دولة إمبريالية تقودها سياسة ضيقة الأفق، قائمة على مفهوم المصلحة لخدمة القلة على حساب الجماعة، والداعمة لإسرائيل على حساب القضايا العربية. بل أميركا الجامعة وأميركا الرواية والشعر والفلسفة. أميركا الحداثة الشعرية والفكر النقدي. أميركا التحليل والبحث الأنثروبولوجي والنفسي والاجتماعي والفلسفي. والنتاج الأكاديمي ذي المستوى العالي.

لكي نعرف أميركا جيدا، يجب أن تُركز حركة الترجمة لدينا على ترجمة منهجية تغطي كل حقول المعرفة. إلا أننا كمترجمين نعمل فرديا، وأحيانا لا يصغي الناشر لآرائنا، بل ويفرض علينا الكتب التي يجب أن تُترجم انطلاقا من مصلحته وما يتماشى مع السوق. ولهذا فإن الترجمة وخاصة هذه الأيام تحتاج إلى بيت حكمة جديد، تحتاج إلى مؤسسات تفرّغ المترجمين وتمولهم وتترك لهم حرية التصرف والتخطيط للترجمة وإلا سنظل نعمل بشكل فردي دون هدف مرتبط بمشروع تنويري.

  • هل تجد أن هناك حركة للترجمة من الأدب الأميركي إلي العربية؟ أم أنها تجارب فردية؟

قبل أن نترجم الآخر نحتاج إلى مؤسسات تؤمن بالترجمة وأهميتها. من دون مؤسسة نهضوية ممولة لا نستطيع أن نتحدث عن حركة ترجمة قادرة على تقديم نتاج الشعوب الأخرى. وهنا لا بد أن نشكر المترجمين الأفراد الذين عرفونا على النتاج الأدبي الأميركي الرفيع، رغم أنهم يعملون في ظروف صعبة وبأجور زهيدة لا تكفي لتفريغ المترجم.

إذا كانت دور النشر العربية الحالية غير قادرة على تفريغ مترجم، أي بمعنى تقديم أجر كاف، يجعل المترجم متفرغا للترجمة، فإنك لن تستطيع أن تطلق حركة ترجمة لنقل الآداب الأخرى، بالتالي، المسألة تصبح جزئية كما هو واقع الحال.

تُرجمت أعمال كثير من الكتاب الأميركيين والشعراء إلى العربية كهنري جيمس (1843 – 1916) وجون شتاينبيك (1902 – 1968) وويليم فوكنر (1897 – 1962) وولت ويتمان (1819 – 1892) وإدغار آلن بو (1809 – 1849) وإرنست همنغواي (1899 – 1961) وبول أوستر (1947) وتشارلز سيميك (1938 – 2023) وترومان كابوتي (1924 – 1984) وإرسكين كالدويل (1903 – 1987) وغيرهم كثيرون بحسب المراحل الزمنية، وكان المترجمون القدامى يمتلكون ذائقة أدبية رفيعة، ولقد أتحفونا بالكثير من الكتب المهمة. ولم يكن الإعلام يتحكم بالذائقة الأدبية كثيرا كما يفعل الآن.

أنت كمترجم -الآن- لا تستطيع أن تقرر، فالمؤسسة أو الجهة الحكومية والبنية الإدارية البيروقراطية هي التي تقرر عنك، والناشر في هذه الأيام لا يستشير المترجمين، أو يطلب منهم وضع خطط للترجمة، كما كان يحدث في بعض الأحيان في الماضي. فقد وفر الإعلام للناشرين فرصة مواكبة النتاج الأدبي القابل للتسويق، وصار معيار النشر هو إمكانية التسويق أكثر من أي شيء آخر.

