تخطي إلى المحتوى
كيف جعل «هاري بوتر» كاتبته ج. ك. رولينغ أغنى كاتبة في العالم كيف جعل «هاري بوتر» كاتبته ج. ك. رولينغ أغنى كاتبة في العالم > كيف جعل «هاري بوتر» كاتبته ج. ك. رولينغ أغنى كاتبة في العالم

كيف جعل «هاري بوتر» كاتبته ج. ك. رولينغ أغنى كاتبة في العالم

في عام 1997، كشفت الكاتبة البريطانية ج. ك. رولينغ للعالم عن ساحرٍ شاب يُدعى «هاري بوتر» وهي لا تدري أنّ سحره سيسري في الأفق البعيد ليأسر قلوب ملايين القُرّاء في أنحاء الدنيا لسنوات طويلة. بإصدارها سلسلة مؤلفة من سبعة روايات مثيرة تدور أحداثها في عالم عجيب، لم تحقق رولينغ نجاحا باهرا وشعبية عظيمة فحسب، بل أيضا ثراء تعدّى كلّ الحدود، بحصولها على ثروة صافية تجاوزت 1.1 مليار دولار! فيا ترى ما سرّ نجاح سلسلة «هاري بوتر» وتحولها اليوم إلى ظاهرة عالمية فريدة من نوعها، تخطف أنظار الجماهير في كل الأقطار، وتخلب لبّ القُرّاء من كل الأعمار؟ يدعونا سؤالنا هذا إلى التحليق في عالم بوتر السحري الذي خلقته ج. ك. رولينغ بدقة وروعة وإبداع.

سرد مشوق

اللافت للانتباه في كتابات البريطانية ج. ك. رولينغ مهارتها الفنية وقدرتها الاستثنائية في السرد. فقد استطاعت بفضل خيالها وموهبتها بناء عالم مشوق جذاب مشحون بالعناصر السحرية العجيبة والشخصيات المثيرة والأساطير المشوِّقة. وقد أثبتت الكاتبة من خلال هذه السلسلة قدرتها الفائقة على نسج عناصر القصة المعقدة بشكل محكم، وإثارة الخيال وجذب الاهتمام وتحفيز القراء على متابعة أحداث القصة والتطلع إلى الحلقات المقبلة من السلسلة، وهو ما ساهم بشكل كبير في تألق هذا العمل. من خلال سلسلة هاري بوتر، يُنقل القارئ إلى عالمٍ عجيب يزخر بالمواقع الساحرة والمخلوقات الغريبة والأعمال السحرية المذهلة. اللافت للانتباه احتواء القصة على عناصر متعددة وتفاصيل دقيقة أضفت رونقاً وسحراً على هذا الكون المدهش. كما ساهمت الشخصيات المدرجة في القصة إلى حد كبير في جذب اهتمام القارئ ونجاح السلسلة. فقد أتاحت سلسلة «هاري بوتر – الممتدة عبر حقبة طويلة – للقُرّاء فرصة الحياة جنبا إلى جنب رفقة مجموعة من الشخصيات المحبوبة مثل هاري وهيرميون ورون ودمبلدور وفولديمورت ومشاهدتها وهي تنمو وتمضي في مشوار حياتها، مواجهة شتى التحديات والعقبات. باختيارها شخصيات مميزة ومتطورة، استطاعت ج. ك. رولينغ أن تؤثر في القارئ وأن تبعث فيه روح التأمل والتساؤل وحب الاستطلاع وأن تعزز فيه روح التفاعل مع مجريات الأحداث والتعاطف مع الشخصيات المحبوبة، وهو ما ساعد على إيصال رسائل القصة وتحقيق أهدافها المنشودة.

