تخطي إلى المحتوى
كيف تحوّلت الإعلانات المدفوعة إلى وسيلة لتبرير جرائم إسرائيل؟ كيف تحوّلت الإعلانات المدفوعة إلى وسيلة لتبرير جرائم إسرائيل؟ > كيف تحوّلت الإعلانات المدفوعة إلى وسيلة لتبرير جرائم إسرائيل؟

كيف تحوّلت الإعلانات المدفوعة إلى وسيلة لتبرير جرائم إسرائيل؟

منذ بدء حربها الوحشية على قطاع غزة، عمدت إسرائيل إلى فتح جبهة افتراضية موازية على مواقع التواصل الاجتماعي، سلّحتها بحملات وإعلانات مدفوعة الأجر تهدف إلى تلميع صورتها والتغطية على دمويتها وجرائمها الفادحة ضد الفلسطينيين، وبالتالي وضع كل اعتداءاتها اللاإنسانية في خانة "الدفاع المشروع عن النفس".

 استشعرت جهات إسرائيلية رسمية الخطر الناجم عن انتشار التغطيات والصور والفيديوهات التي تفضح ارتكاباتها ضد الأطفال والشيوخ والمدنيين العزّل، وصولاً إلى المستشفيات والأطقم الطبية والمساجد والكنائس الغزّيّة. منشورات موثقة بالدم باتت تُغرق الحسابات والمواقع الإلكترونية، وأثبتت قدرتها على نشر الحقائق في وجه الرسالة الإسرائيلية الكاذبة المتداولة منذ عقود.

 ومع كل محاولات التصدي والقمع، تمكن ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي العرب من إيصال صورة واضحة للعالم عن مدى الإجرام الإسرائيلي، وهو ما استدعى تحركاً أوروبياً وإسرائيلياً لمنعهم من نشر محتوى داعم للفلسطينيين، تمثل أولاً في توجيه رسائل شديدة اللهجة، لا سيما إلى تطبيقي "تيك توك" و"تلغرام" لمراقبة المحتوى وفرض ضوابط على النشر، فضلاً عن إغلاق حسابات نشطة تساند غزة.

اليوم، المزيد من أبناء المجتمعات الأميركية والأوروبية الذين لطالما تعاطفوا مع إسرائيل ووقعوا في فخ التضليل الإعلامي الذي مارسته كبريات وسائل الإعلام الغربية لمصلحة تل أبيب، باتوا يرون بأم العين لحظة بلحظة الفظائع الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين.

 وإزاء تضييق الخناق على كل من يساند الحق الفلسطيني، تستغل إسرائيل استغلالاً مستميتاً كل وسيلة ممكنة على منصات التواصل الاجتماعي لاستمالة تعاطف المجتمعات الغربية.
 

 حملة تضليل إسرائيلية

 

خلال الأيام الماضية، تم تداول صورة لطفل ميت ملطخ بالدماء على منصة X، ترافقها العبارة التالية: "هذه أصعب صورة قمنا بنشرها على الإطلاق. نحن نرتجف بينما نكتب هذه الرسالة".

ليتبين بعد ذلك أن هذه اللقطة لم تنشر من قبل أحد المراسلين الذين يغطون الحرب على غزة، أو من أحد الحسابات التي لا تعد ولا تحصى التي تشارك مقاطع فيديو مروعة عن الفظائع التي ترتكب يومياً. لا بل إنها رسالة مدفوعة الأجر من وزارة الخارجية الإسرائيلية!

 منذ أن هاجمت قطاع غزة، بدأت الحكومة الإسرائيلية حملة واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما في الدول الغربية الكبرى، لحشد الدعم لقادتها وتبرير ما وصفته بـ"ردها العسكري ضد حماس". يقوم جزء من استراتيجيتها على نشر عشرات الإعلانات المدفوعة التي تحتوي على صور دموية وعاطفية عبر منصات مثل X ويوتيوب، والزعم بأن حركة "حماس" هي التي تقوم بالعنف المسلح ضد إسرائيل.

وكانت تقارير قد كشفت قيام إسرائيل بدفع مبالغ ماليّة للعديد من المؤثرين والناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي بغية نشر مضمون يبرئ إسرائيل ويمنحها الحق الكامل في استكمال حربها على غزة تحت ذريعة "اجتثاث الإرهاب" و"الانتقام لضحاياها".

لا شك بأن محاولة إسرائيل الفوز في حرب المعلومات عبر الإنترنت، هي جزء من اتجاه متزايد للتحرك بقوة عبر الإنترنت من أجل تشكيل صورتها، خاصة في أوقات الأزمات.