نعرف أن هذا يثقل المكتبات ويربك عملية القراءة، فالقارئ في العربية ليس ابن الثقافة النقدية بشكل عام، بل هو ابن ثقافة تلقينية ويحتاج إلى وسط ثقافي حر كي يكوّن ذائقة جديدة تستند إلى نظرة نقدية متعمقة. ولقد كانت هذه مسألة مهمة تتعلق بثقافة القراءة. أنت الآن تنتج سلعة، تنقلها من لغة إلى لغة وتبيعها كأي سلعة معلبة أو غير معلبة. لكن الكتب، رغم أنها دخلت في التسليع فإنها، حين تكون عظيمة تخرق هذه المعادلة، ولهذا أميل في الترجمة إلى الكتب التي يمكن أن نعود إليها دائما، وغير القابلة للاستهلاك كوجبة سريعة. وهذه الكتب التي تحقق هذه المعادلة يجب أن تكون المنطلق والغاية في عملنا في الترجمة. وفي أميركا، إن عدد هذه الكتب ليس قليلا.

صحيح أن هناك تركيزا على الرواية خاصة أن للرواية سوقا وبالتالي فإن الناشرين يتسابقون عليها. بالنسبة للرواية مثلا هناك روائيون أميركيون جدد، من جيل الشباب، مهمون جدا وغير معروفين، ولقد ترجمت أنا نفسي عددا من الروايات الجديدة لروائيين وكتاب قصة لم يكونوا معروفين جيدا سابقا في العالم العربي، مثل جينين كمنز (1974) وجوليا فيليبس (1988) وريتشارد فورد (1944) وآلان لايتمان (1948) وإليزابيث جيلبرت (1969) وريموند كارفر (1938 – 1988) وإيفا ديلاييرا، وقد صدرت هذه الترجمات عن دار فواصل ودار صفحة سبعة ودار الجمل ودار الطليعة الجديدة.

في الشعر قمت بترجمة مختارات من شعر الشعراء المنحدرين من الأمم الأصلية، وقد صدر النصوص في أنطولوجيا ضخمة عن دار خطوط وظلال في الأردن، وكان منطلقي في هذه الترجمة شعريا وتضامنيا. فعلى الصعيد الشعري هناك شعراء كبار منحدرون من الشعوب والأمم الأصلية للولايات المتحدة، وهؤلاء غير معروفين في اللغة العربية، غير أنهم يشكلون إضافة حقيقية، بل إن بعضهم يمكن حسبانه من كبار الشعراء ليس داخل الولايات المتحدة فحسب بل في العالم.

ما قمت به كان محاولة متواضعة للتعريف بكتاب جدد وشعراء جدد، غير أننا بحاجة إلى دور نشر ومؤسسات ثقافية تتبنى مفهوم السلسلة الأدبية وتوسع منه، وتعمل على إدراج الكتاب المهمين فيها، ويجب أن يشمل هذا حقل الرواية والشعر والدراسات الأنثروبولوجية والنفسية وكذلك الفلسفية، فهناك مفكرون وفلاسفة كبار في أميركا ما تزال أعمالهم مجهولة للقراء والطلاب العرب.

الترجمة لأسباب بحثيّة

  • هل تجد أن ترجمة الأدب العربي إلى القراء في أميركا متوازنة مع الترجمة العكسيّة؟ هل هي كذلك فرديّة؟ أم توجد حركة للترجمة؟

ما يزال الأدب العربي مجهولا بالنسبة للقارئ الأميركي. هناك ترجمات تتم في الجامعات الأميركية لبعض الأعمال الأدبية العربية، لكن طبيعة النظرة إلى الأدب العربي في أميركا ما تزال تخضع لمتطلبات البحث الأنثروبولوجي والسوسيولوجي والسياسي ولتوجهات علماء السياسة. بمعنى أن الأدب العربي، أو بعض النماذج منه، وخاصة الرواية، تُترجم لأسباب بحثية، تتعلق بفهم المجتمعات العربية وطبيعة السلطة فيها أكثر مما تُترجم بسبب قيمتها الفنية. ما أعنيه هنا هو أن الرواية العربية لا تترجم كالرواية الأميركية اللاتينية مثلا، لأنها تشكل إضافة في فن الرواية. حين تُترجم الرواية العربية ضمن هذا المنظار يمكن القول إن الترجمة الأدبية تحقق انتصارا في هذا المجال. هناك أيضا الاهتمام بمناطق الحروب والانقلابات والقلاقل التاريخية، والتي تولد اهتماما بكتب معينة، وتروج لكتاب غير مهمين، سرعان ما يُنسون بعد مرور الحدث.

