تخطي إلى المحتوى
في غياب التخطيط ... من أرشيف الأستاذ محمد عدنان سالم ، رحمه الله. في غياب التخطيط ... من أرشيف الأستاذ محمد عدنان سالم ، رحمه الله. > في غياب التخطيط ... من أرشيف الأستاذ محمد عدنان سالم ، رحمه الله.

في غياب التخطيط ... من أرشيف الأستاذ محمد عدنان سالم ، رحمه الله.

حينما يغيب التخطيط عند إنسان، فرداً كان أو جماعة؛ يفقد هذا الإنسان فعاليته، ويفقد معها زمام المبادرة، ليمسكَ به المخطِّط، فيسخِّر كل طاقات الإنسان العشوائي (فاقد التخطيط) لصالحه؛ يختطف منه أفكاره الإيجابية المعطلة؛ يحيلها على مراكز الأبحاث لديه لتنميتها، وتحويلها إلى مشاريع عمل، تاركاً أصحابها يستمتعون ببلاغة خطبهم في المؤتمرات والندوات التي يعقدونها، والتوصيات التي يخرجون بها.. يودعونها في الأدراج، بانتظار مؤتمر جديد، يكررون فيه مشكلاتهم وحلولها المقترحة، بصيغ وتوصيات جديدة، دون أي خطة جديدة أو عزم على تطبيقها على أرض الواقع..

بهذه المرارة!! خرج مالك بن نبي من مؤتمر باندونغ عام 1955 الذي لمح فيه ضوءاً، يمكن أن ينعطف بالعالم الثالث (المحايد) إلى نطاق الفعالية والتأثير، فأصدر كتابه (فكرة الإفريقية الآسيوية)، الذي ضمنه كل الخطط التي تؤهله ليكون (حيادُه) إيجابياً، يؤدي به دوراً فاعلاً في حلبة السباق الحضاري الدولي..

لكن صدمته بعد انعقاد المؤتمر كانت في غاية القسوة، عندما اكتشف أن القارتين اللتين اجتمعتا في باندونغ، ليس لديهما حتى الآن نية إيجابية موحدة، سوى الخطب السياسية الرنانة، يترنمون ببلاغتها، لينصرف إلى الفكرة بلد صاعد، اتخذ له مكاناً وسطاً بين القارتين، وأقام لها كل ما يلزم لتنميتها وتطبيقهاـ وبسط نفوذه – عبرها-على كلا القارتين!!

وبالمرارة ذاتها، نجده يستنبط العبرة من الحدث، فيكتب – كأنه يخاطب جيلاً من الشباب سيأتي بعده-:

" لهذه الأسباب يلزمنا- في مجتمع يعيش في أسر القابلية للاستعمار- أن نتناول المشكلة من خلال معطيات خمسة:

1-كل محاولة اتحاد تقوم بها الشعوب المستعمَرة أو التي سبق استعمارها، تعد نقيضاً للاستعمار.

2-مراصد الاستعمار؛ ينبغي أن تظل يقظة للتعرف مسبقاً على أي محاولة اتحاد من هذا النوع، عبر شبكة معلومات فعالة، لا يغيب عنها أيما حدث.

3-نتائج كل محاولة اتحاد تقوم بها الشعوب المستعمَرة، يجب أن تأتي فوراً إلى المستعمِر؛ لتخضع للدراسة، والتخطيط لإبطال مفعولها، أو التقليل من فاعليتها.

4-كل اجتماع سياسي بين الشعوب المستعمَرة- كمؤتمر باندونغ- ينبغي العمل على ألا تأخذ الخطب الرسمية فيه موقفاً منسقاً متجانساً بين الخطباء، قد يؤدي إلى ترابط العناصر المتباينة التي تحملها الفكرة.

5-إن كل جهد تقوم به الشعوب المستعمَرة، يرمي في النهاية إلى تحمل مسؤولية نهضتها؛ يحظى بانتباه المراقبين، ويعتبر نوعاً من إعلان الحرب في حلبة صراع الأفكار.

فهل ستعمل على جعل آليات تنفيذ التوصيات ومتابعتها؛ أهم عنصر فيها؟! وأن يكون التقرير عنها أول بند في المؤتمر اللاحق؟!

لنخططْ لذلك الآن!!

المصدر: 
دار الفكر