قرية ريدو أو "قرية الكتب" الاسم الذي تشتهر به، قرية بلجيكية تقع في منطقة ليبين بالقرب من ليكسمبورغ، اشتهرت هذه القرية بمكتباتها المنتشرة في كل مكان فيها، توفر هذه القرية العديد من الكتب الجديدة والمستعملة، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب النادرة والتي لن تجدها إلا في قرية ريدو.
تاريخ القرية
يعود الفضل في شهرة قرية "ريدو" إلى بلدة السوق الويلزية هاي أون واي حيث حولها ريتشارد بوث في الستينيات إلى عاصمة عالمية للكتب المستعملة وجذب إليها العديد من بائعي الكتب الذين أسسوا العديد من المكتبات، هذه التجربة الناجحة جعل من شخص يدعى نويل أنسيلوت إلى وضع استراتيجية مماثلة لنقل تجربتها إلى قرية ريدو البلجيكية.
يبدأ تاريخ قرية ريدو مع الكتب في سنة 1984 عندما زرا القرية ما يقرب عن 15 ألف شخص وقاموا بإجراء دراسات حول بائعي الكتب والإصدارات القديمة والمستعملة التي تباع في الأكشاك والأرصفة وحتى الإسطبلات!! حيث قرر بائعو الكتب البقاء هناك، ثم سرعان ما تبعهم المختصون في الصناعات المرتبطة بالكتب، مثل المختصين في التجليد والتغليف وكذلك العاملون في الرسم التوضيحي، هذا ما جعل العائلات الشابة تصل إلى القرية للاستقرار فيها.
قرية ريدو تواجه "الاندثار"
أثرت جائحة كورونا على جل القطاعات في العالم ومن بينها قطاع الثقافة، حيث دفعت الإجراءات الاحترازية إلى إغلاق العديد من المكتبات بشكل كلي أو جزئي، وما زاد الأمر سوء أن المجتمع بدأ يتقلص داخل القرية مما أدى إلى إغلاق العديد من المكتبات حيث لم يتبق سوى 12 مكتبة من أصل 24 مكتبة متوزعة بين أرجاء القرية، هذا التقلص في عدد المكتبات يعود بالأساس (بالإضافة إلى الظروف الصعبة التي تلت الجائحة ) لمغادرة بعض عمال المكتبات الذين لم يعودوا قادرين على كسب قوت يومهم بسبب ضعف الإقبال خاصة من الشباب الذين لم يعودوا يقرأون كثيرا بسبب الإقبال على التكنولوجيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي. كل هذا جعل الأعمال التجارية للمكتبات هناك تواجه الصعوبات مما جعل هوية قرية ريدو في خطر. فهل تعود القرية إلى سابق عهدها؟
هذا هو التحدي الذي يجب أن تواجهه مدينة الكتاب الآن.
عمدة بلدة ليبين التي تقع فيها ريدو، آن لافوت، قالت "الحياة تتغير، لكن لا شيء يحتضر، و كل شيء يتطور".
القرية الأخيرة تكافح للبقاء"
ويقول بول براندلير، صاحب شركة "لا ليبراير أردينايز" الذي لديه مجلدات عمرها مئات السنين، "الزبائن آخذون في التقدم في السن بل يختفون".
بول براندلير يبلغ الآن من العمر 73 عامًا، وتوجد لافتة أمام متجره تستخدم للإعلان عن خدماته في البيع والشراء، لكن هذه اللافتة شُطبت لأنه لا يريد مزيدا من الكتب.
يقول براندلير "لدي 30 ألف كتاب، لكن عندما نرحل ستذهب هذه الكتب إلى القمامة. ليس لدينا أبناء ليتولوا الأمر من بعدنا، إنهم ليس لديهم اهتمام بهذا الشأن".
وقال بوب جوسينز "نحن مثل أستاريكس (شخصية خيالية فرنسية-بلجيكية)، القرية الأخيرة تقاتل الجميع"، مستشهدا بسلسلة الكتب الفرنسية المصورة عن قرية فرنسية صغيرة تقاوم الإمبراطورية الرومانية.
ويضيف "قد يكوّن الرومان شركات تكنولوجيا عالمية أو رواد أعمال في وادي السيليكون"، ويتابع الرجل البالغ من العمر 73 عامًا وهو يسحب أحد زبائنه بعيدا، فيقول "إن الإنترنت يحطم كل شيء".
وفي الوقت الحالي لدى جوسينز عدد قليل من العملاء بصرف النظر عن مجموعة أساسية من العملاء المنتظمين يأتون من أجل إصداراته النادرة.
وقد لاحظ أن أولئك الذين يتوقفون في المكان يميلون إلى التعامل مع المكان كأنه معرض للقطع الأثرية من عصر آخر أكثر من كونه متجرا لا يزال يعمل، وعلّق على ذلك بالقول "إنهم يأتون إلى هنا كأنهم ذاهبون إلى متحف".
ولا يتوقع جوسينز نهاية مثل قصص الكتب للمتاجر في قريته، ويقول "سنموت موتا طبيعيا".
المنظمة الدولية لمدن الكتب
و قرية ريدو من الأعضاء المؤسسين في المنظمة الدولية لمدن الكتب، وهي جزء من شبكة من المجتمعات المحلية ذات المواقع المتشابهة.
وقالت فان دوين التي كانت أول من يرأس مجلس إدارة المجموعة "إن مدن الكتب التي ما زالت مزدهرة موجودة في بريطانيا، بما فيها ويغتاون الأسكتلندية التي تستضيف مهرجانا أدبيا شهيرا".
وأضافت فان دوين "عندما تذهب إلى مدينة كتب في المملكة المتحدة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، تضطر أحيانا إلى الانتظار قبل أن تتمكن من الدفع. ولكن عندنا هنا، عندما يأتي شخص ما في نوفمبر/تشرين الثاني ويشتري كتابا، أكاد أقبّله".
وفي حين أن العودة إلى أيام المجد ربما تكون بعيدة المنال، فإن دوين تأمل أن تحتفظ ريدو بثقلها الفني، حتى لو كانت المكتبات لا تزال مستمرة في الاضمحلال. وقالت "ستبقى قرية متميزة، لأن السمعة لا تموت بسرعة كبيرة".
وأكد مارتن لوبمانز، أستاذ الجغرافيا في جامعة لوفين البلجيكية، أن هذه عملية طبيعية في دورة حياة القرية.
وأضاف أنه إذا كان لمجتمع مثل ريدو أن يبقى على قيد الحياة، فيجب على جيل جديد في نهاية المطاف أن يتولى المسؤولية وأن يحقق التوازن.
وأردف "إنني على ثقة بأنها ستظل جاذبة للسياح، ولكنها ستحتاج إلى إعادة ابتكار نفسها بقصة جديدة تكون أكثر جاذبية في وقتنا هذا".