تخطي إلى المحتوى
"شعب نائم" في "بيوت الجان"؟… هل تعرفون حقاً سلطنة عمان؟ "شعب نائم" في "بيوت الجان"؟… هل تعرفون حقاً سلطنة عمان؟ > "شعب نائم" في "بيوت الجان"؟… هل تعرفون حقاً سلطنة عمان؟

"شعب نائم" في "بيوت الجان"؟… هل تعرفون حقاً سلطنة عمان؟

لطالما استوقفتني عناوين بعض الكتب عن عُمان على رفوف المكتبات وفي المعارض، كما حدث عندما شاهدت كتاب "عُمان في عيون مصرية" للكاتب أحمد درويش، الذي دوّن فيه انطباعات ثلاث وثلاثين شخصية مصرية عاشت في السلطنة. كذلك الأمر مع كتاب "عُمان بعيون عراقية" لعبد الجبار محمود السامرائي، و"عُمان بعيون سورية" لعارف حمزة. لا أحب الدخول في النيات عادة، ولكن أمام تلك العناوين تساءلتُ: لمن توجه هذه الكتب، للقراء العمانيين أم العرب؟

دائماً ما أصل لقناعة أنها لعبة تسويقية، تستهدف وتدغدغ مشاعر المواطنين بعبارات الغزل والمديح لبلادهم، بينما يجهل العديد من أبناء الشعوب التي ينتمي إليها الكُتّاب تاريخ عُمان.

ومع كامل الاحترام لمجهودهم، عندما أهدي لصديق كتاب، سيكون مذكرات السيدة سالمة "مذكرات أميرة عربية" وهي ابنة إمام وحاكم عُمان "سعيد بن سلطان" والذي نشر في القرن التاسع عشر، وثلاثية الكاتب اللبناني محمد طرزي "جزر القرنفل"، و"ماليندي"، و"عروس القمر"، أو رواية "وردة" للكاتب المصري صنع الله إبراهيم، ورواية "سيدات القمر" للعمانية جوخة الحارثي، الحائزة على جائزة "مان بوكر" الدولية. كلها كتب قد لا يتصدر اسم عُمان عناوينها، لكنها تختزل مراحل مختلفة من تاريخها بداخلها. 


النسخة المصرية لعُمان

الجالية المصرية هي واحدة من أكبر الجاليات العربية في السلطنة منذ السبعينيات، وتعتبر عُمان إحدى الدول القليلة التي لم تقطع علاقتها مع مصر بعد معاهدة كامب ديفيد، وكانت السفارة العمانية ملجأ للكثير من المصريين المغتربين في الدول العربية والخليج، ورغم ذلك ظلت عُمان مجهولة في الداخل المصري.

حكى لي والدي عندما زار مصر سنة 1981 أنه لم يكن يعلم العامة من جيرانه في حي المهندسين (أحد الأحياء الراقية في فترة الثمانينيات)، ولا سائقي سيارات الأجرة شيئاً عن عُمان.

يأتي سؤالهم دوماً عنها مصحوباً بنبرة استغراب: "يعني فين دي، في اليمن؟". وأعتقد أن هذا الواقع لم يختلف كثيراً اليوم، فما يزال البعض من المصريين لا يستطيعون التفريق بين عُمان والعاصمة الأردنية عمّان.

هناك معتقد لدى البعض أن أي دولة خليجية يعيش أهلها حياة رفاهية ورغد، أو كما يقال هناك بئر بترول في كل بيت. والحقيقة أن تلك الصورة غير حقيقية، فهناك العديد من أبناء هذه الدول يُعتبرون من أصحاب الدخل المحدود، وهناك من هم تحت خط الفقر، وهذا لا يلغي أن مستوى المعيشة ومتوسط الدخل للفرد هو أفضل بكثير من باقي الدول العربية.

السِّحر والجان والأساطير في عمان

لن أنسى ذلك النادل السوري في أحد المطاعم الشامية بالعاصمة مسقط، استطعت من خلال حديث مقتضب أن أكتشف لأي محافظة سورية ينتمي، بسبب صداقات سابقة مع سوريين. كان من أبناء السويداء، التي قاد فيها سلطان باشا الأطرش الثورة ضد الاحتلال الفرنسي.

