تخطي إلى المحتوى
كونان دويل في مصر والسودان يخوض الحروب ويداوي زوجته ويرافق تحريه الشهير ... سباق نحو وادي النيل بين أغاثا كريستي وصاحب شرلوك هولمز والبادي أظلم كونان دويل في مصر والسودان يخوض الحروب ويداوي زوجته ويرافق تحريه الشهير ... سباق نحو وادي النيل بين أغاثا كريستي وصاحب شرلوك هولمز والبادي أظلم > كونان دويل في مصر والسودان يخوض الحروب ويداوي زوجته ويرافق تحريه الشهير ... سباق نحو وادي النيل بين أغاثا كريستي وصاحب شرلوك هولمز والبادي أظلم

كونان دويل في مصر والسودان يخوض الحروب ويداوي زوجته ويرافق تحريه الشهير ... سباق نحو وادي النيل بين أغاثا كريستي وصاحب شرلوك هولمز والبادي أظلم

بالإضافة طبعاً إلى كون آرثر كونان دويل ومواطنته الكاتبة أغاثا كريستي ، التي تعتبر وريثة شرعية له، بل خليفته التي تمكنت إلى حد ما من إزاحته عن عرش الرواية البوليسية طبعاً، يتشارك مبتكرو شرلوك هولمز وهيركيول بوارو في العديد من الأمور الأخرى لعل في مقدمها إلى ما ذكرنا، كونهما من أبناء نهايات العصر الفيكتوري وعلى الأقل في انتمائهما إلى فكر لا يرى ضرراً في وجود الاحتلال الاستعماري في بلدان لا تريده شعوبها، دويل، على رغم جذوره الإيرلندية والإنجليزية والفرنسية، من منطلق سياسي تحمله أرستقراطية إنجليزية يدهشها كيف أن "الشعوب المتخلفة" لا تزال عاجزة عن فهم كلمة استعمار، بكونها، لغوياً، متحدرة من فعل "يعمر" أي يبني أسس الحضارة، وكريستي من منطلق أقل تسيساً لا يخفي "شفقة" إنسانية، طيبة النية على "شعوب جئنا لنقلها إلى الحضارة فأبت ذلك". طبعاً لم يكن الكاتبان ساذجين، لكن ذلك كان منطقاً سائداً في زمنهما. وكان من السائد أيضاً أن يهيم أبناء تلك الطبقات البريطانية المرفهة بمصر بشكل خاص. مصر التي كان غالباً ما يزورها دويل إما لمداواة زوجته الأولى إذ أصيبت بالسل وباتت بحاجة إلى عناية خاصة وفّرها مناخ مصر، ومرة لتمضية شهر العسل مع زوجته الثانية، ولكن في مرات أخرى للمشاركة في الحروب الكولونيالية، أو في مرات للبحث عن أماكن يموضع فيها تحقيقات بطله الأشهر شرلوك هولمز ومغامراته، وهي، إضافة إلى أن غايتها من زيارة مصر غالباً ما تتعلق بالتنقيب عن الآثار كمهنة لها، عرفت مرة كيف تستفيد من أجواء مصر والنيل لتكتب واحدة من أجمل رواياتها "جريمة على ضفاف النيل" التي حولها كينيث براناه قبل عامين إلى فيلم بديع.

علاقة أكثر تنوعاً

والحقيقة أن ما يهمنا أكثر هنا هو السير آرثر كونان دويل بالنظر إلى أن علاقته بمصر كانت أكثر تنوعاً وأكثر إشكالية أيضاً، بل تنضوي ضمن تجوالات له أفريقية بصورة عامة وتتضمن مواقف لا شك أن في إمكاننا وصفها بالإشكالية. ولعل في مقدورنا هنا أن نعود إلى عام 1895 لنقابل فيه دويل للمرة الأولى نازلاً من سفينة حملته من برنديزي الإيطالية إلى ذلك "البلد الأفريقي الأوروبي الجميل" بحسب وصفه، وفي رفقته زوجته لويز المصابة بالسل. ولقد كانت إقامتهما حينها في فندق مينا هاوس المجاور تماماً لأهرامات الجيزة الأشهر حيث من اليوم التالي لوصولهما سارع دويل لتسلق سفح الهرم الأكبر في وقت انتهزت لويز ولوت شقيقة السيد طراوة المناخ المعتدل للتنزه، وهو نفس ما سوف تفعله أغاثا كريستي في المناطق نفسها وفي صحبة أمها بعد دزينة من السنوات. والجدير ذكره أن كونان دويل الذي اعتاد في ذلك الحين نشر انطباعات له عن رحلته المصرية الأولى في صحيفة "ذا سبيكر" اللندنية، لم يتوان في سياق تحقيقه الأول عن التأكيد بأن "الاستعمار شيء مفيد جداً للمصريين" وبالتالي نراه يطالب بالإبقاء على قوات الاحتلال الإنجليزية بصورة دائمة في هذا البلد! وكانت تلك القوات قد دخلت مصر قبل ثلاثة أعوام على رغم مقاومة عنيفة ضدها أبداها المصريون ممثلين بقوات الجنرال أحمد عرابي.

