تخطي إلى المحتوى
في عصر الإنترنت - أزمة إلكترونية للكتاب العربي...أين انطلاقة الكتاب العربي في مضامير الفضاءات الرقمية؟ في عصر الإنترنت - أزمة إلكترونية للكتاب العربي...أين انطلاقة الكتاب العربي في مضامير الفضاءات الرقمية؟ > في عصر الإنترنت - أزمة إلكترونية للكتاب العربي...أين انطلاقة الكتاب العربي في مضامير الفضاءات الرقمية؟

في عصر الإنترنت - أزمة إلكترونية للكتاب العربي...أين انطلاقة الكتاب العربي في مضامير الفضاءات الرقمية؟

هل ساهم العالَم الرقمي في ازدهار صناعة الكتب أم سهَّل قرصنتها قاضماً وقت القراء من خلال منصات التواصل؟ شبكة الإنترنت تتيح للكِتاب استثمارها لصالحه كما في الغرب، لكن عربياً لا يزال الوضع باعثاً على الحسرة، فهل يعود ذلك إلى الفقر؟ ملاحظات الصحفي إسماعيل عزام لموقع قنطرة.

رواقات كثيرة وكتب متنوعة وزوار بالآلاف. قد يبدو الوضع من خلال هذا المشهد المتكرر في عدد من معارض الكتب العربية ورديًا، وقد يقدم إشارات على أمة تقرأ، خصوصًا مع كثرة التدوينات التي تتحدث عن "غنائم" من المعارض، أي عندما ينشر قارئ ما عددا من المؤلفات التي اشتراها، بل يصل الأمر لحدّ مصادفتك للكثير من المنشورات عن كُتاب جدد أو قدامى، يحتفلون بإصدار جديد لهم، ويدعون أصدقاءهم لحضور حفل التوزيع، ولاحقا ينشرون صوراً ولو من زوايا غير موضوعية، عن إقبال قوي.

لكن بعيداً عن الصورة الموسمية لهذا الإقبال، وبعيدًا عن المعلومات المتضاربة فيما يتعلق بنسبة القراءة بين من يقول إنها كارثية، ومن يقول إن الأمر ليس بكل هذا السواد: هناك أزمة واضحة في الكتاب العربي، ظهرت منذ مدة، حتى قبل انتشار الهواتف الذكية بهذا القدر الحالي.

ففي دراسة تعود لعام 2014 لاتحاد الناشرين العرب يتبين أن الحد الأدنى لطباعة العناوين انتقل من ألف نسخة إلى مئتي نسخة، وعدد الكتب المنشورة سنويا في المنطقة لا تتجاوز 40 ألف، بينما في ألمانيا وصلت الأرقام إلى 73.8 ألف نسخة عام 2014، ورغم أن الرقم العربي وصل عام 2019 إلى 70 ألف (منها كذلك الكتب التي يعاد طبعها)، إلا أنه يبقى أقل بكثير من الرقم الأوروبي الذي بلغ في السنة ذاتها 605 ألف كتاب جديد.

كثيرون يتهمون الإنترنت بأنه سبب للعزوف، فتصفح منصات التواصل على الهواتف الذكية في عدد من دول المنطقة، كالمغرب ومصر والسعودية والإمارات، يتجاوز المعدل العالمي المحدد في 2:26 ساعة في عام 2021 بحسب دراسة لمنصة GWI، لكن استهلاك الإنترنت موجود في العالم ككل، وغزت مشاهد ركاب يتمسكون بهواتفهم، مشاهد قديمة كانت الكتب هي ما يستعمر الأيادي في أوقات التنقل.

تطور أو سيفوتك القطار!

"إشكال النشر في العالم العربي في حد ذاته، ورقيًا كان أم رقميًا، مطروح بقوة مند عقود، ومؤكد أنه ازداد استفحالًا مع التكنولوجيا التي تسببت في عزوف شديد عن القراءة، ما لم تتدخل عدة عوامل لتحقق نجاحا لهذا الكتاب أو ذاك" يقول عبد الواحد استيتو  الفائز بجائزة الإبداع الأدبي لمؤسّسة الفكر العربي عن رواية منشورة بالكامل عبر فيسبوك.