من جهته، بدأ بمصارحتي بمخاوفه منذ جاء إلى عُمان، قائلاً: "حقيقي في عندكم جن؟ أنا عشت بأكثر من بلد بس يللي صار معي هون ما صار بمكان ثاني"، وسرد لي قصته مع البيت المسكون الذي يعيش فيه، وكيف أنه لم يكن يؤمن بالعفاريت قبل ذلك.

 "حقيقي في عندكم جن؟ أنا عشت بأكثر من بلد بس يللي صار معي هون ما صار بمكان ثاني"

قصص السّحر والجان موجودة في الموروث الإنساني، ودوّنتها حكايات "ألف ليلة وليلة"، إلا أن هناك دول ارتبطت بالأذهان بحكايا السِّحر والجان أكثر من غيرها، ومنها المغرب وعُمان، ما يجعل أبناء هذين البلدين يتعرضون لمواقف مرتبطة بالصور النمطية.

أخوض نقاشاً جدياً مع سيدة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، لينتهي النقاش بالتراشق كضيوف برنامج "الاتجاه المعاكس"، وتنهي حديثها، قائلة: "خذ مكنستك وطير"، في إشارة إلى أن العمانيين سحرة.

وكما يقال لا يوجد دخان بلا نار. هناك العديد من الروايات والأساطير العمانية عن عالم الماورائيات، منها ذلك المسجد العتيق في ولاية "أدم"، يعرف باسم "باني روحه"، بمعنى "المسجد الذي بنى نفسه بنفسه"، ويتناقل العامة عبر أجيال عن بناء الجنّ له.

وتعود القصة يوم وقع شجار بين قبيلتين حول بناء المسجد، وفي إحدى الليالي فوجئ سكان الولاية بالمسجد وقد أصبح قائماً.  

 

كما تدور الأساطير حول سور ولاية "بهلاء"، المدينة التي صنفتها ناشيونال جيوغرافيك عام 2014 ضمن أكثر المدن المسكونة بالجان حول العالم.

وربما ذلك ما دفع فريق عمل فيلم Personal Shopper 2017، الذي قامت ببطولته كرستين ستيوارت، لاختيار مدينة بهلاء كأحد المواقع الغامضة ضمن أحداث العمل.

 

كذلك يُحكى كثيراً عن أسباب تسمية "كهف الجن" في ولاية "قريات" بهذا الاسم، ويعدّ ثاني أضخم كهف في العالم.

ومن الأساطير المتداولة "فلج دن"، الساقية المائية التي يتدفق ماؤها بشكل منقطع، ويردد سكان المنطقة "يوم لنا ويوم للجن"، مفسرين تلك الظاهرة أن الفلج يوزع نفسه بالتساوي بين الإنس والجن، وتقول الروايات في ظفار، جنوب عُمان، إن السحرة كانوا يجتمعون في كل ليلة خميس أمام خور روري، المسطح المائي في المدينة العتيقة. وتبقى تلك الحكايات التي يرددها العامة، والكثير غيرها من الأسباب التي ربطت عُمان بعالم السحر والجن.

 هدوء سياسي لكنها ليست سويسرا

يعيب البعض على الهدوء السياسي العماني، وينسج حوله العديد من النكات، التي باتت نمطية ومكررة وسمجة، وهي تصفها بـ"البلد الذي لا نسمع عنه إلا في النشرة الجوية" أو "الشعب النائم"، ويضحك البعض قائلاً: "هل سبق والتقيت شخصاً عمانياً؟!".

أقف مستغرباً أمام كل تلك الضحكات المصطنعة، وأتساءل لماذا يصبح الحياد والانشغال بالشأن الداخلي مثاراً للسخرية؟ والمفارقة أننا لا نجد نكات ساخرة عن سويسرا، بل يتغنى الجميع بها ويصفونها ببلد السلام والحياد، وكأنه كُتب علينا نحن العرب أن نمشي في قطيع الحروب والفوضى والاصطفاف السياسي. لماذا على دول منطقتنا أن تصبح أراضي خصبة للصراع والنزاع؟ الدول لا تُبنى وتزدهر بالحرب والخطابات الرنانة، فما أسهل الهدم بعد البناء.

عُمان خاضت حروباً داخلية طويلة انتهت منذ 50 عاماً، وكانت قد عرقلت ازدهارها كثيراً مقارنة بالدول الجارة لها، وأعتقد هذا ما يجعل العمانيين أكثر إدراكاً لنعمة الهدوء والسلام،  ولا يشعر بتلك النعم إلا الشعوب التي ذاقت ويلات الحرب.