كتاب "السحر الكبير.. الحياة الإبداعية المتحررة من الخوف" لإليزابيث جلبرت (الجزيرة)

  • هل ينطبق هذا القول على الناشرين الأميركيين؟

حين يقوم المترجمون أو الناشرون الأميركيون بترجمة كتاب عربي بسبب قيمته الفنية الإبداعية نستطيع القول إن هذا عمل حقيقي ضمن هذا الحقل، إلا أن النتاج الثقافي العربي لم يصل إلى مستوى معين ضمن إطار الترجمة كي يكون جزءا من الهم الثقافي العالمي، لا لضعف في النتاج الأدبي والإبداعي، بل لضعف لدى الآخر، لاستسلام الآخر الغربي لنظرته الموروثة إلى نتاج شعوب المستعمرات. وللأسف إن هذه النظرة ما تزال موجودة في الغرب الأميركي وموروثة عن أوروبا. وهذا يتوضح في ضعف متابعة الصحافة الأدبية الكبرى في الغرب للكتب العربية المترجمة إلى الإنكليزية التي تُذكر بشكل عابر، ولا يتم التركيز عليها.

لقد ذكر المفكر (الفلسطيني الأميركي) إدوارد سعيد أنه زكّى في إحدى المرات بعض الكتب، وبينها روايات لنجيب محفوظ (1911 – 2006)، لأحد الناشرين الأميركيين المهمين، وذلك قبل أن يفوز محفوظ بجائزة نوبل للأدب (1988)، فجاء رد الناشر، بعد أن رفض الكتب، أن اللغة العربية مثيرة للجدل وإشكالية، وأعتذر عن ترجمة الكتب ونشرها.

  • كيف تُفسّر هذا الأمر؟

لأن اللغة العربية تقع على سلم الاهتمام الأدنى بعد لغات العالم الأخرى، والسبب في الأساس سياسي، ولقد تبلور هذا بعد هجمات الـ11من سبتمبر/أيلول. ومع أن بعض الجامعات الأميركية تقوم بترجمة كتاب عرب مهمين، فإننا لا نستطيع القول بأن الأدب العربي معروف على نطاق القارئ العام. بينما في العالم العربي ستجد أن الكتاب الأميركيين، المترجمة أعمالهم مشهورون جدا على نطاق عام، وأحدث مثالين على ذلك بول أوستر وهنري ميلر. قد يمتلك العرب أفكارا مسبقة عن أميركا، لكن الأدب الأميركي مقروء ومعروف جيدا عربيا من خلال الترجمة.

كان المفكر إدوارد سعيد قد ناقش هذا الموضوع في مقالته "الأدب المحظور"، التي نشرها في مجلة "نيشن"، والتي تحدث فيها عن تعقيدات العلاقة بين الذات والآخر وأشار إلى مسألة مهمة، وهي أن الكتاب العرب أنفسهم وناشريهم لا يفعلون الكثير ولا يبذلون جهدا مركزا للترويج لكتبهم، مما يعني غياب الحضور الفاعل للأدباء والمثقفين العرب في الغرب.

لا توجد مواكبة في الترجمة مثلا للشعر العربي الحديث في تجاربه الجديدة، هناك بعض الترجمات الجزئية والتي تلعب فيها العلاقات الشخصية الدور الأكبر، لذلك فقد عبرت بسرعة، أي لم يترك معظمها صدى في الوسط الشعري الأميركي، أو في وسط قراء الشعر بعامة، وظلت ملتصقة بالبحث الجامعي، وباهتمام الباحثين أو المترجمين ببلد معين أو قضية ما.

