حجز شعراء مغاربة ومصريون وفلسطيني، مكانهم ضمن المجلد الثاني من الأنطولوجيا العالمية للشعر التي وسمت بعنوان “أصوات شعرية من العالَم”، والصادرة في المكسيك أواخر عام 2021 عن مؤسسة “بيركانا” وبدعم من “المنتدى الدولي للإبداع والإنسانية”.
الشعراء الذين وردت أسماؤهم ونصوصهم الشعرية مترجمة إلى اللغة الإنكليزية، هم عزيز منتصر وبوجمعة العوفي والمعتمد الخراز وجليلة الخليع وعماد العدراوي من المغرب، وأشرف أبو اليزيد ومحمد حسن إمام ورضا السيد دياب من مصر، ومنير مزيد من فلسطين.
وشكلت هذه الأصوات الشعرية العربية إضافة نوعية لجملة الأصوات العالمية التي تضمنتها الأنطولوجيا العالمية للشعر، والتي توزع ورقيا وإلكترونيا عبر أحد متاجر شركة “أمازون” العملاقة، وتشرف عليها الشاعرة، والكاتبة، والمعالجة النفسانية، وعالمة المصريات المكسيكية “مارلين باسيني”.
وعن دلالة حضور الأصوات المغربية والعربية في هذه الأنطولوجية العالمية للشعر، قال بوجمعة العوفي، أحد الأصوات الحاضرة ضمن المجلد الثاني، إن “حضور الأصوات الشعرية المغربية والعربية في الكثير من الأنطولوجيات العالمية للشعر، هو حديث عن مختلف الأدوار التي يمكن للشعر العربي والثقافة العربية أن تلعبها في تعزيز أشكال التواصل والحوار الحضاريَيْن مع الثقافات الكونية الأخرى أو مع العالَم بشكل عام”.
وأوضح العوفي في تصريحه لـ”القدس العربي”، أن “الشعر هو واحد من المكونات أو الأشكال التعبيرية الأساسية للثقافة العربية، كما أنه، بشكل أو بآخر، هو خطاب كوني تتقاطع رسائله وأشكاله التعبيرية والجمالية مع كل الخطابات الشعرية الكونية الأخرى”.
لذلك، يفيد الشاعر والناقد الفني المغربي، “يكون من الضروري أيضا الحديث، في هذا المقام، عن مفاهيم: (الاتصال عبر الثقافات) أو (الاتصال الثقافي بين الشعوب)، وما يمكن أن تقوم بإنجازه أو ترسيخه هذه الثقافة أو الشعر العربي من حوار وتفاعل وتلاقح مع ثقافات العالم وتجاربه الشعرية، ضمن ما أصبح يُعْرَف الآن بـ(حوار الثقافات)”.
وحسب العوفي، فإن “هذا الأفق الشاسع من التقاطعات وأشكال التمازج والتخصيب التي أصبحت التعبيرات الثقافية المَحلية والقُطْرية والقومية، بمختلف أشكالها، تعمل على تشييده، بمعايير ومقتضيات تَحْفَظ للثقافات المحلية في العالم العربي وغيره خصوصياتها، من جهة، ثم مشتركها اللغوي والعَقدي والتاريخي، من جهة ثانية. ثم جَعْلِ هذه الثقافة (ومن ضمنها الشعر) رافدا ومنبعا مُهِمّا لإغناء الثقافات الأخرى بالكثير من القيم التعبيرية والجمالية”.
بالنسبة للمتحدث، فإن حضور الشعر العربي في هذه الأنطولوجيا، يأتي “داخل منظور تفاعلي وتَبَادُلي لا يسعى إلى تذويب الثقافة العربية والتجربة الشعرية العربية وطمْس معالمها داخل ثقافة الآخر (الغرب)، والتي تعتبر ثقافة مهيمنة، تم تَسْيِيدُها بواسطة ترسانة ضخمة من الآليات والنُّظُم الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والمعلوماتية الحديثة (الثقافة الأوروبية والأمريكية على سبيل المثال لا الحصر)، بل الاعتراف بها ضمن تصور كوني، يتميز بالتعدد والاختلاف الثقافي لكل الشعوب، وبحقها في اقتسام تجربة العيش والتعبير على هذا الكوكب الذي أصبح “قرية صغيرة”، مع مراعاة كل الخصوصيات والعناصر الأصيلة لكل تجربة شعرية وثقافية محلية، والتي تُعتبر الحجر الأساس لفَرادتها وتَمَيزِها وهويتها الحقيقية في آخر المطاف”.
