تخطي إلى المحتوى
المشهد الثقافي المصري 2023: حوار غائب ورحيل فادح لكُتاب وشعراء ... احتفى بنجيب محفوظ وشهد إصدارات متنوعة ومعرضين تشكيليين لافتين المشهد الثقافي المصري 2023: حوار غائب ورحيل فادح لكُتاب وشعراء ... احتفى بنجيب محفوظ وشهد إصدارات متنوعة ومعرضين تشكيليين لافتين > المشهد الثقافي المصري 2023: حوار غائب ورحيل فادح لكُتاب وشعراء ... احتفى بنجيب محفوظ وشهد إصدارات متنوعة ومعرضين تشكيليين لافتين

المشهد الثقافي المصري 2023: حوار غائب ورحيل فادح لكُتاب وشعراء ... احتفى بنجيب محفوظ وشهد إصدارات متنوعة ومعرضين تشكيليين لافتين

ماذا بعد الفقد والرحيل المُباغت؟... سؤال مشحون بالأسى والألم، تتناثر في شظاياه صورة مضطربة وحزينة للمشهد الثقافي المصري، خلال هذا العام المنصرم، والذي طوى في عباءته ستة شعراء من شتى الأطياف الشعرية غيّبهم الموت، بعضهم بعد صراع مرير مع المرض، وبعضهم سقط فجأة من شجرة الحياة: محمود قرني، وأشرف عامر، وسامي الغباشي، ومحمود سليمان، وعبد الحفيظ طايل، وشهدان الغرباوي. وامتدت حِبال الفقد لتطول كوكبة أخرى من الكُتاب والروائيين: حمدي أبو جليل، عبده جبير، كمال رحيِّم، والكاتب المسرحي أبو العلا السلاموني، وشيخ المترجمين: شوقي جلال، صاحب الجهد الوفير في الترجمة في شتى مجالات الأدب والمعرفة والفكر الإنساني، ومُنيت الأوساط الفنية بخسارة فادحة ودّعت، في ظلالها، عدداً كبيراً من الفنانين من أجيال مختلفة، رحلوا عن عالمنا بسبب المرض والحوادث والموت المفاجئ، بينهم موسيقيون ومطربون وممثلون، منهم المطربة الشهيرة شريفة فاضل، والمطرب علاء عبد الخالق، ومُغنية الأوبرا هالة فكري صالح، والفنان مصطفى درويش، والفنانة ماجدة صالح، إحدى رائدات فن الباليه المصري، والموسيقار أشرف أبو زيد، والكاتب السيناريست القدير محمود أبو زيد، والفنان أشرف عبد الغفور، أحد أبرز ممثلي المسرح، والذي رحل في حادث سير.

خيَّم هذا المشهد بظلاله القاتمة على كثير من الأنشطة والفعاليات الثقافية، حيث تحوَّل معظمها إلى مرثية للتأبين والاحتفاء بمُنجَز هؤلاء الراحلين، وكان من أبرز هذه الأنشطة الندوة التي أقامها منتدى المستقبل للفكر والإبداع لتأبين القاصّ والروائي حمدي أبو جليل، قدّمها وأدارها الناقد الدكتور يسري عبد الله، وشارك فيها باقة من المبدعين والأدباء: أشرف أبو جليل، سعيد نوح، أشرف عبد الشافي، إنجي همام، نهى محمود، عصام الزهيري، وكاتب هذه السطور، استدعوا في مقالاتهم وشهاداتهم وذكرياتهم مع أبو جليل، روحه المرِحة الساخرة، والتي انعكست بقوة في أعماله الروائية والقصصية، وكست طرائق السرد والحكي برائحة خاصة. وكان لافتاً الأمسية التي خصصها مؤتمر «قصيدة النثر المصرية»، ضمن فعاليات دورته السابعة التي انعقدت في بيت السناري الأثري على مدار ثلاثة أيام. أدار الأمسية الشاعر والناقد أسامة جاد، وقدّمت مختارات من قصائد الشعراء الراحلين أثارت حالة من الشجن لدى الحضور ازدادت نبرتها مع إلقاء الفنان طارق الدسوقي باقة من قصائد صديقه الشاعر أشرف عامر وحديثه عنه. وليس بعيداً عن هذا المشهد الاحتفاء بذكرى ميلاد نجيب محفوظ، العربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل في الآداب حتى الآن، حيث ازدانت بصوره وأغلفة أعماله مواقع التواصل الاجتماعي، وكتب أدباء وشعراء ونقاد برقيات حب له، سلّطوا الضوء من جديد على فلسفته وحكمته في الكتابة والحياة، كما نشر بعضهم قصصاً قصيرة له، صدّروها بعبارات اعتزاز بالريادة والقيمة المتجددة في جسد الزمان.