قد تكون هناك محاولات فردية ناجحة، إلا أن الأدب العربي أو الكتاب العربي لم يحققا معادلة الانتشار الواسعة في دائرة القراء داخل أميركا. لا يوجد أديب عربي واحد مقروء له بشكل كامل في أميركا، هناك بعض الترجمات، ومع ذلك فإن توزيعها محدود، ولا تباع كما تباع رواية أميركية لاتينية ناجحة مثلا. وبالنسبة للعالم العربي فإن صورته في ذهن الآخر، وطبيعة العلاقات السياسية، والنظرة الدونية إلى العرب، كل هذا يلعب دورا في ترسيخ هذه النظرة، فالأدب العربي قد يكون هو الأدب الأسود أو الأدب الهندي الأحمر، أو أدب الهوامش والذي، رغم ذلك، ينجح أحيانا في اختراق الحصار.

 

  • لماذا صارت الترجمات الجديدة تتوجه أكثر إلى الرواية وبشكل نادر إلى الشعر؟

بالنسبة للشعر فإننا لا نمتلك، كقراء عرب، إحاطة كاملة بالمشهد الشعري في أميركا. هناك شعراء كبار في أميركا لم يُترجم لهم إلى العربية إلا جزئيا، وعلى فترات متباعدة، وهناك من لم يُترجم لهم قط. إن ترجمة الشعر إشكالية في حد ذاتها، فأن تترجم عمل شاعر كبير ليس بالأمر السهل، وخاصة أن ترجمة الشعر تحتاج إلى مقدرات ومواهب خاصة.

هناك جهود تستحق الاحترام قام بها مترجمون أفراد، لكننا بحاجة إلى مزيد من الترجمات الشعرية لتكوين صورة أشمل عن الشعر الأميركي، الذي يتميز بحضور إبداعي كبير، وتوزع على مساحات جغرافية واسعة. هناك شعراء كبار ينحدرون من السكان الأصليين، ومن أصل أفريقي أو مكسيكي أو أوروبي أو عربي داخل الولايات المتحدة، نعرف بعضهم جزئيا لكننا بحاجة إلى ترجمات أكثر شمولا لإغناء تجربة القراءة الشعرية.

وتكتسب ترجمة الشعر أهمية استثنائية، في ضوء انفتاح حركة الحداثة في الشعر العربي على الشعر المترجم، فقد انطلقت الحداثة الشعرية العربية عبر التأثر بخطين: الخط الأول هو خط إعادة قراء التراث والكشف عن نصوص مغايرة فيه غير مسبوقة كالنصوص الصوفية. وخط الانفتاح على الشعر الغربي وتأثير شعراء مثل كرامبو وسان جون بيرس وتي. إس. إليوت وبابلو نيرودا ولوركا ومؤخرا يانيس ريتسوس وغيره من الشعراء الآخرين. إن الترجمة تُبقي حقل التأثر الإبداعي مفتوحا، وتُغني لا القراء فحسب بل الشعراء أيضا، ولهذا نحن بحاجة إلى مؤسسات تتبنى مشاريع ترجمة أدبية، تقدم مثلا، الأعمال الكاملة لشاعر ما مع دراسات عنه.

المترجم كضحية

  • ما الفرق الذي تجده بين المترجم إلى اللغة الإنجليزيّة والمترجم إلى اللغة العربية؟

هناك فرق جوهري بينهما، فالمترجم إلى اللغة العربية ضحية على كافة المستويات، فهو ضحية الأجور المتدنية، وانتهاك الحقوق، فكما هناك انتهاك لحقوق الإنسان في العالم العربي، يمكن توسيع الصورة والحديث عن انتهاك حقوق المترجم. اسأل أي مترجم في العالم العربي عن أحواله ولن تجده راضيا عن ما يحصل له، ذلك أنه لا يحصل على أجور مجزية، والجهات التي تدفع أجورا مجزية تتبع العلاقات العامة والصداقات. كما أن كثيرا من الناشرين لا يتقيدون بقواعد التحرير، ولا يدققون الكتاب أو يكلفون أحدا بمراجعته، وقد يقومون هم أنفسهم بالأمر رغم أنهم قد لا يمتلكون الخبرة التحريرية المطلوبة.

