هو التحدي الكبير الذي أخذته دار الفكر على عاتقها، بأن أمة اقرأ لابد أن تقرأ، فكان إعلانها لمسابقة القراءة والإبداع في العام 2015، بمشاركين بلغ عددهم 600 مشاركا، و11 مدرسة، لتحقق نجاحا لافتا في هذه المبادرة الفكرية التي تستقطب طلاب المدارس في مراحلهم جميعا وبالتشاركية مع وزارة التربية التي قدمت الدعم والتشجيع لاستمرارها وتبني الموهوبين ورعايتهم.
واليوم إذ تحتفل دار الفكر بدورتها الثامنة للعام 2022 وقد تجاوز عدد المشاركين 15000 مشاركا، من مدارس وجمعيات ومعاهد، بلغ عددها 150 مدرسة من دمشق وريفها، ومن بعض المحافظات، لتكرم المتفوقين والمميزين الذين حققوا المراتب الأولى وفق اللجان المتخصصة في فروع المسابقة التي تضمنت” الخط، القراءة، التأليف، التدقيق اللغوي، والمناظرات الشعرية، إضافة إلى تكريم الأسرة القارئة.
لغة حياة
وفي كلمته أوضح وزير التربية الدكتور دارم طباع دور مؤسس دار الفكر المرحوم محمد عدنان سالم الذي نذر حياته من أجل نشر ثقافة القراءة وجعل الكتاب والثقافة لغة حياة، واستطاع أن يترك إرثا لا يندثر، قوامه العلم والعمل، وهدفه الإنسان والحياة.
وبين بدوره أهمية الالتفات إلى كتب الأطفال، وتكريس الفعاليات التي تعزز القراءة ومحبة الكتاب ورفقته، وتعزيز المشاريع الثقافية التي تعد الوسيلة الوحيدة لإزالة الحواجز بين الناس وتعزيز مواطنة الفرد وتطوير مهارته الاجتماعية والفكرية وتسهم في بناء الحضارات.
وأعلن بدوره إطلاق دار الفكر بالشراكة مع وزارة التربية المسابقة الجديدة لدار الفكر للقراءة والإبداع في دورتها التاسعة فرعا جديدا هو” جائزة المدرسة القارئة” من خلال فرق للقراءة في المدارس بإشراف أحد كوادر المدرسة، وبحيث تفوز المدرسة التي يقرأ طلابها أكبر عدد من الصفحات بهذه الجائزة.
من أجل أجيال تقرأ
وتوقف حسن سالم المدير التنفيذي عند أهمية الكتاب، وأن على الأمم والشعوب أن تعي أن فوزها وعزتها هو بما تم تخزينه في العقول، وأن يرقى الكتاب إلى سلم الأولويات مع الطعام والشراب، وأن يكون غذاء العقل وزوادته، وأن هذا الجيل القارىء هو من تراهن عليه الأمة.
وعرضت عبير الزين المسؤولة عن المسابقة التي أصبح عمرها 9 سنوات، وقد بدأت في العالم 2015، تقول: عندما أعلنت دار الفكر في ذاك العام وكانت القذائف تتناثر في كل مكان، أردنا أن نخرج جيل هذه المرحلة من الخوف من الحرب وما تركته في نفوسهم من رعب وأزمات نفسية، وأن نعيدهم إلى الكتاب خير الجليس، ورغم أننا اتهمنا بالجنون في ذاك الوقت لهذه المبادرة، لكن إيماننا بأن ما نقوم به هو خطوة إيجابية، جعلنا نستمر، والنتائج واضحة من خلال هذا الحضور الكبير في دار الأوبرا للتكريم وإعلان الأوائل في كل فرع من فروع المسابقة.
وقد تجاوز عدد المشاركين 20 ألف مشاركا بالتعاون مع وزارة التربية، وكثيرون ممن شارك في دورات سابقة قد أصبحوا في الجامعات، ولكنهم مستمرون في التواصل مع دار الفكر وفاء منهم لجهودها التي قدمتها لهم.