ويضيف لموقع قنطرة: "دور النشر العربية ليست في موقع يسمح لها بالتفكير نحو التقدم بخطوات أخرى. أي أنها، باختصار، مجبرة على مواصلة ما كانت تفعله بشكل تقليدي، على الأقل لتضمن عدم الخسارة، أما التفكير في "مغامرة" النشر الرقمي فيبقى غير وارد بحسب رأيي، خصوصا أن أرقام التجارة الإلكترونية في العالم العربي لا تشجع على الإطلاق".

لكن ليس كل دور النشر تفكر بشكل أساسي في الكتاب الورقي، إذ تؤكد منى الصراف من دار النشر EKUTUB أنهم ركزوا منذ البداية على النشر الرقمي. وتوضح لموقع قنطرة: "كانت قناعتنا، أن الكتاب الورقي أضحى مجرد كتاب 'احتفالي' لأنه محدود التوزيع، حتى ولو تمت طباعة آلاف النسخ منه التي تظل حبيسة الرفوف التي وضعت فيها، بينما الإلكتروني لا يعاني أيّ قيود على تداوله، وأجهزة قراءته صارت في كل يد، فضلا عن زهد تكاليفه، ما يجعله في نظرنا هو 'الأصل'".

ولا تخفف منى الصراف الأهمية التاريخية للكتاب الورقي، وتشدد أن الطباعة كانت وراء الثورة التي جاءت بجل ما نعرفه الآن من معارف وعلوم، لكن هذه الثورة "أخلت مكانها  الآن إلى الكتاب الإلكتروني" وفق قولها.

وحاول موقع قنطرة التواصل مع عدة دور نشر عربية وكذلك موزعين للكتب في أوروبا، إلّا أنها لم تتلقّ أي رد، بل هناك من وعد بإرسال الرد ثم تجاهل رسائل التذكير!

شبكة الإنترنت ليست عدوةً

ظهرت الأزمة بشكل جلي في فترة الجائحة عندما ألغيت جلّ المعارض، ما خلّف خسائر قدرت بمئة مليون دولار لسوق الكتاب العربي بحسب اتحاد الناشرين العرب، بسبب الاعتماد المفرط على المعارض لبيع الكتب.

بينما لم تكن الأزمة في ذلك الوقت بهذه الفداحة في الغرب، فوفق بيانات لاتحاد الناشرين وبائعي الكتب الألمان عانى السوق من أزمة خلال الأسابيع الأولى للجائحة، لكن الأمر عاد لسابق عهده في الأشهر اللاحقة رغم استمرار تأجيل المعارض، بل إن مبيعات عام 2021 كانت أفضل من عام 2019 بنسبة 0.8 بالمئة، ومن الأسباب: التجارة والكتب الإلكترونية.

كما تظهر شبكة الإنترنت كأداة تسويق فعالة للكتب. في أحدث نسخة من معرض الكتاب في الرباط، حلّ آلاف اليافعين المغاربة من أجل شراء روايات الفانتازيا للروائي السعودي أسامة المسلم. ومن الأسباب الرئيسية للإقبال، اعتماد صانع محتوى على هذه الروايات في قناته الخاصة على فيسبوك ويوتيوب، ثم دعوته متابعيه إلى حضور المعرض للحصول على توقيع الكاتب، فكانت النتيجة ازدحامًا شديدًا غير مسبوق في تاريخ هذا المعرض، ما أدى إلى إلغاء حفل التوقيع بسبب الأعداد الكبيرة.

كل المجالات تستخدم الإنترنت للترويج والكِتاب يجب ألاّ يكون استثناء. عدد من الكتاب الروائيين يستخدمون الإنترنت بقوة للترويج لأعمالهم، سواء عبر نشر مقاطع منها بالصوت والصورة، وهناك منهم من يستثمر لوحده في التسويق لحضورهم الرقمي لأجل بناء قاعدة من القراء خصوصا الجمهور الشاب.

في حين لا يزال الكثير منهم ينتظرون أن تجتهد دور النشر لتسويق كتبهم، لكن فاقد الشيء لا يعطيه، وعدد كبير من هذه الدور بدورها تستخدم الإنترنت بشكل تقليدي جدًا، وتعتمد على نشر أخبار الإصدارات بشكل عتيق للغاية، دون استخدام ما تتيحه منصات التواصل من إمكانيات.