ثيمات عالمية
وإن كانت أحداث سلسلة «هاري بوتر» تدور في عالم سحري من نسج الخيال إلاَّ أنها تتراكب مع حياتنا بشكل وثيق من خلال ثيمات عالمية لها صدى في قلوب الجماهير من شتى الأعمار والخلفيات. تشمل هذه الثيمات الصداقة والمحبة والشجاعة والصراع الأبدي بين الخير والشر. تساهم هذه الثيمات في جذب اهتمام القراء وتعزيز تجربتهم الاستمتاعية والتفاعلية مع محتوى القصة. إذ تثير التحدياتُ والصراعات التي يواجهها أبطال الرواية في مسار حياتِهم اهتمام القراء، وتلامس معاناتُهم قلوبَهم، وتلهم انتصاراتُهم نفوسَهم. فروابط الصداقة والولاء التي تتشكل داخل هذا العالم الخيالي تُعدُّ تجسيدا لأواصر الصداقة الحقيقية في عالمنا، على منوال الصلة الوثيقة التي تجمع هاري وهيرميوني، ورون. جدير بالذكر أنّ ثيمات الحب والوفاء والتضحية ليست عابرة، إذ نراها تتردد في كل أجزاء السلسلة. نلمس ذلك على سبيل المثال في تضحية ليلي بوتر في سبيل ابنها، وتضحية دمبلدور للصالح العام. نجاح الكاتبة البريطانية في استخدام ثيمات عالمية بارزة بشكل محكم أضفى على السلسلة مزيدا من العمق والتماسك والاستمرارية، وجعلها أكثر جاذبية ومتعة وإلهاما للقراء، وعزَّز فعاليتها، وهو ما ساهم في نجاحها.

الهروب من الواقع

من أبرز العوامل المساهمة في زيادة شعبية السلسلة قدرتها على خلق مفرّ من الواقع. إذ أنها تتيح للقارئ فرصة الهروب من الحياة الواقعية والروتينية، وما يحمله الواقع من إجهاد ومتاعب ومشاغل وهموم. فتحلّق به عاليا في دنيا الخيال، نحو عالم غريب مليء بالسَّحَرة والتعويذات وأماكن سحرية مثل هوجورتس ومنزل العائلة بوتر. فينصهر في هذا الكون البديع ويحيا فيه رفقة البطل هاري وبقية الأبطال، يشعر فيه كما لو أنه جزء منه. يتجسد الهروب من الواقع في استخدام «المفكرة» هذا الجسم السحري الذي يسمح للسحرة بإعادة عيش ذكرياتهم. يرحلون من خلاله إلى الماضي ليعيشوا مجددا لحظات بارزة في حياتهم بكل إثارة ومتعة. تتيح «المفكرة» لأبطال القصة والقُرّاء معا فرصة الانفصال عن الحاضر والانغماس في الماضي والغوص في عالم هاري بوتر الممتع. فتنسيهم نشوة السفر هذه ظروفهم الحالية ولو لبرهة من الزمن.

تعتبر سلسلة هاري بوتر تحفة أدبية استثنائية، لمست قلوب ملايين البشر في كل أنحاء الدنيا بفضل أسلوبية السرد الأدبي الممتعة والثيمات العالمية المؤثرة والشخصيات المميزة. والسلسلة مفرّ من الحياة الواقعية الروتينية نحو عوالم مختلفة تسبح في فضاء السحر والخيال، وهو ما ينشده القارئ الظَمِئ إلى المغامرات في عالم سحري.

التجارب والعواطف الحقيقية

على الرغم من أن عالم هاري بوتر خيالي، يسري فيه السحر، وتتردد فيه التعاويذ، وتجول في أرجائه الوحوش الخيالية، إلاّ أن السلسلة تتناول أيضًا مشاكل وقضايا مرتبطة بالحياة الواقعية. فمن المواضيع والمفاهيم التي تلقي عليها الرواياتُ الضوء قضايا اجتماعية مثل سوء المعاملة والعنصرية. نلمس ذلك في المضايقات التي يتعرّض لها البطل هاري بسبب انتمائه إلى عائلة ساحرة. وتتناول السلسلة أيضا قضية المعاناة النفسية، حيث تصوّر الروايات بشكل واقعي العديد من الصراعات الشخصية التي يمر بها هاري، مثل فقدان الأحبة والبحث عن الهوية الحقيقية. تتجلى مظاهر المعاناة المرتبطة بواقعنا أيضا من خلال ظروف الحياة العائلية الشاقة والصعوبات المالية التي يواجهها هاري قبل التحاقه بمدرسة هوجورتس. كان آنذاك يعيش في خزانة تحت الدرج وكان يعاني من الإهمال وسوء المعاملة من عمه وعمته. تلقى هذه القضايا صدى واسعا لدى القُرّاء لارتباطها الوثيق بحياتهم وتجاربهم وعواطفهم. ويستفيد القراء أيضا من تجارب هاري. فعلى الرغم من قساوة الحياة، يستطيع هاري المقاومة والبقاء، مستمدا دعما وقوة وإرادة من أصدقائه المخلصين أمثال رون وهيرميون، فضلا عن الدعم الثابت من عائلته. تُذكِّر هذه التجارب القراء بأنه حتى في أتعس لحظات الحياة، يستطيع المرء المقاومة والبقاء، مستمدا طاقته وقوته من سند الأهل والأحبة الذي لا يتزعزع.

