فاقت تحضيرات كأس العالم لكرة القدم في قطر، في نسخته الثانية والعشرين، كل النسخ السابقة بذخاً وصرفاً، إذ صُرف المبلغ الأكبر، عبر مسيرة كأس العالم، والذي تجاوز 22 مليار دولار.كرة القدم هذه الساحرة المستديرة، كما سُمّيت، والتي تُعتبر الرياضة الأولى على مستوى العالَم، والتي تحوّلت من هواية، ورياضة إلى صناعة تُوظَّف فيها أموالٌ طائلة! هذه الكرة الساحرة اختلف في شأنها الكُتّاب والأدباء، فمن كارهٍ يحاول النيل منها، إلى مشجعٍ يذود عنها ببسالة.
توفيق الحكيم وكرة القدم
لا يُخفي توفيق الحكيم الكاتب المصري كرهه لكرة القدم، وما يأخذه اللاعبون من رواتب ومكافآت تصل إلى ملايين الجنيهات، ومن أبرز العبارات المنسوبة إليه، عندما قرأ أن بعض لاعبي كرة القدم، دون العشرين عاماً يقبضون ملايين الجنيهات، قال عبارته المشهورة: "انتهى عصر القلم، وبدأ عصر القدم، لقد أخذ هذا اللاعب في سنة واحدة ما لم يأخذه كل أدباء مصر من أيام إخناتون". ويقول الحكيم: "صحيح أن التلفزيون رفيق وحدتي، لكني أكره فيه مباريات كرة القدم، لأنها تحتل مساحة زمنية كبيرة، والأدهى من ذلك أنهم لا يكتفون بإذاعة مباريات الكرة في مصر، بل أيضاً المباريات العالمية، وكأن الأقمار الصناعية ما اختُرعتْ إلا لنقل هذه المباريات الكروية، من مختلف أنحاء الدنيا، والغريب أن التلفزيون يسيطر تماماً على انتباه المشاهد، وأبعد الناس عن القراءة، فهم يعيشون عصر الثقافة البصرية والسمعية، أما الكتاب فلم يعد أحد يهتم به. أتساءل هنا ما الذي يُغري هؤلاء الناس بالقراءة، وهم يرون لاعب كرة القدم يعيش حياة لا يعيشها أكبر كاتب، وتتدفق عليه الأموال لمجرد أنه أدخل الكرة في الجون".
خورخي لويس بورخيس كرة القدم والغباء
أما الكاتب الأرجنتيني بورخيس فيرى أن "كرة القدم منتشرة، لأن الغباء منتشر"، وكان يقول:" إن الوطنية تسمح باليقين والقطع، وكل عقيدة تنبذ الشك والنفي ما هي إلا فنتازيا أو غباء، والمنتخبات الوطنية تؤجج المشاعر الوطنية، وتخلق للحكومات معدومة الضمير فرصة أن تستغل لاعباً نجماً، فتجعل منه بوقاً لها، تنال من خلاله شيئاً من الشرعية". كان يرى أن كل لاعب نجم يساهم بطريقة ما في قرار سيئ سينفذه ديكتاتور مستغلاً هوس الناس بهذا النجم، فبرأيه كرة القدم تبث التعصب، وتغرسه في الأنفس.
وربما يعود رأي بورخيس إلى أنه عاصر فترة حكم الديكتاتور الأرجنتيني خوان بيرون، وبالتالي أثّرت كل سياساته فيه، ولم يكن هناك شيء يعبّر عن الأرجنتين وقتها بقدر كرة القدم، فبورخيس كان يكره الكرة، لأنها تكون مصحوبة بجماهيرية ضخمة يستغلها الزعماء في تنفيذ أقذر السياسات، على حد تعبيره.
جورج أورويل، كرة القدم ليست مجرد لعبة
الكاتب الإنكليزي جورج أورويل صاحب مزرعة الحيوان يرى أن كرة القدم ليست مجرد لعبة، ولكنها أعمق من ذلك، فهي طريقة لإعلان القتال بين الأمم المختلفة، ولكن في ساحة خضراء، وتحت وجود قاضٍ، كما قال: إنها الحرب، ولكن دون إطلاق نار. وكان يقول:" إن الرياضة على المستوى الدولي محاكاة صريحة للحرب، لكن سلوك اللاعبين ليس الأهم، بل موقف المشجعين، ومِن ورائهم الأمم التي تُجهد أعصابها حتى تتأجج غضباً، بسبب هذه المنافسات العبثية، وتؤمن بصدق، ولو لفترة قصيرة أن في الركض والقفز وركل الكرة، امتحان لوطنيتهم".