حضور محتشم في الافتراضي

ومن المفارقات أنك تجد كتاباً عرباً ينتجون أعمالاً قيمة، لكنهم دون أيّ حضور في منصات التواصل الخاصة بالكتب، ومنها منصة غود ريدز ( goodreads)، أو أن حضورهم ضعيف جدا، بعدد متابعين محدود جدا، بينما قد يكون الكاتب في بلد أوروبي مغمورا أو بإنتاج محدود جدا، لكن لديه متابعين بالآلاف. وليس بالضرورة أن ينشئ الكاتب صفحة على هذه المنصات الرقمية، بل يمكن أن تقوم دور النشر بذلك (هناك كُتاب تُوفوا يملكون صفحات في هذه المنصات).

"لا تجيد دور النشر العربية التعامل مع منصات التواصل إلّا فيما ندر بسبب الفكر التقليدي. طبعا توجد مشكلة عدم توظيف متخصصين في التسويق الرقمي، وهنا نعود لمحدودية القدرة المادية لدى هذه الدور والتي تبقى محدودة جدا"، يؤكد عبد الواحد استيتو.

ويتابع: "منصات التواصل الاجتماعي خدمت الكتاب بشكل كبير جدا، وحققت انتشارا لعدد من الكتب التي ما كان ليسمع بها القارئ لولا هذه المنصات، وهو ما ظهر في تجربتي الشخصية، إذ إن كتابة رواية فيسبوكية تفاعلية منحني قاعدة قراء كبيرة".

ماذا عن القرصنة؟

وتصل الاتهامات للإنترنت كذلك إلى أنه أتاح المجال مفتوحاً أمام القرصنة، فقد دق ناشرون ناقوس الخطر عام 2023 ونشروا إعلانا سمي بإعلان بروكسل، ركزوا من خلاله على مشكلة القرصنة، وقالوا إنها "جريمة نهب خطيرة تصيب حركة النشر بأضرار قاتلة".

وتوجد عدد من المواقع العربية التي توفر الكتب مجاناً، بما فيها كتب مقرصنة، دون أيّ اعتبار للملكية الفكرية، ويتم التطبيع مع فكرة تحميل الكتب المقرصنة باعتبارها أمرا عاديا، حتى بين عدد من الكُتاب أنفسهم، وهناك من يعتقد بصدق أن سرقة كتاب ونشره على الإنترنت ليس سرقة بل صدقة جارية!

لكنْ هناك كثيرون يرون أن الإنترنت يمكنه أن يكون عاملًا مساعدًا على القراءة وليس بالضرورة عاملًا سلبيًا، خصوصًا إتاحة الكتب الرقمية بشكل قانوني عبر متاجر وتطبيقات إلكترونية متخصصة كما عليه الحال في الغرب، فالطبيعة لا تقبل الفراغ، وعدم اتجاه عدد من دور النشر العربية إلى إتاحة الكتاب إلكترونياً سيساهم في تعريضه للقرصنة والإتاحة المجانية.

وتؤكد منى الصراف أنه يمكن لترويج الكتاب الرقمي بشكل قانوني أن يجعله يصل إلى  قارئه دون أن يتحول إلى مشاع، إذ هناك طرق متعددة للحماية القانونية، لكنها تشير إلى جانب آخر قد يكون مساهمًا في انتشار القرصنة، وهو "افتقار الغالبية العظمى لوسائل الشراء الإلكترونية، مثل بطاقات الائتمان".

وتوضح: "عندما تكون البيئة العامة مأزومة، والسوق فقيرة، فإن ذلك لابد وأن ينعكس على مقدار الاستفادة من الوسائل الرقمية"، لكن مع ذلك فالأمل موجود، ومن ذلك فإن دار النشر التي تعمل فيها تطرح كتبا مجانية، بشكل محدود، مع ترويج كتب أخرى مدفوعة، بما يجذب القارئ إليها مع توفير الكتاب في أكثر من منصة للشراء.

المصدر: 
موقع " قنطرة"