 

الاحتفاء بنجيب محفوظ وبكثير من المبدعين الراحلين يعكس في جوهره أحد أوجه أزمة الثقافة المصرية والمشهد الثقافي العام، وهو افتقاد القدوة والمثال المُحفّز على النضوج والابتكار، والذي يجب أن يُحتذى بوصفه قيمة خالصة لوجه الحقيقة المجردة من أجل الإبداع والفن والرقيّ بالذوق العام وإثراء الوجدان. ينعكس افتقاد القدوة على طبيعة المثقف المصري نفسه، فهو يمتلك المقدرة على الحضور والمشاركة في كل المواقف، لكنه مع ذلك يفتقر إلى الموقف الذي يخصه، النابع من ذاته، ويعبر عن قناعاته ورؤاه وأفكاره، ومن خلاله يتقبل النقد بشكل رحب، باعتباره ليس نقيصة، وإنما أحد عناصر بناء الشخصية والمستقبل أيضاً.

في السياق نفسه يمكن أن نفسر غياب الحوار الموضوعي الصحيح، سواء بين المثقفين أنفسهم، أم بينهم وبين المؤسسات الثقافية الرسمية، وعلى رأسها وزارة الثقافة، فلا تزال نظرتها للشأن الثقافي العام محكومة بمنطق الولاء والشللية، وما ينجم عنه من مصالح نفعية ضيقة، تنعكس على بعض الأفراد الذين يندرجون تحت مظلة هذا الولاء، ورغم المؤتمرات التي يغلب عليها طابع المناسبة، وتتناثر في العاصمة والمدن والأقاليم، لا يوجد مؤتمر للثقافة المصرية بالمفهوم الشامل والعميق، يشارك فيه جموع الكُتاب والمبدعين والشعراء من كل المشارب والأطياف الأدبية، يناقش، بحُرّية وحيوية، ما لها وما عليها، ويقترح الحلول ويضع الخطط للمشاكل والعقبات التي تعوق مسيرتها وتقدمها في شتى المجالات. يعزز ذلك أن الثقافة المصرية تمتلك كثيراً من المقومات الإيجابية إبداعاً وتنظيراً، ما يمكن البناء عليه ودفعه بثقة إلى آفاق أرحب من المغامرة والتجريب الخلّاق، وهو المعنى نفسه الذي يضمره الاحتفاء اللافت بذكرى ميلاد نجيب محفوظ بوصفه أحد رموز القدوة المفتقَدة.