أيضاً عُمان في عيونهم

سألت شباباً عرباً حول رؤيتهم لعُمان؛ تحدث الصحفي والكاتب السوري شاهر جوهر أن مخيلته عنها لا تحتمل سوى بضع صفحات في كتاب الجغرافيا المدرسي.

من ناحية أخرى، تحدث جوهر عن صديقين، زميلي دراسة في دمشق، قدما من عمان، يصفهما بلغة شاعرية قائلاً: "كل صديق منهما كان بحد ذاته مدينة عمانية عائمة بكل تفاصيلها؛ فقبل معرفتي بهما كنت أجدها مدينة دائخة بالوحدة، كئيبة مثل منزل يخلو من حبيبة، فهي من البلاد العربية النادرة التي تحب الوحدة والانعزال، فهي لا تجيد الصراخ والعويل، وهذا هو الانطباع السوري العام عن هذه البلاد".

"ومذ عرفتهما بدت لي عُمان سمراء جميلة مثل وجهيهما الجميلين. عرفت كيف بالإمكان أن تذوب مدينة كاملة في فمي مثل قطعة سكر".

يعود شاهر، وكأنه يبرر شاعريته حيال عمان، منهياً حديثه: "نحن نحب المدن لمحبتنا لأهلها، فما هي المدن لولا أهلها؟".

يردد سكان المنطقة "يوم لنا ويوم للجن"، مفسرين تلك الظاهرة أن الفلج، ساقية الماء، يوزع نفسه بالتساوي بين الإنس والجن، وتقول الروايات في ظفار إن السحرة كانوا يجتمعون في كل ليلة خميس أمام خور روري

وتحدث صديق يمني، أحمد آل دبوان، مقيم بالقاهرة (27 عاماً) عن عمان باعتبارها "بيتاً عربياً قومياً محباً للعروبة"، ويتذكر جده الذي كان يسكن في بيت كبير مبني على الطراز اليمني، كان دائم الحديث في السياسة، واعتاد الثناء على عمان وأهلها، وكثيراً ما ردد: "ليت كل الدول مثل عُمان"، ويضيف: "اليوم بعدما كبرت عرفت تماماً ماذا كان يقصد جدي".

"بالنسبة لي، عُمان واليمن توأمان، هناك حضارات وتاريخ وعادات مشتركة، وتسحرني طبيعتها الخلابة التي تعرض على شاشة التلفاز. وكنت ألاحظ دائماً الشبه الكبير بين اليمن وعُمان، وأعتبرها الدولة الأقرب لليمن في كل شيء وأتمنى زيارتها".

الشاب اللبناني محمد مراد، مهندس (32 عاماً) قدم إلى عمان في 2012، وأَسَرَته منذ اللحظة الأولى، وهذا ما جعله يفضل عمان للعيش، رغم أنه يصفها بأنها ليست الأفضل في سوق العمل، مقارنة بدول الخليج الأخرى.

يقول عن تصوراته المسبقة: "كانت معلوماتي محدودة جداً عن عُمان، كنت أعرف مضيق هُرمز، وأنها ضمن دول مجلس التعاون الخليجي، ومحاطة بسلسلة جبلية شاهقة. وقبل سفري بأيام، بدأت بتصفح الإنترنت والقراءة عن عُمان أكثر. لا أعلم لماذا ظلت بعيدة عن شاشاتنا وأحاديثنا، لكن فترة إقامتي في مسقط كانت اكتشافاً جديداً لهذا البلد ولثقافة شعبه".

"ربما أكثر ما لفت نظري نظافة البلد والنظام؛ لاحظت أن أغلب الشباب يفضلون الزي العماني التقليدي أكثر من الملابس العصرية، وأن الشعب العماني ليس شعباً منغلقاً على نفسه كما يحاول البعض تصويره؛ هو شعب متابع لكل ما يدور حوله، لكنه يحترم الآخر ولا يتدخل في شؤونه، وربما انعكست السياسة الخارجية العمانية على الشعب".

وينهي مراد حديثه لنا، قائلاً: "بعد سنتين غادرتها، وظلت كل الأماكن فيها تسكنني، فأجد روحي وقد تاهت مني، وعادت إلى شوارع مسقط وكورنيش مطرح".

رصيف 22