ومن الفائزين هناك نوعين” أوائل وهم من حصل على أعلى علامات، والمميزون من فازوا بعلامات تجاوزت التسعين علامة” ونسعى دائما إلى دعمهم بالكتب ودورات التقوية وورشات الكتابة الإبداعية.
معايير منهجية
ومن اللجان تحدثت ميساء الدروبي عن المعايير التي تؤخذ من أجل مسابقة الخط، وكيفية اختيار الفائزين في هذا الفن العريق، وبينت أن النتائج كانت رائعة في الفئات العمرية كافة، ولكن شروط المسابقة تقتضي اختيار الأوائل في كل فن، ومن أجاد في التعبير عن لغته العربية بأنواع الخطوط كافة.
أما هدى ذو الغنى من لجنة التأليف والمناظرات الشعرية، فكانت تتحدث بإعجاب كبير عن مستوى المشاركات سواء في الحفظ للشعر القديم، أو في مستوى التأليف واللغة السليمة والخيال الواسع، وقالت: عندما نعمل على تأسيس الأطفال على الشعر واللغة السليمة، لابد أن يكون الحصاد وافرا وغنيا.
الطريق إلى غينيس
وكان التكريم الأبرز للشابة آية أمين الحلبي، التي تبلغ من العمر 22 عاما، وقد أبدعت في القراءة أولا ومن ثم في الكتابة، تقول:
حصلت على المركز الثالث في العالم بمسابقة تحدي القراءة، فقد قرأت كتبا بارتفاع عارضة كرة السلة 3,5، متر، إضافة إلى المركز الأول في مسابقة أخرى ابتدعتها بنفسي فقرأت كتبا” على طولي” 170 سم، وأقرأ الكتب في الاختصاصات كافة، وقد بدأت رحلتي مع الكتاب في الصف الثاني الثانوي وحصلت على مرتبة الشرف في الصف الثالث الثانوي.
وتطمح آية أن تكون سفيرة بلدها إلى العالم تنشر اللغة العربية، وترى في الكتب أنها مخلوقات حية تهذب النفس والروح وتفتح آفاقا على ثقافات العالم جميعه، لذلك هي صديقتها في كل الدروب.
وقد أعلن وزير التربية أنه سيسعى إلى تسجيلها في موسوعة غينيس للأرقام القياسية تكريم لها، بالإضافة إلى هدية” لتاب” سيقدم لها من وزارة التربية.
وعبر الفائزون عن فرحهم وامتنانهم لدار الفكر التي تقدم لهم الرعاية والدعم، وتشكل مرحلة ونقطة تحول في حياتهم، وخصوصا أن القراءة والإبداع عالم واسع لا ينتهي.
تخلل المهرجان فقرات فنية لأطفال عبروا من خلالها عن عراقة بلادهم، وخصوصا أن الكثير من العلماء والمفكرين كانوا من بلادنا، واستطاعوا أن ينشروا العلم في أصقاع البلاد.
كما شارك الشاب همام الأسعد بفقرات غنائية تحفيزية، تعبر عن أنه لا مستحيل مع العمل والمثابرة والإيمان بأن لغتنا هي هويتنا وهي رسالتنا إلى العام، تجمعنا وتوحدنا وترتقي بنا.
ولابد أن نشير وفي عجالة أن دار الفكر تأسست في العام 1957 بإدارة محمد عدنان سالم صاحب عدة مؤلفات في مجال النشر ومشكلات الناشرين والثقافة والمثقفين، وحصدت جائزة أفضل ناشر عربي من الهيئة العامة المصرية للكتاب عام 2003، وحصدت إصداراتها أربع جوائز من مؤسسة التقدم العلمي في الكويت عن كتابيها الجراحة التنظيرية وآفاق القرن الحادي والعشري، وكتاب هروبي إلى الحرية في مجال الترجمة، وعن كتابيها” موجز تاريخ الكون، والجينوم البشري وأخلاقياته”.