في العالم الغربي مؤسسات فاعلة، وهذه المؤسسات تخصص منحا وجوائز للترجمة. في العالم العربي الشاسع والضخم، لدينا فقط الجوائز الخليجية وهي قليلة. أعطني جامعة عربية واحدة تمول سلسلة للترجمة أو تقدم منحا لتفريغ المترجم؟ إن المترجم إلى اللغة العربية غير قادر على أن يعيش من الترجمة، وإذا ما اشتري تبغه وقهوته بهذه الأجور الزهيدة فسيكون محظوظا.

هذا هو السياق الذي يتحرك فيه المترجم العربي، فكيف يستطيع أن يضع خططا ترجمية، وكيف يمكن في سياق كهذا أن نفكر بترجمة وافية لأدب شعب من الشعوب؟ قبل أن نهتم بالترجمة يجب أن نهتم ببناء المؤسسة، وبالإطار القانوني، هذا على صعيد المؤسسات الرسمية، بما أن هناك كثيرا من وزارات الثقافة العربية والهيئات الرسمية التي تصدر الكتب. أما على صعيد دور النشر فيجب تفعيل القوانين التي تحمي حقوق المترجم والمؤلف وتنظم العلاقة القانونية بين المؤلف والمترجم من جهة والناشر من جهة أخرى.

أعطيك مثالا هنا، مرة اختلف سلمان رشدي مع دار نشر أميركية في نشر إحدى رواياته في أميركا، فقام محاميه بتشكيل لجنة، وهذه اللجنة ذهبت إلى مستودعات دار النشر وجردت الكتب وحددت عدد النسخ المخزنة وعدد النسخ المباعة للتوصل إلى حل للخلاف. هل تستطيع أن تفعل هذا مع أي ناشر عربي؟ مستحيل. إن الناشر العربي يمنحك كمترجم مبلغا زهيدا جدا، ومن ثم يمتلك الكتاب إلى الأبد، دون أن يكون لك أي حق لاحقا فيه. هذا الشح، أو البخل، أو الانتهاك هو ما يحكم الترجمة في العالم العربي. لا بد أن نعترف أن هناك استثناءات، ولكنها قليلة في السياق العام وهي جديرة بالاحترام وتُرفع لها القبعة.

 ككلمة أخيرة، ما الذي نحتاج إليه لاستكشاف الأدب الأميركي؟

نحتاج إلى استكشاف جديد للأدب الأميركي يعتمد على عمق القراءة وعلى الذائقة والنظرة النقدية وأن نخرج من لعبة السوق، أي ترجمة الأدب المرتبط بالجوائز. الجوائز دائما خاضعة لظروف معينة وفي كثير من الأحيان يتم إهمال كتب كثيرة مهمة ولا ينتبه إليها المترجمون ودور النشر.

وكما تعرف فالترجمة خاضعة لآلية السوق، لكن الخروج من هذه الآلية نحو خطة تقوم باختيار الكتب الأكثر أهمية في مجالها، يحتاج إلى عمل مؤسسي تنويري، نحن بحاجة إلى مال في خدمة التنوير الحقيقي يُخصص للترجمة والتأليف ودعم المجلات الأدبية والفكرية والإصدارات الشعرية الإبداعية. إن ساحتنا الثقافية العربية تفتقر إلى كل هذا، ولهذا نشهد موت الحراك الثقافي، وأقصد هنا الثقافة التي هاجسها التغيير والبحث عن عوالم بديلة وأفضل.  إن ما نحلم به نحن المترجمين والكتاب والشعراء هو بيت حكمة جديد وحداثي.

المصدر: 
الجزيرة