تتحنط الكلمة.. تفقد الكلمة معناها وفعاليتها حين تفقد حريتها.. حين تتحول إلى شعار تردِّده الجوقة بإشارة من المايسترو!!
حرية الكلمة، حرية التعبير، حرية التفكير.. الحرية بكل معانيها وأبعادها؛ جوهر المشكلة.
تولد الكلمة حرة، لا تطيق القيود، ولا القوالب الجاهزة، فإن لم تستطع الإفلات من قيدها.. تموت.
والكلمة تعبير عن فكرة، والفكرة كائن حي؛ يتكاثر بالتعدد والتنوع والتزاوج. وبارقة الحقيقة مثل السحاب.. لا تنقدح إلا باحتكاك الأفكار وتصادمها.
والكلمة إبداع، والإبداع تجديد، والتجديد تجاوز للمألوف، وتجاوز المألوف مخالفة، والمخالفة تحدٍّ، والتحدي يستدعي الآخر، والآخر تعدد، والتعدد يثير التصادم، ومن التصادم ينبعث الرعد؛ صوتاً يخرق الصمت، ونوراً يضيء ظلام الطريق، ويبعث على الحركة، والحركة حياة، والحياة كلمة.
والكلمة إضافة إلى فكر الآباء.. والجيل الذي لا يقدم إضافـة إلى فكر الآباء جيل عاطل ، لن يأبه به التاريخ، وسيتخطاه إلى جيل أكثر فعالية.. تلك سنة الحياة التي نرى أروع صورة لها في مناجاة إبراهيم لأبيه:( يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيّاً) [ مريم 19/43].
إن على شبابنا أن يبحثوا عن سبل تقدمهم في الممنوعات ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ [ من أوضار] حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [ من أفكار]) [ الرعد13/11].
كل الأنبياء والمصلحين جاؤوا بالتغيير، وأُدرجت أفكارهم في قائمة الممنوعات، وصُكت الآذان عن سماعها، فصبروا، وتذرعوا بالحجج والبينات، فكانوا أئمة التغيير.
وعند ذلك ستعود للكلمة قداستها؛ نضنُّ بها أن تقع على الأرض.. ويعود للكلمة معناها وفعاليتها كالقَسَم؛ نتجنب الحنث به.. ويعود التزام الإنسان بكلمته أهم سمات الرجولة لديه.. وتكف الشعارات عن ممارسة دورها في إفقاد الكلمة قوتها وفعاليتها!!