وتأتي جهود الحكومة الإسرائيلية في الوقت الذي تضخ فيه المجتمعات العربية مجموعة كبيرة من المنشورات والصور والفيديوهات عبر منصات مثل X وتيلغرام وتيك توك وإنستغرام، لحشد الدعم لأبناء قطاع غزة والضغط على الحكومات حول العالم للتحرك من أجل وقف العدوان الوحشي واحترام القانون الإنساني.

وفيما تخشى إسرائيل من تداعيات هذه المنشورات على صورتها التي حاولت ترسيخها غرباً على أنها الضحية المفترضة، ترى في تصعيد حملاتها الإلكترونية الحل الوحيد.

 منذ ما يزيد عن أسبوع، عرضت وزارة الخارجية الإسرائيلية 30 إعلاناً تمت مشاهدتها أكثر من 4 ملايين مرة على X، وفقاً لبيانات المنصة.

وكانت مقاطع الفيديو والصور المدفوعة التي بدأت بالظهور في 12 تشرين الأول (أكتوبر)، تستهدف البالغين الذين تزيد أعمارهم عن 25 عاماً في بروكسل وباريس وميونيخ ولاهاي، وفقاً للبيانات نفسها.

 

صورت الإعلانات حركة "حماس" على أنها "جماعة إرهابية شريرة"، على غرار تنظيم الدولة الإسلامية، مع نص متناوب بين "داعش" و"حماس"، يحتوي على صور مزعجة تتسارع تدريجاً حتى يتم دمج الاسمين في اسم واحد. مع عبارة تقول: "لقد هزم العالم داعش. والعالم سيهزم حماس".

 كذلك، على موقع يوتيوب، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أكثر من 75 إعلاناً مختلفاً، بما في ذلك بعض الإعلانات المصورة خاصة. وقد تم توجيهها إلى المشاهدين في الدول الغربية، بما في ذلك فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

في أحد الإعلانات، يتم تشغيل تهويدة مع خلفية قوس قزح، ويطير وحيد القرن عبر الشاشة. يقول الإعلان: "نحن نعلم أن طفلك لا يستطيع قراءة هذا"، لكن الإعلان يناشد الآباء التعاطف مع أولئك الذين قُتل أطفالهم أثناء الهجوم على إسرائيل. وكان واضحاً أن هذا الإعلان أتى بعد كشف زيف المزاعم الإسرائيلية بأن حماس قطعت رأس 40 طفلاً.

 كذلك، استهدفت إسرائيل أوروبا إلى حد كبير من خلال خطابها لكسب الدعم. وتم توجيه ما يقرب من 50 إعلان فيديو باللغة الإنكليزية إلى دول الاتحاد الأوروبي، بينما تم دفع 10 و13 إعلاناً للمشاهدين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على التوالي.
 

لكن هذه الحملة الإعلانية شكلت بعض التحديات أمام شركات التواصل الاجتماعي، التي وضعت معايير لنوع المحتوى الذي يمكن نشره على مجموعات البث الخاصة بها.

 على سبيل المثال، أزالت شركة غوغل نحو 30 إعلاناً تحتوي على صور عنيفة من مكتبتها العامة. وقالت الشركة إنها لا تسمح بالإعلانات التي تحتوي على لغة عنيفة، أو صور مروعة أو صور بيانية أو روايات عن صدمة جسدية. لكن منصات أخرى لم تقم بالمثل، وسمحت للجهات الإسرائيلية بالاستمرار في النشر بينما حظرت حسابات عربية.
 وبموجب قانون الخدمات الرقمية، يتعين على الشركات إزالة المحتوى غير القانوني بسرعة، بما في ذلك الحد من انتشار الأكاذيب وإلا ستواجه غرامات شاملة تصل إلى 6 في المئة من إيراداتها السنوية العالمية. لكن يبدو أن معاييرها لا تنطبق بصرامة على إسرائيل بقدر ما تطبق على المنشورات التي تصدر عن جهات داعمة للفلسطينيين.
 وقد قوبلت بعض الإعلانات عبر الإنترنت بالمعارضة من قبل المشاهدين الذين سعوا إلى إيجاد طرق لوقف استهدافهم من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية.
 

وبينما تصعد إسرائيل حربها على الإنترنت، أدت الغارات الجوية التي شنها جيشها المحتل إلى تدمير البنية التحتية للاتصالات في غزة، ما ترك الملايين أمام احتمال انقطاع كامل للشبكة، وبالتالي تغييبهم عن أي وجود إلكتروني فعال في مواجهة البروباغندا الإسرائيلية.

المصدر: 
النهار العربي