صدر حديثًا عن دار الفكر بدمشق كتاب “عالم أزرق” للكاتب علي بن جميل النعماني، الكتاب يقع في 77 صفحة من الحجم المتوسط، صمم الغلاف جاسم الزدجالي وسيطر عليه اللون الأزرق الذي يشير لاضطراب طيف التوحد وتوسطته جرار تشير إلى الغموض الذي ما زال يحيط بعالم التوحد، وزينت الكتاب رسومات بريشة رغد بنت علي الخالدي، يهدي النعماني الكتاب إلى أمِّه ويقول: كم كنت أتذكر تلك الصباحات التي تأتي برائحة خبز أمي الجميلة وكم كنا صغارا وبداخلنا قلوب تتسع لحب كبير زرعته أمي فينا.. إليك أمي أبعث زخات الدعاء، كما يهديه إلى كل مهتم بأطفال التوحد وذوي الإعاقة.
يقدم للكتاب الكاتب الصحفي عبدالحميد بن سليمان الطائي، ويصف مؤلف الكتاب بقوله: كمن رمى في بحر الصفاء الأزرق رسالة داخل زجاجة عن عالم متعدد الألوان نجهل تفسيره، هذه الزجاجة لم تصل بعد لشاطئ تعلم فيه البشرية معنى التوحد وأطيافه وألوانه.
الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات تتناول التوحد نشرها الكاتب في الصحف العمانية، بدأها بمقال عالم أزرق، يقول فيه: بلغ الطفل شهوره العشرة، لم نكن نلاحظ عليه شيئا مختلفا، حاله كحال الرضع الآخرين، بيد أن أمَّه كانت تلاحظ عليه أنه لا ينتبه إليها في بعض الأحيان حين تصدر صوتا أو تناديه أو حين تفرقع أصابعها أمامه، بلغ الطفل السنة والنصف ولم يكتسب اللغة، بل كان يخرج أصواتا وكأنها تمتمات خافتة لا يفهم منها شيء، بدأت تظهر على الطفل بعض الحركات كرفرفة اليدين والبكاء والصراخ دون سبب وانعزالية واضحة عن أقرانه وعائلته وعدم حبه للتواصل والتفاعل الاجتماعي.
في المقال التالي يتحدث الكاتب على لسان الأم… نظرت إلى المقعد الخلفي حيث الملاك الطاهر الذي ما فتئ يشاهد العالم الخارجي بوجه ملئ بالتساؤلات، يطبق شفتيه على زجاج النافذة ليتحسس برودتها، وانعكاس وجهه على الزجاج رسم لدي كل لحظات الفرح بمولده والاحتفال بقدومه بعد فترة طويلة من الانتظار.. كنت أمني النفس بأن يكون لنا طفل عادي، ولكن قدرة الله أعلى وأكبر منا.
ويتحدث الكاتب عن المعلومات المغلوطة عند الحديث عن التوحد يقول: التوحد اضطراب عصبي نمائي تطوري، وليس مرضا، كما أنه ليس اضطرابا أو مرضا نفسيا، بل اضطراب مختلف يحتاج منا جميعا التأمل في تفاصيله الدقيقة وذكرها بالشكل العلمي الرصين.
وفي مقال بعنوان “الطريق إلى المجهول” يقول: يقبل عليك بهندامه المرتب وابتسامته المرسومة على محياه، ووجهه النضر المكتسي بوسامة أخاذة، ومن الوهلة الأولى تظن أن هذا الطفل طبيعي جدا.. ولكن ما أن تقترب منه، حتى تشعر أن ثمة شيئا مختلفا يظهر على هذا الطفل الجميل.. يبدد هذه الحيرة رد والده الذي يمسك بيده ولا يفلتها أبدا.. بأن الطفل الذي يقف أمامك لديه اضطراب طيف التوحد.
يتناول الكاتب التحديات التي تواجه أسر التوحد بقوله: قبل سنوات مضت كنا نشعر بخيبات أمل فيما يخص إذكاء التوعية باضطراب طيف التوحد، حيث تلمسنا نقصا ملحوظا في عدم معرفة أطياف المجتمع بماهية هذا الاضطراب، وفهم جوانبه المختلفة والمتفرعة والغامضة في أغلب الأحوال، أما اليوم فهناك من العامة من يسهب في ذكر الخصائص المتعددة للأطفال المصابين به، يؤكد الكاتب على أهمية الكشف المبكر عن اضطراب طيف التوحد ويقول: لا ريب أن المختصين والمهتمين باضطرابات النمو والسلوك يلاحظون التنامي المقلق للأعداد المسجلة لذوي اضطراب طيف التوحد، وخصوصا في مرحلة الطفولة المبكرة، وهي الفترة التي يكتشف فيها عادة اضطراب التوحد.. ومن المعلوم أن الكشف المبكر للتوحد لا يتضح بالفحوصات الطبية التي تجرى عادة لاكتشاف بعض الأمراض، ولكن التشخيص العلمي له يتم بتطبيق المقاييس المحددة واستخدام أدوات تشخيصية معتمدة من قبل فريق متخصص يتضمن طبيب أطفال في النمو والسلوك ومعه أخصائيون من مختلف التخصصات المتعارف عليها، يتم خلالها مراقبة سلوك الطفل وسؤال الأهل عن السجل الطبي المعرفي والسلوكي للطفل.
وعن مطالب أسر التوحد يقول النعماني: إن أكثر ما تصبو إليه هذه الأسر هو وجود مراكز ذات مستوى عالٍ من الكفاءة وجودة الخدمات التي تقدمها، والتي يحتاج إليها طفل التوحد، مع ضرورة وجود الدمج التعليمي المتزامن مع التأهيل في بداية الأمر، ثم الدمج التعليمي الكلي والجزئي للحالات المستعدة له، وأثبتت الدراسات العديدة فاعلية الدمج بكافة أشكاله في تحسن حالة الطفل السلوكية والمعرفية والاجتماعية، والتغلب على الصفات الرئيسة للاضطراب؛ والمتمثلة في ضعف التفاعل الاجتماعي وصعوبة التواصل مع الآخرين، مع ضرورة عدم تهميش الأسرة والتواصل معهم ومراعاة أوضاع معيشتهم وتنظيم دورات رسمية يقدمها متخصصون ومهتمون بالتوحد، علاوة على التمكين الشامل في المجتمع والتوعية الدائمة المستمرة من قبل الجهات المعنية لجميع أفراد المجتمع من أجل تقبل الطفل بصفاته وخصائصه التي يتميز بها.
ولا ريب أن سعي الجهات الرسمية لمحاولة توفير كل ما يطمح له أب وأم يحدوهما الأمل إلى أن يريا طفلهما وقد تطور وتحسن بشكل يسعدهم ويبعث في نفوسهم الأمل المتجدد للانخراط بعزم وقوة في بناء هذا الوطن الغالي مهما كانت الظروف