معروف الرصافي وكرة القدم
كتب الرصافي قصيدة في كرة القدم، وفيها يقول:
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم
كرة تراض بلعبها الأجسامُ
وقفوا لها متشمّرين فألقيت
فتعاورتها منهم الأقدامُ
يتراكضون وراءها في ساحة
للسوق معترك بها وصدامُ
وبرفس أرجلهم تساق وضربها
بالكفّ عند اللاعبين حرامُ
ولقد تُحلَق في الهواء وإن هوت
شرعوا الرؤوس فناطحتها الهامُ
تنحو الشمال بضربةٍ فيردّها
نحو الجنوب مُلاعب لطّامُ
وتمر واثبة على وجه الثرى
مراً كما تتواثب الآرامُ
إنّ الجسوم إذا تكون نشيطةً
تقوى بفضل نشاطها الأحلامُ
محمود درويش ومارادونا
كتب محمود درويش نصاً عن " مارادونا " وإعجابه به تحت عنوان "لن يجدوا دماً في عروقه، بل وقود الصواريخ "، وجاء في النص:
"ماذا فعلت بالساعة، ماذا صنعت بالمواعيد؟
ماذا نفعل، بعدما عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟
مع منْ سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلّق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟ وإلى منْ نأنس ونتحمّس، بعدما أدمناه شهراً تحوّلنا خلاله من مشاهدين إلى عشّاق؟
يذكر أن الشاعر محمود درويش كتب هذا النص، عقب عودة الأرجنتين إلى عرش كرة القدم عام 1986بفضل مارادونا، والذي أثار الجدل بسبب الهدف الذي أحرزه، حيث أدخل الكرة بيده، وقال حينها بأنها "يد الله".
ويرى درويش أن الفوز في البطولة تعويض معنوي للدولة الفائزة بقوله: "مارادونا يتقدم بالكرة، من حيث تراجعت السلطة، مارادونا يعيد الجزيرة التي استولت عليها بريطانيا إلى الأرجنتين".
الكاتب والباحث السوري فاروق مردم بك
من طريف ما يُنسب إلى الكاتب، والباحث السوري فاروق مردم بك أنه شجّع منتخب فرنسا ضد منتخب الأرجنتين، وقال ممازحاً ومشاكساً بعض أصدقائه من مشجعي الأرجنتين وميسي عام 2018بقوله:
قُلْ لمنْ ظَنَّ أنَّ ميسي النَجاءُ
كَفْكِفِ الدَمْعَ لا يُفيدُ البُكاءُ
وإذا ما أضْناكَ داؤكَ فاشْرَبْ
مَتّةً، قد يكونُ فيها الشِفاءُ!
نجيب محفوظ مُشجع الزمالك
الروائي المصري نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل كان يحب كرة القدم، ويشجع نادي الزمالك، يقول:" قد لا يصدق أحد أنني كنت في يوم من الأيام (كابتن في كرة القدم) واستمر عشقي لها حوالي عشر سنوات متصلة، فى أثناء دراستي بالمرحلتين الابتدائية والثانوية، ولم يأخذني منها سوى الأدب، ولو كنت داومت على ممارستها، فربما أصبحت من نجومها البارزين".
وأكد ذلك الناقد محمد بدوي، عندما قال: "كان نجيب محفوظ في مراهقته لاعب كرة قدم مشهوراً بالمراوغة والحيلة والسرعة، ثم قرر في لحظة ما أن يهب نفسه للكتابة، ليواصل اللعب بمهارة وخفة وحكمة أيضاً".
الكاتب المصري أنيس منصور
أما الكاتب المصري أنيس منصور، فيعبر عن حبه لكرة القدم ويقول:
"مسكين كل إنسان لا يحب كرة القدم، هذا اقتناعي أخيراً.. إنني أندم اليوم على كل السنوات التي مضت من دون أن أضيعها في الجلوس في الملاعب، أو في المدرجات، أصرخ وأصفق، وأهتف للكرة، تنطلق يميناً وشمالاً تهز الشبكة، أو تهز الخشبات الثلاث .