داخل الحكايات

والحقيقة أن إشارات من ذلك النوع والعيار نفسه ستتوالى لاحقاً في كتابات عدة لدويل حتى في روايات تحتويها وكأنها عفو الخاطر. ومن ذلك مثلاً ما يرد في ما يرويه شرلوك هولمز لصديقه واطسون قائلاً له خلال إحدى جلساتهما في رواية "البيت الأخضر" "وبعد ذلك اجتزت فارس وزرت مكة المكرمة وتناقشت حول شؤون أكثر أهمية مع خليفة الخرطوم الذي سرعان ما اكتشفت أن تصريحاته قد نقلت فوراً إلى مكاتب وزارة الخارجية البريطانية". والخرطوم التي يذكرها دويل هنا على لسان هولمز والواقعة عند ملتقى النيل الأزرق بالنيل الأبيض، دائماً ما كانت في ذلك الحين تعتبر مخفراً أمامياً للقوات البريطانية راسمة سياساتها في تلك المنطقة من العالم انطلاقاً من أوضاعها. ولكن لنعد هنا إلى أدب دويل ولو في انحراف جزئي عن "همومه السياسية" لنتساءل عما إذا كان إلهام ما قد واتاه في مصر فحوله أدباً؟ أجل بالتأكيد وعلى الأقل مرتين لا مرة واحدة.

مناصرة لنابليون

ففي المرة الأولى في ما كان يقيم في فندق مينا هاوس، انشغل كونان دويل بكتابة الجزء الأساسي من روايته التاريخية المتحدثة عن ضابط فرنسي حارب بكل فخر في جيوش نابليون، والتي سينشر جزأها الأول عام 1896 بعنوان "إنجازات البريغادييه جيرار" في وقت سينشر الجزء الثاني بعنوان "مغامرات البريغادييه جيرار" بعد ذلك بسبعة أعوام، والاثنتان نشرتا في مجلة "ستراند" الني نشر فيها دويل القسم الأكبر من مغامرات شرلوك هولمز. لا بد من أن نشير في سياق هذه الرواية ذات الجزأين إلى أن ما يبدو فيها واضحاً أكثر من أي أمر آخر، هو ذلك الشغف والتقدير اللذان كان دويل يحملهما للإمبراطور الفرنسي وتطلعاته الاستشراقية وهما شغف واحترام يظلان نادرين لدى الإنجليز بالطبع. بيد أنهما يؤكدان من ناحية مواربة أن دويل كان من أنصار الاستعمار ليس تحديداً من موقع شوفيني إنجليزي بل من موقع مبدئي يتعلق بنقل الحضارات "إلى من هم في حاجة إليها" بحسب تعبيره. وفي هذا السياق نفسه لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن دويل قد ثنّى على مواقفه المناصرة لنابليون ولكن على خشبة المسرح هذه المرة إذ كتب للمثل الشهير صديقه هنري إيرفينغ مسرحية عنوانها "حكاية عن واترلو" لقيت نجاحاً وسجالات على الخشبات اللندنية في ذلك الحين.

ارثة على النيل!

أما المرة الثانية التي كتب فيها آرثر كونان دويل أدباً يتعلق بشأن مصري وهو في زيارة لمصر، فكانت بعد ذلك ولمناسبة جولة بالمركب على نهر النيل. وحتى لو أن المركب كان تابعاً لشركة "كوك" الأسطورية التي كانت مشهورة بالأمان المطلق الذي يوعد به السياح في جولاتهم النهرية أو البحرية، لم يفت كونان دويل أن يلاحظ خلال رحلته هشاشة الوضع الصحي والأمني للركاب ولا سيما السياح منهم، فهو على أية حال لم يكن شديد الاهتمام بأوضاع السكان المحليين مثله في ذلك مثل السلطات المحلية والسلطات الاستعمارية، ومن هنا نراه يتخيل في رواية قصيرة عنونها "مأساة كوروسكو" وضعاً مأساوياً أرعبه تفكيره فيه ذات لحظة. ويدور موضوع الرواية من حول مجموعة من سياح أجانب متنوعي الجنسيات والأعراق يحدث لهم خلال رحلة نيلية ينطلقون فيها من القاهرة جنوباً على طول النهر، يحدث لهم أن تهاجمهم مجموعة مسلحة من دراويش إسلاميين تحاول أن تسحبهم إلى الخرطوم كي تبيعهم هناك كعبيد. وبالطبع سيؤدي تدخل قوات الاحتلال إلى إنقاذهم وإفشال خطة الدراويش. ونعرف أن هذه الحكاية سرعان ما تحولت حينها إلى مسرحية قدمت كالعادة على خشبات لندنية مثيرة الرعب ما اضطر الصحافة إلى التذكير بأن "المسرحية تتحدث أيضاً عن كيف تمكنت قوات الأمن وبسرعة قياسية من إنقاذ الأبرياء".

لفتة لإنقاذ ما يمكن

والحقيقة أن هذه اللفتة البارعة من الصحافة اللندنية كانت بالغة الأهمية وذلك لسبب في منتهى البساطة يتعلق بالمزاج الإنجليزي العام في تلك الحقبة. فمصر، كبلد بات يتضح أكثر وأكثر مدى تبعيته السياسية والأمنية، أي العسكرية بالتالي، للإمبراطورية البريطانية، كان يعتبر الخيار السياحي الأول بالنسبة إلى الطبقة المخملية من الإنجليز. وهو أمر نجده في حوارات تدور بين أبناء تلك الطبقات ومن ذلك مثلاً الحوار الذي يتم تبادله في رواية "مغامرة ويستيريا لودج" حيث لدينا المسز واربرلي التي ستتاح لها أمامنا، وللمرة الأولى في حياتها، فرصة القيام برحلة إلى الخارج. فإذا بها تختار من دون تردد أن تكون رحلتها الأولى تلك إلى مصر ووادي النيل! فهل يتصور القارئ أن يكون هذا الاختيار البديهي اختيارَها لو كانت شاهدت "مأساة كوروسكو" أو قرأتها؟

المصدر: 
اندبندنت عربية