الأكثر شعبية وانتشارا

حققت روايات «هاري بوتر» نجاحا باهرا. فقد تخطت عالم الصفحات لتحط في عالم السينما، محققة مزيدا من الشعبية والانتشار، إذ تم تحويل المؤلفات إلى سلسلة أفلام تتألف من ثمانية أفلام رئيسية بدءا من فيلم «هاري بوتر وحجر الفيلسوف» الذي صدر عام 2001، حتى فيلم «هاري بوتر ومقدسات الموت – الجزء الثاني» الذي صدر عام 2011. وقد امتدت مواقع التصوير لتشمل عدة دول، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا. وقد حققت الأفلام شعبية كبيرة ونجاحا تجاريا هائلاً، وصار لها قاعدة جماهيرية واسعة في أنحاء الدنيا. فضلا عن الأفلام، عُرضت مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» التي تم تأليفها بتعاونِ ج. ك. رولينغ وجون تيفاني، وجاك ثورن، فكانت حدثا كبيرا في عالم المسرح. عُرضت المسرحية لأول مرة في لندن في عام 2016، وحققت نجاحا كبيرا بمجرد إطلاقها. ومن خلال الإنتاج، تمّ استخدام تقنيات مسرحية مبتكرة لإحضار عالم هاري بوتر وتجسيده على خشبة المسرح، مع استخدام الأضواء الملونة والمؤثرات الصوتية والتقنيات البصرية لتصميم مشاهد سحرية مثيرة. وبعد النجاح العظيم الذي حققته في لندن، تم عرض المسرحية في عدة بلدان حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وأستراليا وألمانيا. وقد عرفت المسرحية إقبالا كبيرا من الجماهير في جميع هذه البلدان، وهو دليل آخر على نجاح السلسلة وتألقها العالمي.

تحفة أدبية عالمية

تعتبر سلسلة هاري بوتر تحفة أدبية استثنائية، لمست قلوب ملايين البشر في كل أنحاء الدنيا بفضل أسلوبية السرد الأدبي الممتعة والثيمات العالمية المؤثرة والشخصيات المميزة. والسلسلة مفرّ من الحياة الواقعية الروتينية نحو عوالم مختلفة تسبح في فضاء السحر والخيال، وهو ما ينشده القارئ الظَمِئ إلى المغامرات في عالم سحري. وفي هذا العالم السحري المختلف عن عالمنا، أحسنت الكاتبة استخدام ثيمات هامة مثل الصداقة والمحبة والشجاعة واكتشاف الذات وغيرها من الثيمات التي لها القدرة على تحريك عواطف القارئ وإثارة تأمله وتفاعله. وقد ساهم تحول الروايات إلى أعمال سينمائية في نجاح السلسلة، حيث أضفى على الروايات صورة مرئية ملموسة للسحرة والقلعة والمخلوقات السحرية التي يزخر بها عالم هاري بوتر، وهو ما زادها شعبية وانتشارا في أنحاء الدنيا.
سلسلة هاري بوتر التي فتنت الجماهير في كل أرجاء العالم لسنوات طويلة وما زال مفعولها ساريا في الأفق، أفضل نموذج للنجاح العالمي. فبفضل هذه السلسلة الساحرة، استطاعت الكاتبة البريطانية ج. ك. رولينغ أن تحقق نجاحا باهرا وشهرة عالمية. وذهبت أبعد من ذلك بكثير لتصبح أغنى كاتبة في العالم بثروة صافية تعدت سقف مليار دولار.

المصدر: 
القدس العربي