تخطي إلى المحتوى
قراءة في كتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" قراءة في كتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" > قراءة في كتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس"

قراءة في كتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس"

يُعد كتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" للدكتور ماجد عرسان الكيلاني والصادر عن دار الفكر بدمشق ، من الأعمال الفكرية المتميزة التي تتناول فترة تاريخية حاسمة في تاريخ الأمة الإسلامية، وهي الفترة التي سبقت ظهور القائد الفذ صلاح الدين الأيوبي ونجاحه في استعادة بيت المقدس. يبتعد الكيلاني في هذا الكتاب عن مجرد السرد التاريخي للأحداث، ليقدم لنا تحليلاً عميقًا وشاملاً للعوامل التربوية والفكرية والاجتماعية التي أسهمت في تشكيل الجيل الذي حمل لواء النهضة والتحرير.

الفكرة المحورية التي يدور حولها الكتاب هي أن استعادة القدس لم تكن معجزة عسكرية طارئة، بل كانت تتويجًا لنهضة شاملة استغرقت عقودًا من الزمن. يرى الكيلاني أن صلاح الدين لم يكن شخصًا منفردًا ظهر من فراغ، بل كان نتاجًا لجهود متراكمة من العلماء والمربين والساسة الذين عملوا بجد وإخلاص على إحياء الأمة وتنقيتها من مظاهر الضعف والتفكك والانحراف.

يستهل الكيلاني كتابه بتشخيص دقيق ومؤلم للأوضاع التي كانت تعيشها الأمة الإسلامية قبل تلك النهضة، من تشرذم سياسي، وضعف داخلي، وانتشار للبدع والخرافات، وابتعاد عن جوهر المنهج الإسلامي الصحيح. هذه الأزمة لم تكن قاصرة على جانب واحد، بل كانت شاملة تطال كافة مناحي الحياة. من هنا، ينطلق المؤلف ليبرز الدور المحوري الذي لعبه العلماء والمربون في تلك الحقبة، حيث لم يقتصر دورهم على الوعظ والإرشاد، بل كانوا قادة إصلاحيين حقيقيين. يسلط الضوء على شخصيات بارزة مثل نظام الملك، الذي أسس المدارس النظامية كصروح علمية وتربوية، والإمام أبو حامد الغزالي، الذي أحدث ثورة فكرية وروحية كبرى أعادت للأمة حيويتها ونقاء فكرها.

يوضح الكيلاني كيف أن هذه المؤسسات التربوية والجهود الفكرية عملت على صياغة منهج تربوي متكامل يهدف إلى بناء شخصية إسلامية متوازنة، تجمع بين عمق العلم الشرعي، والمهارات العملية، والشجاعة والإقدام، والوعي بالمسؤولية تجاه الأحدالامتة. كان هذا المنهج يركز على غرس القيم الإيمانية والأخلاقية الرفيعة، مع التأكيد على أهمية الجهاد والتضحية كسبيل للعزة والنصر.

نتيجة لهذا الجهد التربوي المتواصل والمتقن، بدأ جيل جديد في الظهور، جيل واعٍ، قوي الإيمان، مثقف، ومستعد للتضحية. لم يكن هذا الجيل مقتصرًا على القادة العسكريين فحسب، بل شمل الفقهاء، والأمراء، والساسة، والعامة، الذين تشربوا هذه الروح الجديدة. صلاح الدين الأيوبي، بكل ما يمثله من عبقرية قيادية وفذّة، كان هو التتويج الطبيعي لهذا الجهد المتراكم، ثمرة يانعة لجهد أجيال سبقته في البناء والتربية.

ويربط الكيلاني ببراعة بين استعادة القدس وكونها ليست مجرد انتصار عسكري، بل تعبيرًا صادقًا عن عودة الروح والهمة للأمة، واستعادة وحدتها وتماسكها بعد فترة من الضعف. فالقدس لم تُستعد بقوة السلاح وحده، بل بعودة قوة الإيمان والعمل الصالح والتراحم بين أبناء الأمة.

يتميز الكتاب بقوته في الربط المحكم بين التحليل التاريخي والعمق التربوي، مقدمًا رؤية فريدة لا توجد في كثير من كتب التاريخ. كما يعتمد الكيلاني على منهجية علمية دقيقة ومراجع موثوقة، مما يضفي على عمله مصداقية كبيرة. إنه كتاب ملهم ومحفز، يدعو القارئ إلى التفكير في أن النهضة الحقيقية للأمم تبدأ من بناء الإنسان وإصلاح النفوس وتربيتها على أسس سليمة.

باختصار، يُعد كتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" بمثابة خارطة طريق لكل من يبحث عن فهم عميق لأسباب النهضة والتراجع في تاريخ الأمم، ويقدم دروسًا قيمة يمكن الاستفادة منها في مواجهة التحديات المعاصرة، مؤكدًا أن التغيير الحقيقي يبدأ دائمًا من إعادة بناء الإنسان وتكوين أجيال واعية ومؤمنة.

رابط الكتاب على المتجر : 

المصدر: 
دار الفكر