أمبرتو إيكو لا يكره كرة القدم، بل المدمنين عليها
يقول المفكر الإيطالي أمبرتو إيكو: "ليست لديَّ ضغينة ضد كرة القدم، أما الأسباب التي تدفعني إلى عدم الذهاب إلى الملاعب، فهي ذات الأسباب التي تجعلني لا أقدم على النوم في دهاليز محطة القطار بميلانو، ويحدث أحياناً أن أتابع باهتمام ولذة مجريات مباراة رائعة على شاشة التلفزيون، لأنني أقدر، وأحترم سحر هذه اللعبة النبيلة، إنني لا أكره كرة القدم، بل أكره المدمنين عليها".
ويضيف إيكو: "إذا كانت الرياضة (الممارسة) هي الصحة، مثلها في ذلك مثل الأكل، فإن الرياضة المرئية هي أسطرة الصحة، إذ حين أتفرج على الآخرين، وهم يمارسون الرياضة، فأنا لا أقوم بعمل صحي، تغمرني فقط متعة تنبعث من معاينتي لصحة الآخرين الجيدة، وهو نوع من التلصص المشين، مثل ذلك الذي نقوم به حين نتفرج على الآخرين، وهم يمارسون الجنس".
ألبير كامو حارس مرمى فريق جزائري
سُئل الفيلسوف والكاتِب الفرنسي ألبير كامو: أي شيء أحبّ إليك، كرة القدم، أم المسرح؟ ردّ كامو: "كرة القدم، دون تردُّد".
ألبير كامو كان يحرس مرمى فريق كرة القدم بجامعة الجزائر، وكان يلعب كحارس مرمى منذ طفولته، لأنّه المكان الذي يكون فيه اهتراء الحذاء أقل، فكامو ابن الأسرة الفقيرة لم يكن قادراً على ممارسة ترف الركض في الملعب، وكل ليلة كانت الجدة تتفحص نعل حذائه، وتضربه إذا ما وجدته مهترئاً.
غابرييل غارسيا ماركيز
وكذلك كان غابرييل غارسيا ماركيز رائد الواقعية السحرية المعاصرة، فقد روت بعض المصادر أن كرة قوية ارتطمت ببطنه، وكادت أن تمزق أمعاءه، وهذا ما جعله يترك لعبة كرة القدم، وحراسة المرمى في ضاحية "أراكاتاكا" الكولومبية، ويغيّر مسار حياته من الرياضة إلى الأدب.
الكاتب البرازيلي باولو كويلو
عُرف عن كويلو متابعته لمباريات كرة القدم، ودوره في دعم ملف استضافة بلاده لمونديال كأس العالم 2014، إلا أنه عاد وانتقد تنظيم البطولة على الأراضي البرازيلية، حيث قال: "كنت في الوفد الرسمي، عندما اختيرت البرازيل، لكنني الآن مصاب بخيبة أمل كبيرة، من كل شيء حدث من وقتها حتى الآن، مبالغ مالية كبيرة جداً صُرفت على الملاعب، في بلد يحتاج لكل شيء، من المستشفيات إلى المدارس، إلى وسائل النقل".
إدواردو غاليانو
كرة القدم، كما يقول الكاتب الأورغوياني غاليانو: "هي مرآة للعالم، وهي تقدم ألف حكاية وحكاية مهمة، فيها المجد والاستغلال والحب والبؤس، وفيها يتبدّى الصراع بين الحرية والخوف، وهي رهن بقوانين السوق".
ويتابع قوله:
"إنهم يلعبون اليوم من أجل الربح، أو لمنع الخصم من الربح، وهذا هو الأسوأ، ولكن يظهر على الدوام بين اللاعبين أناس يجعلون الوهم ممكناً".
ويقول ساخراً في مقدمة كتابه الممتع "كرة القدم.. في الشمس والظل":
الكاتب أشرف عبد الشافي في كتابه "المثقفون وكرة القدم"
عبد الشافي رصد في كتابه مواقف بعض الأدباء والمثقفين من كرة القدم، وأبرزه أن الكلام عن كراهية المثقفين لكرة القدم وتعاليهم أكذوبة، حتى وإن شارك بعضهم توفيق الحكيم رأيه، في أن لاعبي كرة القدم عقولهم في أرجلهم، وأورد نماذج لأدباء كثيرين عبّروا عن حبهم لكرة القدم، هذه اللعبة الشعبية الأولى التي قال عنها جان بول سارتر: "في كرة القدم كل شيء معقّد، ما دام هناك خصم، كرة القدم مجاز يعبّر عن الحياة كلها".