وفي خضم هذا المشهد الحزين، شهد الواقع الثقافي عدداً من الإصدارات المهمة، منها في الشعر: ديوان «غياب حر» عن الهيئة المصرية للكتاب، للشاعر عاطف عبد العزيز، أحد أبرز شعراء الثمانينات، وديوان «الوقت خارج الوحدة» للشاعرة نجاة علي، وهو أيضاً صادر عن الهيئة المصرية للكتاب، كما صدرت عدة روايات مهمة؛ أبرزها «صاحب العالم» لأحمد صبري أبو الفتوح، دار الشروق، و«حامل الصحف القديمة» لإبراهيم عبد المجيد، دار الشروق، و«العروس» لحمدي الجزار، دار ديوان، و«جريمة في الجامعة» لعز الدين شكري فشير، دار الشروق، و«أيام الشمس المشرقة» لميرال الطحاوي، دار العين، و«وادي الكون» لهالة البدري، دار بتانة، و«آيس هارت في العالم الآخر» لمحمد بركة، دار إيبدي، و«كل يوم تقريباً» لمحمد عبد النبي، دار المحروسة، ورواية «يوم المِلاجَا» لأيمن شكري، دار الثقافة الجديدة، والمجموعة القصصية «أيام عادية» لعادل عصمت، دار الكتب خان. وفي الترجمة رواية «جريمة الابن الصالح» للكاتب الكوري الجنوبي جونج يو جونج، ترجمة محمد نجيب، دار العربي، و«قارئ الجثث» للبريطاني سيدني سميث، ترجمة مصطفى عبيد، الدار المصرية اللبنانية، «ثلاثية» للكاتب النرويجي الفائز بجائزة نوبل، هذا العام، جون فوسه، ترجمة شيرين عبد الوهاب، دار الكرمة.

تبرز هذه الإصدارات وتنوعها ملاحظة مهمة وأساسية هي أن مغامرة التجريب في الكتابة السردية والشعرية لم تعد مقصورة على كُتاب بعينهم، وإنما أصبحت همّاً مشتركاً بين الكُتاب المخضرمين والشباب، ما يعكس روحاً شفيفة ومُحفّزة تعتدُّ بجدلية التأثير والتأثر، يبقى أن تتبلور في حوار أدبي صحيح مبنيّ على أسس وركائز نقدية موضوعية.

وعلى مستوى الفن، لا يزال الفن التشكيلي يتمتع بحيوية خاصة في المشهد، لكن هذه الحيوية لا تخرج عن نطاق المعارض المُقامة وجدرانها البراقة الملساء، لتشتبك مع الهمّ الثقافي في حراكه الخاص والعام، بحيث يمتدّ فضاء اللوحة إلى بقية الفضاءات في عباءة الإبداع، وخصوصاً الشعر والموسيقى والسينما، ومن أبرز المعارض التي أقيمت، معرض حمل عنوان «البدايات» بقصر الفنون في أرض الأوبرا. جاءت فكرة المعرض من منظور شيّق يستعيد، من خلاله، العجينة الأولى واللمسة الأولية لفرشاة الفنان على مسطح الرسم الأبيض؛ بماذا كان يحلم، وبأي لغة رأى اللوحة، وكيف تخيّل صورة العالم فيها وحركة العناصر والأشياء في هذه الأجواء من الفرح بطفولة الفن والحياة؛ وفي مرحلة النضوج والتشكل الفني. ضمّ المعرض نحو 350 عملاً متنوعاً لـ149 فناناً من مختلف الأجيال، من بينهم مجموعة من الفنانين يُعدّون من رُواد الحركة التشكيلية المصرية. ورغم أهمية هذا المعرض فإنه لم ينجُ من العشوائية، فلم يوضح القائمون عليه مفهوم «البدايات» نفسه وتركوه فضفاضاً، دون أي إطار زمني، ولو تقريبي، فليس من المعقول أن يتساوي في التجربة نفسها فنان له باعٌ في الفن على مدار ثلاثين أو أربعين عاماً، وآخر لم يتجاوز بضع سنوات... فعن أي بدايات إذن نتحدث، وأي مخزون للذاكرة والحلم يمكن أن يلفت النظر هنا، ونتوقف عنده.

يبقى من أهم المعارض التي أقيمت، في أواخر هذا العام، وشكّلت حالة من الوفاء والتقدير المستحَق، المعرض الاستعادي للفنان الراحل جميل شفيق (1938 - 2016)، الذي يُعدّ أيقونة الرسم بالأبيض والأسود. احتضن المعرض قاعة أفق بمتحف محمود خليل؛ وضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من أعمال شفيق، التي اتسمت بفلسفة جمالية خاصة، وبصيرة شديدة الرهافة والحساسية، تعبر عن رؤيته للفن والحياة، بالإضافة إلى مجموعة من الإسكتشات والأعمال التي تُعرَض لأول مرة.

المصدر: 
الشرق الأوسط