شبهة التذويب التي نفاها العوفي في تصريحه لـ”القدس العربي” مؤكدا على عامل التفاعل والحوار والإضافة النوعية، يليها سؤال عافية الشعر العربي وهل يدل هذا الحضور على أنه بخير، وحسب المتحدث، فإنه بالطبع، “يكون من الضروري الإشارة، هنا، إلى أن التجربة الشعرية العربية بشكل عام، والتجربة الشعرية المغربية كجزء مهم من هذه التجربة الكبرى، هي تجربة رائدة، راكمتْ في مُنجزِها الكثير من التجارب والأصوات الشعرية التي أصبحت، بفعل الترجمة إلى الكثير من اللغات، أصواتا وتجارب كونية بامتياز، ثم لأنها واحدة من أهم التجارب الشعرية العالمية وأغناها، لغة وتعبيرا وجمالية، حيث أن جذورها ومنابعها، كما العديد من أشكال تَحقّقها قد ترسخت في المنجز الثقافي والحضاري الكوني منذ عصور”.
العوفي لـ”القدس العربي”: التجربة الشعرية العربية رائدة
ويضيف بوجمعة العوفي، قائلا إن العبقرية العربية، عملت “عبر مسار تاريخي وزمني طويل، على تحقيق الكثير من التجليات والإنجازات الشعرية الجميلة التي كانت صورة مميزة لحياة العرب ونمط تفكيرهم وخيالهم في مختلف مجالات الحياة. بحيث اكتسبتْ التجربة الشعرية العربية والمغربية أبعادا حضارية أخرى، وتم إثراؤها بالعديد من المعاني والقيم السامية (لغة وعلما وبيانا)، وفُتِحتْ لها سبل الانتشار في مشارق الأرض ومغاربها، سواء من خلال إقبال العرب على نقل وترجمة علوم الأقدمين وفكرهم وآدابهم، أو العمل على ضخ الكثير من المعارف والعلوم والآداب في رحم الثقافة الغربية والثقافات الأخرى بشكل عام، قديمها وحديثها، كنوع من الاتصال أو التلاقح الثقافي”.
في كل مرة ترد علينا أنطولوجيا عالمية وتتضمن أسماء وأصواتا عربية نحتفي بها بشكل لافت وهو احتفاء مستحق، لكن هل يحتاج الشعر والشعراء في المغرب كما في الدول العربية اعترافا بإبداعيتهم من طرف الآخر، جواب العوفي على هذا السؤال كان بالإشارة إلى أن العرب يواجهون “اليوم الكثير من التحديات والمعضلات الكبرى، سواء ما تعلق بحضورهم الاستراتيجي (الاقتصادي والسياسي والعسكري) على المستوى العالمي، أو ما تعلق بحضورهم الثقافي في مجال كوني أصبحت العولمة بآلياتها وأسواقها الاقتصادية والإعلامية الضخمة تسيطر عليه بشكل كلي”.
مع ذلك، يستطرد المتحدث، “فإن العالَم يدرك حق الإدراك أهمية الثقافة العربية والتجربة الشعرية العربية على وجه الخصوص، بمختلف أشكال انتمائها إلى هذا القُطر أو ذاك، ويعرف الكثير من إنجازاتها القديمة والحديثة والمعاصرة كذلك، مما جعل هذا الغرب يفتح عينيه بشكل أوسع وأكبر على ثقافة العالمين العربي والإسلامي، ليس رغبة في فهم طريقة تفكيرهم فحسب، بل في محاولة منه لخلق رغبة في الحوار الثقافي والحضاري بشكل أساس”.